تاريخ كربلاء

كربلاءُ وما جَرى فِيها في القَرنِ الثَّالِثِ عَشرِ الهِجريِّ

كربلاءُ وما جَرى فِيها  في القَرنِ الثَّالِثِ عَشرِ الهِجريِّ

كان هذا القرن من بدايته إلى نهايته من أسوء القرون التي مرّت بها المدينة المقدّسة، كأنّما أبى القدرُ أنْ تعيشَ ولو إلى حينٍ في طمأنينة وهدوء، فأنزل ضربتَه القاضية بما حلَّ بها من محنٍ وإراقةِ دماءٍ وخرابٍ ونهب، وإنْ كان ما حلَّ بهذه المدينة المقدّسة - في هذا القرن - لم يقتصر عليها وحدها، ولم يختص بها، بل عمَّ جميعَ البلاد، وشمل البلاءُ سائرَ العبادِ. ولسيادة الفوضى وكثرة القتل والنَّهب في البلاد، اضطرب حبلُ الأمن وانقطعت طرقُ المواصلات بين البلاد، فألجأ هذا الحالُ الأمراء والولاة وبعض أهل الفضل إلى أن يبذلوا الأموالَ لتشييد المعاقل والخانات، وتوظيفِ الخفراء فيها وذلك لتأمين المُسافرين من الأخطار، وليأخذوا بها قسطًا من الرَّاحة أيضًا، وتلك المعاقل موجودة حتّى اليوم، بعضها عامرٌ والبعض الآخر على شفى الاضمحلال، لترك الناس لها عندما استتبَّ الأمنُ نوعاً ما، وكانت القوافلُ لا تسير أكثر من ساعتين أو ثلاث؛ ولذلك راعوا في بناء هذه المعاقل أن تكون المسافةُ قليلةً بين معقلٍ وآخر، فإذا خرجت القوافلُ من كربلاء قاصدةً بغداد أمّت المعقلَ الأوّلَ الذي يسمّي اليوم بـ (خان العطيشي)، ثمّ إلى معقل المسيّب، ثمّ معقل الاسكندريّة، ثمّ معقل المحموديّة. وقد يمرّونَ بثلاثة معاقل حتى يصلوا بغداد. ولم تكن المسافةُ بين معقل وآخر لتتجاوز الثلاث ساعات. وبلغ الحالُ بها من السّوءِ درجةً أنْ أصبحت القوافلُ مهدّدةً في أقلِّ من هذه المسافة، وأصبح الصعاليكُ يضربون الأتاوةَ على ما يتمكّنون من استيفائه، إذ لم تكن هناك قوّة حازمة لتردعهم، كما كان بعضُ البدو يجبون ما في بساتين كربلاء من التمر، وقد وصل الأمرُ من السوءِ درجةً أنّه إذا اعترض أحدُ الأهالي عليهم أو تكلّم عنهم بسوء فسوف يصبح وهو لا يملك من نفسه ولا أرضه شيئاً، وربّما أجبروا الأهلين إلى تفويضهم حقَّ امتلاك بساتينهم، فكم ترك الأهالي لهؤلاء من الأراضي والبساتين، حتّى أنَّ أسماءَهم بقيت تطلق على القطع والبساتين التي اغتُصبت. فلا نستغربُ إذن من أنّهم قد ألقوا الذُّعرَ والفزعَ في نفوسِ أهل المدن الكبرى، إذ إنّ لعصبيّتهم وقبليّتهم صار شرُّهم لا يُطاق، فأضحت كلُّ عشيرةٍ تنهبُ ما يجاورها من النواحي والأقضية والمدن. ولربّما اتّفق هؤلاء جميعًا وشاركهم من هم على شاكلتهم في حصارهم للمدن. وقد صادف في بعض السنين أن ورد من الإيرانيّين إلى كربلاء بقصد الزيارة ما ينوف عددهم على الأربعين ألف زائر، وفيهم زوجة شاه إيران. فتحرّكت عليهم أطماع العرب. فاتّفقت: خزاعة وزبيد وشمّر وآل ضفير إلى نهبهم. فقصدوا كربلاء وحاصروها مدّة من الزمن ولوجود زوجة الشاه بينهم. خاف سعيد باشا والي بغداد حينذاك من عواقب الأمور، فاهتمَّ لذلك وبعث داود الذي صار واليًا على بغداد بعد حين؛ لما عُرف فيه من الكفاية والبسالة والإقدام. إذ كان ذلك باديًا على محيّاه من نعومة أظفاره، فقام داود بالمهمّة التي عهدت إليه، إذ جرّد ما تمكّن من تجريده من المتطوّعة ونزل الحلّة إلى أن تمكّن بعد جهد جهيد من