تاريخ كربلاء

الواقِع السياسيّ الكربلائيّ للحقبة من 1941 ـــ 1958م ودور العُلماء فيه

الواقِع السياسيّ الكربلائيّ للحقبة من 1941 ـــ  1958م ودور العُلماء فيه

قال تعالى: ((ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْقُرى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْها قائِمٌ وَحَصِيدٌ)) سورة هود: آية 100. لهذه الآيـة القرآنيـة دلالاتها ومعانيها واستنتاجاتها في ضوء ما جاء به التفسير القرآنيّ، لكن لو تأمّلنا فيها قليلًا لوجدنا أنّها نزلت تروي قصصَ وأخبار مدن قائمة بأمر من الله تعالى، أو مدن زالت بأمر من الله تعالى أيضًا.. ولو دقّقنا في المعنى الشامل لهذه الآية لوجدنا أنّ الله تعالى قد خصّنا بنعمة التبرك والشرف والسكنى في واحدة من هذه المدن القائمة بأمره تعالى.. بعد أن جعلها الله نبراساً لكلّ معاني الشهادة والبطولة والشجاعة. فمدينة كربلاء الحسين، وقبلة أنظار الوافدين، حاضرة الفداء، كان لأبنائها أن ورثوا شرف الشهادة والبطولة والشجاعة من إمام قد خُصّ بهذه الصفات، وحملوا على أكتافهم تاريخًا مشرّفًا ومشرقًا كان امتدادًا للتاريخ البطولي للإمام الحسين -عليه السلام- مع إنّ التاريخ لم ينصف أبناء هذه المدينة ولا حتّى بطولاتهم التي رسمت خارطة السياسة فيها، الأمر الذي يجعلها أمام الطريق الأوحد وهو كتابة ما يستحقه هؤلاء الأبطال من تاريخ يتشرّف به أحفادهم من بعدهم، بل ويتشرّف به كلّ أبناء هذه المدينة وأهلها، وإنّ هذه المدينة تشرّفت بأنّها احتضنت خطوط السياسة العراقيّة في جميع أزماتها، بل إنّها كانت في أوقاتٍ مختلفة ذات الباع الأطول في ميدان السياسة. إنّ الحديثَ عن تاريخ مدينة كربلاء السياسيّ له أهميّة كبيرة؛ لأنّه كان شديد التأثير في مجريات الأحداث السياسيّة العراقيّة وقد كان لها الدور البطوليّ في الدفاع والذود عن العراق في مختلف المراحل، فلو تصفّحنا تاريخ العراق السياسيّ قبل وبعد قيام الحكم الوطنيّ وتولّي الملك فيصل عرش العراق نجد أنّ مدينة كربلاء قد سارت على المسار الوطنيّ والذي كان في كثير من الأحيان معارضًا لنظام الحكم آنذاك والذي لم تكن سياساته من رغباتٍ الشعب وطموحاته، أو معتمدة على قرارات ذات استقلاليّة أو صادرة عن قيادة عراقيّة رصينة، بل أنّها كانت تمثّل رغبات بريطانيّة قائمة على التفريق بين المسلمين في العراق، والتي تعدّ أحد الأسباب التي أدّت إلى اندلاع ثورة العشرين، إذ كان لكربلاء دورًا فاعلًا في أحداثها، كما إنّها كانت مركزًا مهمًّا من مراكز قيادتها. ولمّا عقدت معاهدة 1922م بين العراق وبريطانيا مع إنّها كانت بعيدة عن آمال وطموحات أبناء العراق وقوبلت بالرّفض من قبل الجميع، كان لكربلاء دوراً فاعلاً في إيضاح أهدافها والنوايا التي يكنّها الاستعمار، حتّى إنّ أهلها طالبوا الملك بعدم التصديق عليها أو الاعتراف بها. لم يقتصر موقف الرفض على المعاهدة فقط بل إنّ أبناء المدينة اتّخذوا موقفًا مناهضًا من انتخابات المجلس التأسيسيّ العراقيّ عندما أصدرت حكومة عبد الرحمن النقيب إرادة ملكيّة