تاريخ كربلاء

كربلاء.. وتاريخ المسلسل الدمويّ العثمانيّ

كربلاء..  وتاريخ المسلسل الدمويّ العثمانيّ

نزع الأتراكُ في كلِّ عصورهم التي غزوا فيها البلادَ الإسلاميّةَ إلى اتّخاذ موقف مُعادٍ للشيعة وانتهاج سياسة همجيّة وقاسية تجاههم، فامتلأ تاريخ دولتهم بصفحات سوداء وعمليّات إبادة بحقّ الشيعة في كلِّ المراحلِ الّتي حَكمـوا فيها، وتشيرُ المصادرُ إلى أنّهم كانوا يحاولون بشتّى الطُّرُقِ إبادةَ هذه الطائفةِ واستئصالهِا عن بُكرة أبيها. ويستمرُّ ذلك العداء غير المبرر للشيعة من قبل الأتراك ويبلغ أوجَّه في عهد الدولة العثمانيّة التي ارتكبت من المجازر والجرائم بحقّ الشيعة ما يندى له جبينُ الإنسانيّة، وعاش الشيعة في ذلك العهد أقسى حقبهم, إذ أعلن سليمُ الأوّل الحربَ الطائفيّة على الشيعة في العراق، وبهذا أباحَ الولاةُ العثمانيّون الدَّمَ الشيعيّ، فكان من أبشع جرائمهم التي ارتكبوها ضد الشيعة هي حادثة نجيب باشا في كربلاء عام (1258هـ/1842م) حينما انتفضت هذه المدينة على السياسة العثمانيّة الجائرة المستبدّة، فحاصرها نجيب باشا - الذي عُرِف بحبِّه لسفكِ الدّماء- لإخضاعها، فقصفها بالمدافع، وقطع النخيل، وأجرى المياه حتى استطاع دخولها بجيشه فاستباحها قتلاً ونهباً وتدميراً حتّى اصطبغت أرضُها بالدّماء . وقد حاولتِ المصادرُ العثمانيّة بكلِّ جهدها تشويهَ هذه الحادثة, والتقليلَ من شأنها ونشر الأكاذيب والشائعات حولها بما يتّفقُ مع مصالحها, فوصفت الذين ثاروا على السياسة العثمانيّة الجائرة من أهالي كربلاء بالعُصاةِ والأوباش والأراذل والهاربين من وجه العدالة, ووصمتهم بكلِّ شائنة. ولكنّ هذه المصادر التي وصفت تلك الثورة بالعُصيان والتمرّد قد تجاهلت سياسة العثمانيّين المستبدَّة تجاه أهالي كربلاء, ولم تعبأ للمعاملة السيّئة التي كان يعاملُ بها العثمانيّون الأهالي، ولم تذكر الضرائب الباهظة التي كانت تُجبى من النّاس لصالح الحكومة العثمانيّة والتي قدرت بـ (35,000) قِران إيراني في كلِّ سنة. كان ذلك في عهد داود باشا الذي كان آخر المماليكِ في العِراق, والذي حكم من (1232- 1247هـ/1816- 1831م), وبعد انتهاء حُكم المماليكِ عيّنتِ الحكومةُ العثمانيّة علي رضا باشا والياً على بغداد فحكم من (1247- 1258هـ/1831- 1842م), وقد ضاعف هذا الوالي الضرائب التي كانت تُجبى من أهالي كربلاء إلى ضعفين. وفي أيام حكمه حاصر كربلاء فخرج إليه ساداتُ البلد وزعماؤها وتكفّلوا له بزيادة الإيراد, فارتحل عنهم، وكان ذلك الوالي لا يبالي بعصيانهم ومرامه الدراهم وقد أدّوا له سبعين ألف قِران - المثل اثنين - عمّا كانوا يؤدونه إلى داود باشا فرضي وتركهم. ولا يخفى ما لهذه السياسة من أثرٍ سلبيٍ في نفوس أهالي كربلاء، إذ لعبت العصبيّة المذهبيّة دورها في تلك السياسة, فكان أعضاء الحامية يعاملون الأهالي بقسوة ممّا كوّن غضبًا شعبيًّا ضدّ الحكومة أدّى إلى اندلاع الثورة. تقول الكاتبة التركيّة دِيلَك قايا: ((إنّ السياسات الخاطئة التي استخدمت في عهد ولاية علي رضا باشا كانت عامِلاً مؤثّراً في ظهور حادثة كربلاء))، فقد كان هذا الوالي يضمّ إلى جانبه قُطّاعَ الطرق واللّصوص والمجرمين الذين كانوا ينهبون قوافلَ التجّار وزوّار المراقدِ المقدّسة في نواحي الحِلّة والنَّجف