مركز تراث الحلة
أسرة آل عبد الجليل
التاريخ : 5 / 4 / 2021        عدد المشاهدات : 3328

يعد الوالي حسن باشا المؤسس الفعلي لدولة المماليك، هو الذي قام بجلب الكثير منهم من جورجيا واسكنهم معه بصفة حرسه الخاص، وخلفه في نهج هذا السلوك ولده الوالي أحمد باشا الذي بعونه لنقطع عصر الولاة العثمانيين لمدة 82 عام، وهي فترة حكم المماليك الذين طردوا الوالي العثماني ونصبوا واليا مملوكاً مثلهم على بغداد وهو سليمان باشا الكبير الذي يمثل العصر الذهبي لدولة المماليك العراقية.

وفي هذه الفترة ظهرت اسرة متنفذة في بعض المدن العراقية حيث وطدت علاقاتها مع المماليك ومع ابناء تلك المدن، ومن تلك الاسر العربية، آل عبد الجليل الذين تعاقبوا على حكم الحلة مع ابناء عمومتهم آل الجلبي الذين ينتمون لشجرة واحدة.

ضمت القوات مجموعة من العشائر المتحالفة معه ومنها شمّر والعبيد، وأشارت بعض الوثائق إلى أن أسرة آل عبد الجليل كان لها الكثير من الأملاك في عانة، مما يدل أن سكن الأسرة في بادئ الأمر كان في تلك المناطق، خاصةً أن أبا ريشة كان يسعى أيضاً الى الحصول على حلفاء أقوياء يعتمد عليهم في صراعاته المستمرة مع بقية القبائل الأخرى، من أجل بسط سيطرته ونفوذه على أكبر ما يمكن من المقاطعات والأراضي.

بعد أن انتهت حملة مراد الرابع ونجاحها في إعادة السيطرة العثمانية على العراق، كافأ السلطان العثمانيّ القبائل العربية التي ساعدته في حملته تلك، ومنها قبيلة شمّر التي أسكن قسماً منها في بغداد وأسكن القسم الآخر بالقرب من مناطق الفرات الأوسط في محاولة منه لإيجاد نوع من التوازن العشائريّ في تلك المناطق ذات الأغلبية المؤيدة للفرس، لاسيما وأن قبيلة شمّر في تلك المرحلة كانت حنفية المذهب. كما أن محمد ياسين والد يوسف بك، كان قد تسلم إمارة الحج العراقيّ في ذلك الوقت.

ذك أن يوسف بك بن الحاج محمد ياسين كان يلتزم أراضي منطقة العرجا وذلك في حدود سنة 1136هـ/1722م، وأن الإيراد السنوي المتحصل من تلك الأراضي كان يبلغ شيئاً طائلاً، الأمر الذي مكنه من اكتساب أهمية كبيرة في ريف العراق ومدنه، ثم حاز ثقة والي بغداد (حسن باشا) فمنحه حكم الحلّة، ونال رتبة بك باعتبار أن الحلّة كانت تمثل سنجقاً تابعاً لإيالة بغداد. في حين تثبت الوثائق التي أمكن الحصول عليها أن حكم يوسف بك للحلة لم يكن في ذلك التأريخ، وإنما يعود إلى سنة 1704- 1743م أو بعدها بقليل. وهو ما أكدته مصادر تاريخية أخرى.

كانت بداية حكم يوسف بك لسنجق الحلّة، قد مثلت بداية الدور السياسيّ لأسرة آل عبد الجليل، خاصة وأنه تمكن من أن يضيف إلى إمارة الحلّة، إمارة الحج العراقي، فصار يوسف بك يعرف بـ (أمير الحلّة والحج). وعرفت تلك الأسرة في بداية تأسيسها، بآل يوسف بك، أو بني يوسف، نسبة إلى مؤسسها الأول الحاج يوسف بن الحاج محمد ياسين، الذي استمر حكمه للحلة مدة قاربت الأربعين سنة بدءاً من سنة 1707م إلى سنة 1743م، تخللتها مدة انقطاع قصيرة خضعت الحلّة خلالها إلى السيطرة الفارسية. يمكن إرجاع ذلك الانقطاع إلى طبيعة الصراع الفارسيّ- العثمانيّ في تلك المرحلة القائم على أساس محاولة كل طرف استغلال مراحل الاضطرابات والضعف السياسيّ وتحقيق بعض المكاسب السياسية والاقتصادية.