في 19 تشرين الثاني 1922م تقضي الشروع بانتخاب هذا المجلس الذي كان من أولى مهامه هو التصديق على هذه المعاهدة المشؤومة، وقد تمثّل الموقف الكربلائيّ الرافض بالمسيرات والمجالس والخطب الحماسيّة الرافضة للأساليب التي تنتهجها الحكومة، كما وكان لرجال الدين في كربلاء الموقف الرافض لها والمساند لأبناء المدينة بعد أن أبرقوا عددًا من البرقيّات الاحتجاجيّة إلى الحكومة فضلًا عن العديد من البرقيّات التي بعث بها زعماء العشائر ومثقّفو المدينة والتي كانت تتسم بالقسوة والرفض القاطع، فضلاً عن استعدادهم الدائم لمواجهة أساليب الحكومة التي اعتلاها عبد المحسن السعدون بوزارته الأولى. إنّ هذه الأساليب تبيّن لنا وبشدّة أنّ هذه المدينة كانت تمثّل اللولب الأساس في العمليّة السياسيّة خصوصًا منذ بداية تشكيل الحكم الوطني، كما كانت المركز الأساس لتحريك هذه العمليّة السياسّية التي اتّجهت إلى اعتماد المقاومة المسلّحة للاحتلال وتبنّي الاتّجاه المعارض زمنَي الانتداب والاستقلال واللذين أخذا بالتنامي في الحقبة المحصورة بين عامي 1941-1958م. إنّ هذه المرحلة تمثّل أهم مرحلة في تاريخ كربلاء المشرّف، إذ كان لهذه المدينة وبتوفيق من الله تعالى وبهمم وسواعد أبنائها الغيارى الموقف الصامد في انتفاضة مايس عام 1941م إذ تمثّل ذلك الموقف بتأييد ومساعدة رجال الدين في كربلاء والعمل على فتاوى تحثّ إلى الوقوف إلى جانب الحركة. إذ أصدر السيّد عبد الحسين الشيرازي فتواه التي توجب العمل من أجل مساندة الحركة ومساعدة الجيش العراقي الباسل، والحكومة الإسلاميّة الوطنيّة وعلى رأسها الزعيم رشيد عالي الكيلاني، وليسلك سبيل أسلافه المجاهدين، وقد قال عزَّ شأنه: ((وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً)) سورة النساء: آية 95، وفي يوم 4 مايس 1941م عقدت جمعيّةُ ندوة الشباب العربيّ اجتماعًا في صحن أبي الفضل العبّاس -عليه السلام-حضره عددٌ من الشخصيّات الكربلائية للتباحث في شؤون العراق في ذلك الوقت، حيث استهلّ الاجتماع معتمد الجمعيّة السيّد محمّد مهدي الوهّاب آل طعمة بإلقاء خطاب استنهض به هممَ أبناء المدينة لمساندة الثورة بكلّ الأشكال، وفي نهاية الاجتماع نظَّمَ المجتمعون برقيّةً بعثوا بها إلى الحكومة يعلنون بها تأييدهم وولاءهم ومساندتهم للحركة الكيلانيّة وإنّهم على استعداد للدفاع والتطوّع في سبيل الوطن وكرامته، بعدها خرج أبناءُ المدينة من الاجتماع في مظاهرة مساندة جابت شوارع المدينة معلنين فيها ولاءهم للحكومة، وهكذا تكرّرت اجتماعات أبناء المدينة التي تحضّ على الوقوف إلى جانب الثورة لأن فيها ما يحقّق مصالح العراق، إذ عقد اجتماع آخر يوم 9 مايس ويوم 12مايس1941م في صحن الإمام الحسين -عليه السلام- تخلّلته مساهمات وفعاليّات أظهرت الجانب الوطنيّ للمدينة، وقد عمّقت هذه الاجتماعات الوقفة الرصينة من قبل أبناء كربلاء وأُلقيت فيها خطبُ وفتاوى المراجع العظام أمثال السيّد عبد الحسين الشيرازيّ والسيّد حسين القمّيّ الطباطبائيّ، أمّا عشائر كربلاء وأعيانها لم