شخصيات
الفيلسوف الكربلائيّ الدكتور محسن مهدي وتراثه الفكريّ

جادت مدينةُ كربلاء على العالم الإسلامي بكثيرٍ من المفكرين والباحثين، وقد يعتقد البعض أن الأمر ينحصر بالجوانب الفقهية والدينية فقط، وهذا أمرٌ غير صحيح، ففي كربلاء ظهرت مجموعات من المفكرين والعلماء والمفسرين، ومن هؤلاء الدكتور محسن مهدي، إذ ولِدَ هذا المفكر والفيلسوف محسن سعود مهدي في الثامن عشر من ذي القعدة سنة (1342هـ) الموافق 21 يونيو سنة (1924م) في منطقة عين تمر (شفاثة) في كربلاء، وهو المكان نفسه الذي ولِدَ فيه الشاعر العباسيّ أبو العتاهية، من أبٍ من قبيلة عنزة، كان يمتهن الطب التقليدي، وأكمل محسن مهدي دراسته الابتدائية وجزءاً من الثانوية في كربلاء، وأكمل الدراسة الإعدادية في بغداد، ومن الذين درّسوه مادة التأريخ المؤرخ جواد علي بعد ذلك ذهبَ إلى الجامعة الأمريكية في بيروت لدراسة الإدارة والاقتصاد، فوجَدَ نفسَه مُحبّاً للعلوم الفلسفية، وقد أثَّر فيه آنذاك المؤرخ العربي الدكتور قسطنطين زُريق، والمفكر شارل مالك، وبعد أن درس العلوم الاقتصادية وبتفوقٍ تمَّ تعيينه محاضراً في علم الاقتصاد في جامعة بغداد سنة 1947، فَدرَّسَ بها سنة واحدة، بعدها حَصَلَ على منحةٍ دراسية لدراسة علم الاقتصاد في جامعة شيكاغو سنة 1948، وقد تأثّر بمجموعة من المفكرين في جامعة شيكاغو، فتحوّلَ من دراسة الاقتصاد إلى الفلسفة، وكان من أساتذته (إيف سيمون)، ولكنّه تتلمذ بشكلٍ خاص على (نابيه آبوت)، و(ليو شتراوس). وفي عام 1954 حَصَلَ على شهادة الدكتوراه في الفلسفة من جامعة شيكاغو عن اطروحته (فلسفة ابن خلدون التأريخية دراسة في الأساس الفلسفي لعلم الثقافة)، وقد أشرفت على تلك الاطروحة أستاذته المستشرقة والمؤرخة التركية نابيه آبوت، وقد نُشِرت الاطروحة بكتابٍ في لندن سنة 1957، فعرف آنذاك أنّ التأريخ هو جزء من فلسفة السياسة بوصفها فلسفة إنسانية( ). وهو في هذه الفترة كان منتمياً لهيئة التفكير الاجتماعي، فَتعرَّف على كُلٍّ من سيث بينارديت (1930-2001م)، وآلن بلوم (1930-1992)، وهما من أبرز الفلاسفة الأمريكيين المُجددِّين، وكانت له علاقة جيدة بهما، وبعد ذلك عملَ محاضراً زائراً في الفكر السياسي في معهد الاستشراق بجامعة فرايبورغ بيرايسفو في ألمانيا. وقد يكون بمساعدة أستاذه ليو شتراوس الألماني الأصل. عاد الدكتور محسن مهدي إلى بغداد ليكون محاضراً في معهد القانون وكلية الفنون والعلوم بجامعة بغداد، ولكنه لم يمكث فيها طويلاً، إذ رجع إلى جامعة شيكاغو، وعملَ كأستاذٍ مساعد في قسم اللغات والحضارات الشرقية في جامعة شيكاغو، التي ترقّى فيها إلى درجة أستاذ حتى سنة (1969). وفي عام (1972)، أصبح أستاذ كرسي للدراسات الشرقية في جامعة هارفرد وكان ذلك بعرض من أستاذ اللغة العربية جميس ريتشارد جيوت، فاستمرَّ في عمله بهذه