إن ظهور أسرة آل عبد الجليل في الحلّة في تلك المرحلة (بداية القرن الثامن عشر الميلاديّ)، شكلّت _على الرغم من أخذها الأوامر والتعليمات من ولاة بغداد، أو من السلطة المركزية في إسطنبول_ بذور حركة القومية العربية ضد التسلط الأجنبيّ، إذ كان ظهور العديد من الاسر العربية بداية للحركة العربية الحديثة، ففي العراق كانت هناك الإمارات الطائية التي امتد حكمها إلى بلاد الشام أحياناً، ثم المزيديون والمشعشعين والخزاعل والمنتفق وبنو الجليل (الجليليون) وبنو عبد الجليل.

إن اللافت للنظر في حكم يوسف بك لسنجق الحلّة، هو طول المدة التي بقي فيها حاكماً على ذلك السنجق، وهو أمر إستثنائي في ظل سياسة عثمانية كانت قد تركزت على عدم بقاء ولاة الأيالات أو أمراء السناجق في مناصبهم مدة تتجاوز السنة أو السنتين، خوفاً منها في كسب أولئك الولاة والأمراء أكبر عدد ممكن من المؤيدين لهم، ومن ثم ظهور النزعات الاستقلالية التي تهدد كيان الدولة العثمانية، إذا ما علمنا أن الدولة العثمانية خلال سيطرتها على العالم الإسلامي، كانت تسعى دائماً إلى تحقيق مكسبين مهمين، أولهما: الحصول على الولاء الأسميّ المتضمن التبعية السياسية والاجتماعية لها، وثانيهما: الحصول على الضرائب (الميري) المفروضة على تلك الأيالة أو ذلك السنجق، وهما أمران كان يوسف بك قد عمل طوال مدة حكمه للحلة على الإيفاء بهما والالتزام بتنفيذهما في شكل كبير، مضافاً إليهما استخدام الحاج يوسف بك لنظام الوقف الإسلاميُ على الكثير من الأعمال الخيرية، الذي مكنه من أن ينال ثقة أهل الحلّة ورضاهم ، مما دعم موقفه في البقاء حاكماً عليها.

تولى عبد الجليل بك بن سلطان بن الحاج يوسف بك حكم سنجق الحلّة سنة 1158هـ/1745م على حياة جده (يوسف بك) المتوفى سنة 1176هـ/1762م، والمدفون تحت الميزاب الذهبيّ في النجف الأشرف، وهو الذي تنسب إليه أسرة آل عبد الجليل الشهيرة في الحلّة، وكان قد تولى أيضاً إمارة الحج العراقي في أثناء فترة حكمه لسنجق الحلّة.

حصل عبد الجليل بك على الكثير من الأراضي والمقاطعات الزراعية والعقارات الكثيرة، التي تركها له جده الحاج يوسف بك، لاسيما بعد وفاة ولده سلطان في ظروف غامضة، إذ لا تذكر المصادر التاريخية التي تناولت تلك المرحلة شيئاً عن سلطان بن الحاج يوسف بك، ولا وفاته، فقط ذكر إنه كان قائد القوة العسكرية المرافقة لقافلة الحج العراقي، المنطلقة من سنجق الحلّة بقيادة والده الحاج يوسف بك وذلك سنة 1131هـ/1718م، ثم بعد ذلك التأريخ لا يوجد أي ذكر لسلطان هذا، وإنما يذكر بدلاً عنه عبد الجليل بك أميراً على الحلّة والحج.

هذا يعني أن وفاة سلطان بن الحاج يوسف بك يحتمل أن تكون قد حصلت نهاية سنة 1718م، أو في سنة 1719م وهي الأكثر ترجيحاً، خاصةً أن موسم الحج يكون في الأشهر الأخيرة من السنة الهجرية، آخذين بنظر الاعتبار الوقت الذي كانت تستغرقه قافلة الحج في الذهاب والإياب.

