مركز تراث كربلاء
بطولةُ أبي الفضل العباس – عليه السلام- في معركةِ الطّف
التاريخ : 12 / 12 / 2019        عدد المشاهدات : 19665

 

   لقد كان العباس–عليه السّلام-  مثل أبيه علي بن أبي طالب في شجاعته، يخشى الجميع مواجهته, وذلك لأنّه ما صارع أحداً إلّا وصرعه, وما نازل أحداً إلّا وقتله.

لقد كانت حرب السيوف تسمح لمقاتل واحد شجاع أن يقلب ميزان القوة بمفرده فيمنع الكثرة من أن تغلب القلّة, فما دام هنالك من يستطيع صدَّ الرجال الذين يتقدّمون في الهجوم فإنّه قادر على صدهم من خلفهم، فلقد عجز جيش الأمويين عن تنفيذ مآربهم، كما كان يرغب في ذلك شمر بن ذي الجوشن, بل إنَّ للحسين وأخيه العباس –عليهما السلام- شأناً أكبر من الهجوم عليهم بعد أن بقيا وحيدين في الميدان.

    ترى من كان يستطيع أن يتطاول على سيفين من سيوف رسول الله مودعين في زندي الحسين والعباس -عليهما السلام-.

     مثّلت وقفة أبي الفضل في كربلاء شمماً وإباءً وتعالياً في الحق وكبرياءً كونه رضع من لبن البسالة وتربّى في حجر  الإمامة, فترعرع ونُصب عينه أمثلة الشجاعة والتضحية دون النواميس الإلهيّة لمطاردة الرجال وجندلة الأبطال فأمّا فوزٌ بالظفر أو ظفر بالشهادة، فمن الصعب عنده النزول على الضيم, وهو يرى الموتَ عند مشتبك الأسنّة أسعد من حياة تحت الاضطهاد، فكان لا يرى للبقاء قيمة وإمام الحقِّ مكدور, وعقائل بيت الوصي قد بلغ منهن الكربَ كلَّ مبلغ، ولكن كما كان  -عليه السّلام- أنفس الذخائر عند السبط الشهيد وأعز حماته لديه وطمأنينة الحرم بوجوده وبسيفه الشاهر, ولوائه الخفّاق, وبطولته المعلومة لم يأذن له إلى النفَس الأخير من النهضة المقدّسة، فلا الإمام الحسين يسمح له, ولا العائلة الكريمة تألف بغيره, ولا الحالة تدعه، أن يغادر حرائر أبيه بين الوحوش والكواسر.

 هكذا كان أبو الفضل –عليه السلام- بين نزوعٍ إلى الكفاح بمقتضى غريزته, وتأخّره عن الحركة لباعث ديني وهو طاعة  الإمام الحسين  -عليه السّلام- حتى بلغ الأمر أشدَّهُ, فلم يكن لجاذب الغيرة أو دافعها مكافئ، وكان قد ملأ سمعه صياح الحرم والعائلة من العطش تارة، ومن البلاء المقبل تارة أخرى، خصوصاً وإن عميد بني هاشم الإمام الحسين  -عليه السّلام- دارت عليه الدوائر, وتقطعت عنه خطوط المدد, وتفانى صحبه واستشهد أنصاره وأهل بيته.