ردع هؤلاء الأعراب وتفريق جمعهم، فسيّر مع الفرس من يخفرهم إلى النجف ثمّ أعادوهم إلى بغداد وأوصلوهم إلى مأمنهم. وفي سنة (1216 هـ) هجم سعود الوهّابي على كربلاء، وقد صارت كربلاء بعد هذه الواقعة في حالٍ يُرثى لها، وقد عاد إليها بعد هذه الحادثة من نجا بنفسه فأصلح بعضَ خرابها وأعاد إليها العمران رويدًا رويدًا. وبعد حادثة الوهابيّين زار كربلاء يمين الدولة علي خان الحاكم السادس من ملوك مملكة أودة في الهند الذي حكم ما بين (1213- 1229هـ) الموافق(1798- 1814م) فأشفق على حالتها، وبنى فيها أسواقاً حسنة وبيوتاً قوراء، أسكنها بعض من نُكبوا، وبنى للمدينة سوراً حصيناً وأقام حوله الأبراج والمعاقل، فأمنت على نفسها وعاد إليها بعض الرُّقي والتقدّم. وفي سنة (1217 هـ) تصدّى السيّد علي الطباطبائيّ ( صاحب الرياض ) لبناء سور المدينة الثالث، بعد غارة الوهابيّين، وجعل له ستّة أبواب عُرف كلُّ بابٍ باسمٍ خاصّ. وفي سنة (1217هـ - 1802م) زار مدينة كربلاء الرحّالة الهنديّ أبو طالب خان والتقى بعمّته التي كانت تسكن بجوار مرقد الإمام الحسين عليه السلام فوصفت له أحداث غزو الوهابيّين بتفاصيلها، فذكر في رحلته ما حلَّ بالروضتين المقدّستين عند الغزو، كما ورد لدى وصفه للصحن الحسينيّ الشريف قوله: (وفي وسط الصحن مقام إبراهيم المُجاب) ممّا يدلّ على أنّ مرقد السيّد إبراهيم المُجاب لم يكن ضمن الرواق الحسينيّ حتّى ذلك الحين. في حدود عام (1241هـ 1826م) بدأت الدولة العثمانيّة تنهار وحدثت اضطرابات عدّة وثورات عارمة ضدّ الحكومة فأرسل داود باشا جيشًا كبيرًا، فدخل الحلّة ثمّ توجّه إلى كربلاء وحاصرها أربع سنوات، وسمّيت هذه الواقعة بواقعة المناخور. بعد تولّي السلطان عبد المجيد الحكم عيّن الوالي نجيب باشا حاكمًا على بغداد؛ للقبض على زمام أمور العراق، فقصد أوّلًا إلى ضرب بني حسن وآل فتلة وطفيل داخل قضاء الهنديّة، فاقتصر في حربه عليهم بحبس جريان ماء الفرات ومنعه من الجريان في شط الهنديّة، إلّا أنّ الماء لم يمتثّل لأمره، إذ انفلق السدّ وعادت المياه إلى مجاريها. ثمّ ساق جيوشًا يرأسها سعد الله أحد قادته وأمرهم بمحاصرة كربلاء، فاستباحها في واقعةٍ سُمّيت حادثة نجيب باشا، فهابه العراقيّون عندما توالت على الأطراف هجماته، فتسنّى له إجراء بعض الإصلاح من التشكيلات في ألويتها وأقضيتها ونواحيها من نصب أمراء وترك الجند في البلاد. وفي سنة (1270هـ 1853م) زار كربلاء عالم الآثار الإنكليزيّ لوفتُس، وقد أبدى إعجابه بمدخل كربلاء، قائلاً: (إنّه أكثر جمالاً من مدخل النجف؛ لوجود غابة كثيفة من أشجار النخيل والبساتين حول المدينة) ويضيف: (إنّ الأبنيةَ الكثيرة المشيّدة خارج أسوار المدينة توحي بالأمان من خطر القبائل البدويَّة)، ويشير إلى وجود كورٍ في ضواحي كربلاء لصنع الطابوق (الآجر) ويقول: (إنّه يشابه طابوق بابل في شكله وحجمه). ويتحدّث لوفتُس عن الروضة الحسينيّة، قائلًا: « إنّها كثيرةُ الشَّبه في تصميمها بمشهد الإمام عليّ عليه السلام وإنَّ قبّة الحُسين وحدها هي المكسوّة بالذهب في كربلاء، وتبدو إحدى المآذن الثلاث متداعية وتوشك على السقوط (على ما يبدو كان يتكلَّم عن مئذنةِ العَبد) ويذكر