معهد القرآن الكريم للنساء
(سيدة نساء عصرها السيدة سكينة بنت الإمام الحسين (ع) بين أسر الحاكم وافتراءات التأريخ)
التاريخ : 11 / 11 / 2021        عدد المشاهدات : 21632

   ( البحث الفائز في المركز الأول في مسابقة مهرجان ربيع الشهادة العالمي الثالث عشر )

 

عنوان البحث

(سيدة نساء عصرها السيدة سكينة بنت الإمام الحسين (ع) بين أسر الحاكم وافتراءات التأريخ)

مقدمة:  

(بسم الله الرحمن الرحيم)

والصلاة والسلام على من بعثهُ الله من جانب البيت العتيق، إذ بحث عن كاحله ثرى الطريق، وكان التوحيد في صدره كالشهيق، والصلاةُ والسلامُ على أهل بيته خزان الهدى ومنتهى العلم العميق، أما بعدُ:   

   إنَّ من هوان الدنيا على الله تعالى أنْ يُرمى سادات البشر وأولياء الله فيها بالفظائع، فيأتي من هو أدنى منهم درجة وأقل شأناً، فيذود عنهم ويدافع، ومن هؤلاء السادة السيدة سكينة بنت الإمام  الحسين (ع)  سيدة نساء عصرها وخيرهن على قول الفريقين، ولم نجد هذه الافتراءات في كتب أهل الكتاب أو الكفار بل للأسف في كتب المسلمين، لكن قلنا هو هوان الدنيا و "ما عند الله خير و أبقى للذين آمنوا" "والعاقبة للمتقين"، لم يكن بحثنا عن السيدة سكينة بنت الإمام الحسين (ع) وردُّ الافتراءات عنها هو الأول في بابه، إذ كَتب كتابٌ قبلنا في ذلك، لكن أحببنا أن نكتب عن السيدة سكينة بأسلوب مغاير عما كتبهُ باقي الكُتاب عنها، إذ أن غيرتهم على هذه العلوية وحرصهم على تبرئتها جعلهم يكونون في موقف دفاعٍ حتى في الكلام في فضائلها، مما جعلهم لا يتعمقون كثيراً بالتفصيل في مناقبها، والبحث في أسرارها، والبحث عن كل العوامل التي ساعدت على الافتراءات عليها، أمّا نحن في هذا البحث إن شاء الله تعالى، سنستعرض أسباب افترائهم عليها بالتفصيل، وسيرتها ومناقبها، وسنرد على الافتراءات بأدلة جديدة كي يكون بحثنا إضافة لكتاباتهم المباركة عن هذه السيدة الطاهرة، لكن غالبا ًسيكون ردنا على هذه الافتراءات بالجملة، وليس بذكر رواية رواية، لأن البحث محدد بعدد معين من الصفحات، ما اضطرني إلى اختصار كلامي عن هذه السيدة، فثلاثون صفحة لا تكفي لذكر مناقبها وفضائلها، وردُّ جميع الافتراءات عنها بذكر جميع الروايات نصاً، والعذر لكم إن تجاوزت الحد المعين بصفحتين أو ثلاث إذ لم أستطع أن أختصر أكثر من ذلك، وكما قلت فليحسبه القراء اضافة لما كتبه الكتاب في ردّ تلك الافتراءات التي ألصقوها بها، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.

(المبحث الأول)

(سيرة السيدة سكينة بنت الإمام الحسين ـ ع ـ)

اسمها: 

 اسمها آمنة وقيل أمينة وقيل أُميمة، وسكينة لقبٌ لقبّتها به أمها الرباب([1])، وكأنهُ لسكونها وهدوئها([2])، لأن معنى السَّكينة الوَدَاعة والوَقار([3])، وقد ذكر السيد محمد علي الحلو في كتابه: (آمنة بنت الحسين) أربعة عشر مصدراً لمؤرخين ذهبوا إلى أن اسمها واحد من هذه الاسماء الثلاثة([4]) وإنما سكينة لقبها، ثم قال: "على أنَّا نرجح ما رجحهُ أهل التحقيق بأنَّ اسمها آمنة بنت الحسين وميلهم إلى ذلك، بل هو الأقرب.." و قد رجح بأن اسمها آمنة لعدة روايات، إما الروايات التي ذكرت بأنَّ اسمها أميمة وأمينة، فقد وضّح بأن هذا يرجع للتصحيف باسمها، والأصل هو آمنة، ومن المؤلفين والمحققين الذين رجحوا بأن اسمها آمنة، أبو الفرج الأصفهاني في كتابه الأغاني ج16ص360، و ابن عساكر في تاريخ دمشق في الهامش ج69ص 119، و ابن تغري بردي في النجوم الزاهرة ج1ص276 "أمّا لقبها لا كما يجري على الألسن من ضم السين وفتح الكاف (بل بفتح السين وكسر الكاف) وهذا الرأي نسبهُ الصبان إلى المشهور فإنهُ قال: المشهور في اسمها أي: لقبها على الألسنة أنهُ مكبر بفتح السين وكسر الكاف"([5]) فيكون سَكينة وليس سُكيْنة كقوله تعالى: "يأتيكم التابوت فيه سَكينة من ربكم" البقرة/ آية 248  . 

المطلب الثاني: نَسبها:

 هي (آمنة بنت الحسين الملقبة بسكينة، جدها وجدتها لأبيها هو علي بن أبي طالب (ع) ـوفاطمة الزهراء (ع) بنت رسول الله محمد (ص) وأمها الرباب بنت امرئ القيس. فالسيدة سكينة بنت خير أسرة وأفضل نسبٍ من الأولين والآخرين وكي لا نخرج عن الاسترسال في البحث سنمر على مكارم أعمدة هذا النسب الطاهر مروراً سريعا:

1ـ (جدها الأكبر)

   محمد رسول الله (ص) أبو الزهراء وكفى به أنّه رسول رب العالمين، والذي خاطبهُ الله تعالى في محكم كتابه: "وإنك لعلى خلقٍ عظيم" القلم آية 4 الذي قال الله تعالى عن اقترابه منهُ في الإسراء والمعراج: "فدنا فتدلّى ـ فكان قاب قوسين أو أدنا" النجم آية 9 وأيضاً قال فيه: "وما ينطق عن الهوى ـ إنْ هو إلّا وحيٌ يوحى" النجم آية3.

2ـ (جدها الأصغر)

   علي بن أبي طالب نفس النبي في قوله تعالى لنبيه: "قل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم"([6]) وهو وزوجته فاطمة وولداه الحسن والحسين أهل البيت الذين طهرهم الله تعالى بقوله: "إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا"([7]) وهو الذي قال له رسول الله (ص): "أنت مني وأنا منك"([8]) وهو الذي قال عنه رسول الله ـــ ص ــ عند إرساله لقراءة سورة البراءة: "لا ينبغي أن يبلغ عني إلا رجل مني وأنا منه"([9])

  3ـ (جدتها)

    هي فاطمة الزهراء (ع) العطية التي وعد الله تعالى أن يعطيها لنبيه (ص) بقولهِ: "ولسوف يعطيك ربك فترضى" الضحى/5 إذ لم نجد في كتاب الله أنَّ الله تعالى أعطى لنبيه بنفس اللفظ (أعطى) سوى قوله لهُ: "إنا أعطيناك الكوثر"([10]) وهي من أهل البيت الذين خصّهم الله بآية التطهير([11]) و هي من قال رسول الله فيها : "فاطمة سيدة أهل نساء الجنة"([12]) وقال فيها: "فاطمة بضعة مني فمن أغضبها أغضبني"([13]).

4ــــ أبوها:

هو الحسين بن علي، وهو الذي قال الله تعالى في جده وأبيه وأمه وأخيه الحسن: "إن الله وملائكته يصلّون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه و سلموا تسليما" الأحزاب/56 فسألوا النبي (ص) فكيف الصلاة عليك؟ قال: قولوا: "اللهم صل على محمد وآل محمد"([14]) و هو الذي قد عنَاه الله بمعية أخيه الحسن (ع) بكلمة (أبناءنا) نسبةً لرسول الله (ص) و ذلك بقوله لنبيه: "قل تعالوا ندعُ أبناءنا وأبناءكم"([15]) وهو الذي قال رسول الله (ص) فيه وفي أخيه الحسن(ع): "هما ريْحانتاي من الدنيا"([16]) وقال فيه: "حسين مني وأنا من حسين أحب الله من أحب حسينا"([17]).

      هؤلاء أعمدة نسب السيدة سكينة، فهي بهذا النسب الطاهر حريٌ بها أن تكون من الخيّرات بل: "خيرة النسوان" كما وصفها أبوها الحسين في كربلاء، وذلك بحكم الوراثة والتربية. إذ إنَّ  الوراثة في الصفات والطباع من الأجداد إلى الأبناء والأحفاد، قد أثبت وجودها رب العزة في محكم كتابه، من ذلك قوله: " ذرية بعضها من بعض" آل عمران/ 34، كما جاءت الأحاديث مستفيضة من النبي وآله في إثبات الوراثة منها قول الرسول (ص): «من زوّج كريمته من شارب خمر فقد قطع رحمها»([18])  وقوله (ص): «تخيّروا لنطفكم فان العِرقَ دسّاس»([19]) مشيراً بذلك إلى التأثير الوراثي في الطباع بالإضافة إلى تأثيرها في الجوانب الجسدية، فالوراثة تلعب دوراً كبيراً في بناء الفرد كما هو الحال في التربية، والسيدة سكينة بنت الإمام الحسين(ع) بلا شك قد حظيت بجودة عنصر الوراثة والتربية معاً بكونها حفيدة النبي المصطفى(ص) وبنت آله الأطهار الذين أشرنا إلى شيٍءٍ يسيرٍ من فضائلهم في هذا المطلب، فحريٌّ بها أن تكون خيرة النساء، وسيدتهنّ في عصرها بعد عمتها زينب ابنة علي عليهما السلام.

المطلب الثالث: حياتــها: 

     إن تاريخ مولد السيدة سكينة لم يُعرف على وجه الدقة ولم يتضح لنا تاريخ ولادتها، ولا مقدار عمرها، لذلك فإن عمرها في كربلاء أيضاً لم يتحدد، فمن المؤرخين من قال: "كانت في كربلاء في سن العاشرة أو الثالثة عشر"([20]) ومنهم من قدّر أن عمرها أربع عشرة سنة، وغير ذلك من الأقوال، وإن الاختلاف كان حتى في مكان وفاتها وقبرها، فقد "قيل توفيت بمكة في طريق العمرة، كما قيل رجعت إلى الشام و توفيت هناك، ويذهب الشعراني إلى وفاتها بمراغة من أرض مصر وقبرها بالقرب من السيدة نفيسة"([21])

 وقد لفت انتباهنا هذا الاختلاف المتكرر في أساسيات حياة السيدة سكينة، فقد وجدنا الاختلاف في سنة  ولادتها وفي اسمها وفي مكان وفاتها ومدفنها وتفاصيل حياتها، فاستنتجنا بأن هذا الاختلاف عائدٌ للتعتيم الإعلامي على البيت العلوي من قبل السلطة الجائرة، لاسيما وإن الاختلاف في ولادات الأئمة وأولادهم ووفياتهم، نجده قد بدأ أو كثر بعد تسلم معاوية منصة الخلافة نزولاً إلى أشباهه من الأمويين والزبيريين والعباسيين، الذين حاصروا البيت العلوي إعلامياً بكل ما أوتوا من قوة، و هذا التعتيم نفسه كان سبباً بأن تحدث هذه الافتراءات على السيدة سكينة، لأنهم عتموا على دورها الحقيقي و مظلوميتها الكبيرة.      

     لقد عاصرت السيدة سكينة (ع) من المعصومين أباها الشهيد، وأخاها الإمام زين العابدين، والإمام الباقر، وأدركت أيام الصادق (عليهم السلام)([22]) و كان للسيدة سكينة خمسة أخوة وأختٌ واحدة، وهم: "علي بن الحسين الاكبر زين العابدين عليه السلام، أمه شاه زنان بنت كسرى يزدجرد بن شهريار(وهو الإمام بعد أبيه ومنه ذريته)، وعلي الاصغر قتل مع أبيه، وأمه ليلى بنت أبي مرة بن عروة بن مسعود الثقفية، والناس يغلطون [ويقولون:] إنه علي الأكبر، وجعفر بن الحسين وأمه قضاعية ومات في حياة أبيه ولا بقية له، وعبد الله قتل مع أبيه صغيرا وهو في حجر أبيه، (وهو أخوها من أبيها ــ وأمها الرباب بنت امرئ القيس بن عدي بن أوس، وفاطمة بنت الحسين ــ ع  و أمها أم إسحاق بن طلحة بن عبد الله تيمية"([23]) وقال السيد عبد الرزاق المقرّم :"ولا يفوت القارئ ما اتفق عليه المؤرخون وأهل التراجم من أنه لم يكن للحسين من البنات غير فاطمة وسكينة وهما المتزوجتان من ابني عمهما الحسن السبط (ع) و أما غيرهما المذكور فعلى ذمة التأريخ"([24]) و قد ذكر العلامة المجلسي في بحار الأنوار أن للحسين(ع) بنتين أو ثلاث غير سكينة([25]). 

   "قد تزوجها ابن عمها عبد الله بن الحسن الأكبر، فقتل يوم كربلاء"([26]) أمّا ما يطرح بشأن زواج القاسم بن الإمام الحسن من سكينة، وإعداد وتزيين مكان لزواجه في كربلاء لا حقيقة له ولا سند...وهذا من جملة التحريفات التي تسربت إلى واقعة الطف"([27]).