وكربَلاء, ويوفّر لهم الحماية وهو يعلم بانحرافهم؛ ليستعينَ بهم في حملاته. وتستطرد قايا في بيان أسباب الثورة، فتقول: (( لقد جعلت أحداثُ السرقة وقطع الطريق التي تمّت في بغداد بشكل عام في بدايات القرن التاسع عشر أهالي كربلاء في اضطراب دائم, وهو ما جعلهم يرفضون تبعيّتهم للدولة العثمانيّة, وهناك أمرٌ آخر أغضب أهالي كربلاء وهو التأخّر في مجال الزّراعة, فبينما كانت كربلاء تنتج عشرة آلاف كيلة من الحبوب في عهد داود باشا، آخر وِلاة المماليك, لم تتمكّن من إنتاج نفس النسبة في (13- 14) سنة الأخيرة, وبعدما كان أهالي كربلاء يقتربون من إيران بسبب المذهب فقط, أصبحوا يفكّرون في التخلّي عن الحكم العثمانيّ كلية بسبب سوء الحالة الاقتصاديّة)). وهناك سبب آخر دعا لعدم استقرار الأمور في كربلاء, وهو الأصول المتّبعة التي طبقها علي رضا باشا في جمع الأعشار من الأهالي, فبجانب الضرائب الباهظة التي كانت تُجمع من الأهالي كان الملتزمون - أي جامعي الضرائب - يتعاملون بقسوةٍ مع الأهالي في أثناء جمع تلك الضرائب إذا لم يحقّقوا شيئاً زائداً للوالي, وعلى هذا كانت تلك الضرائب سبباً في نفور الأهالي من الإدارة. ولم تقتصر هذه الممارسات والسياسات الجائرة على كربلاء وحدها, بل شملت باقي مدن العراق ممّا سبب في تكوين رأيٍّ سلبيّ, وغضب ثوريّ ضد الحكومة العثمانيّة, كما لم تسلم هذه الممارسات الظالمة من ردود أفعال ثوريّة قويّة من قبل أهالي كربلاء, فقد جرت حوادثُ خطيرة سبقت حادثةَ نجيب باشا في عهدي داود باشا, وعليّ رضا باشا، قبل تولي نجيب باشا الذي جرت في عهده الحادثة. ممّا زاد في اتساع هذه الحركات وكثرتها هو أنَّ الحكومة العثمانية لم تغيّر من سياستها الجائرة تجاه الأهالي, بل زادت من تعسّفها وطغيانها, ففرضت على المدينة تموين الحامية العسكريّة الحكوميّة في المسيب القريبة منها بالأرزاق التي كان الأهالي في كربلاء بأمسِّ الحاجة إليها, وذلك عام (1258هـ /1842م) وهي السَّنة التي حلّ فيها محمّد نجيب باشا محلَّ عليّ رضا باشا على حُكم العراق، والذي جرت في عهده حادثة المناخور, فرفض الأهالي تموين الحامية لتعلن المدينة رفضها للسياسة العثمانيّة وخروجها من حكومتها. كان نجيب باشا من المقرّبين إلى السلطان, وكان شديد القسوة في إجراءاته, ولما علِم أنَّ كلَّ الحملات التي ساقها من سبَقَه لم تُخضِع المدينةَ للسياسية العثمانيّة الجائرة, قرّر في السنة الثانية من حكمه أي في عام (1843م) إخضاع المدينة بالقوّة. وقد لعب تعصّبه المذهبيّ دوراً كبيراً في حنَقه عليها, وتصميمه على إبادتها, وهناك سببٌ آخر جعل الحكومةَ العثمانيّة تقول كلمةَ الفصل في كربلاء حيث وضعت نصب عينيها مسألةَ تقوية السّلطة المركزيّة للدولة في الولاية لتحقيق مركزيّة الإدارة, لكي لا تعيش مشكلة أخرى مثل مشكلة مصر التي كانت تُدار من قبل الولايات العثمانيّة, وكان ولاتها على طاعة أمراء المماليك حتّى عام (1841م) عندما قضى محمّد علي باشا على المماليك, وجعل إدارة مصر شبه مستقلّة, وانتقلت إدارتها إلى أسرته. وكانت هذه المشكلة تشغل أذهان العثمانيّين, فعملوا جاهدين على عدم تكرارها, وعهدوا مهمة إخضاع كربلاء إلى نجيب باشا الذي عُرف بسياسته القاسية, ودهائه السياسيّ, وجعلوا نصب عينيه هذه