الشيخ عبد الزهراء الكعبي
التاريخ : 23 / 5 / 2016        عدد المشاهدات : 4005

الشيخ عبد الزهراء الكعبي

ناعية الطف وصوت كربلاء وخطيبها

عُرفت مدينة كربلاء المقدسة بضمّها عدداً كبيراً من الخطباء والرواديد الذين كرَّسوا حياتهم في خدمة المنبر الحسيني, وتميّزوا بحبهم لأهل البيت الاطهار (عليهم السلام) , والذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه وساروا في مسيرة الكفاح والنضال, ومنهم العالم الاسلامي والخطيب المفوّه صاحب الصوت الشجيّ الشيخ عبد الزهراء بن فلاح بن عباس بن وادي آل منصور من قبيلة بني كعب بن لؤي بن غالب , أفنى حياته في خدمة أهل البيت (عليهم السلام) ونشر علومهم وفضائلهم , اشتهر رحمه الله بأخلاقه الفاضلة وشجاعته وعزيمته فضلاً عن جهوده وجهاده وخطبه عبر المنبر الحسيني الشريف والتي كرَّسها للذود عن أهل بيت النبوة (عليهم السلام) فساهم بشكل فعّال في التمهيد لبناء المشاريع الاسلامية في جميع المجالات و إعطاء ها الاستمرارية, حيث لا يوجد مشروع إسلامي واحد في مدينة كربلاء لم يكن له دور فيه.   

     وأمَّا مولده فقد ولد  في مدينة المشخاب من ضواحي النجف الأشرف في اليوم الخامس من شهر جمادى الأولى عام (1327ﻫ-1914م) وقيل عام (1337ﻫ1923م)في ذكرى مولد الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (عليها السلام) فسُمي بـ (عبد الزهراء) تيمناً وبركة باسمها الشريف، وقد نزحت أسرته الكريمة من المشخاب الى مدينة كربلاء واستوطنت فيها، فنشأ في ربوعها وتعلم القراءة والكتابة في ما كان يسمى آنذاك بـ (المُلّا) فحفظ القرآن الكريم في سن مبكر على يد المرحوم الشيخ محمد السرَّاج في الصحن الحسيني الشريف، ثمّ درس عدداً من العلوم منها الأحاديث النبوية وخطب نهج البلاغة , كما درس مبادئ العلوم على يد الحجة الشيخ علي بن فليح الرماحي, و علم العَروض على يد الشيخ عبد الحسين الحويزي ثم درس الفقه والأصول على يد العلامة الشيخ محمد داود الخطيب في مدرسته بمحلة المخيم , ودرس المنطق والبلاغة على يد الشيخ جعفر الرشتي بالمدرسة الهندية عند باب السلطانية قرب الحرم الحسيني الشريف  ليصبح فيما بعد من أساتذة الحوزة العلمية الشريفة في كربلاء المقدسة فكان يلقي دروسه في مدرسة الامام القائم(عجل الله تعالى فرجه الشريف) ومدرسة السيد المجدد الشيرازي، ومدرسة (البادكوبة) الدينية وغيرها.

اهتم شيخنا الكعبي بالخطابة اهتماماً خاصاً ودرسها على يد الخطيبين الجليلين الشيخ محمد مهدي المازندراني الحائري المعروف بـ (الواعظ) وخطيب كربلاء المشهور والأوحد الشيخ محسن بن حسن أبو الحب الخفاجي . فبرع في الخطابة واشتهر بها وذاع صيته في الآفاق مخلصاً متفانياً في خدمة الامام الحسين (عليه السلام) , فكانت له المجالس العامرة بالجماهير من الرجال والنساء والشباب والأطفال في مساجد كربلاء وحسينياتها ودورها, بالإضافة الى مجالسه العديدة في جميع محافظات العراق مثل بغداد والنجف الأشرف والحلة والدجيل والمشخاب والبصرة والديوانية، و قد امتاز بقدرته المنبرية الفائقة والمتمثلة في قوة البيان والشجاعة في عرض الأفكار والآراء المقدسة للدين الاسلامي الحنيف وفي مهمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما امتاز بحفظ القرآن الكريم, و الاحاديث النبوية الشريفة وأقوال أهل البيت (عليهم السلام) فضلاً عن ثقافته الواسعة وحفظه للشعر.