  وأنا باعتقادي إن ما جرى على ألسنة العوام من زواج سكينة بنت الحسين ــ ع ــ من القاسم بن الحسن ــ ع ــ راجع للاشتباه فقط، لأن عبد الله ــــ زوج سكينة ــــ كما قال السيد عبد الرزاق المقرم "هو أخو القاسم لأبيه و أمه (رملة)([28])  وهنالك من المؤرخين من يقول إن عبد الله بنى بسكينة (و لم تلد له)([29]) ومنهم من يقول لم يبن بها([30]) أي: إن هنالك مشروع زواج أو زواج حديث بينهما، شبه ما يردده الناس العوام بين القاسم وسكينة، و السبب من صرف هذا الزواج للقاسم دون أخيه عبد الله من الحسن هو لشهرة القاسم في بعض مواقفه في كربلاء. وقد نسب للسيدة سكينة عدة أزواج بعد الطف، إلا إن هنالك اضطراباً واضحاً في هذه النسبة ما يدل على بطلانها بالكامل.        

    لقد كانت السيدة سكينة بنت الحسين (ع) بعمر الرابعة عشرة في واقعة الطف وعاشت بعدها 57 سنة، على ما رجحهُ المؤرخون من أن ولادتها سنة 47 ه ووفاتها سنة 117ه في المدينة،  و قد قال السيد عبد الرزاق المقرم:" إنْ أمكننا القول بأنها قاربت السبعين بعد ملاحظة سنة وفاتها وكونها يوم الطف بالغة مبلغ النساءٍ، ولا أقل من التقدير بالعشرة، وذكرنا ولادتها سنة 47 كما صحَّ لنا ولادتها في المدينة ووفاتها فيها يوم الخميس لخمس خلون من ربيع الأول سنة 117هـ " و قال ابن عساكر في تاريخ دمشق: "حدثنا شيوخنا عن أسلافهم أن قبر سكينة بنت الحسين بدمشق ولكن يضعفه أهل العلم حتى قال: "وسنة سبع عشرة ومائة ماتت سكينة بنت الحسين ابن علي بالمدينة"([31]) وبذلك يترجح أيضاً بأن قبر السيدة سكينة بنت الحسين بالمدينة وليس كما هو متعارف عند الناس العوام بأن قبرها في دمشق.   

المطلب الرابع: منشأها

    تربت السيدة سكينة في بيت علي بن أبي طالب (ع) الذي لم تره عيناها كما لم تر جدها رسول الله (ص) إلا إنها  رأتهما بأبيها الحسين (ع) من خلال حبه لها، وإحسانه إليها ورفقه بالمرأة بشكلٍ عام وجميع مزاياه، فعلي بن أبي طالب (ع) عمل جاهداً في خلافتهِ الظاهرية أن يرد حقوق المرأة التي هُمّشت بعد وفاة رسول الله (ص) حتى كأنها أرجعت إلى أحكام الجاهلية الأولى، قياساً بما فعلوه في البارزات اجتماعياً ودينياً بين النساء فكيف بغير البارزات منهن، فبعد رسول الله (ص) ابتدأ القوم بسيدة نساء العالمين، التي قال الرسول عنها: "فاطمة بضعة مني فمن أغضبها أغضبني" وذلك أيام خلافة أبي بكر حينما هبوا بحمية الجاهلية فغصبوا إرثها، وكذلك هبتها (فدك)([32]) وعنّفوها أيما تعنيف بالهجوم على دارها.([33]) وإسقاط جنينها([34]) فماتت وهي غاضبة على أبي بكر ([35])وكذلك في تلك الأيام قتل خالد بن الوليد مالك بن نويرة الرئيس في قبيلته صبراً وبنى بزوجة مالك في ليلة مقتله مخالفاً للإنسانية والشرع في تلك المرأة التي اجتذبه جمالها.([36]) حتى قال الشاعر:

قضى خالدُ بغياً عليه لعرسه........ وكان له فيها هوىً قبل ذلكا([37])

    ثم جاء الثاني فمنع البكاء على الميت حتى أنه في عزاء وفاة أبي بكر تشادَّ مع عائشة وأمر هشام بإخراجها "فأخرج أم فروة أخت أبي بكر إلى عمر فعلاها الدرة فضربها ضربات"([38]) ثم جاء الثالث فعنف أسرةً هي من أفضل أسر الإسلام ألا وهي أسرة أبي ذرٍّ الغفاري الذي قال عنه رسول الله (ص):" ما أظلت الخضراء أو أقلت الغبراء من رجل أصدق لهجة من أبي ذر"([39]) وذلك بترحيله إلى صحراء الربذة هو وزوجته وابنه حتى مات هناك([40]).

فلمّا انتقلت الخلافة الظاهرية إلى الإمام علي (عليه السلام) عمل جاهداً أن يسترجع للمرأة حقوقها ويجعلها في دورها ومكانها الصحيح، وهو الستر والحجاب والإكرام، وركز على ذلك بالفعل والقول، فأما بالفعل فأبرز ذلك هو إن صاحبة الجمل التي خالفت قوله تعالى: "وقرن في بيوتكن" وجاءته بجيشها الجرار تقاتله، نجد علياً (ع) تعامل معها بمروءته فأرجعها إلى بيتها معززة مكرمة بيد أخيها([41]) قائلاً لها:

   "والله ما أنصفك الذين أخرجوك إذ صانوا عقائلهم وأبرزوك".([42])

أما بالقول، فأقواله عن المرأة كثيرة لا يسع المجال لذكرها وتفسيرها لكن سنذكر منها ما يلي:

أولاً: حذر الإمام علي (ع) المجتمع من أن ينظر للمرأة بوصفها جسداً فقط، فتفسد هي ويفسد بها المجتمع، من ذلك قوله: "المرأة عقرب حلوة اللسبة، أي: اللسعة "([43]) أي: إنها كجسدٍ تدخل إلى قلب الرجل وعقله بسرعة كسرعة لدغة العقرب فتلوث ذاته لكن الفرق هي لذة للرجل، ولسعة العقرب فيها ألم" وحتى قوله: " كونوا من خيارهن على حذر""([44]) قصده الحذر من النساء المنافقات؛ وقال:" خيارهن"، لأن المنافق غالباً ما يتظاهر بالخير والطيبة بعكس ما يضمر، ولا يقصد بذلك الخيرات حقاً([45])

ثانياً: دعا إلى حجب المرأة بقولهِ للإمام الحسن (ع): "واكفف عليهن من ابصارهن بحجابك اياهن، فإن شدة الحجاب أبقى عليهن"([46]) ولا يعني ذلك أن الإمام علي (ص) ضد أن تسعى المرأة في طلب العلم، بل على العكس الإمام علي (ع) كان يريد للمرأة أن تكون متفقهة في دينها ومتعلمة بدليل أن كل بناته وحفيداته كُنّ متفقهات متعلمات على الرغم من خدرهن في بيوتهن، موصوفات بالجزالة واللبابة كزينب ابنة علي (ع)([47]) و بالسيادة على نساء العصر كسكينة بنت الحسين (طبعاً بعد عمتها زينب)([48]) لكن الإمام علي (ع) يريد للمرأة أن تتفقه وتتعلم من غير اختلاط بالرجال الأجانب، لذلك بناته وحفيداته كنّ يتلقينَ العلم منه ومن السيدة فاطمة الزهراء والحسن والحسين (ع) وهذا الأمر ذكره أهل التراجم بأن العلويات كزينب بنت علي (ع) وفاطمة بنت الحسين (ع) وسكينة بنت الحسين (ع)  كل أو أغلب رواياتهن للحديث النبوي عن هؤلاء الخمسة من أهل بيتهنَّ، من ذلك قول ابن حبان في الثقات حينما ذكر السيدة سكينة في ثقاته قال: "سكينة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب ماتت بالمدينة سنة سبع عشرة ومائة تروي عن أهل بيتها روى عنها أهل الكوفة"([49]) قصده بأهل الكوفة هم الشيعة كما إنهُ لم يحدد الجنس فيهم. مما يؤكد أن العلويات كن عالمات وكان تلقيهن للعلم من غير اختلاط بالرجال الأجانب، وهذا ما كان يصبو إليه علي بن أبي طالب في كل امرأة.  

ثالثاً: دعا إلى إكرام المرأة وعدم إهانتها حتى لو كانت مشركة والابتعاد عما كان يعاملها به أهلِ الجاهلية وذلك بوصيته لعسكره: "ولا تهيجوا النساء بأذى، وإن شتمن اعراضكم وسببن امراءكم، فإنهن ضعيفات القوى والانفس والعقول أي: (التجارب). وانّا كنا لنؤمر بالكف عنهن وإنهنّ لمشركات. وإن كان الرجل ليتناول المرأة في الجاهلية بالفهر أو الهراوة "العصا" فيعير بها وعقبه من بعده فلا يبلغني عن أحدٍ عرض لامرأة فأنكّل به شرار الناس"([50]) كما إن أمير المؤمنين علياً لم يدعُ فقط إلى عدم إيذاء المرأة، بل دعا إلى الغيرة والجهاد إذا مُست المرأة بسوء سواء كانت مسلمة أم غير مسلمة بقوله: "ولَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ اَلرَّجُلَ مِنْهُمْ كَانَ يَدْخُلُ عَلَى اَلْمَرْأَةِ اَلْمُسْلِمَةِ وَاَلْأُخْرَى اَلْمُعَاهِدَةِ فَيَنْتَزِعُ حِجْلَهَا وَقُلُبَهَا وَقَلاَئِدَهَا وَرُعُثَهَا مَا تَمْتَنِعُ [ تَمْنَعُ ] مِنْهُ إِلاَّ بِالاِسْتِرْجَاعِ وَاَلاِسْتِرْحَامِ ثُمَّ اِنْصَرَفُوا وَافِرِينَ مَا نَالَ رَجُلاً مِنْهُمْ كَلْمٌ وَلاَ أُرِيقَ لَهُمْ دَمٌ فَلَوْ أَنَّ اِمْرَأً مُسْلِماً مَاتَ مِنْ بَعْدِ هَذَا أَسَفاً مَا كَانَ بِهِ مَلُوماً بَلْ كَانَ بِهِ عِنْدِي جَدِيراً "([51])

     فالسيدة سكينة تربت في بيت هذا الرجل العظيم علي بن أبي طالب (ع) ورأته في أبيها الحسين (ع) الذي هو ولده، فقد كان الإمام الحسين (ع) أيضاً شديد الغيرة على حرمه وحرم المسلمين حتى ذكر المؤرخون بأنَّ الحسين وهو مثخن بالجراح صاح: يا شيعة آل أبي سفيان إن لم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون المعاد فكونوا أحرارا في دنياكم ... إنا الذي أقاتلكم وتقاتلوني والنساء ليس عليهن جناح فامنعوا عتاتكم من التعرض لحرمي ما دمت حيا"([52]) فبين إن الإسلام والإنسانية والعروبة الحقة تستقبح أن يتعرض الرجل إلى النساء في حربٍ أو غير حرب، ومع أن الحسين (ع) كان يائساً من إنسانية هؤلاء، لكنه أراد بكل وسيلة أن لا تهان نساؤه و نساء المسلمين على الأقل في حياته، لذلك حينما رأى ابنته سكينة تبكي _يقول أبي مخنف في مقتل الحسين صفحة 95 أنهُ_ ضمها إلى صدره وقال:

سيطول بعدي يا سكينة فاعلمي             منك البكاء إذا الحمام دهاني

لا تحرقي قلبي بدمعكِ حســرةً               ما دام مني الروح في جثماني

فإذا قُتلت فأنت أولى بالذي                تأتينهُ يا خيرة النســـــــــــــــــــــــــــــــــــوانِ

   ولمّا خرجت السيدة زينب (ع) إلى المعركة في مقتل علي الأكبر، أرجعها إلى الخيمة([53]) وكذلك الحال مع بعض نساء الأنصار حينما أردن البراز لنصرته (ع) قد أرجعهنّ الحسين (ع) الى الخيمة حفاظاً على كرامتهن من الهتك قائلاً: "ليس على النساء جهاد"([54]) وما فتوى الجهاد الكفائي التي أطلقها السيد علي السيستاني (حفظه الله) سنة 1435ه/ 2014 م إلّا امتداد لتلك الغيرة العلوية الحسينية على نساء الموصل، من غير فرقٍ إن كنَّ مسلمات أو أيزيديات أو مسيحيات؛ كي لا يكون موالو عليٍ من الذين عاتبهم الإمام علي (ع) بما ذكرناه من قوله: "وَلَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ اَلرَّجُلَ مِنْهُمْ كَانَ يَدْخُلُ عَلَى اَلْمَرْأَةِ اَلْمُسْلِمَةِ وَاَلْأُخْرَى اَلْمُعَاهِدَةِ فَيَنْتَزِعُ حِجْلَهَا وَقُلُبَهَا وَقَلاَئِدَهَا وَرُعُثَهَا.... ثُمَّ اِنْصَرَفُوا وَافِرِينَ مَا نَالَ رَجُلاً مِنْهُمْ كَلْمٌ وَلاَ أُرِيقَ لَهُمْ دَمٌ" وكأن كل واحد من موالي عليٍ ـ ع ــ يقول لهم اقتداءً بكلمة أبي عبد الله الحسين (ع) فأنا الذي أقاتلكم وتقاتلونني والنساء ليس عليهنّ جناح".   