يكونوا بعيدين عن الأحداث بل رفعوا شعارًا دوّى في سماء كربلاء أعلنوا به تحدّيهم الراسخ معلنين به: لابُدَّ لي في العِزِّ من وقفةٍ بين الضُّبا البيضِ وسُمر القَنا كلّ البرقيّات والمساندات كانت تمثّل تعزيز الوقفة المشرّفة في المدينة ومشهود لها بإرثها السياسيّ بالإضافة إلى موقف أبنائها تجاه الثورة والمتمثّل بجمع التبرّعات والإعانات والتي شملت مبالغ نقديّة ومصوغات ذهبيّة، كما وشكّلوا لجنةً للدفاع لمواجهة الحالات الاستثنائيّة التي قد تتعرّض لها المدينة، وبعد فشل الحركة كان لأبناء المدينة نصيبٌ من الإجراءات التعسفيّة ضد الوطنيّين الذين ساندوا الثورة فكثيرًا ما كانت الحكومة تزجّ الوطنيّين في المعتقلات والسجون من دون إجراء تحقيق معهم، إنّ كثيرًا من أبناء المدينة قد أودعوا في معتقل (نگرة السلمان) لمدّة شهر ثمّ نقلوا بعدها إلى معتقل العمارة، ومنهم السيّد إبراهيم شمس الدين القزوينيّ، والسيّد محمّد صالح بحر العلوم، والشيخ عبد المهدي القنبر، وعبد الأمير محسن، ورفيق إسماعيل وغيرهم كثير، إذ إنّهم مثّلوا صفحات ناطقة في تاريخ المدينة كونهم كانوا يمثّلون الندّ المؤلم للحكومة والاحتلال، الأمر الذي دفع الحكومة إلى تغيير سياستها تجاه الشعب وانتهاج سياسة جديدة معتمدة على اللين والوَداعة والعمل على كسب رجال الدين والحصول على تأييدهم والتأثير عليهم في العدول عن الفتاوى التي أصدرتها لصالح حركة الكيلانيّ، إلّا أنّ هذه الأساليب قد أثبتت فشلها حيال المرجعيّة في المساندة لأبناء المدينة، ولمّا ألقت الحربُ العالميّة الثانية أوزارَها عام 1939م وقف أبناء المدينة الموقف النّد والرافض لسياسة الحكومة والمتمثّلة بنوري السعيد والقاضية لزج القوات العراقيّة في الحرب بعدّها حليفةً لبريطانيا، بدلًا من أن يعمل نوري السعيد على إيجاد الحلول التي تخفف الأزمة الاقتصاديّة التي اجتاحت العراق على وجه الخصوص باعتباره حليف بريطانيا واجتاحت العالم على وجه العموم إبّان الحرب العالميّة الثانية، وقد امتازت الأزمة الاقتصادية التي طرأت على كربلاء، بأنّها كانت أهون ممّا كانت عليه في باقي مدن العراق كون أنّ المدينة تمتاز بخصوبة تربتها ووفرة مياهها بالإضافة إلى زراعتها بالعديد من المحاصيل الزراعيّة التي ساهمت بشكل أو بآخر بتقليل الضغط عن كاهل أبناء المدينة، ولمّا انتهت الحرب العالميّة الثانية كان لابد للحكومة أن تفتح متنفّسًا سياسيًّا لأبناء العراق والعمل على إلغاء الأحكام العرفيّة وتوسيع حركة الصحافة وإعطاء فرصة تشكيل الأحزاب السياسيّة إذ أجازت الحكومةُ خمسةَ أحزاب سياسيّة: حزب الاستقلال، والحزب الوطنيّ الديمقراطيّ، وحزب الشعب، وحزب الاتّحاد الوطنيّ، وحزب الأحرار وكان لهذا القرار الأثر البالغ في نفوس سياسيّي المدينة الذين فتحوا فروعًا لهذه الأحزاب، كان من أهمّها فرع حزب الاستقلال الذي تمثّل بـ: عبد المهدي القمبر، وصبري الحر، وحسن أبو طحين، وصبري محمود القمبر، وحسن عاشور، أمّا الحزب الوطنيّ الديمقراطيّ فقد تمثّل بـ يحيى نصر الله، ومحمّد صالح عبود