شخصيات
الشَّاعرُ والفقيهُ السيّد عبّاس الـمَكّيّ الموسويّ

من أعلام القرن الثاني عشر، قدم إلى كربلاء في عام (١١٣١هـ) وكان نادرة عصره وألمعي دهره، صاغ النظمَ والنثرَ أحسن صياغة، ويُعرف بالرحّالة عباس بن علي بن حيدر بن نور الدين المكيّ الموسويّ الحسينيّ صاحب التصانيف القيّمة ومنها (نُزهةُ الجَّليس ومُنيةُ الأدبِ الأنيس) كان جوّالاً في الآفاق في طلب العِلم، أخذ الرواية عن أستاذه أبي الفتح السيّد نصر الله الحائريّ في أثناء أدائه فريضة الحجِّ بصحبة والده عام (١١٣٠هـ). وجاء في سلسلة نسبه: هو السيّد عباس ابن السيّد علي بن نور الدين علي بن علي بن نور الدين بن الحسين بن محمّد بن الحسين بن علي بن محمّد بن تاج الدين المعروف بأبي الحسن العامليّ الموسويّ بن محمّد بن عبد الله بن أحمد بن حمزة ابن سعد الله بن حمزة بن محمّد بن محمّد بن عبد الله بن محمّد بن علي بن عبد الله بن محمّد بن طاهر بن الحسين بن موسى بن إبراهيم ابن الإمام موسى الكاظم عليه السلام. وُلد السيّد المكيّ بمكة سنة (١١١٠هـ) ونشأ بها ونال حظوةً في العِلم والكمال ودرجةً قصوى بالأدب وها هو كتابه (نُزهة الجليس) يعطي صورة عنه. وكان يحسن عدّة لغات كالتركيّة والفارسيّة والهنديّة وهي التي أجادها بحكم أسفاره، ولم يكن يقتصر في نظمه على اللغة العربيّة بل كان ينظم باللغة الدَّارجة، فقد روى السيّد الأمين في الأعيان وقبله الشرواني في الحديقة بيتاً على طريقة (المواليا) العراقيّ: دموع عيني بما تخفي الجوانح وشن وعليّ غار الهوى من كلّ جانب وشن وأنت يا من شحذ أسياف لحظه وسن تروم قتلي بها بالله بيّن إلي من جوّز القتل في شرع المحبّة وسن ترجم له السيّد الأمين في الأعيان وذكر جملةً من أشعاره، وقال: توفّي في جبشيت من جبل عامل في حدود سنة (١١٧٩هـ) وقد قارب السبعين، وكان جدّه نور الدين هاجر إلى مكة فوُلد أبوه فيها وولد هو فيها أيضًا. ذكره صاحب حديقة الأفراح، فقال: فصيحٌ ألبسه اللهُ حلّةَ الكمالِ وبليغِ نسجِ القريضِ على أبدعِ منوال. وقال السيّد عباس المكي في كتابه (نُزهة الجليس) يصف رحلَتَه: فلمّا أسفر الصباحُ عن وجه الهنا والانشراحِ رابع ربيع الأول عام ألف ومائة وواحد وثلاثين من هجرة النبي المرسل، توكّلنا على الرَّبِّ العَليِّ ورحلنا من مشهد عليٍّ، قاصدين زيارةَ الشهيد المُبتلى المدفون بكربلا، الحُسين بن عليٍّ ومَن معه من الشهداء الصابرين رضوان الله عليهم أجمعين، ففي خامس الشهر المذكور أتينا على الموضعِ الذي يسمّى بالخان الأخير، ومررنا في طريقنا بقبر النبيّ ذي الكفل - عليه السّلام - فزُرنا وبلغنا المرام، وفي سادس الشهر دخلنا أرضَ الحائرِ مشهد الحُسين الطاهر سلام الله عليه وعلى أخيه وعلى جدّه وأبيه وأمه وبنيه وسائر مواليه ومحبّيه. للهِ أيامٌ مضينَ بكربلا