إلّا إنَّ المسلمين لم يجازوا عليَّ بن أبي طالب على إحسانه، لا في الماضي ولا في الحاضر، فعليٌ (ع) الذي أحسن للمرأة التي قاتلته وراح ضحيتها كثير من الدماء، لم يضربها أو يعنّفها رغم فعلتها، كما أمر الثاني بضربها، وضرب أم فروة أخت أبي بكر لبكائهنّ في العزاء، بل على العكس أرجعها بيد أخيها معززة مكرمة، وعليٌ الذي بفكره اليوم صار موالوه  يدافعون عن أعراض النساء، من غير فرقٍ إن كُنَّ مسلمات من غير المذهب الشيعي أو مسيحياتٍ أو غير ذلك، نجد نفس هذا الرجل بناته من بعده عانين الظمأ في كربلاء، ورأين قتلاهنّ مجدلين في أرض الغربة، وساقوهن بين ضربٍ و شتمٍ سبايا إلى من وضع نفسه خليفة للمسلمين، فقد أجمع أهل التأريخ على سوق بنات علي والحسين (ع) سبايا إلى ابن زياد ثم يزيد وأجمعوا على قرعهما ثنايا الحسين (ع) بالقضيب، ومساندة يزيد لضيفه الذي أراد أن يأخذ السيدة فاطمة بنت الحسين (ع) جارية له، و لم يكتفوا بذلك حتى نجدهم افتروا على حفيدته الأخرى سكينة بنت الحسين (ع) رواياتٍ ما رواها إلّا رواةٌ أنكر حديثهم علم الرجال أو أهملهم، إما لمجونهم وسوء خلقهم، وإما لأنهم يروون عن المناكير، وقد شرح حالهم السيد المقرم في كتابه: ( سكينة بنت الحسين) والسيد علي محمد الحلو في كتابه: (آمنة بنت الحسين) ومع كل ذلك نجد كتب العامة تحتوي هذه الروايات بل وتصفق لها إلى يومنا هذا "والله المستعان على ما يصفون".  

                                       

                                        المبحث الثاني

منشأ الافتراءات على السيدة سكينة، وأسبابها

المطلب الأول:

دوافع الافتراءات:

إن السيدة سكينة بنت الحسين (ع) كما تعرضت للعنف الجسدي في يوم عاشوراء وما بعده في السبي من عطشٍ ويتم وترملٍ وضرب وأسرٍ، نجدها تعرضت للعنف الروائي والتأريخي، وذلك يعود إلى دوافع والدوافع هي المصالح والمطامع الأموية والزبيرية  التي يجمعها البغض لعلي بن أبي طالب وأولاده، فبغض الأمويين للعلوين لا يخفى أبرزه أمر معاوية بسبّ علي بن أبي طالب (ع)([55]) بل "كان لا يقوم خليفة من بني أمية إلا سبَّ علياً، فلم يسبه عمر عبد العزيز حين استُخلف"([56]) ، وأمر معاوية  بسم الحسن السبط بن علي بن أبي طالب (ع)([57]) وقَتل يزيد بن معاوية الحسين بن علي ابن أبي طالب(ع) عطشاناً غريبا([58]) وكذلك بغض الزبيريين للعلويين لا يخفى أبرزهُ غدرة الزبير بعلي بن أبي طالب (ع) بعد البيعة له والخروج عليه يوم الجمل([59]) وتحامل عبد الله بن الزبير على بني هاشم وحصرهم ....  ونفيه لمحمد بن الحنفية وتهديده له بالحرق([60])  بل أضرم داره ناراً([61]) وسبّه لعلي([62]) وقتل مصعب بن الزبير المختار الثقفي الذي قتل جمعاً من قتلة الحسين (ع) تحت شعار: (يالثارات الحسين)([63]) ولما أراد الأمويون والزبيريون أن يرقعوا تأريخهم الإجرامي تجاه ما فعلوه بآل علي والحسين (ع) لم يجدوا إلا أنْ يجرموا مرة أخرى فيفتروا على السيدة سكينة (ع) هذه الافتراءات، لأنَّ الأمويين مصلحتهم أن ينسى الناس مصيبة كربلاء من كثر ما كشفت وتكشف للناس على مر السنين مدى إجرامهم، فافتروا على السيدة سكينة بنت الإمام الحسين (ع) بأنها تخالط الشعراء وتسمع الغناء وتعدد الأزواج، بغية أن ينسى الناس هذه الفاجعة بحجة أن ابنة العلويين سكينة التي حضرت واقعة الطف ورأت مأساتها قد نستها وتوجهت لملذات الدنيا كما يزعمون.

وأرادوا أنْ يُصغّروا من شأن العلويين بالافتراءات على ابنتهم السيدة سكينة (ع)؛ لأن علو شأن العلويين ومنزلتهم العظيمة عند الناس سببٌ بتحامل بني أمية عليهم ومن شواهد ذلك حادثة هشام بن عبد  الملك مع الإمام السجاد (ع) التي جاءت إثرها قصيدة الفرزدق الميمية المعروفة([64])  أما المطامع الزبيرية ما فتئت تلاحق المجد العلوي فهم من جهة الحرص والحسد يحاربون العلويين، ومن جهة الطمع يهرعون وراء المجد العلوي من خلال اختلاقهم أن مصعب بن الزبير تزوج من السيدة سكينة بنت الحسين، ثم أكملوا هذا الاختلاق بأكذوبة أخرى تؤكد ركض  الزبيريين وراء المقام العلوي فقالوا عن مصعب ابن الزبير: "إن أشجع العرب لرجل جمع بين سكينة بنت الحسين وعائشة بنت طلحة"([65]) من هنا نجد أن الروايات المسيئة للسيدة سكينة رأسها مصعب الزبيري وابن أخيه الزبير بن بكار الذين لم ينقطعا يرويان عن المناكير ووضّاعي الحديث.

المطلب الثاني: تمرير الافتراءات عبر أبي الفرج:

كان الأمويون والزبيريون ــكما يبدوــ حريصين على أن تنتشر هذه الافتراءات على السيدة سكينة، لذلك عمدوا إلى أن يمرروا أغلب هذه الروايات المسيئة للسيدة سكينة (ع) عِبر أبي الفرج الأصفهاني الأموي المتشيع على حد قول المؤرخين، ما جعل أغلب المحققين الشيعة يشككون بتشيعه ويقولون بأنَّهُ كما هو مرواني النسب مرواني النزعة، وأعطوا أدلة على ذلك بأنهُ ألّف لأقاربه الأمويين من ملوك الأندلس كتباً وصيّرها إليهم سراً فأتتهُ الجائزة منهم سرّاً([66]).

وأرسلَ كتاب الأغاني إلى الحكم الثاني المنتصر الأموي وهو في الأندلس قبل أنْ يخرجهُ إلى العراق فأرسل إليه الحكم ألف دينار من الذهب العيّن"([67]) إلا إن السيد محمد علي الحلو في كتابه: ( آمنة بنت الحسين)  طرح سؤالاً عن  نسبة كتاب الاغاني لأبي الفرج الاصفهاني، وإمكانية أنْ يكون الكتاب منسوباً إليه، أو تكون الشبهة ــ على أقل تقدير منسوبة إليه ـــ وتوقف في القطع بصحة نسبة الكتاب، ومال إلى أنْ يكون الكتاب المتداول بين أيدينا منسوباً لأبي الفرج الاصفهاني، لتمرير شبهاتٍ لا يمكنُ رواجها إلا على يدِ كاتبٍ شيعيٍ يضمنُ تسويقها إلى (سوقة الثقافة) أو مدعيها ليتاح لهم تسويقها مرة أخرى "و نحن نوافق قول السيد محمد علي الحلو لعدة دلالات منها: 

 جرأة هؤلاء على الإساءة إلى من هي أعظم من أبي الفرج الاصفهاني، فالذي يقدم على الإساءة إلى سكينة بنت الحسين بكل ما لها ولأهلها من الفضل والشرف والعفة، ليس غريباً أن يقدم على الإساءة أيضاً إلى أبي الفرج الاصفهاني بأن ينسبوا إليه كتاب الأغاني لضرب عصفورين بحجر: أولاً: ليكون وقع هذه الإساءات في المجتمع أقوى باعتبارها جاءت من رجل متشيع لكي ينالوا من مجد آل علي ولأجل أن ينسى الناس واقعة كربلاء.

ثانياً: للنيل من أبي الفرج الأصفهاني نفسه الذي يُقال: إنه تشيع بالرغم نسبه المروانيِ الأموي، وهذا ليس بالقليل على بني أمية فلربما يعتبرونهُ خائناً، لاسيما وإن هذا الشيء نادر ما يحدث في بني أمية، فقد قال الذهبي عن تشيعه: "وهذا نادرٌ في أموي""([68]) فربما أراد بنو أمية وأعوانهم آل الزبير أن ينالوا أيضاً من أبي الفرج الأصفهاني لتشيعه، بحجة أنه تشيع لفسقه ومجونه. فنسبوا إليه كتاب الأغاني الذي يتبحر بأخبار أهل المجون والخمور؛ فالذين يحرفون التأريخ على المختار الثقفي فقط لأنه نادى بيالثارات الحسين يستطيعون إن ينسبوا كتاباً أو كتباً للأموي المتشيع لتشويه صورته في التأريخ.

    لاسيما ونحن نجد أن هنالك كتاباً آخر قبله اسمه كتاب الأغاني الكبير نسب لإسحاق وهو ليس له، وإن مؤلف كتاب الأغاني ذكر أنه كُلِّف بكتابة هذا الكتاب من قبل رئيس من رؤسائه على ضوء نسبة ذاك الكتاب الذي نُسب لإسحاق([69])وكأن الأمويين والزبيريين وجدوا من خلال نسبة الكتاب الأول لغير صاحبه فعلة ممكنة من نسبة الأغاني الآخر لأبي الفرج الأصفهاني بما يناسب مصالحهم ضده وضد أهل البيت (ع) و ربما هم الرئيس الذي ذكره مؤلف الأغاني بأنه كلفه بكتابة الكتاب، وسواء أكان كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني المقصود أو لا، فليس كل ما جاء فيه يُحكم بصحته لأن صاحب الأغاني هذا قد تكلموا فيه و من قولهم:" إنهُ كان يشتري شيئا كثيرا من الصحف، ثم تكون رواياته كلها منه"([70]).

المطلب الثالث: أسباب الافتراءات عليها دون غيرها

    هنالك عوامل بالإضافة إلى الأسباب ساعدت على أن يكون المفترى عليها بكل هذه الإساءات هي السيدة سكينة دون غيرها من العلويات، وهذه العوامل التي استظهرناها هي كما يلي:

أولاً: محبة الإمام الحسين (ع) لها و محبتها لأبيها الحسين (ع) التي لم تكن تخفى عن الناس، فقد كان الإمام الحسين مُحباً لابنته سكينة منذ طفولتها وكان يحملها على صدره حتى جاء في الخبر عن جعيد الهمداني قال:" أتيتُ الحسين بن عليّ وعلى صَدْره سكينة ابنتهُ، فقال: يا أُخْتَ كلب، خذي ابنتك عنّي، فسَأَلني.."([71]) أما محبتها للحسين فمن نماذجها إنها لم تُرد أن تفارقه حتى وهو في مسجّى في الصحراء من أرض الغربة، قال الراويٍ: "إن سكينة اعتنقت جسد الحسين (ع) فاجتمع عدة من الأعراب حتى جرّوها عنه"([72]) " لذلك افتروا على هذه العزيزة بأنها نسيت واقعة الطف وتوجهت إلى ملذات الدنيا كي ينسى المؤمنون هذه الفاجعة من خلالها.

ثانياً: إنها لم تتزوج بعد زوجها عبد الله بن الحسن (ع) الذي استشهد في الطف، وكما هو معروف إن المرأة الشابة التي تتطلق أو يموت زوجها، يكثر عليها القيل والقال ممن يترصد بالعداوة لها أو لأهلها، لاسيما إذا كانت هذه المرأة لها دورٌ ونشاطٌ معادٍ لهم، أما أختها السيدة فاطمة وهي أكبر من سكينة فزوجها الحسن بن الحسن السبط (ع) ولم يمت عنها مبكراً، ثم إنها لم تسلم كثيراً من الافتراءات إلا أن النصيب الأكبر من هذه الافتراءات كان على سكينة لعوامل ساعدت على ذلك منها الترمل في سن صغيرة جداً.

ثالثاً: هنالك سكينتان غير السيدة سكينة بنت الحسين (ع) أشار إليهما السيد المقرم، وكذلك السيد محمد علي الحلو، واحدة هي بنت خالد بن مصعب بن الزبير، وهي التي كان يجتمع عندها المغنون والشاعر الماجن عمر بن ربيعة، وقد ذكرها على هذا الحال الأصفهاني في أغانيه([73])إلّا أن الزبيريين حاولوا صرف ذلك عن سكينتهم الزبيرية وألصقوها بسكينة الحسين الطاهرة، أما الثانية فهي سكينة بنت مصعب بن الزبير وأيضاً ذكرها الأصفهاني في كتابه الأغاني([74])وبعض الأحداث  التي دارت بين مصعب و سكينة ابنته في كتب التأريخ، قالوا: إنما هي بنت الحسين وسكينة زوجته، وطبعاً هاتان السكينتان السمِّيتان لسكينة بنت الحسين ساعدتا كثيراً لتسهيل الافتراءات على بنت الحسين (ع) وترويجها.

رابعاً: إن المجتمع في المدينة والكوفة وغيرهما بعد شهادة أبي عبد الله الحسين (ع) بات في غليان مستمر ووصل إلى أعلى حالات الرغبة بالانتقام من بني أمية، وبذلك هم صاروا مهتمين بالسيف الذي هوجموا به، أكثر من اهتمامهم بالقلم، تشهد بذلك ثورة التوابين في الكوفة ووقعة الحرة، وهذا الأمر فتح المجال للوضاعين أن يقحموا التأريخ رواياتٍ محاربة لأهل البيت (ع) من غير حسيبٍ أو رقيب، وهذا الأمر هو الذي جعل الإمام السجاد ينبثق بالثروة الكلامية المجموعة في الصحيفة السجادية ورسالة الحقوق، ليجعل المجتمع يتوازن باهتمامه بين السيف والقلم، ولا يهمل شيئاً منهما على حساب الآخر.

خامسا: إن الوضاعين أدخلوا هذه الافتراءات للتأريخ مرة بطريقة المدح المبطن بالشر كقولهم كانت سكينة تجالس الأجلة من قريش وهذا هو ذم بالأصل لمخدرة مثل السيدة سكينة بنت الحسين (ع)، ومرة بطريقة المزاح كروايات أشعب الطامع، وللأسف انطلت خدعة المدح المبطن بالشر على البعض، ودخلت مزحات أشعب المقصودة في التأريخ.  

