الولادة
لقد جاءت قصة موسى في القرآن الكريم أكثر من سائر الأنبياء، واشير إلى موسى وفرعون وبني إسرائيل أكثر من مئة مرة وفي أكثر من ثلاثين سورة. ولو دُرست آيات كل سورة على حدة، ووُضعت جنبًا إلى جنبٍ لم يُلحظ فيها التّكرار على خلاف ما يتصوّره البعض، بل ذُكر من هذه الملحمة التاريخية في كلِّ سورة ما يناسبها من البحث للاستشهاد به.
ويمكن تلخيص حياة النبي موسى (عليه السلام) في خمس مراحل المراحل الخمس من حياة النبي موسى (عليه السلام)، وعلى العموم يمكن حصر وتلخيص حياة هذه النبي الإلهي العظيم من خمس دورات ومراحل:
1. مرحلة الولادة، وما جرى عليه من الحوادث حتى ترعرعه في البلاط الفرعون.
2. مرحلة فراره من مصر، وحياته في أرص "مدين" في كنف النبي شعيب.
3. مرحلة بعثته، ثم الواجبات الكثيرة بينه وبين فرعون وجهازه.
4. مرحلة نجاته ونجاة بني إسرائيل من مخالب فرعون، والحوادث التي جرت عليه في الطرق، وعنده وروده إلى بيت القدس.
5. مرحلة مشاكله مع بني إسرائيل.
الأولى: مرحلة الولادة وما جرى عليه من الحوادث حتى ترعرعه في بلاط فرعون. وهذا ما سنتاوله في هذا الجزء من قصة موسى (عليه السلام).
كانت سلطة فرعون وحكومته الجائرة قد خططت تخطيطا واسعا لذبح "الأطفال" من بني إسرائيل حتى أن القوابل "من آل فرعون" يراقبن النساء الحوامل "من بني إسرائيل".
ومن بين هؤلاء القوابل كانت قابلة لها علاقة مودة مع أمِّ موسى (عليه السلام) (وكان الحمل خفيا لم يظهر أثره على أم موسى) وحين أحست أمُّ موسى بأنّها مقرب وعلى أبواب الولادة أرسلت خلف هذه القابلة وأخبرتها بالواقع، وأنها تحمل جنينها في بطنها وتوشك أن تضعه، فهي بحاجة -هذا اليوم- إليها.
وحين ولد موسى (عليه السلام) سطع نور بهيّ من عينيه فاهتزت القابلة لهذا النور وطُبع حُبُّه في قلبها، وأنار جميع زوايا قلبها.
ونقرأ حديث عن الإمام الباقر (عليه السلام) في هذا الباب: "فلما وضعت أمُّ موسى موسى نظرت إليه وحزنت عليه واغتمت وبكت وقالت: تُذبح الساعة، فعطف الله الموكلة بها عليه، فقالت لأم موسى: مالك قد اصفر لونك؟ فقالت: أخاف أن يذبح ولدي، فقالت: لا تخافي وكان موسى لا يراه أحد إلا أحبه".
فالتفتت القابلة إلى أمِّ موسى وقالت لها: كنت أروم أن أخبر الجهاز الفرعوني بهذا الوليد ليأتي الجلاوزة فيقتلوه "وأنال بذلك جائزتي" ولكن ما عسى أن أفعل وقد وقع حبه الشديد في قلبي، وأنا غير مستعدة لأن تنقص ولو شعرة واحدة من رأسه، فاهتمي بالمحافظة عليه، وأظن أن عدونا المتوقع سيكون هذا الطفل أخيرا .
خرجت القابلة من بيت أم موسى فرآها بعض الجواسيس من جلاوزة فرعون وصمموا على أن يدخلوا البيت، فعرفت أخت موسى ما أقدموا عليه فأسرعت إلى أمها وأخبرتها بأن تتهيأ للأمر، فارتبكت ولم تدر ماذا تصنع؟! وفي هذه الحالة من الارتباك وهي ذاهلة لفت وليدها "موسى" بخرقة وألقته في التنور فإذا بالمأمورين والجواسيس يقتحمون الدار، فلم يجدوا شيئا إلا التنور المشتعل نارا.. فسألوا أم موسى عن سبب دخول القابلة عليها فقالت إنها صديقتي وقد جاءت زائرة فحسب، فخرجوا آيسين.
ثم عادت أم موسى إلى رشدها وصوابها وسألت "أخت موسى" عن أخيها فأظهرت عدم معرفتها بمكانه، وإذا البكاء يعلو من داخل التنور، فركضت إلى التنور فرأت موسى سالمًا وفد جعل اللهُ النّارَ عليه بردا وسلاما، فأخرجت وليدها سالما من التنور.
لكن الأم لم تهدأ إذ إن الجواسيس يمضون هنا وهناك ويفتشون البيوت يمنة ويسرة، وكان الخطر سيقع لو سمعوا صوت هذا الطفل الرضيع.
وفي هذه الحال اهتدت أم موسى بإلهام جديد، إلهام ظاهره أنه مدعاة للخطر، ولكن مع ذلك أحست بالاطمئنان أيضا :}وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ{.
كان ذلك من الله ولابد أن يتحقق فلبست ثياب عملها وصممت على أن تلقي وليدها في النيل.
فجاءت إلى نجار مصري "وكان النجار من الأقباط والفراعنة أيضا" فطلبت منه أن يصنع صندوقا صغيرا.
فسألها النجار قائلا: ما تصنعين بهذا الصندوق مع هذه الأوصاف؟ ولكن الأم لما كانت غير متعودة على الكذب لم تستطع دون أن تقول الحق والواقع، وإنها من بني إسرائيل ولديها طفل تريد إخفاءه في الصندوق.
فلما سمع النجار القبطي هذا الخبر صمم على أن يخبر الجلاوزة والجلادين، فمضى نحوهم لكن الرعب سيطر على قلبه فارتج على لسانه وكلما حاول أن يفهمهم ولو كلمة واحدة لم يستطع، فأخذ يشير إليهم إشارات مبهمة، فظن أولئك أنه يستهزئ بهم فضربوه وطردوه، ولما عاد إلى محله عاد عليه وضعه الطبيعي، فرجع ثانية ليخبرهم فعادت عليه الحالة الأولى مع الارتجاج والعي، وأخيرا فقد فهم أن هذا أمر إلهي وسر خفي، فصنع الصندوق وأعطاه لأم موسى.
ولعل الوقت كان فجرا والناس -بعد- نيام، وفي هذه الحال خرجت أم موسى وفي يديها الصندوق الذي أخفت فيه ولدها موسى، فاتجهت نحو النيل وأرضعت موسى حتى ارتوى، ثم ألقت الصندوق في النيل فتلقفته الأمواج وأخذت تسير به مبتعدة عن الساحل، وكانت أم موسى تشاهد هذا المنظر وهي على الساحل.. وفي لحظة أحست أن قلبها انفصل عنها ومضى مع الأمواج، فلولا لطف الله الذي شملها وربط على قلبها لصرخت ولانكشف الأمر واتضح كل شيء.
آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ 15 / 5 / 2018 |
|
الشهيد .. رمز العطاء 16 / 10 / 2016 |
|
لغة القرب الالهي في السبع المثاني (الحلقة الثانية) 20 / 11 / 2016 |
|
أهل البيت (عليهم السلام) الأولى بالطاعة والمودة 11 / 10 / 2016 |
|
حرب الوقت 27 / 10 / 2016 |
|
طريق الجنة 13 / 10 / 2016 |
|