أسرة آل سعيد العلمية
التاريخ : 13 / 5 / 2016        عدد المشاهدات : 1397

بلغت النهضة العلمية والأدبية في الحلة أوج عظمتها لقرون خلت، فكانت في ذلك العهد من أرقى المدن الإسلامية، وكانت مدرستها في ذلك العهد أكبر جامعة إسلامية، فقد صار فيها لبضائع الأدب سوق، وأضحت ميداناً لكل ذي فضل سبوق، لما نبغ فيها من العلماء والحكماء والأدباء الذين ذاع صيتهم مدى الآفاق، ويعود السبب إلى الأسرالحلية الميَالة إلى العلم والسبَاقة اليه فدفعت بأبنائها إلى تلك المدرسة الجامعة ومن تلك الأسر، أسرة آل سعيد.

     أسرة ذات علم وفضل ونبل وأدب وأخلاق فاضلة وسجايا كريمة، حازت من الشرف والسؤدد والنفوذ الروحي، وقد جعلت نفسها وقفاً على التأليف والتدريس لإذكاء نورالمعرفة بين أبناء قومهم، فزخرت بحار معارفهم وأشرقت شموس علومهم وفاضت ينابيع أدبهم، وهي أسرة عربية ترجع بانتسابها إلى هذيل، حازت من العلم والمفاخر حتى اصبحت من أكثر الأسر الحلية التي عرفت بفضلها وشرفها, ذلك لقوة نفوذها لما امتلكته من منزلة مرموقة، وقد برز من هذه الأسرة علماء منهم :

مرقد العلامة المحقق

       نجيب الدين أبو زكريا يحيى بن الحسن بن سعيد الهذلي: كان من الفقهاء الأجلاء المشهورين، وعالماً محققاً من نوابغ عصره, ويعرف بيحيى الأكبر, وكان من أعيان القرن السادس الهجري, يقول العلامة السيد محسن الأمين بشأنه: عالم فاضل, محدث ثقة صدوق, من أكابر فقهاء عصره, وهو الذي نقل عنه الشهيد في (شرح الإرشاد) في مبحث قضاء الصلاة الفائتة القول بالتوسعة، وقد ذكره الشهيد الثاني في إجازته، فأطرى عليه فقال: وبالإسناد عن الشيخ جمال الدين جميع مرويات الشيخ السعيد العلامة المغفور له ورئيس المذهب في زمانه نجيب الدين أبي زكريا يحيى  بن الحسن بن سعيد صاحب الجامع، يروي عن عربي بن مسافر العبادي، ويروي عنه ولده الحسن وحفيده المحقق، وقد تتلمذ عليه جماعة من الفضلاء منهم محمد الأعرج العلوي الحسيني، وله عدة مصنفات أشهرها كتاب الجامع، وكان عالماً محققاً على حد قول الشيخ الحر العاملي،  بل (كان من اكابر الفقهاء في عصره) كما صرح به الميرزا عبد الله الأفندي، يقول الشيخ يوسف كركوش: أنه يوجد في الحلة في محلة الطاق قبر يعرف بقبر يحيى بن سعيد، فهل هذا القبر له أو لحفيده ؟ فأنه يعرف بنفس الإسم والكنية واللقب .

 الحسن بن سعيد: كان من الفضلاء المبرزين، يروي عنه ولده المحقق وغيره من العلماء، وكان الشيخ حسن من كبار علماء عصره في الحلة، فاضلاً، أديباً وفقيهاً زاهداً ومن وجهاء المدينة وكبار أهلها، فقد وصفه الشيخ الحر العاملي: بأنه  عالم، فقيه، فاضل،  وقال عنه ايضاً:  كان فاضلاً عظيم الشأن يروي عنه ولده، روى صاحب لؤلؤة البحرين: أن ولده المحقق كتب إليه بهذه الأبيات:

ليهنك إني كل يوم إلى العلا                أقدّم رجلا لا تزل بها النعلُ

وغير بعيد أن تراني مقدما          على الناس حتى قيل ليس له مثل

تطاوعني بكر المعاني وعونها           وتنقاد لي حتى كأني لها بعل

ويشهد لي بالفضل كل مبرّزٍ             ولا فضل إلا ولي فوقه فضلُ

فكتب إليه أبوه : لئن أحسنت في شعرك فلقد أسأت في حق نفسك، أما علمت أن الشعر صناعة مَن خَلَعَ الفقه، ولبسَ الخرقة ...قال المحقق فوقفت عند ذلك حتى كأني لم أقرع له باباً ولم أرفع له حجاباً .