 سادساً: كان للسيدة سكينة دورٌ كبير في تخليد واقعة كربلاء كعبرة وعبرة، ما جعل أعداءها   يلفقون عليها كل الافتراءات تحاملاً عليها، ولكي يفشلوا أهدافها في تخليد فاجعة كربلاء من أذهان الناس ثم من صفحات التأريخ، بدليل أن هنالك روايات ذكرها الأصفهاني وغيره إن صحت أو فيها شيءٌ من الصحة، تذكر أنّ لها مواقف تشابه مواقف جدتها فاطمة الزهراء (ع) كسبّ ابن مروان من وراء الستار إذا سب علياً([75])ودورٌ يساند دوراً من أدوار الإمام زين العابدين (ع) في إمامته سنذكره في حينه، وإن هنالك أخباراً تذكر تحامل الأمويين على السيدة سكينة منها ما ذُكر من تأخيرهم لجنازتها([76])ولو كانت السيدة سكينة مارقة عن منهج أهلها لما تحامل عليها الأمويون كل هذا التحامل.

(المبحث الثالث)

(مناقب السيدة سكينة (ع) وردُّ الافتراءات عنها)

المطلب الأول: عفتها

  كانت السيدة سكينة من خيرة النساء بل سيدة نساء عصرها، لذلك كان لها في العفة شواهد كثيرة ومن هذه الشواهد ما رواه الصحابي سهل بن سعد في حادثة طويلة عن لقائه بالسبايا حتى قال: فدنوت من أولاهم فقلت: يا جارية من أنت؟ فقالت: أنا سكينة بنت الحسين فقلت لها: ألك حاجة إلي؟ فأنا سهل بن سعد ممن رأى جدك وسمع حديثه، قالت: يا سهل قل لصاحب هذا الرأس أن يقدم الرأس أمامنا حتى يشتغل الناس بالنظر إليه، ولا ينظرون إلى حرم رسول الله (ص) ـ...."([77]) وروي عن الرضا (عليه السلام)، عن آبائه، عن الحسين بن علي صلوات الله عليهم قال: دخل على اختي سكينة بنت علي (ع)  خادم فغطّت رأسها منه فقيل لها: إنه خادم، فقالت: هو رجل منع شهوته"([78]) "ومن المقطوع به أن سكينة هذه ابنة الحسين(ع) فإن أهل النسب وعلماء التأريخ لم يذكروا في أولاد علي بن أبي طالب سكينة"([79]) كما جاء عن السيدة سكينة (ع)، إنها قالت: كنت جالسة في ليلة مقمرة وسط الخيمة وإذا أنا اسمع من خلفها بكاء وعويلا، فخشيت أنْ يَفقه بي النساء فخرجت أعثر بأذيالي...."([80]) وقولها أعثر بأذيالي يدل على أن ملابسها كانت تطأ بالأرض، وبلا شك إنها طولت ملابسها بُغية الستر، لاسيما وأن الملابس الطويلة في رمل تلك الصحراء تعرقل المسير على الرغم من ذلك كانت السيدة سكينة تلبس المَلابس الطويلة رعاية للستر والحجاب، ويكفي لها شهادة بأن المؤرخين الذي ينقلون في كتبهم وتراجمهم روايات الافتراء عليها من مجالسة أهل المجون كعمر بن أبي ربيعة([81])و تعدادها الأزواج([82]) ونعتها بالمزاح والسفه([83])هم أنفسهم يكذبون مروياتهم من خلال شهادتهم لها بالعفة والشرف والسيادة على النساء، فمثلاً الاصفهاني في الأغاني يروي عن مصعب كل هذه الافتراءات ثم يقول أيضاً عن مصعب: كانت سكينة عفيفة([84])كذلك الصفدي في الوافي بالوفيات وابن خلكان في وفيات الأعيان يذكران بعض هذه الافتراءات عليها في ترجمتها و كانا قد قالا في أول الترجمة: سكينة بنت الحسين بن عليّ بن أبي طالب (رضي الله عنهم)، كَانَتْ سيّدة نساء عصرها؛ ومن أحسنهنَّ أخلاقاً([85])وذكر ابن عساكر في تاريخ دمشق أن سكينة خاطبت هشام بن عبد الملك في حادثة طويلة في مجلسه قائلة له: "لقد أصبحت تهكم بنا، أما والله ما أبدانا لك إلا يوم الطف، قال إنك امرأة كثيرة الشر"([86]) وعلى الأرجح إن هذه العبارة هي الصحة الوحيدة في الرواية بطولها لاسيما إذا جمعناها مع تأخير جنازتها من قبل الأمويين، وهذه العبارة من السيدة سكينة بنت الحسين (ع) تأكيد آخر على أنها مُحبة للخدر والحجاب، وحزينة لبروزها ونساء بيتها يوم الطف، كما إنه تأكيد على إن يوم الطف فقط الذي أبرزها لعيون الرجال وعداه فإنها في ستر وخدر عنهم، وهذا الذي جعلها تغضب من كلام هشام بن عبد الملك معها، ومع اختها فاطمة، الذي يبدو من كلامها كان عليهما قسراً. فالتي تقول ذلك بكل قوة أمام سلطان جائر غضباً لسترها وحجابها، فإنها بلا شك لن تخالط المغنين والشعراء فالعقل والمنطق لا ولن يصدق ذلك. 

 المطلب الثاني: صبرها

   كانت السيدة سكينة (ع) صابرة على الرزايا التي لاقتها بكربلاء وبعد كربلاء، وواجهتها بكل إيمان واحتساب، لكن قبل ذلك كانت عالمة بأن عمرها وهي بهذه المعاناة سيطول، والعلم بطول العمر مع الرزايا وغصب الحقوق يكون صعباً على الإنسان عند تلقيه، لاسيما مثل السيدة سكينة بنت الحسين (ع) التي كانت مستغرقة مع الله تعالى وكانت لها الدار الآخرة خالصة من دون الناس، قال تعالى:" قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآَخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ " البقرة/94  ففاطمة الزهراء(ع) بما لها من الصبر والتصديق فبعد رسول الله (ص) ولعلمها بما تراه بعده فرحت بقصر عمرها حتى إنها سألت عن بكائها وضحكها عند رسول في مرضه قالت: "أما حيث بكيت فإنه أخبرني إنه ميت فبكيت ثم أخبرني أني أول أهله لحوقا به فضحكت"([87])   وكذلك مريم العذراء حينما رأت سمعتها مهددة قالت:" يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا" مريم/23 لنتأكد إن السيدة سكينة بنت الحسين (ع)  احتملت أمراً صعباً وهو علمها بطول عمرها وهي في قمة المعاناة وذلك يوم الطف حينما رآها الإمام الحسين (ع) تبكي ضمها إلى صدره وقال أبيات لها مطلعها:

         سيطول بعدي يا سكينة فاعلمي     منكِ البكاء إذا الحمام دهاني

فبهذا البيت الشعري قد بيَّن الإمام الحسين (ع) حقيقة غيبية لابنتهِ سكينة (ع) إستظهرناها، وهي أن عمرها سيطول بعد هذه الفاجعة وتكون آخر أسرته لحاقاً به، وفعلاً  هذا الذي حصل، فأمها عانت من ذكرى فاجعة الطف عاماً واحداً، والسيدة زينب(ع) عانت من ذكرى  الطف عاماً ونصف العام، وأخوها الإمام السجاد عانى  تسعة عشر عاماً، وأختها فاطمة عانت تسعة وأربعين، والإمام الباقر الذي عمره في الطف أربع سنوات عانى من فجيعة كربلاء ثلاثة وخمسين عاماً، بينما السيدة سكينة عاشت بمعاناة الطف ستة وخمسين عاماً على الأرجح أو أكثر، وقول الإمام الحسين لابنته بهذا البيت: (فاعلمي) يدل على أهمية وصعوبة الخبر الذي سيقوله، وهو طول العمر، كما قوله بما معناه في هذا البيت:" سيطول... منك البكاء" و لم يقل: " ستطول...منك الحياة" ذلك لأن السيدة سكينة بعد أبيها الحسين (ع) كانت حياتها عبارة عن بكاء، وليس كما افترى عليها أهل الغي بأنها تجالس المغنين وإلى غير ذلك من الافتراءات، ثم إنّ البكاء لا ينافي كونها صابرة؛ فنبي الله  يعقوب (ع ) قد "ابيضّت عيناه من الحزن" أي: البكاء، ومع ذلك كان يقول: " فصبرٌ جميلٌ والله المستعان على ما تصفون" يوسف/18. وقد يكون السبب من إخبار الإمام الحسين (ع) لابنته سكينة بطول عمرها. أولاً لأنها أهل بصبرها لهذا العلم. ثانياً: كي يؤهبها لما ستلاقي من مآسٍ لأن العلم بالبلاء قبل وقوعه وإن كان صعباً لحظة تلقيه إلا أنهُ يكون مساعداً على الصبر في ما بعد فموسى(ع) على الرغم من أنهُ كان من أنبياء أولي العزم إلا إنَّ الله تعالى اختص عبده الخضر بعلم حكمة البلاء والصبر عليها؛ لذلك قال لموسى (ع):" قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا ــــ وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا" الكهف/67/68 من هنا نجد أن السيدة سكينة (ع) قد أحاطها الإمام الحسين (ع) بخبر طول عمرها كي تتأهب وتصبر وفعلاً كانت السيدة سكينة صابرة، فلم يذكر لنا التأريخ إنها جزعت يوماً أو تضجرت على ما أصابها، بل على العكس إنها كانت في قمة المعاناة تفخر بكونها من ذرية النبي، من ذلك ما رواه العلامة المجلسي: "عن جعفر بن محمد، عن أبيه عليهما السلام قال: لما قدم على يزيد بذراري الحسين عليه السلام أدخل بهن نهاراً مكشفات وجوههن، فقال أهل الشام الجفاة، ما رأينا سبيا أحسن من هؤلاء فمن أنتم؟ فقالت سكينة بنت الحسين: نحن سبايا آل محمد"([88])

المطلب الثالث: زهدها

  كانت السيدة سكينة بنت الحسين(ع) زاهدة منقطعة إلى الله تعالى إلى حدٍّ كانت لا تأنس إلا بذكر الله تعالى أو بوجود خليفته الشرعي؛ لأنه المذكر بالله تعالى، ما جعل أمها لهدوئها وسكونها تلقبها بـ" سكينة" لأن  سكون الجوارح تابع لخشوع القلب، وقد جاء في الخبر أنَّ الحسن المثنى بن الحسن السبط(ع) أتى عمهُ الحسين(ع)يَخطب إحدى ابنتيه فاطمة وسكينة، فقال لهُ أبو عبد الله (ع): "أختار لك فاطمة، فهي أكثر شبهاً بأمي فاطمة الزهراء (ع) بنت رسول الله (ص) أمّا في الدين: فتقوم الليل كله وتصوم النهار، وفي الجمال: تشبه الحور العين، وأمّا سكينة فغالب عليها الاستغراق مع الله تعالى فلا تصلح لرجل"([89]) "والاستغراق عبارة عن الفناء في بحر العظمة الإلهية بحيث لا تكون لها لفتة في لوازم الحياة وعوارض الدنيا الفانية"([90]) ففاطمة أختها التي وصفها أبوها الإمام الحسين (ع) بما معناه: تصلح لرجل هي: " تقوم الليل كله، وتصوم النهار" فكيف بسكينة (ع) التي لا تصلح لرجل لاستغراقها مع الله تعالى، فكيف يكون انقطاعها لله تعالى؟ فلابد إنه أعظم وعبادتها أكثر، ولا يعني قول الإمام الحسين (ع) إنّ استغراق سكينة مع الله تعالى أكثر من استغراق السيدة فاطمة الزهراء (ع) بحيث أن الزهراء (ع) تزوّجت وسكينة لا تصلح لرجل، بل استغراق السيدة فاطمة مع الله تعالى لا حدَّ له ولا يُقاس به، لكن الزواج هو سنة النبي (ص) و ما كانت فاطمة (ع) لترغب عن سنة أبيها رسول الله (ص)، فقد روى العلامة المجلسي "إن امرأة سألت أبا جعفر عليه السلام فقالت: أصلحك الله إني متبتلة فقال لها: وما التبتل عندك؟ قالت: لا أريد التزويج أبدا، قال: ولِمَ؟ قالت: ألتمس في ذلك الفضل، فقال: إنصرفي فلو كان في ذلك فضل لكانت فاطمة (عليها السلام) أحق به منك، إنه ليس أحد يسبقها إلى الفضل"([91]) وحتى الرسول والأئمة من أهل بيته (ص) تزوجوا ليس بدافع الشهوة، إنما إحياءً للسنة وبقاء النسل وبعض زيجاتهم كانت لبعضِ مصالح الإسلام، والسيدة سكينة (ع) على هذا المنوال، فالإمام الحسين (ع) أخّر زواجها فترة فقط من أجل هذا الاستغراق، لكن بعد فترةٍ ليست معروفة زوجها من ابن عمها إحياءً للسنة النبوية الشريفة.  