استمر عبد الجليل بك في حكمه لسنجق الحلّة إلى مطلع سنة 1162هـ/1748م، وإن المدة التي كان فيها أميراً عليها، هي مدة قصيرة قياساً للمدة التي كان فيها جده الحاج يوسف بك أميراً عليها، إلا أنه من المرجح أن يكون عبد الجليل بك قام بحكم الحلّة في الأوقات التي كان فيها جده غائباً عنها، خاصة في موسم الحج الطويل الذي كان يوسف بك أميراً له، أي إن عبد الجليل بك يحتمل أن يكون أميراً للحلة بالوكالة في أثناء غياب الأمير الرسميّ عنها، إذ لا يصح أن تترك المدينة من دون حاكم عليها.

في نهاية السنة المذكورة أعلاه، تولى حكم الحلّة الأمير خضر بك بن عبد الله چلبي بن أحمد چلبي بن محمد ياسين، الذي كان ولده محمد آغا قائداً لعسكر الحلّة، والجدير بالذكر أن خضر بك هو ابن عم عبد الجليل بك، إذ يقال لغير ذرية عبد الجليل بـ (آل الچلبي)، وخضر بك هو صاحب الجامع المعروف باسمه في بغداد، إذ اختلف في تحديد مكانه والسنة التي أنشئ فيها، فمنها من ذكر أنه واقع في محلة قنبر علي شيده سنة1200هـ/1785م.

في حين ذكرت مصادر تاريخية أخرى إن خضر بك هو صاحب الجامع المعروف باسمه في محلة إمام طه في بغداد. خاصة وأن خضر بك كان قد اشترى له أرضاً في تلك المحلّة. بينما أشار مصدر آخر إلى أن الجامع المذكور كان مكانه في العاقولية قرب شارع الأمين. إلاّ أن إحدى الوثائق الرسمية ذكرت أن جامع خضر بك يقع في كومش حلقة (الحلقة الفضية) في مدينة بغداد، كما ذكر في المصادر ادناه.

إن جامع خضر بك في بغداد له في الحلّة أراضٍ موقوفة عليه، وإن تلك الوقوف هي عبارة عن بساتين ودكاكين وكتب نفيسة. كما كانت لأسرة آل عبد الجليل في بغداد، دار واسعة جداً لها ملحقات باتصالها وهي ملاصقة لجامع خضر بك الآنف الذكر. إذ شُيّدتْ في ذلك الجامع مدرسة للعلوم العقلية والنقلية ومكتبة تضم الكثير من الكتب، كما أن هناك تشكيلة إدارية واسعة لإدارة شؤون الجامع.

في سنة 1184هـ/1770م، كان عبد الكريم چلبي بن عبد الله چلبي بن أحمد چلبي بن محمد ياسين أميراً على الحلّة، خلفاً لأخيه (خضر بك) ، الذي اتجه إلى الأعمال الزراعية، في سنة 1189هـ/1775م. كان ضامناً للواء السماوة، واستمر يمارس تلك الأعمال إلى وفاته سنة 1210هـ/1795م، حيث دفن في مقبرة الشيخ عمر السهروردي في بغداد، وعُرف عبد الكريم چلبي بوقفه مجموعة من الكتب القيمّة والنفيسة على الجامع الذي بناه أخوه خضر بك (أمير الحلّة السابق)، وقد انتقل بعض من تلك الكتب إلى المكتبة القادرية.