      نجم الدين أبو القاسم جعفر بن الحسن بن يحيى بن سعيد المحقق الحلي:

 كان عالماً بالفقه وأصوله، وقد بلغ فيهما مبلغاً لم يدانه فيهما أحد في عصره، نشأ المحقق الحلّي وترعرع في مدينة الحلّة في ظل ظروف سياسية عصيبة؛ إذ كانت الدولة العباسية في حالة ضعف واضطراب في الوقت الذي يحاول  المغول الإيلخانيون اجتياح العالم الإسلامي, وفي هذه الظروف اكتسب المحقق الحلّي علومه من أعلام المدرسة الحلية, فقد حضر دروس أكابر أساتذة الحوزة العلمية في مدينة الحلّة منهم: السيد الفقيه محي الدين بن زهرة بن أخ السيد ابن زهرة الكبير صاحب كتاب الغنية، والشيخ محمد أبي البركات بن إبراهيم الضعاني، ووالده الشيخ أحمد عن جده يحيى الأكبر، والشيخ ابن نما الحلي، وغير هؤلاء، وما لبث بعد مدة حتى أضحى أستاذاً في مختلف المجالات والتخصصات العلمية, وسرعان ما نال إجازة الإجتهاد في الفقه والأصول, إذ تولى المرجعية العامة للشيعة بعد رحيل أستاذه نجيب الدين محمد بن نما عام (٦٤٥هـ)، وأصبحت الحلّة في عهده مركزاً دينياً كبيراً فبنيت فيها المدارس, وقصدها طلاب العلم, حتى كان مجلس المحقق الحلّي يضم أكثر من أربعمئة مجتهد, وهذا لم يتفق لأحدٍ قبله، حتى لقب (بالمحقق) على الإطلاق.

     يقول القلقشندي في (نهاية الأرب): إن لقب المحقق يراد به الذي يأتي بالأشياء على بقائها، لحدّة ذهنه, وقال فيه صاحب لؤلؤة البحرين : كان محقق الفضلاء ومدقق العلماء حاله في الفضل والنبالة والعلم والفقه والجلالة والفصاحة والشعر والأدب والإنشاء أشهر من أن يذكر، وأظهر من أن يسطر، وقال فيه العلامة الحلي وهو ابن أخت المحقق:  كان أفضل أهل عصره. وقد علّق على هذه العبارة الشيخ حسن بن الشهيد الثاني، فقال : لو ترك التقييد بأهل زمانه كان أصوب إذ لا أرى في فقهائنا مثله، وبلغ الذروة في ذلك حتى وصفه الشهيد في ذلك: رئيس المذهب في زمانه, وقد ذكره في شرحه عن الإرشاد في عداد الفقهاء المتأخرين القائمين بالتوسعة في قضاء الصلوات الفائتة عند تعرضه للمسألة الخلافية المعروفة وهي مسألة المواسعة والمضايقة التي وصلت فيها الأقوال إلى سبعة، حتى قيل فيه:

ليس في الناس فقيه                                     مثل يحيى بن سعيد

صنّف الجامع فقهاً                                       قد حوى كل شريد

    وقال القاضي التستري عنه : "الشيخ الفاضل يحيى بن أحمد بن يحيى بن سعيد الهذلي الحلي مجيب نداء: (يا يحيى خذ الكتاب بقوة) والمقتبس من مشكاة الولاية والنبوة من أعاظم مجتهدي الشيعة"، وقال حجة التاريخ المتتبع الخبير عبد الله الأفندي في كتابه القيم (رياض العلماء): "كان (قدس سره) مجمعاً على فضله وعلمه بين الشيعة وعظماء أهل السنة أيضاً".