   أما كثرة الأزواج المنسوبة إليها فهي أكذوبة حالها حال الأكاذيب التي لفقوها على هذه السيدة الطاهرة، ويدل على ذلك اختلاف المؤرخين في أسماء وترتيب الأزواج المنسوبين إليها وذكر السيد الحلو قوائم المؤرخين لهؤلاء الأزواج بما يسعه الكتاب والاختلاف بينهم في الأسماء والترتيب، بل إننا حين البحث وجدنا الاختلاف بأسمائهم وترتيبهم في كتاب واحد وهو كتاب الأغاني نفسه، وهو يعترف بهذا الاختلاف فيُعنون تعداد أزواجها بقوله: (الاختلاف في أزواج سكينة" ثم روى الاصفهاني عدة روايات كل واحدة منها تختلف عن الأخرى في الأسماء والترتيب لهؤلاء الأزواج اختلافا كبيرا، إلا في ابن عمها عبد الله بن الحسن، فقد ذكر أبو الفرج الأصفهاني  ثلاث روايات كلها تقول: إن أول أزواجها عبد الله بن الحسن، بنفس اسمه وترتيبه ونسبه، وتبعهُ بذلك ابن عساكر في تاريخ دمشق، والذهبي في تأريخ الإسلام اتفقا معه على إنَّه ابن عمها عبد الله باسمه وترتيبه ونسبه، واختلفا كاختلافه في الأزواج الباقين، ما يدل على إن هؤلاء الأزواج كلهم كذبة موضوعة عدا ابن عمها عبد الله بن الحسن (ع)، مع العلم إن السيد الحلو ذكر أن الأصفهاني هو الوحيد الذي ذكر عبد الله بن الحسن في قائمة أزواج السيدة سكينة (ع)، إلا إننا حين التوسع في البحث وجدناه في قائمة ابن عساكر في تأريخ دمشق، وفي قائمة الذهبي في تأريخ الإسلام بنفس الاسم والنسب والترتيب، فقط إن الاصفهاني ذكر أن عبد الله بنى بسكينة (أبو عذرتها) وابن عساكر والذهبي قالا إنه: ( لم يبن بها) هذا بالإضافة إلى قول ابن حبيب في المحبر الذي ذكره السيد المقرم بأن عبد الله أول أزواجها و(أبو عذرتها)([92]) و هذا تأكيدٌ آخر لما أشار إليه السيد عبد الرزاق المقرم في كتابه سكينة بنت الحسين، والسيد محمد علي الحلو في كتابه آمنة بنت الحسين بأنَّ كل الأزواج المنسوبين للسيدة سكينة كذبة موضوعة عدا ابن عمها عبد الله بن الحسن (ع) إذ اتفق عليه أربعة من المؤرخين السنة بنفس اسمه ونسبه وترتيبه واختلفوا في البقية.

 ثم إن هنالك رواية تثير العجب رواها الأصفهاني تذكر أن السيدة سكينة قد وافقت على الزواج من إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف" فجمع عدة من بني زهرة، و أفناء قريش من بني جمح وغيرهم، نحواً من سبعين رجلاً أو ثمانين. ثم أرسل إلى علي بن الحسين، والحسن بن الحسن، وغيرهم من بني هاشم. فلما أتاهم الخبر اجتمعوا، وقالوا: هذه السفيهة تريد أن تتزوج إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف. فتنادى بنو هاشم واجتمعوا، وقالوا: لا يخرجن أحد منك إلا ومعه عصا. فجاءوا وما بقي إلا الكلام. فقال: اضربوا بالعصي. فاضطربوا هم وبنو زهرة حتى تشاجّوا، فشج بينهم يومئذٍ أكثر من مائة إنسان. ثم قالت بنو هاشم: أين هذه؟ قالوا: في هذا البيت. فدخلوا إليها، فقالوا: أبلغ هذا من صنعك؟ ثم جاءوا بكساء طاروقي، فبسطوه ثم حملوها، وأخذوا بجوانبه "([93]) و بلا شك إن هذه  الرواية فيها عدة استفهامات، إذ كيف لبني هاشم  تحملهم الغيرة على سكينة بنت الحسين فيعارضون  زواجها من إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الذي ليس له عداوة ظاهرة مع بني هاشم، و لا تحملهم الغيرة على زواجها من أعدى أعداء الهاشميين من الزبيريين والأمويين والمروانيين، أمثال مصعب الزبيري الذي آوى قتلة الحسين وجعلهم قادة جنده ضد المختار الذي نادى بيالثارات الحسين (ع) و غيرهم من الأزواج الذين نسبهم إما مرواني أو أموي، مما يدل على بطلان كل هذه الزيجات وكذبها، بل كيف لبني هاشم أن تحملهم الغيرة على سكينة، فيستنكرون عليها أمراً شرعياً مثل الزواج، ولا يغارون عليها ممّا يخالف الشرع  من مُجالسة الشعراء والمغنين وسماع الغناء والغزل منهم كما يزعمون، فلم يذكر لنا التأريخ معارضة عليها أو مقاطعة لها سواء منهم عن زيجاتها المزعومة من الأمويين والمروانيين والزبيريين أو على مجالسة أهل الطرب والغزل، وهذا يدل على بطلان ما قيل عنها، بل على العكس كانت السيدة سكينة بشكل عام (ع) على علاقة طيبة مع بني هاشم ـــو لو لم تكن كذلك أو كانوا هم متبرئين منها أو مقاطعين لها لَما فخرت بجدها رسول الله (ص) أمام العثمانية بقولها: "هذا أبي أم أبوك؟"([94])  ولَما أجابتها العثمانية بقولها: " لا جرم أنه لا فخر عليكم"  فلو كانوا  مقاطعين لها لعيّرتها العثمانية بالتبرئة والقطيعة لها من قبل بني هاشم ولما كان  ردها التعظيم لها. كما إن السيدة سكينة بشكل خاص كانت على علاقة طيبة بأخيها الإمام زين العابدين (ع) فقد روى سبط ابن الجوزي عن سفيان الثوري والعلامة المجلسي في بحار الأنوار ما نصه:" أراد علي بن الحسين (عليه السلام) الخروج إلى الحج أو العمرة، فاتخذت له أخته سكينة بن الحسين سفرة، أنفقت عليها ألف درهم، وأرسلت بها إليه، فلما كان بظهر الحرة أمر بها ففرّقت في الفقراء والمساكين"([95]) مما يدل على إن السيدة سكينة على تواصل مع الإمام السجاد ومساعدة له في أدوراه منها الإنفاق على الفقراء والمساكين، وليست ممن تنشغل بدنياها عن آخرتها.

المطلب الثالث: رجاحتها

   كانت السيدة سكينة بنت الإمام الحسين (ع) راجحة العقل، بليغة في القول، وهذه المميزات التي قد ظهرت عليها منذ طفولتها فقد روى العلامة المجلسي في بحار الأنوار، وكذلك ابن عساكر في تأريخ دمشق: "أن سكينة بنت الحسين عليه السلام جاءت إلى امها الرباب وهي صغيرة تبكي، فقالت: ما بك؟ قالت: مرت بي دبيرة فلسعتني بأبيره"([96]) أرادت تصغير دبرة وهي النحلة([97])، وطبعاً  هذا يدل على فصاحة ورجاحة السيدة سكينة بنت الحسين(ع)، فهي  في لحظة الألم من لسعة الدبرة  قد نمقت في العبارة وكانت دقيقة في وصفها لها، وهذا يدل على بلاغتها ورجاحتها أيضاً؛ وعلى الرغم من أن عبارة السيدة واضحة الدلالة على رجاحتها إلا أن محمد بن سلام استدل بها على إنها مزاحة قال أبو الفرج الاصفهاني: قال محمد بن سلام كانت سكينة مزاحة، فلسعتها دبرة فولولت. فقالت لها أمها: مالك يا سيدتي وجزعت؟ فقالت لسعتني دبيرة، مثل الأبيرة، فأوجعتني قطيرة([98])ونحن لا نرى في عبارة السيدة سكينة ما يدل على المزاح أبداً، بل على العكس يدل على رجاحتها، لأن أمها سألتها عن سبب بكائها، وفي رواية الأصفهاني سألتها عن جزعها، فلو كانت السيدة سكينة من النساء غير الخيرات لعظّمت وكبّرت من حجم النحلة بالوصف فقط لتبرير سبب بكائها وجزعها حتى لو كان كذباً، إلا إن السيدة سكينة قد أعطت للنحلة وصفها الحقيقي في لحظة ألمها و بكائها، فقالت عن الدبرة دبيرة لأنها صغيرة وعن أبرتها أبيرة؛ لأنها تابعة لها في الحجم، وبذلك فيكون وجعها قُطَيرة بالتصغير؛ لأن لسعة النحلة الصغيرة أقل من لسعة النحلة الكبيرة، وهذا الجواب الدقيق في لحظة الألم والبكاء إنما يدل على صدق ورجاحة قائلته وليس على مزاحها كما يزعمون، ثم إن بكاء المرأة من الألم لا يعيبها، فالنساء بطبعهن رقيقات، حتى قال رسول الله فيهنّ:" رفقا بالقوارير"، كما أن ابن عساكر ذكر هذه العبارة للسيدة سكينة ولم يستدل على مزاح فيها، أو يذكر الجزع، كما أنَّ هناك رواية أيضاً ذكرها الأصفهاني في الأغاني يقول فيها: قال المدائني: حدثني أبو إسحاق المالكي، قال: قيل لسكينة واسمها آمنة، وسكينة لقب: أختك فاطمة ناسكة وأنت تمزحين كثيراً قلنا إذا كانت تمزح كثيراً كيف تلقبها أمها بلقب سكينة، أوليس معنى السكينة هو الهدوء والوقار، وحتى إذا كان اسمها في التصغير على رأي البعض أي: بضم السين، فالتصغير يشير إلى تغيير حجم الموصوف لا تغيير أصله، فالشجرة إذا قيل شجيرة لا يعني تغيير أصلها كونها شجرة بل يشير إلى تغيير حجمها، وكذلك سكينة يعني الوداعة مع الهدوء والوقار، فإذا جاء بالتصغير أي بضم السين لا يُغير معناه الأصلي بكونه الهدوء والوقار، بل يشير لتغيير الحجم فقط وهذا طبيعي لأن السيدة سكينة بنت الحسين لقبتها أمها بهذا اللقب في صغرها، ولا أدري كيف أن اسم سكينة بالتصغير باتوا يفسرونه على إنه ظرافة وخفة روح وما إلى ذلك. وإلّا فإن السيدة سكينة كان مشهود لها برجاحة عقلها وزانتها حتى خاطبها الإمام الحسين يوم عاشوراء:"يا خيرة النسوان" في أبيات له وهي في عمر الصبا، ولعل بعض علماء السنة وصفوها بسيدة نساء عصرها بسبب هذه الأبيات بالإضافة إلى الشواهد الأخرى، وإن لم يذكروا هذه الأبيات في كتبهم، وقد قال الشيخ جواد محدثي في السيدة سكينة (ع): "وحضرت كربلاء وهي في سن العاشرة أو الثالثة عشرة وقيل إن الإمام الحسين(ع) لقبها يوم الطف بلقب "خيرة النسوان" وهذا لا يتناسب وسنّها"([99]) نقول: إنَّ الإمام الحسين لقبها: "بخيرة النسوان" لسببين:

السبب الأول: إن الإمام الحسين لقبها بـ: (خيرة النسوان) لكونها بالغة مبلغ النساء، فعلى أقل تقدير كانت هي في كربلاء في سن العاشرة والذي ترجّح إنها في سن الرابعة عشرة، فهي بالغة مبلغ النساء.

السبب الثاني: إنَّ الإمام الحسين (ع) لقبها: "بخيرة النسوان" لرجاحتها وعبادتها وفضلها التي ضاهت به كثيراً من النساء اللاتي قد يكبرنها بعقود، كقولِهِ تعالى: " وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ" الأنبياء/7 في حين نقرأ أيضاً في كتاب الله أن الله تعالى أرسلَ عيسى (ع) و هو طفلٌ صغير قال تعالى: " قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (29) قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آَتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا" مريم/29/30  و كذلك أرسل يحيى (ع) في عمر الصبا قال تعالى عن يحيى (ع): " يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآَتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا" مريم/12 فتبين أن قوله: "و ما أرسلنا من قبلك إلا رجالاً" أولاً يعني بذلك توضيح الجنس والنوع أي: لم نرسل ملائكة . ثانياً: لتوضيح أن المرسلين وإن كان بعضهم قد أرسلهُم الله تعالى في عمر الطفولة أو الصبا، إلا إنهم برجاحتهم وعلمهم رجال بل يضاهون العاديين من الرجال. وهذا الذي استنتجناه من قول الإمام الحسين (ع) لابنته سكينة: "يا خيرة النسوانِ" بالرغم من أنها كانت في عمر الصبا فهو كان يقصد بذلك رجاحتها لا عمرها.       

المطلب الرابع: دورهـــا

لم يتح للسيدة سكينة ما أتيح لآل الحسين من الظهور لتلهب الأجواء بالخطب و البيانات ..لأنَّ مهمة ذلك موكولة إلى الكبار من أهل هذا البيت الطاهر، فمع وجود أخيها الإمام زين العابدين(ع) وعماتها العقيلة زينب وأم كلثوم(ع)، و أختها الكبرى فاطمة لم يبقَ لها دورٌ في ذلك، لأنها كانت في عداد الهاشميات الصغيرات، والمخدرات اللاتي لم يتحملن مهمة التبليغ بعد"([100]) لكن هذا لا يعني أنَّ السيدة سكينة لم يكن لها دور أصلاً، بل إننا بالنظرة الفاحصة وجدنا أنَّ لها دوراً و دورٌ كبيرٌ أيضاً، ودورها كان متمثلاً بتهييج الحزن على ما جرى في كربلاء، وفضح جرائم بني أمية من خلال أمرين:

الأمر الأول: كانت السيدة سكينة(ع) تهيّج الحزن وتسكب العبرة على مصاب الإمام الحسين (ع) وأهل بيته، وتكشف وحشية قاتليه من خلال سرد مآسي كربلاء للناس، ولا يسع ذكر المآسي التي ذكرتها في هذا البحث....