المهمّة, وقد أعدّ نجيب باشا عدَّته للهجومِ على المدينة, وإخضاعها للسلطة العثمانيّة منذ أن تولّى الحكم، فأرسل تقريراً إلى الحكومة طلب منها إرسال العمّال الذين لديهم خبرة في عمل البارود, واستخدام المدافع وغيرها من الآلات الحربيّة, وعمل قواعد للمدافع اللازمة للتحصينات من أجل حملته على كربلاء. فكان أوّل تحرك عسكريّ لإخماد الثورة بقيادة سعد الله باشا في (21/11/1842م), لكن هذا الهجوم لم يُسفر عن شيء ممّا جعل نجيب باشا يقود الهجوم بنفسه حتّى يقضي على حالة اليأس التي بدأت تحلّ بالجنود؛ لصعوبة اقتحام المدينة التي حُصّنت جيداً, وكان يقود الثوار في المدينة السيّد إبراهيم الزعفرانيّ ولا يزال هناك طاق في أحد أزقة كربلاء يُسمّى طاق الزعفرانيّ. وكانت أولى اجراءات نجيب باشا هي مكاتبة السيّد كاظم الرشتيّ الذي يعدّ من أبرز طلّاب الشيخ أحمد الأحسائيّ، طالباً منه أنْ يتدخّل ليوقف الثورة ويجنّب المدينة (كارثة مؤكّدة) ولمّا كان الرشتيّ يعلم أنّ لا قِبَل للأهالي على مقاومة هذه القوّة الكبيرة المنظمة التي جاء بها نجيب باشا وهي تفوقهم عدّةً وعدداً, فقد طلب من الثوار تسليم أسلحتهم وإنهاء الثورة, فعزموا على فتح أبواب المدينة في اليوم الثاني, لكن بعض خصوم الرشتيّ حرّضوا الثوّار على عدم الإذعان. يقول الأستاذ جعفر الخيّاط: (وبدلًا من أن يستعين ــ أي نجيب باشا ــ بالروية والعقل، ويعمد إلى دراسة الأحوال السيّئة ومسبّباتها، فيعمل على معالجتها بالتي هي أحسن، بادر إلى استخدام القوّة في الحال ليبرهن على ما جُبل عليه من قسوة وبطش خاليين من الرحمة والتورّع. فقد جرد على المدينة المقدّسة جيشًا عرمرمًا مزوّدًا بأحسن المدافع والعدد وحاصرها لمدّة خمسة وعشرين يومًا، وضيّق عليها الحصار....). (كان الوالي نجيب باشا قد توجّه إلى المسيّب لقمع بعض العشائر الثائرة في وجه دولته, ولمّا استتمّ له الأمر اتّخذ من هذه القرية مقرّاً لقيادته ومركزاً لما كان ينوي القيام به ضدّ الكربلائيّين .. وهيّأ قوّةً كبيرةً لتسخير هذه المدينة واستئصال شأفة الثوّار فيها, وكان قوام هذه القوّات ثلاث كتائب من المشاة, وكتيبة واحدة من جنود السباه الحكوميّة يعزّزها عشرون مدفعاً, وفرقة من المقاتلين الأكراد الذين استدعاهم لهذا الغرض بقيادة أحمد باشا بابان, إضافة إلى زمر من القبائل العاملة في القوّات الحكوميّة, وقد عقد لواء الحملة للفريق مصطفى باشا ووجهها إلى كربلاء). ضربت هذه القوّة حصاراً واسعاً على المدينة المزدحمة بالزوّار, وأحاطت بسورها المحكم, وضيّقت على السكان حتّى اضطرّوا لشرب مياه الآبار المجّة, واللجوء إلى التقتير والتقنين في توزيع الأرزاق. وفي اليوم الثالث والعشرين للحصار شعر الكربلائيّون بوطأته وشدّته عليهم فاجتمع الرؤساء والزعماء وتداولوا الوضع فيما بينهم, واستقرّ الرأي على عرض طاعة المدينة واستسلام الثوّار, لكنّ قائد الحملة رفض قبول الاستسلام إلّا بشروط يعرف أنّها مستحيلة على أهل كربلاء, وهم يفضلون الموت على النزول على هذه الشروط. فكان من هذه الشروط تسليم عوائل بعض الزعماء إلى قيادة الجيش لتكون بمثابة رهائن لتنفيذ شروط المهادنة ولكنّ أهالي كربلاء رفضوا هذه الشروط بكل إباء على الرغم من أنّهم يعلمون باستحالة مقاومة قوّات الحكومة