توفي عبد الكريم چلبي في سنة 1200هـ/1785م. لتنتقل إمرة الحلّة من بعده إلى أحد أفراد أسرة آل عبد الجليل بك من آل الچلبي ويدعى علي چلبي ابن خليل چلبي بن إسماعيل بن محمد ياسين چلبي، الذي بقي أميراً على الحلّة إلى سنة 1214هـ/1799، وهو آخر من تولى إمارة الحلّة من آل عبد الجليل في القرن الثامن عشر الميلاديّ، إذ جاء من بعده مراد چلبي الذي لا ينتسب إلى تلك الأسرة، إذ إن شجرة الأسرة لا تذكر اسمه، سوى ذكرها أن علي چلبي الذي أمرت السلطات العثمانية في بغداد بعزله وتعيين مراد چلبي بدلاً عنه، بعد أن أوفى ما بذمته من ديون لها. وقد أشار الرحالة الانجليزي (توماس هاول)، (أحد منتسبي شركة الهند الشرقية والذي وصل إلى مدينة الحلّة في السادس عشر من آذار سنة 1788م، قادماً إليها من الديوانية بطريق نهر الفرات في رحلة استغرقت يومين إلى ثلاثة أيام التي وصفها (بالشاقة والمتعبة)، لكثرة ما كانوا يتعرضون له من هجمات اللصوص وقطاع الطرق الكامنين على ضفتي النهر، خاصة الجانب الشرقي منه إلى علي چلبي)، فذكر ((أنه بعد عناء الرحلة وصلنا إلى مدينة الحلّة عند الساعة العاشرة مساءً ، وبعدها وفي مساء اليوم التالي التقينا بحاكم المدينة، الذي يلقبهُ الأهالي بـ(الچلبي) ، حيث استقبلنا بملابسه العربية وقدم لنا القهوة)).

لا تعرف على وجه التحديد الأسباب التي دعت إلى عزل علي چلبي، إلاّ أنه يعتقد أن خلافاً حصل بينه وبين بعض المتنفذين في المدينة وأصحاب الجاه والثراء عند السلطة العثمانية، أمثال القاضي أو الضابط العسكريّ، أو في الأسرة الحاكمة نفسها، إذ ذكر أحد أبناء أسرة آل عبد الجليل في الحلّة (أن علي چلبي كان شيعي المذهب وكذلك آل(الچلبي)، في حين أن آل عبد الجليل بك حنيفي المذهب). وقد يكون هذا سبباً معقولاً في عزل علي چلبي عن حكم الحلّة في ظل صراع طائفيّ طويل بين الفرس والعثمانيين الذين ضربوا كثيراً على وتر الدين. أو أن وجود علي چلبي حاكماً على الحلّة، قد يكون خطراً على أولئك المتنفذين وغيرهم، إذ إن وجوده ربما يهدد مصالحهم المادية والإدارية تهديداً كبيراً.

لقد شكل آل عبد الجليل في الحلّة، حكماً شبه مستقل عن السلطة العثمانية المركزية، حيث ذكر: (إنه في المدن استطاعت أسر عراقية كثيرة أن تؤسس حكومات قوية تمتعت بشبه استقلال عن السلطات العثمانية، كما استطاعت تلك المدن أن تمد نفوذها ليشمل مناطق مهمة حولها، فكانت أسرة آل عبد الجليل في الحلّة، التي حكمتها من أوائل القرن الثامن عشر إلى منتصف القرن التاسع عشر، واحدة من تلك الأسر)، ساعدها في ذلك مكانتها ونفوذها الاجتماعيّ بين بيوت أيالة بغداد والسناجق التابعة لها.

من الأمراء من أسرة آل عبد الجليل وآل الجلبي الذين حكموا الحلة:

1-     يوسف بك بن محمد بن ياسين. أمير الحلة والج.

2-     عبد الجليل بن سلطان بن يوسف. أمير الحلة والحج.

3-     خضر بك الجلبي بن عبد الله بن أحمد الجلبي بن محمد بن ياسين.

4-     عبد الكريم بك الجلبي شقيق خضر بك.

5-     علي الجلبي بن خليل بن اسماعيل بن محمد بن يوسف.

 


اعلام مركز تراث الحلة


اتصل بنا
يمكنكم الاتصال بنا عن طريق الاتصال على هواتف القسم
+964     7602326873
+964     7721457394
أو عن طريق ارسال رسالة عبر البريد الالكتروني
media@mk.iq
info@mk.iq

تطبيق المعارف الاسلامية والانسانية :
يمكنكم ارسال رساله عن طريق ملء النموذج التالي :
اتصل بنا

او مواقع التواصل الاجتماعي التالية :