الأسلوب الثاني: إنها كانت تقيم المأتم على أبيها الحسين (ع) أشبه بمآتمنا اليوم وذلك باستحضار نائحٍ ذي صوت شجيٍ ينعى على مصاب الحسين (ع) بما يهيج الأحزان ويسكب العبرة، فقد روى أبو الفرج الأصفهاني في الأغاني هذهِ الرواية: قال ابن جامع: وحدثني جماعةٌ من شيوخ أهل مكة أنهم حدثوا: أن سكينة بنت الحسين بعثت إلى ابن سريج بشعرٍ أمرته أن يصوغ فيه لحناً يناح به، فصاغ فيه:

 يا أرض ويحك أكرمي أمواتي ... فلقد ظفرت بسادتي وحماتي

   فقدمه ذلك عند أهل الحرمين على جميع ناحة مكة والمدينة والطائف([101])

ثم إن السيدة سكينة لم تكتفِ بنواح أبن سريح فقط، حتى بعثت بمملوكٍ لها لابن سريجٍ كي

يعلمهُ النواح فقد قال أبو الفرج الاصفهاني: "حدثني ابن جامع وابن أبي الكنات جميعاً: أن سكينة بعثت إليه بمملوكٍ لها يقال له عبد الملك، وأمرته أن يعلمه النياحة، فلم يزل يعلمه مدة طويلة، ثم توفي عمها أبو القاسم محمد بن الحنفية، وكان ابن سريج عليلاً علةً صعبةً فلم يقدر على النياحة. فقال لها عبدها عبد الملك: أنا أنوح لك نوحاً أنسيك به نوح ابن سريج. قالت: أو تحسن ذاك؟ قال نعم. فأمرته فناح؛ فكان نوحه في الغاية من الجودة، وقال النساء: هذا نوحٌ غريضٌ؛ فلقب عبد الملك الغريض..."([102])

 و بالرغم من أن اليد الأموية الزبيرية أرادت تشتيت الناس عما كان يصبو إليه الإمام السجاد(ع) والسيدة سكينة من تهييج الحزن على أبي عبد الله (ع) و فضح أعدائه فذيلوا الرواية  بأن ابن سريج بعد إن أفاق من علته وعلم أن مملوك السيدة سكينة غريض أجاد بالنواح للسيدة سكينة حلف أن لا ينوح بعد ذلك، وترك النوح و عدل إلى الغناء و تبعه الغريض أيضاً؛ ليفهموا الناس أنَّ ابن سريح الذي أقام النواح في بيت الحسين (ع) على مصاب الحسين ترك النواح ثم صار يغني في بيت الحسين (ع) و تبعه على ذلك الغريض، تضليلاً لأفكار الناس عن فاجعة كربلاء إلّا إن كذبتهم هذه أيضاً لم تفلح.. من خلال استظهارنا لعدة أمور:

 أولاً: لو كان ابن سريج فعلاً أنانياً في مهنته وهي النواح ولا يريد أحداً أن يشاركه فيها أو يسبقهُ  إليها، لما قدم لحنهُ إلى جميع ناحة مكّة والطائف لينوحوا به، ولما علم مملوك السيدة سكينة على النواح.

 فلا يُعقل أن ابن سريح ترك النواح بل وعدل إلى الغناء؛ لأن المملوك ناح للسيدة سكينة، فبلا شك إنهُ ما علمه النواح إلا لينوح لها، كما إن الاستاذ يعلم بإمكانية تلميذه والمعنى أن ابن سريح يعلم بإجادة هذا المملوك للنواح أثناء تعليمه، فكيف له أن يترك النواح ويعدل إلى الغناء بمجرد أن علم أن مملوك السيدة سكينة أجاد النواح لها.

   ثانياً: التناقض في أخبار ابن سريج، ففي ذيل الرواية التي ذكرناها يقول الاصفهاني إن ابن سريج لما علم أنّ الغريض قد ناح للسيدة سكينة فكان أجود منه بالنواح قد حلف .. ألا ينوح بعد ذلك اليوم، وترك النواح وعدل إلى الغناء، بينما في موضع آخر عن أشعب الطامع يقول: كان ابن سريج قد أصابته الريح الخبيثة، وآلى يميناً ألا يغني، ونسك ولزم المسجد الحرام...([103]) ففي تلك الرواية حلف بسبب جودة نواح الغريض ألا ينوح و صار يغني، وفي هذه الرواية حلف بسبب مرضه أن لا يغني وصار يتعبد والسيدة سكينة على حد زعمه هي  ترغمه على الغناء، وليس كما في الرواية السابقة بأنها تريد منهُ النواح في ما سبق، ثم إن الاختلاف حتى في أخبار الغريض، ففي هذه الرواية يقول الاصفهاني: إنَّ الغريض مملوك السيدة سكينة أمرته أن يعلمه ابن سريج النواح، فلم يزل يعلمهُ مدة طويلة.. إلى أن يقول إنه: لما عدل ابن سريج عن النوح إلى الغناء عدل معه الغريض إليه، فكان لا يغني صوتاً إلا عارضه فيه. أما في ترجمة الغريض يختلف الكلام عما في هذه الرواية إذ يقول إن الغريض دفعنهُ مولاياته لابن سريج ليتعلم الغناء([104])و ليس النواح كما ذكر في الرواية السابقة، ثم عدل من الغناء إلى النواح  حتى قال الغريض لابن سريج يا أبا يحيى قصرت الغناء و حذفته، قال: نعم حين جعلت تنوح على أمك وأبيك"([105]) فالغريض هنا عدل من الغناء إلى النواح أي: بعكس الرواية السابقة التي تقول أنهُ عدل من النواح إلى الغناء([106])فالاختلاف بين الروايات هنا كبير جداً والتناقض واضح، لنتأكد أن ابن سريج و الغريض كانا نائحين ولا أدري إن عدلا إلى الغناء أو لا، أو عدلا من الغناء إلى النواح واستقرّا نائحَين وهو الأرجح، لكن الواضح وضوح الشمس إنهما أيام كانا نائحين كانا يدخلان بيت الحسين(ع) ينوحان على مصاب الحسين(ع) بطلبٍ من الإمام السجاد(ع) أو السيدة سكينة (ع)، و لم يدخلاه يوماً للغناء بدليل: أن نواح ابن سريج في منزل السيدة سكينة حدث به ابن جامع عن جماعة من شيوخ مكة، مما يدل على  تكرار إقامة المأتم من قبل الإمام السجاد (ع) أو السيدة سكينة إلى حد شاع وانتشر هذا الخبر بين أهل مكة، بينما استدعاء سكينة بأشعب لابن سريج كي يغني لها على حد زعمهم، فهذا الخبر منقول عن واحد وهو أشعب الطامع وهو مرفوضٌ حديثه في علم الرجال، بدليل آخر: إن الخلط بين نواح ابن سريج وغنائه اعترف به الأصفهاني نفسه في الأغاني بقوله: "و كان قبل أن يغني نائحاً ولم يكن مذكوراً، وناح بشعرٍ هو اليوم داخلٌ في غنائه"([107]) كما أن الخبر الذي ذكره الأصفهاني أيضاً في الأغاني من دعوة ابن سريح والغريض ومعبد الى حنين وهو في العراق حتى إذا جاء "قال لهم معبد: صيروا إلي؛ فقال له ابن سريج: إن كان لك من الشرف والمروءة مثل ما لمولاتي سكينة بنت الحسين عطفنا إليك؛ فقال: مالي من ذلك شيء، وعدلوا إلى منزل سكينة. فلما دخلوا إليها أذنت للناس إذناً فغصت الدار بهم وصعدوا فوق السطح، وأمرت لهم بالأطعمة فأكلوا منها، ثم إنهم سألوا جدي حنينا ...  صوته الذي أوله:

هلا بكيت على الشباب الذاهب"([108])

  فهذا الخبر إن كان صحيحاً أو به صحة فهذا هو أحد المآتم التي أقامها الإمام السجاد (ع) والسيدة سكينة (ع) كما هي مآتمنا اليوم باستدعاء المؤمنين وتوزيع الأطعمة عليهم بثواب أبي عبد الله الحسين (ع) وليس كما ذُكر في كتاب الأغاني بالتزييف والتحريف بـأن هؤلاء الثلاثة جاؤوا كي يغنوا في بيت السيدة سكينة، والدليل على أن هؤلاء جاؤوا لإقامة النواح، هو أنَّ ابن سريج والغريض جعلوا المقياس بقراءتهم في بيت السيدة سكينة قبل بيت معبد هو شرفها ومروءتها، وإن المرأة التي تدخل  المغنين إلى دارها لا توصف بالشرف والمروءة بل توصف بصفات ذميمة، فوصفهم السيدة بأنها عظيمة الشرف والمروءة يؤكد أن دخولهم بيتها إنما لإقامة العزاء وليس للغناء والسرور، وهنالك رواية أيضاً يرويها الأصفهاني تؤكد أن السيدة سكينة كانت تقيم أو تحضر المآتم، وعلى الأرجح إن هذا المأتم الذي حضرته السيدة سكينة وذكرتهُ هذه الرواية هو مأتم أبي عبد الله الحسين (ع) قال الاصفهاني: "حدثني أحمد بن محمد بن سعيد قال: حدثني يحيى بن الحسن العلوي قال: كتب إلي عباد بن يعقوب يخبرني عن جدي يحيى بن سلميان بن الحسين العلوي قال:

كانت سكينة في مأتم فيه بنت لعثمان، فقالت بنت عثمان: أنا بنت الشهيد. فسكتت سكينة: فلما قال المؤذن. أشهد أن محمداً رسول الله، قالت سكينة: هذا أبي أو أبوك؟ فقالت العثمانية: لا جرم لا أفخر عليكم أبداً"([109]).

  وكأن ابنة عثمان أرادت أن تبين أنها شريكة ومتساوية معها في المصاب أو مستكثرة على السيدة سكينة عزاءها أو تعزية الناس لها، فأشارت السيدة إلى اسم رسول الله بقولها: "هذا أبي أم أبوك" لتبين أن الحسين أعظم من والدها عثمان الذي تظن أنه سواء معه بالمصاب، أو أحق بالبكاء عليه؛ مشيرة إلى أنها بنت الحسين (ع) ابن رسول الله وريحانته والفخر لها في ذلك، كما إنهُ قُتل لأجل أن يبقى هذا الأذان، ولم يُقتل لأنه أضاع الحقوق أو غير ذلك. إذن من خلال هذه النصوص و تحليلها يتأكد لنا أن السيدة سكينة لها دورٌ كبير في تخليد فاجعة الطف كعَبرة و عِبرة، كما كان هذا أحد أدوار الإمام السجاد (ع)، فقد كانت جنباً إلى جنب مع الإمام زين العابدين (ع) لتخليد هذه الفاجعة الأليمة، ما جعل الأمويون والزبيريون يحاولون التشويش على دورها ومآتمها بأكاذيب مفترين عليها سماع المغنين ومجالسة شعراء والمجون والمزاح، مع العلم إن هذا الدور لم تعمل به السيدة سكينة عشوائياً فأول إجازة حصلت عليها بأن تقيم العزاء على أبي عبد الله الحسين (ع) هي من الإمام الحسين نفسه، حين قال لها من أبيات له:  

لا تحرقي قلبي بدمعك حسرة                     ما دام مني الروح في جثماني

فإذا قُتلت فأنت أولى بالذي                     تأتينهُ يا خيرة النســـــــــــــــــــــــــــــــــوان

    وهذه إجازة واضحة من الإمام الحسين (ع) لابنته بأن تفعل ما تريد من البكاء والعزاء بعد أبيها وما جرى عليه وما رأت وشهدت من فواجع في واقعة الطف، فالعقل والمنطق بالإضافة إلى النصوص الصحيحة لا يستوعب إلا أن تكون السيدة سكينة (ع) باكية ناعية وليس كما يفتري عليها المفترون.

المطلب الخامس

الافتراءات عليها لا تعني قصوراً فيها.

قد أثارت استغرابي جملتان قالهما السيد عبد الرزاق المقرم في كتابه:( سكينة بنت الحسين) في جملة حديثه عن الافتراءات التي طالت السيدة سكينة بنت الإمام الحسين؛ فالجملة الأولى قال فيها: "لكن الظروف لما لم تسع لهم أن يشينوا سمعة الرسالة عمدوا إلى الوقيعة في آله الأقربين باختلاق نسب مفتعلة، وتلقتها البسطاء وخفت عن الفطاحل" والجملة الثانية قال فيها: "وحيث أنهم لم يتمكنوا من نسبة المفتريات إلى من وجبت فيهم  العصمة من الأئمة الهداة عمدوا إلى أولادهم وبناتهم فاختلقوا في حقهم كل شائنة تخرجهم عن الدين وتوقف البسطاء عن الانضواء إليهم" وكأن السيد المقرم قد نسي أن مفترياتهم لم يسلم منها حتى أمين الرسالة محمدٍ(ص) والأئمة الهداة المعصومين من أهل بيته، فصحيح البخاري وأقرانه لا يختلف كثيراً عن كتاب الأغاني، فهم كما افتروا على السيدة سكينة تجالس المغنين وتسمع الغناء والغزل افتروا على رسول الله (ص) ذلك فقد روى البخاري وأقرانه عن عائشة قولها:" دخل علي رسول الله صلى الله عليه و سلم وعندي جاريتان تغنيان بغناء بعاث فاضطجع على الفراش وحول وجهه فدخل أبو بكر فانتهرني وقال مزمارة الشيطان عند رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فأقبل عليه رسول الله (ص) فقال (دعهما)، فلما غفل غمزتهما فخرجتا..."([110]) وكما افتروا على السيدة سكينة عدم الحياء افتروا على رسول الله (ص) بما معناه عدم الغيرة، فقد روى البخاري وأقرانه عن عائشة قولها: "قَالَتْ كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَقُولُ لِرَسُولِ اللَّهِ (ص) احْجُبْ نِسَاءَكَ .  فَلَمْ يكن رسول الله يَفْعَلْ"([111]) وفي رواية أخرى أيضاً عن عائشة أنّها قالت: " كنت آكل مع النبي (ص) حيساً فمر عمر فدعاه فأكل فأصابت يده اصبعي فقال عمر لو أُطاع فيكن ما رأتكن عين فنزل الحجاب"([112]) وكما افتروا على السيدة سكينة تعداد الأزواج بعد زيجتها بابن عمها، وبأزواجٍ دون قدرها فهم افتروا على جدها علي بن أبي طالب ذلك، بأنه أراد الزواج بابنة أبي جهل ضرة لفاطمة سيدة نساء العالمين والنبي عارض ذلك و قال: "إن فاطمة مني وأنا أتخوف أن تفتن في دينها ..... ولكن والله لا تجتمع بنت رسول الله (ص) وبنت عدو الله أبدا"([113]) ولا أدري كيف تُفتن فاطمة ــ ع ــ في دينها وهي التي يرضى رسول الله (ص) لرضاها كما نص البخاري، ورضاه إنما هو رضا الله، أم كيف يكره النبي لابنته الضرة ولا يكره ذلك لباقي النساء وهو الذي قال: "لو سرقت فاطمة لقطعت يدها"([114]) أم  كيف يحرم النبي ما أحل الله من تعداد الزوجات، فالرواية أساءت للنبي قبل أن تسيء لعلي والزهراء ما يدل على أنها معدومة الصحة، وغير هذه الافتراءات الكثيرة، بل وجدنا الإساءة لأهل بيت العصمة في كتاب الأغاني نفسه من ذلك أبيات دسّوها في التأريخ مثل السم في الدسم فانطلت على بعض عوام الشيعة وباتوا يرددونها من غير تدقيق فيها، ومن غير علم بالسبب الذي ذكروه في إنشادها، والرواية كما يلي:

 أخبرني أحمد بن عبد العزيز وإسماعيل بن يونس، قالا: حدثنا عمر بن شبة قال: حدثنا أبو نعيم، عن عمر بن ثابت، عن مالك بن أعين، قال: سمعت سكينة بنت الحسين تقول عاتب عمي الحسن أبي في أمي، فقال:

لعمرك إنني لأحب داراً ... تكون بها سكينة والربابُ

أحبهما وأبذل جُل مالي ... وليس لعاتب عندي عتابُ([115])

و هنا لنا قولٌ و هو إن المؤرخين لم يذكروا أن السيدة سكينة عاصرت الإمام الحسن (ع) وحتى لو كانت معاصرةً له، فهي تكون قد عاصرتهُ بسنتين أو ثلاث سنين إذا ما كانت ولادتها سنة 47 أو 48 و الإمام الحسن استشهد سنة50 ه، و بذلك كيف للسيدة سكينة (ع) أن تعي أو تفهم بهذا العمر ما دار بين عمها وأبيها وبهذهِ الدقة، وحتى لو فرضنا أن عمرها كان ثلاث سنين إلا إنها تفوق بعض النساء ذكاء وذاكرة وتذكرت هذا الحدث وتحدثت به، فليس لنا ولغيرنا أن يبني  عليه، لأن المرأة البالغة، بحكم طبيعتها تكون معرضة للنسيان والتشويش من هنا جعل الله شهادة الرجل بامرأتين بقوله: " فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا" البقرة/282 فكيف والسيدة سكينة في ذلك الحدث المذكور بين السنتين والثلاث سنين وليست امرأة بالغة، أما إذا قيل إن السيدة سكينة سمعت بذلك ولم تشهده فأيضاً الحديث لا يؤخذ به، لأنه  ذُكِر من غير إسناد فعلى حد قولهم أن السيدة سكينة قالت، لكن مِن أين سمعَت؟ فالسيدة لم تذكر ذلك؟ وبذلك فإن العتاب المذكور بين الإمام الحسن والإمام الحسين في الحديث نعتبره موضوعاً على السيدة سكينة بنت الحسين وليس له صحة أبداً، كما أن البيت الثاني الذي يقولون إن الإمام الحسين (ع) قاله نعتبر فيه شيئاً من التحريف والبيت هو كما يلي:

أحبهما وأبذل جل مالي... وليس لعاتبٍ عندي عتابُ

وكأنهم يرمزون إلى أن الرباب والسيدة سكينة من طالبات المال والدنيا، والإمام الحسين (ع) على إثر ذلك يبذلُ لهما جل ماله.   

وهذه الإساءة أيضاً مردودة بحكم الواقع، لأن الرباب أجمع المؤرخون بأن الأشراف خطبوها بعد شهادة الإمام الحسين (ع) ولم ترضَ ورفعت سقف بيتها وظلت تجلس فيه تحت الشمس حتى ماتت كمداً، وبلا شك إنها لا تفعل ذلك إلّا من كان لها زهدٌ مسبق، أما السيدة سكينة (ع) فقد شرحنا زهدها وباقي فضائلها فلا نعيد، وكما أسلفنا أنه يكفي بأن الذين يذكرون الإساءات عليها، يصفونها بالفضل والعفة فهم يكذبون مروياتهم بأنفسهم. والجدير بالذكر أن السيد عبد الرزاق المقرم مع قوله الذي ذكرنا، انتبه لفرية العتاب في رواية هذين البيتين، ورد عليهما بغير الأدلة التي ذكرنا، وذكر فريتهم السحر على النبي (ص) وبذل جهداً هو والسيد محمد علي الحلو في رد الافتراءات عن السيدة سكينة بنت الحسين (ع) فجزاهما الله عن الاسلام خيرا.

الخلاصة:

   لقد أكملنا بحمد الله هذا البحث المتواضع أمام مقام السيدة سكينة بنت الحسين (ع) وقد خرجنا منهُ باستنتاجات عديدة أهمها:

1ـــ إن الاختلاف في اسم السيدة سكينة بنت الحسين (ع) وسنة ولادتها ومكان مدفنها راجع للتعتيم الإعلامي من قبل الأمويين ونزولاً لاسيما وإن الاختلاف نجده في ولادات الأئمة وولادات أولادهم وكذلك وفياتهم بدأ أو كثر بعد تسلم معاوية منصة الخلافة في الصلح.

2ــ إنَّ ما يعتقده الناس العوام من زواج السيدة سكينة بنت الحسين (ع) من القاسم بن الحسن(ع) أيضاً راجع للاشتباه فقط لأن عبد الله زوج سكينة هو أخو القاسم من أبيه وأمه فكلاهما ولدا الحسن السبط وأمهما رملة، كما إن من المؤرخين من أشار إلى مشروع زواج أو زواج حديث بين عبد الله بن الحسن وسكينة بنت الحسين أيْ شبه ما يردده العوام بين سكينة والقاسم، وأصرف هذا الزواج إلى القاسم دون عبد الله، لشهرة القاسم في بعض المواقف في كربلاء.

3ــ إن المرأة بعد رسول الله (ص) عاشت انتكاسة من خلال تهميشها وتعنيفها قياساً بما فعلوه في البارزات دينياً واجتماعياً من تعنيف، وعلي بن أبي طالب (ع) هو صاحب المنعطف التصحيحي لمسار المرأة ووضعها في المكان الصحيح وإرجاع الحقوق المشروعة لها.

4ـــ إن علي بن أبي طالب (ع) ليس ضد أن تتلقى المرأة العلم، لكنه يدعو إلى أن تتلقى العلم من غير اختلاطٍ بالرجال الأجانب، بدليل أن بناته وحفيداته مشهودٌ لهن بالعلم كما إنهنّ راويات للحديث عن أهل بيتهنّ. أي من غير اختلاطٍ مع الرجال الأجانب.  

5 ـــ إن فتوى الجهاد الكفائي التي أطلقها السيد علي السيستاني ــ دام ظله ــ سنة 1435/ و2014 م ما هي إلا ثمرة من فتوى أطلقها الإمام علي بن أبي طالب(ع) آنذاك بالدفاع عن كرامة المرأة من غير فرق إن كن مسلمات مع غض النظر عن توجهاتهنّ أو كن كتابيات.

6ـــ إن في كلَّ فرد من أفراد الحشد الشعبي المقدس وفصائل المقاومة نجد كلمة الإمام الحسين (ع) لأعدائه: "إن لم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون المعاد فكونوا أحراراً في دنياكم فأنا الذي أقاتلكم وتقاتلونني والنساء ليس عليهن جناح".

7ـــ إن المجتمع بعد واقعة الطف صار في غليان مستمر وأخذه التفكير بالرد بنفس الطريقة التي هوجم فيها أي بالسيف، فابتعد شيئاً ما عن القلم، تشهد بذلك وقعة الحرة ومعركة التوابين، من الأسباب التي جعلت مصعب الزبيري والزبير بن بكار وأشعب الطامع يسهل عليه تمرير كل هذه الافتراءات على السيدة سكينة من غير أن يشعر أحد بطريقة وأخرى. وهذا ما جعل الإمام السجاد يقوم بالكلمة من خلال رسالته رسالة الحقوق والصحيفة السجادية، كي يوازن المجتمع بين السيف والقلم.   

8 ــــ إن الأبيات التي قالها الإمام الحسين (ع) لابنته في عاشوراء، طالما تتخذ الناس منها عَبرة فقط من غير تدقيق في معناها وحين التدقيق وجدنا فيها أسرارا، السر الأول: علمٌ غيبي بأنهُ أنبأها بأن عمرها سيطول ويكون عمرها عبارة عن حزن وبكاء من خلال هذا البيت:

سيطول بعدي يا سكينة فاعلمي............ منك البكاء إذا الحمام دهاني

السر الثاني: إجازة لها بحرية إقامة العزاء والمآتم على ما جرى في عاشوراء فهي أحق بذلك من خلال قوله:

فإذا قُتِلت فأنت أولى بالذي ..........تأتينهُ ياخيرة النسوان

السر الثالث: إن الإمام خاطبها بلقب: "يا خيرة النسوان" بالرغم من صغر سنها لاعتبارين هما كالتالي أولاً: لأنها بالغة مبلغ النساء. ثانياً: تمتلك رجاحة تقارن بها النساء بل وتضاهي النساء العاديات، كمثل بعض الأنبياء أعطاهم الله النبوة وهم صبيان ثم قال:" وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ" لبيان جنسهم ولتعريف قدراتهم الذهنية التي قارنوا بها الرجال بل وضاهوا العاديين منهم، ونعتقد أن بعض المؤرخين من أبناء العامة استلهموا من هذه الأبيات للإمام الحسين (ع) ووصفه لابنته بخيرة النسوان فوصفوها بسيدة نساء عصرها، وإن لم يروها، بالإضافة إلى الشواهد التي دلتهم على سيادتها.  

8 ــــ إن السيد عبد الرزاق المقرم في كتابه سكينة بنت الحسين (ع) والسيد محمد علي الحلو ذكروا أن السيدة سكينة لم يتح لها أن تشعل الساحة بالخطب لأن هذا الدور كان موكولاً لمن هو أكبر منها، ثم إنهما لم يذكرا أي دور لها بعد ذلك لانغشالهما بردّ الافتراءات عنها، إلا إننا من خلال التوسعة في البحث وجدنا أن لها دوراً كبيراً مسانداً لدور الإمام السجاد (ع) في تخليد كربلاء شرحناه، وهذا أحد الأسباب الذي جعل الأمويون والزبيريون يتحاملون عليها، ويلفقون لها الافتراءات، وليس كما قيل إنها لعدم ظهورها في الساحة لم يتعاطف معها ضمير الأمة، فكان ذلك مدخلاً للافتراءات، بل الواضح إن السيدة سكينة بنت الإمام الحسين (ع) كانت ذات موقف فتحاملوا عليها.

9ــــ هنالك مثل يقول عن الكلام في السمعة: "لا دخان من دون نار" وهذا ليس صحيحاً إذ وجدنا قمم الطهر والعفة يطعن فيها، وليست السيدة سكينة وحدها من افتري عليها بل افتروا على من هو أعظم وأعظم منها ألا وهو رسول الله (ص) لما رووا إجازته للمغنيتين أن تغنيا في بيته وبما معناه عدم الغيرة وغير ذلك، إذ إننا أوجزنا في المطلب الأخير من البحث، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.   

     

                                      (قائمة المصادر)

القرآن الكريم

  • الأغاني، أبي الفرج الأصفهاني، دار إحياء التراث العربي، الطبعة الأولى.
  • الإصابة في تمييز الصحابة، ابن حجر العسقلاني، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى.  
  • أسد الغابة في معرفة الصحابة، ابن أثير، طباعة سنة 1970 م
  • بحار الأنوار، العلامة المجلسي، مؤسسة الوفاء -بيروت – لبنان، الطبعة الثانية.
  • البحر المديد في تفسير القرآن المجيد،ابن عجيبة (نسخة محققة) مكان الطبع: القاهرة سنة الطبع: 1419 هـ.
  • تذكرة الخواص، سبط ابن الجوزي المتوفى سنة 654 إصدار مكتبة نينوى الحديثة، طهران.
  • تاريخ الإسلام، الذهبي، دار الكتاب العربي، بيروت، الطبعة الأولى. 
  • تاريخ الامم والملوك، الطبري مطبعة بريل/ موقع يعسوب.
  • تاريخ دمشق، ابن عساكر، الطبعة الاولى دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع.
  • الثقات، ابن حبان، مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد، الطبعة الاولى.
  • الحُسَيْنُ عليه السلام سِماتُهُ وسِيْرَتُهُ، السيّد محمّد رضا الحسيني الجلالي، دار المعروف للطباعة والنشر -قم المقدّسة – الطبعة الثانية
  • السنن الكبرى أبو بكر البيهقي، وفي ذيله الجوهر النقي، عبد الله بن عبد المحسن التركي، مجلس دائرة المعارف النظامية الكائنة في الهند ببلدة حيدر آباد الطبعة الأولى.   
  • السيدة سكينة ابنة الإمام الشهيد ابي عبد الله الحسين(ع)، السيد عبد الرزاق المقرم، مطبعة القضاء، نجف، الطبعة الثالثة.
  • سير اعلام النبلاء للذهبي، مؤسسة الرسالة، بيروت.
  • شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد المعتزلي، دار الكتاب العربي الطبعة الأولى.
  • صحيح البخاري، دار ابن كثير، اليمامة – بيروت /الطبعة الثالثة.
  • صحيح مسلم/ دار الأفاق الجديدة ـ بيروت/ لبنان.
  • عقيلة قريش آمنة بنت الحسين الملقبة بسكينة للسيد محمد علي الحلو، الطبعة الثانية مطبعة محمد. 
  • عوالم العلوم والمعارف ....  الإمام الحسين عليه السلام، الشيخ عبد الله البحراني، تحقيق ونشر مدرسة الإمام المهدي عليه السلام " قم المقدسة ".
  • الكافي، العلامة الشيخ محمد بن يعقوب الكليني، مطبعة حيدري، نشر دار الكتب العلمية، طهران، الطبعة الثالثة.  
  • لسان العرب، ابن منظور، دار صادر / بيروت / الطبعة الأولى.
  • المحجة البيضاء في تهذيب الأحياء، المحدث مولى محسن الكاشاني، مؤسسة الأعلى للمطبوعات/ بيروت لبنان. الطبعة الثانية.
  • موسوعة عاشوراء، دار الرسول الأكرم، للطباعة والنشر، البيان للترجمة، الطبعة الأولى.
  • موسوعة كلمات الإمام الحسين، محمود شريفي منظمة الاعلام الاسلامي دار المعروف للطباعة والنشر، الطبعة الثالثة.
  • مقتل أبي مخنف، من منشورات المكتبة العامة، المطبعة العلمية قم.
  • ميزان الاعتدال في نقد الرجال، شمس الدين الذهبي، دار المعرفة للطباعة والنشر بيروت -لبنان
  • المنتظم في تاريخ الملوك والأمم، أبن الجوزي المتوفى سنة597، هـ، دار الكتب العلمية، بيروت. 
  • المعجم الكبير للطبراني. مكتبة العلوم والحكم – الموصل الطبعة الثانية، 1404 –1983
  • المستدرك على الصحيحين، الحاكم النيسابوري: دار الكتب العلمية – بيروت الطبعة الأولى.
  • مروج الذهب ومعادن الجوهر أبو الحسن المسعودي، المكتبة العصرية، صيدا ــ بيروت، الطبعة الأولى
  • النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة، ابن تغري بردي، مطبعة دار الكتب المصرية
  • بالقاهرة، الطبعة الأولى.
  • الوافي بالوفيات، صلاح الدين الصفدي. دار إحياء التراث العربي. بيروت لبنان. الطبعة الأولى
  • وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، شمس الدين ابن خلكان/ دار صادر/بيروت.