الحر، والسيّد جواد رضا الشروفيّ، وعباس أبو الطوس، وحسن الرميلاتيّ وغيرهم إضافة إلى الحزب الشيوعيّ العراقيّ الذي تمثّل بالعديد من الطلبة الكربلائيّين، أمثال: جاسم القهواتيّ، وإبراهيم عباس كرماشة، ومهدي كبابيّ، وصاحب السعديّ، وحسن جليل، وحسن عباس، وعندما أرادت بريطانيا استبدال معاهدة عام 1930م بمعاهدة جديدة يكون فيها تحقيق أوسع لمصالحها في العراق والشرق الأوسط بعد انتهاء الحرب العالميّة الثانية، خصوصًا وإنّ هناك خطراً جديداً بدأ يهدّد هذه المصالح متمثّلًا بالاتّحاد السوفيتي وأمريكا، فكان الطريق الأوحد أمام بريطانيا للحفاظ على هذه المصالح هو الالتجاء لعقد معاهدة بورتسموث أو ما تسمّى بمعاهدة (جبر- بيفن) المعقودة في 15 كانون الأول 1948م. وكَردّة فعل لأبناء مدينة كربلاء ضد هذه المعاهدة التي تحاول النيل من تطلّعات أبناء العراق، راح أبناءُ المدينة ينظّمون مظاهرة عارمة اجتاحت شوارع المدينة مثّلت مساندة حقيقيّة للمظاهرات التي عمّت العراق والتنديد بقرار الحكومة القاضي بضرب أيّ مظاهرة أو أيّ إضراب مهما كانت صفته، إذ إنّ الحكومة العراقيّة قد أصدرت في 19 كانون الثاني 1948م هذا القرار من أجل كبح جماح الجماهير الهائجة ضد سياسة الحكومة. سار أبناء المدينة في هذه المظاهرة من الصحن الحسينيّ الشريف بعد أن ألقى فيه كل من: السيّد محمّد هادي السعيد والسيّد ضياء السعيد خطبتين ألهبا بها حماس المواطنين، وقد تميّزت هذه المظاهرة بالصّلابة ورسوخ الأهداف التي خرجت من أجلها وبقيادتها الرصينة المتمثّلة بالعديد من العناصر الوطنيّة، أمثال: عبد المهدي الحافظ، ومحمّد حسين أبو المحاسن، وكاظم عباس كرماشة، ومحمّد جدّوع، وعبد المهدي القمبر، ويحيى نصر الله، وجواد الشروفيّ، وحسن هادي الصراف، وتقي المصبحي، وصالح جواد الطعمة، وصبري محمود القمبر، وجواد أبو الحب، وغيرهم ساروا بالمظاهرة متوجّهين نحو دار المتصرفيّة في نهاية شارع العبّاس وقد رفعت المظاهرة لافتات مطالبة بسقوط بريطانيا والاستعمار وتطالب بإسقاط وزارة صالح جبر ومحاكمة نوري السعيد، وقد تخللت المظاهرة الأهازيج والخطب الحماسيّة التي كان يلقيها الطالب نزار الحسن، بالمقابل عملت الشرطة على تفريق المظاهرة والقبض على قياداتها الأمر الذي أدّى إلى التصادم بين الطرفين وجرح العديد من المتظاهرين وأُلقي القبض على محمّد حسن الكليدار، وضياء السعيد، وتقي المصبحيّ إذ أُحيلوا إلى المجلس العرفيّ في الديوانيّة. وعلى الرّغم من ذلك إلّا أنّ عزيمة العراقيّين لم تنثنِ وكانت أكبر من طموحات الحكومتين حيث أجبرت صالح جبر على تقديم استقالته في 27 كانون الثاني 1948م والتجأ إلى أقاربه آل جريان على شاطئ الفرات. وكنتيجةٍ واضحةٍ لهذه الأعمال البطوليّة التي قامت بها الجماهير العراقيّة من جرّاء رفضها لما حاولت الحكومةُ القيام به بعقدِ اتفاقيّة لا تمثّل طموحات الشَّعب، ومن أجل دمل الجراح العميقة التي أحدثتها هذه الجماهير في واقع العراق، راحت الحكومةُ تعمل على تكليف السيّد محمّد الصّدر لتشكيل حكومته كونه يتمتّع