       كان الشيخ عبد الزهراء الكعبي ناعية الطف بخطبه ومنبره الشريف, سيّما يوم العاشر من المحرم، والذي كان يتلو فيه القصة الكاملة لاستشهاد الامام الحسين و أهل بيته واصحابه (عليه وعليهم السلام), فكان المجلس يعقد في صباح العاشر من المحرم عند مدخل سوق العرب مقابل باب قاضي الحاجات, وكان موقع منبره الشريف عند محراب مسجد سوق الخفافين الموازي لسوق العرب بحضور آلاف المعزِّين، ولأهميته ومتابعته من قبل الجماهير أذيع المقتل بنصه الكامل من دار الاذاعة العراقية ابتداءً من عام 1959م, وقد أذيع لمرتين في نفس اليوم صباحاً ومساءاً لورود (14) الف طلب هاتفي وبرقي انهالت على وزير الثقافة والارشاد ودار الاذاعة العراقية لتكراره، ثم بادرت عدد من الاذاعات ببثه ، منها اذاعة الاهواز و إذاعة طهران وعدد من الاذاعات العربية الأخرى. كما أنَّ الآلاف من المسلمين من جميع انحاء العالم الاسلامي قد اقتنوا الشريط المسجل للمقتل الحسيني بصوت الكعبي (رحمه الله) لما له من تأثير بالغ في أوساط المسلمين عامة ومذهب اهل البيت (عليهم السلام) خاصة , وبفضله اعتنق الكثير من المسلمين للمذهب الحق وأصبحوا من الدُّعاة اليه.

   لقد كان الشيخ عبد الزهرة الكعبي يواصل مسيرته الجهادية المقدسة لاسيما جهاده المنبري الذي كان عاصفا مدوياً ذو مشاركة فاعلة في مشاريع التوعية والتربية الاسلامية الصحيحة، و لما جاء حزب البعث إلى السلطة بدأ بمحاربة رجال الدين الشيعة متهمًا إيَّاهم بالتجسس لبريطانيا فلم يهتم الشيخ عبد الزهرة الى مضايقات الحكام الطغاة واساليبهم القمعية الارهابية من أجل تصفيته والخلاص منه لذا سخَّر هؤلاء الجلادون بعض جلاوزتهم وعملائهم لدس السم القاتل له في القهوة التي قدمت له في مجلس لقراءة الفاتحة اقيم عند مرقد العلاّمة ابن فهد الحلي (رحمه الله) بكربلاء والذي كان يتولى شؤونه الشيخ الدارمي. وبعد خروجه توجه الى مجلسه في صحن أبي الفضل العباس (عليه السلام) فأصابته حالة اغماء سقط على أثرها من المنبر  ، وفي الطريق الى المستشفى عرجت روحه الطاهرة الى ربها راضية مرضية , وكانت تلك الليلة 6/6/1974 ليلة استشهاد الصدّيقة الزهراء (عليها السلام) وقد كان يوم استشهاده يوماً تاريخياً في مدينة كربلاء المقدسة و في جميع أنحاء العراق، حيث زحفت الجموع من كلّ صوب للاشتراك في تشيع جثمانه الطاهر ، فحُمل نعشه من داره في حي الحسين بعد أن وضع في (العمّاري) وهو نعش خشبي كبير يوضع فيه التابوت احتراماً لمنزلة المتوفي وبعد أداء زيارة مرقدي الامام الحسين وأخيه أبي الفضل العباس (عليهما السلام) سارت به الجموع الى مرقده في مقبرة وادي السلام القديمة.  

كان الشيخ الكعبي وما زال ناعية الطف وصوت كربلاء الذي يتلو فاجعتها على مرِّ العصور، فقد خلَّدته رواية مقتل الحسين إذ تشرّب صوته وهو يروي قصة يوم عاشوراء في قلوب الأجيال  فعشنا أحزان عاشوراء وجددنا مصائبها، لم نستذكر بطلاً من أبطال الطف إلاّ وصوت الكعبي وهو يروي وقوفه وجهاده بين يدي الإمام الحسين(عليه السلام) يوم عاشوراء يرسم صورة عنفوانه واستبساله في الدفاع عن الحق الذي يمثله سيد الشهداء ، فسلام على ناعي الطفوف يوم ولد ويوم لقى ربه ويوم يبعث حياً.


مركز تراث كربلاء


اتصل بنا
يمكنكم الاتصال بنا عن طريق الاتصال على هواتف القسم
+964     7602326873
+964     7721457394
أو عن طريق ارسال رسالة عبر البريد الالكتروني
media@mk.iq
info@mk.iq

تطبيق المعارف الاسلامية والانسانية :
يمكنكم ارسال رساله عن طريق ملء النموذج التالي :
اتصل بنا

او مواقع التواصل الاجتماعي التالية :