محروسةً من كلِّ كرب وبلا بمشهدِ الطهرِ الحُسينِ ذي العُلا ونسلِ خيرِ الخَلقِ في كلِّ الملا فحفَّني بجودِهِ تَفضُّلا فتشرفتُ والحمد لله بالزيارة ولاح لي من جنابه الشريف إشارة فإني قصدته لحال، وما كلُّ ما يُعلم يُقال وقرَّت عيني بزيارة الشهيد علي الأصغر ابن مولانا الحُسين الشهيد الأكبر وزيارة سيّدي الشهيد العباس بن علي بن أبي طالب رضوان الله تعالى عليهم أجمعين وأمّا ضريح سيدي الحُسين فبه جملةُ قناديلٍ من الورقِ المرصَّعِ والعين ما يبهت العين ومن أنواع الجواهر الثمينة ما يساوي خِراجَ مدينة، وأغلب ذلك من ملوك العَجَم، وعلى رأسه الشّريف قنديلٌ من الذهب الأحمر يبلغ وزنه مَنّين، بل أكثر وقد عُقدت عليه قبَّةٌ رفيعةُ السّماك متّصلةٌ بالأفلاكِ وبناؤها عجيب، صُنعةَ حكيمٍ لبيب. وقد أقمت شهرين بمشهد مولاي الحسين، بلدة من كلِّ المكاره جُنّة كأنّها من رياض الجنّة، نخيلها باسقات وماؤها عذب زلال من شطِّ الفرات وأقمارُها مبدرة، وأنوارُها مُسفرة ووجوه قطّانها ضاحكة مستبشرة وقصورها كغُرفٍ من الجِّنان مصنوعة فيها سُرُرٌ مرفوعةٌ وأكوابٌ موضوعةٌ وفواكهها متنوّعة الألوان وأطيارها تسبّح الرَّحمنَ على الأغصانِ وبساتينُها مشرقةٌ بأنوارِ الورودِ والزهور، وعَرفُ تُرابها كالمسكِ ولونه كالكافور، وأهلها كرام أمائل ليس لهم في عصره مماثل، لم تلقَ فيهم غير عزيزٍ جليلٍ ورئيس صاحب خَلق وخُلق جميل، وعالم فاضل وماجد عادل، يحبّون الغريب ويصلونه من برّهم، وبرهم بأوفر نصيب ولا تلتفت إلى قول ابن إياس في نشقِ الأزهار بأنّهم من البُخلاء الأشرار، فللّه خرقُ العادة فإنّهم فوق ما أصفُ وزيادة: هيّنون ليّنون أيسار ذوو كرٍم سوّاسُ مكرمةٍ أبناءُ أيسارِ إن يُسألوا الحقَّ يعطوه وإن خبروا في الجهد أدرك منهم طيبُ أخبارِ لا ينطقون عن الفحشاء إنْ نطقوا ولا يمارون إن ماروا بإكثارِ فيهم ومنهم يُعدُّ المجدُ متّلداً ولا يعدّثنا خزي ولا عار مَن تلقَ منهم تقُل لاقيتُ سيّدهم مثل النجوم التي يسري بها الساري قال يرثي أبا الفضل العباس ابن أمير المؤمنين -عليهما السلام- من قصيدة: بذلتَ أيا عباس نفساً نفيسة لنصر حسين عزّ بالجدّ عن مثلِ أبيت التذاذ الماء قبل التذاذه وحسن فعال المرء فرع عن الأصلِ فأنت أخو السبطين في يوم مفخر وفي يوم بذل الماء أنت أبو الفضلِ بروحي فتى واسى الحسين بروحه وجيش ابن سعد حلّ بالوعد والقتلِ توفي سنة (١١٨٠هـ) في النجف الأشرف ودفن فيها. كان عالماً فاضلاً أديباً شاعراً تتلمذ على السيّد نصر الله الحائريّ ومدحه وله (الآيات الباهرات في مدائح النبي والأئمّة عليه وعليهم الصلوات) شعر جعل فيه لكل معصوم تسع منظومات ذكر في كلّ واحدة منها آية بالشعر أو الرجز أو الموشح أو المقامة.
صور من الموضوع ...
نأسف ، لاتتوفر اي صور عن هذا الموضوع حاليا.