بالعَديد من المؤهّلات التي تساعد على تضييقِ الفجوة بين الشَّعب والحكومة. إنّ هذا الاختيار قوبل بفرحٍ شديد من قبل الأوساط العراقيّة عمومًا ومن قبل الأوساط الكربلائيّة خصوصًا، جاء ذلك لعلاقة هذه الشخصيّة بالمؤسّسة الدينيّة في كربلاء والنجف فقد كان أحد طلّابها والدارسين على يد علمائها، ولهذا فقد أبرق العديد من رجال الدين والشخصيّات السياسيّة في كربلاء والنجف البرقيّات التي تحمل التهاني معبّرين عن عظيم فرحتهم بتسنّم السيّد محمّد الصدر هذه المسؤولية، كما وبادلهم السيّد محمّد الصدر ببرقيات الشكر والعرفان، وقد صادف بعد هذه الأحداث أنْ بدأتْ جثامين الشهداء الذين سقطوا في تلك الأحداث تصل إلى مدينة كربلاء وكان من ضمنها جنازة الشهيد جعفر الجواهريّ الذي سقط خلال أحداث الوثبة في بغداد، إذ أنزلت هذه الجنازة في جامع المخيّم ومنه شُيّعت إلى مرقد الإمام الحسين -عليه السلام- وفيه ألقى الشاعر محمّد مهدي الجواهريّ قصيدته الميميّة المشهورة : أ تعلمُ أم أنــت لا تعلـــمُ بأنّ جراحَ الضحايا فمُ فمٌ ليس كالمدّعي قولةً وليـس كآخرَ يسترحِمُ وقد أثّرتْ هذه القصيدة في جموع المشيّعين فتحوّل التشييع إلى مظاهرة سارت باتّجاه مرقد أبي الفضل العباس -عليه السلام- ثمّ توجّهت نحو شارع قبلة مرقد أبي الفضل العباس -عليه السلام- ومن ثمّ طافت شوارعُ المدينة الأخرى، وقد عمَّ الإضرابُ الكامل مدينة كربلاء، ثمّ ودعت الجنازة من قبل المشيّعين الكربلائيّين قرب منطقة الوادي القديم حاليًّا سالكةً طريق النجف. أمّا على الصَّعيد الإقليميّ أو القوميّ وما شهده من أحداث عاصرت الأحداث في العراق، ومحاولة الحركة الوطنيّة الاستفادة من هذه الأحداث المجاورة وترجمتها إلى الواقع العراقي، نجد أنّ التطوّرات السياسيّة في إيران للحقبة المحصورة من عام 1950-1953م ولا سيّما قرار تأميم النفط الإيرانيّ في (15 آذار1951م) خطوة يجب الاستفادة منها لأنّ البلدين جاران وإنّ أيّ تطوّر سياسيّ في إيران يعدّ فرصةً لأبناء العراق بوجه العموم وأبناء كربلاء بوجه الخصوص باعتبار أنّ العدو واحد، ونتيجة لأنَّ كربلاء كانت تمثّل حلقةَ الوَصل في الروابط الدينيّة التي تربط المؤسّسة الدينيّة في كربلاء والمؤسّسة الدينيّة في إيران ومساندة الأخيرة للقرار الذي اتّخذه مصدّق اتّجاه الثروة النفطيّة الإيرانيّة، كان ذلك من أسباب تأجيج الشعور الكربلائيّ الذي طالب وبشدّة بتأميم نفط العراق، وقد تمثّل هذا الشعور ببرقيّة رفعها الشباب القوميّ الكربلائيّ إلى الحكومة العراقيّة، جاء فيها: ((إنّنا نريد أنْ نجعلَ من ثروات بلادنا لاسيّما النفط الأسود وسيلة لبناء العراق ... ولا نرضى أن تتحوّل ثرواتنا ومنابعها ومصادرها وسيلةَ وقوّة لدعاة الحرب والاعتداء على شعوب العالم)). كما وأبرق رجالُ الدين في كربلاء والنجف برقيّة باسم المؤسّسة الدينيّة حرّرها الشيخ محمّد جواد الجزائريّ إلى السيّد أبي القاسم الكاشانيّ رئيس مجلس النوّاب الإيرانيّ في حكومة مصدّق يهنئونه بها على ما شهدته بلادُهم من تطوّرات سياسيّة