التي تفوقهم بكثير عدّة وعدداً, فعقدوا اجتماعاً في الروضة الحسينيّة المقدّسة ضمّ رؤساء المدينة وكبارها ومجتهديها, وأصحاب الكلمة النافذة فقرروا إجلاء العوائل عن المدينة من أبوابها الجانبيّة الى مضارب العشائر المجاورة وهي (آل فتلة, وبني حسن, واليسار, وآل زغبة وغيرها)؛ لتكون في حمايتها والاستبسال في الدفاع عن المدينة المقدّسة حتّى الموت كما تقرّر الاستنجاد برؤساء هذه العشائر الذين لبّوا النداء فأرسلوا ما تمكنوا من إرساله من المقاتلين والفرسان الذين قُدِّر عددهم بألفي مقاتل, ولكنّ هذه الإمدادات لم تكن بما يكفي للوقوف أمام الجيوش العثمانيّة الكبيرة والمعزّزة بأحدث أنواع البنادق والمجهّزة بالمدافع. وكان نجيب باشا قد عزم على إبادة هذه المدينة بالكامل فقبل أن يبدأ الجيش العثمانيّ بالهجوم عليها أمر بقطع الأشجار والنخيل المحيطة بها ليفسح بذلك الطريق لجيشه، وكان المقاتلون من أهالي كربلاء يرمون الجنود من فوق السور فيردّ العثمانيّون بالمثل ولمّا لم تبقَ شجرة أو نخلة بينه وبين سور المدينة أمر بإطلاق النار من المدافع!! أوعز نجيب باشا إلى قائد المدفعيّة أن يشرع في هدم السور المحيط بالمدينة، مهما كلّفه الأمر ليتمكّن الجنود من الدخول إليها بيسر ويقضي على المقاومة وعلى القبائل التي نفرت للمساعدة، وفي فجر الحادي عشر من شهر ذي الحجّة سنة (1258هـ) الثالث عشر من شهر كانون الثاني سنة (1843م) أخذت المدافع في إطلاق قنابرها على السور بشدّة فاستطاعت أن تفتح ثغرةً واسعةً من ناحية باب النجف، وإذا بفريق من الجند يتسلّق السور ويمشي فوقه بسلاحه، وفريق آخر يدخل من الثغرة ويتغلغل في أطراف السور وكان الفريقان يطلقان النار على كلّ من يلقيانه، فهال ذلك أمر المدافعين، واتّقدت جذوة المقاومة في نفوس الأهلين واشتعلت نيران الحماسة في صفوفهم على اختلاف طبقاتهم، فنزلوا إلى ميدان القتال متّحدين متضامنين. سيطرت القوّات العثمانيّة أخيرًا على الوضع فتراجع الثوّار, واحتمى عددٌ كبير منهم بصحني الإمام الحسين وأخيه أبي الفضل العباس – عليهما السّلام-, فشرعت القوّات الحكوميّة بالنهب والسّلب والتخريب واستباح الجندُ كربلاءَ مدّة تتراوح بين ثلاث وخمس ساعات أهدرت فيها الكثير من دماء الأبرياء من الشيوخ والأطفال ولم ينجُ من القتل سوى من احتمى بصحن الإمام الحسين ودار السيّد كاظم الرّشتي والدور التي ضمّها لتكون مأمناً. وقد قُتل كلّ من كان في صحن أبي الفضل العباس– عليه السّلام-, فعندما حاصر قائد الحملة باب الصحن الحسينيّ الشريف خرج إليه الحاج مهدي كمّونة وطلب منه الأمان فأمر بالكفّ عن جميع مَن بالصَّحن الشَّريف. وفي الوقت نفسه كان بقية الجنود قد اتّجهوا نحو صحن العباس – عليه السّلام-, الذي ازدحم بالناس وأغلقوا عليهم أبواب الصحن فتبعهم قائد الحملة, وأمر بقلع أحد الأبواب ودخل منه الجنود وشرعوا بقتل كلّ من فيه ولم يسلم من القتل حتّى الأطفال والنساء, ولمّا حلّ المساء كانت المدينة في عداد الأموات, وتولّى الحاج مهدي كمّونة وصحبه حماية الصحن الحسينيّ, ورفع جثث القتلى من صحن العباس– عليه السّلام-. ودخل نجيب باشا المدينة من باب بغداد وفي اليوم الثاني عاد الوالي مرّة ثانية وأمر مناديه بالأمان, وسأل عن السيّد وهاب الكليدار فأخبروه أنّه