             في هذه الأثناء هاج صاحب اللواء فمثل أمام أخيه الحسين  -عليه السّلام-  يستأذنه فلم يجد أبو  عبد الله بُداً من الإذن له, والسكوت عن تلك الكوارث الملمّة من دون أن يأخذَ ثأره من أولئك المرَدة الفجَرة، فعرفه الحسين  -عليه السّلام- مهيأ ينظر إلى اللواء مرفوعاً, كان يرى العسكر َمتَّصلاً والمدَد متتابعاً والأعداء تحيط به من كلِّ جانب، وفي نفس الوقتِ تحذر صولته ويُرهب إقدامهُ وحرائر النبوّة مطمئنة بوجوده، فقال له الإمام الحسين  -عليه السّلام- أنت صاحب لوائي, والآن جاء دورك ولكن اطلب لهؤلاء الأطفال قليلاً من الماء، فذهب أبو الفضل العباس إلى القوم, ووعظهم وحذّرهم غضبَ الجبّار فلم ينفع، فرجع إلى أخيه يخبره، فسمع الأطفالَ يتصارخون من العطش فنهضت بساقي العطاشى غيرته الشماء, وأخذ القربةَ, وركب فرسَه, وقصد الفرات فلم يرَ الجمعَ المتكاثر وكشفهم شبل علي عن الماء, وملك الشريعة, ومذ أحسَّ ببرده تذكر عطش أخيه الحسين فرأى من واجبه ترك الشراب, لأنَّ  الإمام الحسين –عليه السلام- ومن معه أضرَّ بهم العطش، فرمى الماء من يده.

             وأسرع في القِربة محافظاً على مهجة  الإمام الحسين  -عليه السّلام- ورجع قائلاً:

يا نفسُ من بعد الحسين هوني                           وبعده لا كنتِ أن تكوني

هذا الحسينُ واردُ المنونِ                                  وتشربين باردَ المعينِ

هيهات ما هذا فعالُ ديني                                ولا فعالُ صادق اليقينِ

           فتكاثروا عليه, وقطعوا طريقه, فلم يبالِ بهم, وجعل يضرب فيهم بسيفه البتّار حاملاً شجاعة والده, فكيف يصمدون أمامه, وهو شبل علي وفي هذا الموقف أنشد قائلاً:

لا أرهبُ الموتَ إذا الموتُ رقا                       حتى أوارى في المصاليتِ لِقا

إنّي أنا العباسُ أغدو بالسِّقا                           ولا أهابُ الموتَ يومَ المُلتقى

            وهنا الإشارة واضحة أنّ العباس  -عليه السّلام- كان يتحدّى بكلِّ عزيمةٍ وإصرارٍ هذا الجمع الكافر, الذي غرّته الدنيا وباع حظَّه بالأرذل الأدنى, وبقي العباسُ في ساحة المعركة يجاهد, ويحامي عن حرم الرسول, وعياله, وأطفاله، فنادى عَمرو بن الحجّاج: دونكم العباس فقد حصل بيدكم فكثرت عليه الرجال، فلمّا رأى العباسُ  -عليه السّلام- وقد تسارعوا إليه خرجَ من المشرعة فاستقبل القوم يضربهم بسيفه, وكأنّه النار في الأحطاب وهو يقتلهم, ويحصدهم حصد السنبل، ويرتجز ويقول:

أقاتلُ القومَ بقلبٍ مهتدِ                                 أذبُّ عن سبطِ النبيِّ أحمدِ

أضربكم بالصارم المهنّد                             حتى تحيدوا عن قتالِ سيدي

إنّي أنا العباس ذو التودّدِ                                 نجل عليِّ الطاهرِ المؤيدِ

           فقتل من أعيانهم وشجعانهم الكثير, فركب ابن سعد, وزحفت في أثره بعض أتباعه, ووصلت الخيل والرجال إلى العباس, وتوجهت عليه الرماح كألجم القصب.

بطلٌ أطلَّ على العراق مجلياً                      فاعصوصبت فرقًا تمورُ شآمُها

فجلا تلالها بجأش ثابت                          فتقاعسَت منكوسةً أعلامُها

                      

 

 


وحدة الإعلام


اتصل بنا
يمكنكم الاتصال بنا عن طريق الاتصال على هواتف القسم
+964     7602326873
+964     7721457394
أو عن طريق ارسال رسالة عبر البريد الالكتروني
media@mk.iq
info@mk.iq

تطبيق المعارف الاسلامية والانسانية :
يمكنكم ارسال رساله عن طريق ملء النموذج التالي :
اتصل بنا

او مواقع التواصل الاجتماعي التالية :