     لقد ترك شيخنا المحقق ثروة علمية بين أبناء أمته إلى اليوم نذكر منها ما يلي: (الجامع للشرائع) وهو أشهر مؤلفاته وآثاره على الأطلاق، وهو دورة فقهية شبه الرسائل العملية في زماننا اليوم، طبع مرات عديدة بمجلد واحد، و(نزهة الناظر في الجمع بين الاشباه والنظاير)، وقد وصفه صاحب الروضات بأنه: "كتاب لطيف في الفقه" مطبوع، و(المدخل في أصول الفقه)، و(قضاء الفوائت) نسبه إليه الشهيد في (غاية المراد)، و(الفحص والبيان عن أسرار القرآن).

      وقد روى عنه جماعة وتتلمذ عليه آخرون منهم: السيد عبد الكريم بن طاووس المتوفى سنة (693هـ) أجازه في ذي القعدة سنة (686هـ)، والعلامة الحلي المتوفى سنة (726هـ)، وولده صفي الدين محمد بن يحيى بن سعيد الحلي، والشيخ جلال الدين أبو محمد الحسن بن نما الحلي، والسيد شمس الدين محمد بن أبي المعالي.

   توفي (رحمة الله عليه) في سنة (690 هـ)، وجاء في روضات الجنات : (اجتمع لجنازته خلق كثير، ...وأن الشائع عند الخاص والعام أن مرقده الشريف بالحلة المحروسة وهو مزار معروف وعليه قبة وله خدام يتوارثون أبا عن جد ).

ومن شعره في الموعظة الحسنة :

ياراقداً والمنايا غير راقـــــــــــــــدة             وغافلاً وسهام الموت ترميــــــــه

فيم اغترارك والأيام مرصـــــــــــدة             والدهر قد ملأ الأسماع داعيـــــه

أما أرتك الليالي قبح دخلتـــــــــــــها             وغدرها بالذي كانت تصافيــــــه

رفقا بنفسك يامغرور إن لــــــــــــها              يوما تشيب النواصي من دواهيه

مرقد العلامة نجيب الدين يحيى بن سعيد

 الشيخ نجيب الدين يحيى بن أحمد بن يحيى بن الحسن بن سعيد: قال فيه الحسن بن داود الرجالي الحلي في كتابه الرجال: العلامة الورع القدوة، كان جامعاً للفنون الأدبية والفقهية والأصولية، كان أورع الفضلاء وأزهدهم، له تصانيف جامعة للفوائد منها: كتاب (الجامع للشرائع في الفقه)، وكتاب (المدخل في أصول الفقه)، و(نزهة الناظر في الجمع بين الأشباه والنظائر) .

    صفي الدين محمد بن يحيى بن أحمد بن يحيى بن الحسن بن سعيد: كان شيخاً فاضلاً من أعاظم مشايخ الإجازات، وهو من مشايخ السيد تاج الدين بن معية، والشيخ رضي الدين علي بن أحمد المزيدي والشيخ علي بن طراد المطاربادي .

  ولا يقتصر علماء هذه الأسرة وفقهاؤها على من ذكرنا، وإنما ذكرت بعض كتب التراجم غيرهم فقد قال الميرزا الزنوزي (وللشيخ أبي القاسم المحقق المذكور أسلاف وأقارب عظام كلهم علماء اتقياء)، وهذا غيض من فيض رجالات هذه الأسرة الحلية العلمية الكريمة التي لها باع طويل في ميادين المعرفة والعلوم والآداب.


مركز تراث الحلة


اتصل بنا
يمكنكم الاتصال بنا عن طريق الاتصال على هواتف القسم
+964     7602326873
+964     7721457394
أو عن طريق ارسال رسالة عبر البريد الالكتروني
media@mk.iq
info@mk.iq

تطبيق المعارف الاسلامية والانسانية :
يمكنكم ارسال رساله عن طريق ملء النموذج التالي :
اتصل بنا

او مواقع التواصل الاجتماعي التالية :