أيضاً بأنّ قبّة مرقد أبي الفضل العبّاس عليه السلام كانت مكسوَّةً بالبلاط المزجَّج (القاشانيّ) الأزرق المُعتم، ويقول إنّ أسواق كربلاء كانت ممتلئةً بالبضائع والسِّلع، كما يذكر لوفتُس ما حدث بسبب واقعة نجيب باشا لكربلاء بأنَّ الكثيرَ من الدور المقابلة للسّراي قد تهدّمت ولم يتم ترميمها أو بناؤها من جديد. وفي سنة (1277 هـ 1860 م) تمّ إيصال خطوط التلغراف واتّصال كربلاء بالعالم الخارجيّ، وفي سنة (1285 هـ 1868 م) زار مدينة كربلاء والي بغداد العثمانيّ مدحت باشا وأقام خمسة أيام فيها، بُنِيَت الدوائر الحكوميّة، وتمّ توسيع وإضافة العديد من الأسواق والمباني، وهدَم قِسماً من سور المدينة من جهة باب النجف، وبعد أن شعر بأنّ المدينة لا تتّسعُ لأهلِها والوافدين إليها، قرَّر توسيع المدينة من الناحية الجنوبيّة الغربيّة فسمّيت المنطقة بمحلّة العباسيّة. وزار المستر جون أشر، عضو الجمعيّة الجغرافيّة الملكيّة في لندن كربلاء سنة (1281هـ 1864م)، وأبدى إعجابه بمدخل كربلاء الذي تقع على جانبيه البساتين الجميلة بمحاذاة نهر الحسينيّة. ويستطرد جون أشر في وصفه لكربلاء، قائلاً: ( إنّها كانت تتميّز بحركتها ونشاطها الملموس، وإنّ أسواقها كانت مزدحمة بالزوّار». وأنّه لم يجد فيها ما وجده في سواها من علامات الركود خلال رحلته، ويشير إلى وجود عدد من مسلمي الهند في كربلاء، ومشاهدته لزوّارٍ قادمين من إيران وأفغانستان، كما وصف أيضاً قبّة مرقد الإمام الحُسين عليه السّلام والمآذن المذهّبة، والجدران والأفاريز المزيَّنة بالقاشانيّ الجميل، ويقول عن مرقد العبّاس عليه السّلام بأنّه كثير الشَّبه بمرقد الإمام الحسين عليه السّلام. وفي سنة (1288 هـ 1871 م ) زار ناصر الدين شاه القاجاريّ حفيد فتح عليّ شاه العتبات المقدّسة في كربلاء بدعوة رسميّة من الحكومة العثمانيّة، فأنعم على المجاورين للروضة الحسينيّة بالهدايا، واهتمّ بالمرقد الشريف، كما تبرّعت زوجتُه السيّدة أنيس الدولة بشبّاكٍ فضيٍّ لضريح الشهداء في الروضة الحسينيّة المقدّسة، جُدِّد فيما بعد. وفي سنة (1293هـ) وَقعت فتنة عليّ هدلة. وفي سنة (1295هـ 1878م) قام محمّد عليّ شاه ملك أودة سلطان الهند بزيارة مدينة كربلاء وزيارة مرقدَي الإمام الحسين وأخيه أبي الفضل العبّاس عليهما السلام. وزارت الرحّالة الفرنسيّة المعروفة مدام ديو لافوا مع زوجها كربلاء سنة (1299هـ 1881م)، وأشادت بالمدينة ومعاهدها العلميّة الدينيّة وقالت: «إنّها مدينةٌ تعدُّ من مراكز الشيعة المهمّة، وهي عبارة عن جامعة دينيّة كبيرة تضمّ عددًا من المدارس الدينيّة الكبيرة التي يقصدها طلبةُ العلم من أنحاء العالم الإسلاميّ كافّة، فيقضون معظم سنيِّ حياتِهم فيها».

صور من الموضوع ...

نأسف ، لاتتوفر اي صور عن هذا الموضوع حاليا.

يمكنم الاتصال بنا عبر الهواتف ادناه :
00964-7711173108
00964-7602365037
او مراسلتنا عبر البريد الألكتروني :
info@mk.iq
media@mk.iq

للاستمرار، اكتب ناتج المعادلة الآتية :

للأسف، نتيجة خاطئة، حاول مجددا.


جاري التحميل ...

{{Msg.p}} ,
{{Msg.text}} .

لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثوان ...

جاري التحميل ...