الجامعة حتى تقاعده سنة (1969)، أي لمدة 27سنة، إذ عملَ مديراً لمركز دراسات الشرق الأوسط. وفي هذه الفترة أي من عام ( 1957) وحتى عام (1996)، عَمَلَ في مجالاتٍ متعددة أبحاثَة ما بعد الدكتوراه التي عمل عليها في جامعتي باريس وفرايبورغ وقام في المغرب بأبحاث برعاية كل من مؤسسة روكفلر ومؤسسة فلوبرايت للبحث، وأنجزَ عدة زيارات للتدريس في جامعاتٍ عديدة، منها الجامعة الأمريكية في القاهرة، ومركز الدراسات الإسلامية في باكستان، وفي جامعة كالفورنيا في لوس انجلس، وفي جامعة بوردو، وفي جامعة سيدي محمد بن عبد الله في فاس وجامعة محمد الخامس في الرباط، وكان رئيساً وعضواً في العديد من أقسام الدراسات، ومراكز البحوث والجمعيات الدولية المختصة بتأريخ العلوم والفلسفة العربية، وعضواً في هيئة تحرير مجلة الفلسفة والعلوم العربية، ومجلة دراسات الشرق الأوسط، والمجلة الإسلامية لجامعة هامدارد، ومجلة التأويل ومجلة الفلسفة السياسية وترأَّسَ مركز الدراسات الإمريكي بالقاهرة وكان عضواً مراسلاً لمجمع اللغة العربية في القاهرة، ثم محاضراً في معهد العالم العربي في باريس وشاركَ في العديد من الندوات والمؤتمرات الدولية في كل أنحاء العالم، وقبل وفاته بأقل من شهر منحته الجامعة الإمريكية في القاهرة شهادة الدكتوراه الفخرية. عَمَلَ الدكتور محسن مهدي على تحقيق التراث الإسلامي وخاصة مؤلفات الفارابي الفلسفية، إذ كان مُتَمكِّناً منها ومن الفلسفة اليونانية والإغريقية واليهودية والمسيحية والغربية، وكان مُتَمكِّناً من منهجية تحقيق النصوص وعَمَلَ على تحقيق أهم مصادر الفلسفة الإسلامية وذلك لخبرته الطويلة في هذا المجال، ومن مؤلفاته وتحقيقاته التي استطعنا معرفتها: 1- فلسفة ابن خلدون في التأريخ، صدر في لندن سنة (1957)، وقد أُعيد طبعه مراتٍ عديدة وتُرجم إلى اللغة الفارسية. 2- أبو نصر الفارابي وفلسفة أرسطو، طبعة بيروت، دار مجلة شعر سنة (1961) وتُرجم إلى لغات عدة. 3- فلسفة أرسطو طاليس للفارابي، تحقيق صدر في بيروت سنة (1961). 4- مقال عن ( الفن في المغرب الأقصى ) للدكتور محسن مهدي أستاذ الدراسات الشرقية بجامعة شيكاغو، مجلة العربي الكويتية عدد 27 سنة 1961 ص56 – 61 5- الفلسفة السياسية الوسطية، طُبع في نيويورك سنة 1963، مرات عديدة. 6- كتاب الملّة ونصوص أخرى لأبي نصر الفارابي، حَققَّها وقَدَّم لها وَعلَّقَ عليها الدكتور محسن مهدي أستاذ الدراسات العربية والإسلامية بجامعة شيكاغو، طبع في بيروت سنة 1968 ويضم هذا الكتاب: كتاب المِلَّة، دعاء عظيم، فصول مبادئ آراء أهل المدينة الفاضلة، المِلّة الفاضلة فصول ومبادئ، الأسئلة اللّامعة والأجوبة الجامعة. 7- كتاب الألفاظ المُستَعمَلة في المنطق، للفارابي، تحقيق، طبع دار الشروق بيروت سنة 1968 8- كتاب الحروف للفارابي، تحقيق، بيروت، دار الشروق سنة 1970 9- كتاب الواحد والوحدة للفارابي، تحقيق، صدر عن دار توبقال المغربية سنة 1990، وهو جزء من كتاب الحروف. 