تاريخ كربلاء
الأسواق التراثيّة والتجاريّة في مَدينة كربَلاء

تُعدّ الأسواق القديمة في مدينة كربلاء المقدّسة أحد أهم الآثار التاريخيّة التي تدلّ على مدى عراقة المدينة وقدمها وحيويّتها على مرّ السنين التي خلت. ولقد أشارت المصادر التاريخيّة إلى أنّ نـشـأة الأسواق التراثيـّة في مدينة كربلاء المقدّسة تعود إلى بداية القرن الثالث الهجريّ، وبالتحديد في زمن حكم العباسيّين، وتُشير تلك المصادر إلى أنّ أسواقَ كربلاء كانت في تلك الحقبة عامرة تسودها الطمأنينة وتؤمّها القوافل من كلِّ حدبٍ وصوب. إذ كانت هذه الأسواق منتشرة بين المرقدين المطهّرين بعد أن قام عضد الدولة بـإعادة بناء مرقد الإمـام الحسين -عليه السلام- بين سنتي (369 – 371هـ) الموافق (980 – 982م)، وبناء مرقد أبي الفضل العباس - عليه السلام - لأوّل مرّة سنة (372هـ) الموافق (983م)، وتشييد بيوت وأسواق جديدة في المدينة. واشتهرت مدينة كربلاء بأسواقها التاريخيّة العريقة التي تؤلّف بمجموعها وحدة من وحدات المنشأة أو المؤسّسة الاجتماعيّة، فهي ترتبط ارتباطًا كليًّا بالمراقد المقدّسة وتحيط بها، ويمتدّ قسم منها أمام مداخلها بحيث لا يمكن المرور إلّا عن طريقها، مجسّدةً الترابط بين الجانبين الماديّ والروحيّ في حياة سكّان المدينة والزائرين، وكانت بعض الأسواق ممرًّا للمواكب الحسينيّة في أثناء إقامة الشعائر الحسينيّة والمناسبات الدينيّة، ولتبضع بعض الزائرين، وكذلك لمرور المواكب الجنائزية عند زيارتها للمرقدين المقدسين للإمام الحسين وأخيه أبي الفضل العباس عليهما السلام. وأشار كثيرٌ من الرحّالة والمستشرقين الذين زاروا مدينة كربلاء المقدّسة وكتبوا عن أسواقها، إذ قال الرحّالة البرتغاليّ (بيدرو تكسيرا) في وصفه لأسواق المدينة عند زيارته لها عام (1013هـ) الموافق (1604م) ومشاهدته للحياة العامة لسكانها: (( بسبب توافد الزوّار وتقاطرهم على المدينة من كلّ حدب وصوب في مواسم معلومة من السنة أن تنشط فيها حركة البيع والشراء بحيث تحتوي المدينة على جميع المواد الضروريّة والبضائع التجاريّة من بلدان أخرى وعلى أصناف من بضائع محليّة والتي تميّز الكثير منها بخصائص ومميّزات دينيّة غنيّة بمواضيع من التقاليد الإسلاميّة))؛ ولهذا فإنّ مدينة كربلاء كانت ملتقى لعددٍ كبير من التجّار القادمين من مختلف الأقطار. وعند زيـارة الرحالـة الإنكليزيّة (مس ستيفنس) كربلاء سنة (1337هـ) الموافق (1919م)، تحدّثت عن أسواق كربلاء وقالت: ((تعتبر الأسواق من المعالم العمرانيّة المهمّة في المدينة وأحد مستلزماتها الضروريّة، وأنّ عناصرها المميّزة وتطوّرها وتكاملها العمرانيّ هي أحد الروافد المساهمة في تطوّر المدينة))، ومن تلك الأسواق القديمة في كربلاء (سوق النحّاسين - وسوق التجّار – وسوق الحُسين – وسوق العبّاس - وسوق باب السلالمة - وسوق المخيّم- وسوق العرَب - وسوق باب القبلة – وسوق الميدان - وسوق العلاوي - وسوق تلّ الزينبيّة - وسوق ابن الحمزة وسوق الدهّان وغيرها). وقد لعبت هذه الأسواق التراثيّة دوراً كبيراً في الحياة الاقتصاديّة والاجتماعيّة من جهة وبعدّها مورداً مهماً لأهالي مدينة كربلاء من جهة أخرى، إذ إنّ السوق لا يعمل كشريان للحياة الاقتصاديّة فحسب، وإنّما يعمل للحياة الاجتماعيّة العامّة للمدينة أيضاً.
صور من الموضوع ...
نأسف ، لاتتوفر اي صور عن هذا الموضوع حاليا.