 

 

 

[1] ـ وفيات الأعيان لابن خلكان/ ج2ص 397.

[2] ـ السيدة سكينة للمقرم ص 111.

[3] ـ لسان العرب لابن منظور، ج 13ص 211

[4] ـ آمنة بنت الحسين ص 42

[5] ـ المقرم في سكينة بنت الحسين ص 111 عن اسعاف الراغبين لابن صبان المصري.

[6] ـ صحيح مسلم/ باب فضائل علي ـ ع ـ ج 7 ص 120/ سنن النسائي ج 5 ص122.

[7][7] ـ صحيح مسلم باب فضائل أهل البيت ج 7 ص130/   السنن الكبرى للبيهقي ج2ص 419 وغيرهم.

[8] ـ صحيح البخاري ج 3 ص 1353/ المستدرك على الصحيحين للنيسابوري بتعليق الذهبي ج3 ص 130/.

[9] ـ المعجم الكبير للطبراني ج12 ص 97.   

[10]ـ غرائب القرآن للنيسابوري ج 6 ص 576، مفاتيح الغيب للشيرازي ج 30 ص 124أشار إلى الترابط بين السورتين ابن عجيبة في البحر المديد ج 8 ص 434.

[11] ـ ذكرنا المصادر أعلاه.

[12]ـ صحيح البخاري ج 3 ص 1374/ المستدرك على الصحيحين للنيسابوري. سنن الترمذي ج5ص 660/.  

[13]ـ صحيح البخاري ج3 ص1374/ وأخرجته جميع الصحاح والسنن باختلاف بسيط كقوله يؤذيني ما أذاها، أو يبسطني ما يبسطها.   

[14]ــ صحيح البخاري باب التفسير / سورة الأحزاب ج4 ص 1802 السنن الكبرى للنسائي ج 6ص 98.  

[15]ــ ذكرنا المصادر سابقاً في مناقب الإمام علي.

[16] ــ صحيح البخاري/ مناقب الحسن والحسين ج 3 ص 1371 / المعجم الكبير للطبراني ج3ص 127.

[17] ــ جاء في المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري. وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، تعليق الذهبي: صحيح. وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير ج 22 ص 274.

[18]ــ الكافي للكليني ج 5 ص 347.   

[19]ــ المحجة البيضاء للكاشاني ج3 ص 93.

[20]ــ موسوعة عاشوراء للشيخ محدثي ص 238.  

[21]ــ السيدة سكينة للمقرم ص 112/ 113.

[22] ــ السيدة سكينة للمقرم ص 114

[23] ــ العوالم، الإمام الحسين للبحراني ج 1ص331.

[24] ــ السيدة سكينة للمقرم ص 114. 

[25] ــ ظ بحار الأنوار للعلامة المجلسي45ص331

[26]ــ تاريخ دمشق لابن عساكر ج69ص205 تاريخ الإسلام للذهبي ج7ص371وغيرهما".

[27]ــ موسوعة عاشوراء ص 209

[28] ــ السيدة سكينة للمقرم ص114.

[29]ــ الأغاني للأصفهاني ج16 ص368المحبر لابن حبيب ص438.

[30]ــ تاريخ دمشق لابن عساكر ج 69ص 205تاريخ الإسلام للذهبي ج 7 ص371.

[31] ــ تاريخ دمشق لابن عساكر ج69/217/ 218

[32] ــ ممن ذكر ذلك البخاري في صحيحه باب الخمس ج6 ص2474و البيهقي في سننه ج 2 ص 297.

[33] ــ ممن ذكر ذلك ابن عساكر في تاريخ دمشق عن لسان أبي بكر ج 30/ ص 18و الذهبي في تاريخ الاسلام ج3 ص 117/ 118.

[34] ــ ممن أشار إلى ذلك الصفدي في الوافي بالوفيات ج6 ص 15، الذهبي في ميزان الاعتدال ج 1ص 139.

[35] ــ أشار إلى ذلك البخاري والبيهقي بالأرقام المتقدمة وغيرهما من أصحاب السنن والصحاح.

[36] ــ ممن ذكر ذلك ابن خلكان في وفيات الأعيان ج6 ص 14 والطبري في تاريخ الأمم والملوك ج2 ص 503.

[37]ــ تاريخ الإسلام للذهبي ج3ص34

[38] ــ تاريخ الأمم والملوك للطبري ج2 ص 614

[39] ـ المستدرك على الصحيحين للنيسابوري بتعليق الذهبي ج3ص378.

[40] ــ مروج الذهب للمسعودي، الطبقات لابن سعد ج4ص 234.

[41] ـ ذكر ذلك الطبري في الأمم والملوك ج3ص 60و كل المؤرخين عند ذكر حرب الجمل.

[42] ــ مروج الذهب للمسعودي ج2 ص 286.

[43]ــ نهج البلاغة لأبي الحديد المعتزلي ج 18ص 292.

[44] ــ شرح نهج البلاغة لأبي الحديد المعتزلي ج6ص306.

[45] ــ شرحنا ذلك وأعطينا عليه الأدلة في مقالة لنا في مجلة: (رياض الزهراء) عدد116.

[46] ــ شرح نهج البلاغة لأبي الحديد المعتزلي ج16ص 267.

[47] ـ ذكر ذلك ابن أثير في أسد الغابة المجلد 6ص 132/ 133، وابن حجر في الإصابة ج 8ص 166/ 167و غيرهما.

[48] ـ الصفدي بالوافي بالوفيات ج15ص 182، وابن خلكان في وفيات الأعيان ج2ص394.

[49] ـ الثقاة لابن حبان ج4ص 352

[50] ـ شرح نهج البلاغة لأبي الحديد ج15 ص 66، ذكر ذلك في صفين، تاريخ الطبري ج3ص 54 قال إنه بعد الفراغ من حرب الجمل.

[51] ـ نهج البلاغة لابي الحديد المعتزلي ج2 270.

[52] ـ العوالم، الإمام الحسين ج1 ص 293.

[53] ـ ممن ذكر ذلك ابن الجوزي في المنتظم ج5ص340.

[54] ـ موسوعة عاشوراء لجواد محدثي ص54.

[55] ـ ذكر ذلك مسلم في صحيحه ج7 ص 120.

[56] ـ تاريخ الإسلام للذهبي ج7 ص 227.

[57] ـ ذكر ذلك كثير من المؤرخين منهم المزي في تهذيب الكمال ج6ص253/ والذهبي  في أعلام سير النبلاء ج3ص 274.

[58] ـ ممن أشار إلى ذلك الذهبي في سير أعلام النبلاء ج3ص 317/319 والطبري في تاريخ الأمم والملوك ج 8 ص 187.

[59] ـ ذكر ذلك الطبري ج 3 ص 19و كل من ذكر حرب الجمل.  

[60] ـ ذكر ذلك ابن خلكان في وفيات الأعيان ج4ص 172 بن سعد في الطبقات ج5 ص 105 وغيرهم.

[61] ـ مروج الذهب ج3 ص 69.

[62] ـ نفس المصدر ج3 ص72. 

[63] ـ ذكر ذلك ابن خلكان في وفيات الأعيان ج3ص 71/ وا بن سعد في الطبقات ج5ص183وغيرهما.

[64] ـ ممن ذكر ذلك الذهبي في تاريخ الإسلام ج6ص 438.

[65]ـ المنتظم لابن الجوزي ج6ص 116.

[66]ـ انظر وفيات الأعيان لابن خلكان ج3 ص 307.

[67] ـ المقرم في كتابه سكينة بنت الحسين 48عن كتاب الفكر الأندلسي.

[68] ـ ميزان الاعتدال ج3 ص 123.

[69] ـ الأغاني ج1 ص 40.

[70] ـ ميزان الاعتدال ج3 ص 124

[71] ـ الحسين ع سماته وسيرته ـــ ترجمة رواية ابن عساكر للسيد رضا الحسيني ص100.

[72] ـ بحار الأنوار ج59 ص 45.

[73] ـ ذكرها في الجزء الأول من الأغاني ص 149.

[74] ـ ذكرها في الجزء الأول ص 308. 

[75] ـ ذكر ذلك الأصفهاني في الأغاني ج16ص 363 وجمع من أهل التأريخ.

[76] ـ ذكر ذلك الأصفهاني في الأغاني ج16 ص380 وجمع من أهل التأريخ.

[77] ـ بحار الأنوار للعلامة المجلسي ج 59 ص 128.

[78] ـ بحار الأنوار للمجلسي ج 101 ص 45.

[79] ـ سكينة بنت الحسين للسيد عبد الرزاق المقرم ص 87.

[80] ـ موسوعة كلمات الإمام الحسين ص 399.

[81] ـ الأصفهاني في الأغاني ا ج1ص 146.

[82] ـ كل من ذكرها بترجمته وتأريخه من علماء العامة.

[83] ـ الأصفهاني في الأغاني ج16 ص 363. 

[84] ـ الأغاني للأصفهاني ج16ص 363.

[85] ـ الوافي بالوفيات للصفدي ج15ص 182، ابن خلكان في وفيات الأعيان ج2ص394.

[86] ـ تاريخ دمشق لابن عساكرج70 ص21.

[87] ـ السنن الكبرى للنسائي ج5 ص392مسند أحمد ج6 ص 282.

[88] ـ بحار الأنوار للعلامة المجلسي ج 45/ ص 169.      

[89] ـ السيد المقرم في سكينة بنت الحسين عن ابن صبان المصري في إسعاف الراغبين ص33أيضاً رواها الاصفهاني في الأغاني عن عبد الله بن موسى ج16ص363 ولم يكمل.

[90] ـ سكينة بنت الحسين للمقرم ص36.

[91] ـ بحار الأنوار للمجلسي ج100 ص219.

[92] ـ المحبر لابن حبيب البغدادي ص 438.

[93] ـ الأغاني للأصفهاني ج 16ص 368.

[94] ـ الأغاني للأصفهاني ج16ص 362.

[95] ـ تذكرة الخواص لابن الجوزي ص327، بحار الأنوار للمجلسي، ج46 ص114.

[96]ـ بحار الأنوار للمجلسي ج 61ص 318 تاريخ دمشق ج69 ص207 بزيادة مقطع.

[97] ـ نفس الجزء والصفحة  من البحار.

[98] ـ الأغاني للأصفهاني ج16ص363.

[99] ـ موسوعة عاشوراء ص 238.

[100] ـ آمنة بنت الحسين للسيد محمد علي ص 40

[101] ـ الأغاني للأصفهاني ج1ص 2010.

[102] ـ الأغاني للأصفهاني ج1ص 2010.

[103] ـ الأغاني للأصفهاني ج 17ص 32.

[104] ـ الأغاني للأصفهاني ج2 ص 574.

[105] ـ الأغاني للأصفهاني ج2ص 574.

[106] ـ الأغاني للأصفهاني ج1ص 2010.

[107] ـ الأغاني للأصفهاني ج1ص209.

[108] ـ الأغاني للأصفهاني ج2ص 569/ 570.

[109] ـ الأصفهاني ج16ص362

[110] ـ صحيح البخاري ج3 ص6064.

[111] ـ صحيح البخاري ج1 67.

[112] ـ الأدب المفرد للبخاري بتعليق الألباني ج1 ص 362.

[113] ـ صحيح البخاري ج3 ص 1132.

[114] ـ السنن الكبرى للنسائي ج4ص 334 بحار الأنوار ج 62ص47.

[115] ـ الأغاني للأصفهاني ج16ص 360.


رنا الخويلدي


اتصل بنا
يمكنكم الاتصال بنا عن طريق الاتصال على هواتف القسم
+964     7602326873
+964     7721457394
أو عن طريق ارسال رسالة عبر البريد الالكتروني
media@mk.iq
info@mk.iq

تطبيق المعارف الاسلامية والانسانية :
يمكنكم ارسال رساله عن طريق ملء النموذج التالي :
اتصل بنا

او مواقع التواصل الاجتماعي التالية :