10- الاتجاه السياسي للفلسفة الإسلامية صدر في واشنطن سنة 1982 11- مظاهر الرواية والمشافهة في أصول ألف ليلة وليلة، للعضو المراسل لمجمع اللغة العربية في القاهرة الدكتور محسن مهدي، مجلة معهد المخطوطات العربية مجلد 20 جزء1 سنة 1974 ص125-144. 12- ألف ليلة وليلة، تحقيق جديد في ثلاثة مجلدات، ليدن، هولندا سنة 1984. 13- الفارابي وتأسيس الفلسفة الإسلامية، وهو في الأصل سلسلة محاضراته التي ألقاها في معهد العالم العربي بباريس في سنة 1991، وهو الأهم بين مؤلفاته، ترجمهُ إلى العربية د. وداد الحاج حسن، نشر دار الفارابي بيروت سنة 2009م. وفي هذا الكتاب يبرز الفارابي والفيلسوف باعتباره المؤسِس الأهم للفلسفة الإسلامية السياسية في اطار تحليل دقيق التوثيق لمصنفاته مُلقياً الضوء على مفاهيم ونصوص للفارابي لم تكن معروفة أو معروفة جيداً من قبل. 14- العقيدة الدينية والعقيدة العلمية، بحث د. محسن مهدي ترجمة محمد الرشودي مجلة نزوى. 15- المسالك والتحدّرات الترشيدية العقلانية في الإسلام، بحث ضمن الكتاب الجماعي المناهج والأعراف العقلانية في الإسلام إعداد فرهاد دفتري منشورات دار الساقي بالاشتراك مع معهد الدراسات الإسماعيلية في لندن سنة 2004 ص83-112. 16- دراسة عن كتاب ( جغرافية الباز الأشهب ) للدكتور جمال الكيلاني، المنشور في مدينة فاس بالمملكة المغربية، وجاء هذه الدراسة كمقدمة لكتاب. كان لمحسن مهدي الأثر الكبير في دارسي الفارابي من مستشرقين وعرب، لأنّه قد حقَّقَ أكثر مؤلفاته صعوبة. وهو أفضل شخص كتب عن هذا الفيلسوف إذ جاء في المقدمة التي كتبها شارلز بترووث لكتاب محسن مهدي (الفارابي وتأسيس الفلسفة الإسلامية) أن الباحثة آن. ن. لامتون قد استندت وبشكلٍ كبير على كتابات محسن مهدي عن فلسفة الفارابي في كتابها المعنون الدولة والحكم في العصور الإسلامية الوسطية، مدخل إلى دراسة نظرية الإسلام السياسية (الفقهاء)، المصادر سنة 1983، وكذلك أثَّر الدكتور محسن مهدي بطالبته مريام غالستون في دراستها ( السياسة والفضيلة، فلسفة الفارابي المدنية سنة 1990)، وكذلك أثَّر في تلميذه يوشوا بارينز ( الميتافيزيقا كبلاغة تلخيص نواميس افلاطون للفارابي سنة 1995)، وكانت تلك المصنفات تعتمد على بحثه وتعكس بالتالي تأثيره، وأفاد آخرون من كتاباته عن الفارابي مثل دومينيك ماليه وتيرنر آن دروار وشكري عابد، ولذلك فكتابه – لا يوازيه كتاب في تأريخ الدراسات عن الفارابي، ولا استبعد تأثّر الباحث المغربي عبد السلام بن عبد العالي بمحسن مهدي عندما كتب ( الفلسفة السياسية عند الفارابي) الذي نشرته دار الطليعة في بيروت سنة 1979.
صور من الموضوع ...
نأسف ، لاتتوفر اي صور عن هذا الموضوع حاليا.