هرب فعزله ونصب مكانه الحاج مهدي كمّونة, ثمّ استخرج ورقة من جيبه فيها أسماء المطلوبين للحكومة العثمانيّة وطلب البحث عنهم وتسليمهم. فقبض على السيّد إبراهيم الزعفرانيّ فكبّل بالأصفاد, وأرسل إلى بغداد حيث أودع السجن, فلم يلبث سوى أيام حتّى مات بالدرن الرئويّ, كما قبض على السيّد صالح الداماد وعدد من الثوّار وطُورد بعض الثوار أمثال علي كشمش وطعمة العيد وبعض السادة من آل نصر الله والنقيب. واستبيحت المدينة قتلاً ونهباً وهرب الناس إلى قبري الإمام الحسين وأخيه العباس, وهرب آخرون إلى منزل الرشتيّ الذي جعله نجيب باشا مأمناً لمن لاذ به والتجأ إليه, وازداد عدد اللاجئين إليه فاضطر الرشتيّ إلى إضافة المنازل المجاورة لمنزله ليضمّ عدداً أكبر من اللاجئين, وازدادت الجموع التي هرعت إلى منزله حتّى أنّه بعد هدوء الحالة وجدوا عشرين شخصاً توفّوا من شدّة الزحام. وأمر نجيب باشا بإبقاء ستّمائة جندي كحامية للمدينة ثمّ غادرها إلى النجف وقد أُرخت هذه الواقعة بكلمتي (غدير دم) ويقابل ذلك بحساب الجمل السنة (1258هـ/1843م) وصادف ذلك اليوم الثاني لعيد الأضحى. وقد اختلفت الروايات في عدد القتلى من أهالي كربلاء, وما فُقِد من أموال ومجوهرات في أثناء استباحة المدينة, فقال السيّد حسين البراقيّ: إنهم (24 ألف قتيل ما بين رجل وامرأة وطفل ومنهم سحقًا بالأرجل لازدحامهم عند الهرب). وقال الشيخ حسن ابن الشيخ جعفر كاشف الغطاء:(كان عدد القتلى يزيد على عشرين ألف رجل وامرأة وصبيّ وكان يوضع في القبر الأربعة والخمسة إلى العشرة ويهال عليهم التراب بلا غسل ولا كفن). ونقل السيد عبد الحسين الكليدار عن زنبيل فرهاد ميرزا معتمد الدولة قوله:(ومن المحقّق أنّ تسعة آلاف شخص قد أبيدوا عن آخرهم في تلك المدينة المقدّسة فضلًا عمّا نهب من الأموال والأحجار النفيسة وأثاث البيوت والكتب). وقال الأستاذ جعفر الخليليّ:(وتقدّر الروايات المعتدلة أنّ عدد القتلى بلغ أربعة آلاف نسمة من الأهالي، وخمسمائة من الجيش المهاجم). وقد أثارت هذه الحادثة الرأي العام الدولي فطلبت إيران وروسيا وانجلترا عقد مباحثات مع الدولة العثمانيّة للوقوف بشكل صحيح عن أسباب الحادثة, وكان نجيب باشا هو أوّل من أعطى معلومات عن هذه الحادثة لروسيا وانجلترا لكنّ هاتين الدولتين تأكّدتا من أنّ المعلومات التي أدلى بها نجيب باشا غير صحيحة بناء على المعلومات التي وصلت إليهم, فكلّفت الحكومة العثمانيّة نامق باشا لبحث الحادثة كما استدعت سعد الله باشا لأخذ أقواله كونه يعدّ المسؤول الثاني عن الحادثة بعد نجيب باشا. وجرت مباحثات طويلة بين العثمانيّين والروس والإنكليز والإيرانيّين عن هذه الحادثة وما سببتها من أزمة سياسيّة بين الدولتين العثمانيّة والإيرانيّة استمرت أربع سنوات انتهت بمعاهدة أرضروم.

صور من الموضوع ...

نأسف ، لاتتوفر اي صور عن هذا الموضوع حاليا.

يمكنم الاتصال بنا عبر الهواتف ادناه :
00964-7711173108
00964-7602365037
او مراسلتنا عبر البريد الألكتروني :
info@mk.iq
media@mk.iq

للاستمرار، اكتب ناتج المعادلة الآتية :

للأسف، نتيجة خاطئة، حاول مجددا.


جاري التحميل ...

{{Msg.p}} ,
{{Msg.text}} .

لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثوان ...

جاري التحميل ...