مهمّة وذات تأثير على المنطقة. هذا وقد بقي السخط الكربلائيّ موروثًا على الإنكليز وعلى الحكومة العراقيّة وعلى سياسيّي العراق الذين تلاعبوا بمقدّرات هذا البلد، وبقي هذا السخط ينتظر أيَّ فرصةٍ ليبدأ بالتحرّك ضد الحكومة، وقد جاءت هذه الفرصة عندما صادق مجلسُ النوّاب العراقيّ بتاريخ 14 شباط 1952م على اتّفاقيّة النفط مع بريطانيا، وفي اليوم الثاني نظّم الكربلائيّون من طلبةٍ وكسَبة ومثقّفين مظاهرةً كبيرةً تجمّعت بالقرب من ثانوية كربلاء وحملت المظاهرةُ لافتات ذات مطاليب مـشروعة، مثل: (نطالبُ بتأميمِ نفطنا ومُصادرة أملاك الشركة...نطالبُ بحلِّ المجلسِ النيابيِّ الحالي...نشجبُ الاتّفاقيّاتِ الجائرة...لا نفط من دون حقوقِنا)، سارت المظاهرة في شارع أبي الفضل العبّاس-عليه السلام- وفي أثناءِ سيرها تعرّضتها قوّة من الشرطة بالقرب من متصـرّفيّة اللواء بهدف تفريقها إلّا أنّ عزم المتظاهرين حال دون ذلك واستمرّت المظاهرة باتّجاه ساحة علي الأكبر-عليه السلام- مطالبةً بحقوق العراق المهضومة، بعدها أمر متصرّف اللواء شاكر البلداويّ قوّات الشرطة بالتجمّع حول المتظاهرين والانهيال عليهم بالـضرب واستعمال الأسلحة الناريّة، إذ جرح العديد من المتظاهرين واستشهد أحد الطلبة وهو (غزي الوهّاب) الأمر الذي آثار حفيظة المتظاهرين ودعاهم إلى مهاجمة قوّات الشرطة وحرق سيارة نوع جيب تابعة لهم، وقد ازداد الأمر سوءًا عندما اتّصل مدير شرطة كربلاء ومتصرّفها بالحكومة في بغداد لتدارك الموقف والعمل على استدعاء قوات من الجيش للتدخّل وحل الأزمة، وفعلًا وصلت قوّات الجيش التابعة للفرقة الرابعة الموجودة في الديوانيّة، وقد اتّخذوا لهم العديد من المواقع عند مفارق الطرق وعلى المباني العالية كما وتحصّن قسم منهم في أعالي أسوار مرقدي الإمام الحسين وأبي الفضل العبّاس -عليهما السلام- ممّا حدا بسادن الرّوضة العبّاسيّة المطهّرة السيّد محمّد حسن ضياء الدين بأنّ أمر قوّات الجيش والشرطة بالنزول من سورَي الإمامين وإلّا ازداد الأمر تعقيدًا. وبعد تهدئة الموقف عملت الشرطة على ملاحقة المتظاهرين وخصوصًا الطلبة وزجّهم في السجون تحت ذرائع مختلفة، وقد أوعزت المتصرفيّة إلى إدارة ثانوية كربلاء وإدارات المدارس الأخرى بتزويدهم بأسماء الطلبة الذين شاركوا في المظاهرة وقامت تلك الإدارات بفصل هؤلاء الطلبة. إلّا أنّ هذه الأساليب لم تثنِ عزيمة أبناء المدينة الذين أعلنوا وبعد أربعة أيّام إضرابًا عامًّا جاء استجابةً لنداء الأحزاب السياسيّة التي دعت الشعب العراقيّ للإضراب يوم 19 شباط 1952م.

صور من الموضوع ...

نأسف ، لاتتوفر اي صور عن هذا الموضوع حاليا.

يمكنم الاتصال بنا عبر الهواتف ادناه :
00964-7711173108
00964-7602365037
او مراسلتنا عبر البريد الألكتروني :
info@mk.iq
media@mk.iq

للاستمرار، اكتب ناتج المعادلة الآتية :

للأسف، نتيجة خاطئة، حاول مجددا.


جاري التحميل ...

{{Msg.p}} ,
{{Msg.text}} .

لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثوان ...

جاري التحميل ...