مركز تراث كربلاء
الذُّرى العَوالي من أسرةِ آلِ الجَّلالي
التاريخ : 11 / 12 / 2019        عدد المشاهدات : 2501

    آل الجَّلالي واحدةٌ من أبرز الأسر العلميَّة العلويَّة في مدينة كربلاء المقدسة، يتواجد أبناؤها في كلٍّ من العراق، سبزوار)ايران)، الهند وباكستان ، تنتسبُ إلى جلال الدين بن عبد المطّلب بن علي الذي يرجع نسبه الشريف إلى عُبيد الله الأعرج بن الحسين الأصغر بن علي بن الحسين بن علي عليهم أفضل الصلاة والسلام.

برز في هذه الأسرة جملةٌ من كبار علماء المذهَب ومحققيه الأجلّاء، من الذين كان لهم صيتُهم الواسع في الأوساط العلميَّة، وممّن برز منهم السيد قاسم الجلالي وهو أوّل من نقل الأُسرةَ إلى كربلاء المقدّسة قبل عام 1289هـ، لتبدأ من بعده أسرة آل الجلالي بارتقاء ذُرى العلم والمعرفة ممثلةً برجالاتها، وعلى رأسهم في كربلاء السيد علـي الجلالـي(1290- 1367 هـــ) هو السـيد علـي بن قاسم مـيـر وزيـر آل جلال الدين الحُسـينـي الكشمـيـري الحائري، يعود نسبَه للإمام زين العابدين بن الإمام الحسـين بن علـي -عليهم السلام- ولد فـي كـربلاء وفـيها تلقّـى بواكـيـر علومِه الدينـيَّة قبل أنْ يهاجـرَ إلـى سامـراء لـيلازم درس الشـيخ محمّد تقـي الشـيـرازي، حتـى بلغ من العِلم مبلغاً مكَّنه من التصدّي للإفتاء والتدريس فعاد إلـى كـربلاء عام 1336هـ لـيقـيمَ الجماعةَ فـي الصحن الحسـينـي الشـريف إلـى أن توفّاه الباري -جلَّ وعَلا- يوم الجمعة السابع من جمادى الأوّل عام 1367هـ .

دُفن السـيد علـي الجلالـي فـي الطـرف الجنوبـي من الـروضة الحسـينة المطهـرة، تاركاً تـراثاً ثـرَّاً متمثِّلاً بالإرث الفكـريِّ والمعنَوي الذي خلّفه حـيث ألّف كتابـين هما "شـرحُ المنظومَة" و "شـرحُ المعَالم" وأعقب ولديه العالم الفقـيه السـيد حسن الجّلالـي، والعالم الفاضل الجلـيل والفقـيه التقـي السـيد محسن الجلالـي(1330 – 1396هــ) وهو السـيد محسن بن علـي بن قاسم بن محمد الحسـينـي الجلالـي المختاري، ولد فـي سامـراء فـي 21 من محـرم الحرام، متتلمِذاً فـي بادئ الأمـر علـى والده قبل أنْ يكملَ دراسةَ السطوح الأولـى والمقدّمات فـي كـربلاء علـى أفاضل أساتذتها من أمثال السـيد مـيـرزا هادي الخـراسانـي والسـيد مـيـرزا مهدي الشـيـرازي والسـيد محمّد هادي المـيلانـي، ثمَّ هاجـر إلـى النجف فدرس علـى أساتذةٍ كبارٍ كالسـيد جمال الگلبايكانـي والشـيخ محمّد حسـين كاشف الغطاء دروس السطوح العالـية، كما حضـر درسَ الخارج علـى يد الشـيخ محمّد حسـين النائينـي، والشـيخ ضـياء الدين العـراقـي، والسـيد أبي الحسن الأصفهانـي وغـيـرهم من الأساتذة الذين أجازوه بالـرِّواية والدراية، فقفل راجعاً إلـى كـربلاء عام 1361 هـــ لـيصبحَ من كبار علمائها ومدرِّسـيها، حـيث درَّس فـي مدرستـي البقعة والحسَنـيَّة لـيتخـرج علـيه جمعٌ غفـيـرٌ من رجالات العلم والفقاهة، كما كان يقـيم حلقات البحث فـي الفقهِ والأصولِ والكلامِ علـى طلّاب الحوزةِ طوال ثلاثـين عاماً.

ومن أبـرز آثاره التـي تـركها وراءه هـي كتاب "تنبـيهُ الأمّة إلى أحاديثِ الأئمّة والأحكام المهمّة" و "إفاداتٌ وإضافات" و "مصباح الهُدى إلـى دينِ المُصطفـى" و "تعلـيقةٌ علـى القوانـينِ وعلـى الكِفاية" و "حقـيقةُ التناسخِ وإبطالِه" و "الأخبارُ الصحـيحة" قبل أن يوافـيه الأجل عند طلوع الفجـر صباح يوم السبت وهو يوم أربعـين الإمام الحسـين -علـيه السلام- عام 1396هــ وشـيّع تشـيـيعاً حافلاً اشتـركت فـيه مواكبُ العزاء الحسـينـي ونُقل جثمانه إلـى النجف الأشـرف ودفن بها.

ومن بعده جاء ولَدُه السيد محمد تقـي الجلالـي (1355-1402هـ) ولد فـي كـربلاء، وفـيها ابتدأ دراسة مقدّمات الفقه والأصول علـى يد أكابـر علمائها كالشـيخ علـي أكبـر النائينـي، الشـيخ جعفـر الـرَّشتـي، الشـيخ محمّد الخطـيب، السـيد محمّد حسن القزوينـي، وغـيـرهم لـيسافـر إلـى النجف لإكمالها، فدرس علـى يد أعلامها آنذاك أمثال السـيد محسن الحكيم والسيد أبو القاسم الخوئي، ثمَّ عاد إلـى كـربلاء لـيحضـرَ بحث السـيد محمّد هادي الخـراسانـي، السـيد هادي المـيلانـي والسـيد مهدي الشـيـرازي، وأصبح عام 1372هـ إماماً للجماعة فـي الحـرمـين الحسـينـي والعباسـي.

أولـى السـيد محمّد تقـي الجَّلالـي اهتماماً كبـيـراً بتـربـية طلبة العلوم الدينـية ورعايتهم واحتضان المتفوّقـين منهم، فـيوفـر لهم ما يحتاجونه بُغـيةَ تفـرغهم للتحصـيل العلمـي، تصدّى لتدريس الفقه والأصول والأدب والتفسـيـر والكلام والفلسفة والمنطق فـي معاهد ومدارس كلٌّ من كـربلاء والنجف ومدينة القاسم، كما شـرع فـي أواخـر أيّامه بتدريس البحث الخارج فـي الفقه والأصول لـيحضـر علـيه عددٌ من فضلاء الحوزات الثلاث، فاستفادوا منه، نظـراً إلـى ما كان يتمتّع به من قدرةٍ عالـيةٍ علـى شـرح المطالب العلمـيَّة الدقـيقة ببـيان واضح، إذ كان يتَّبع منهجـيةً شـيّقةً فـي التدريس، فقد كان يُلقـي أوّلاً المادّة بأسلوب مبسّط، ويبـيّن موضوعها وحدودها، ثمّ يطـرح الهدف المتوخـّى من المادّة والثمـرات العلمـية والعملـية الناجمة عنها سلباً وإيجاباً، وبذلك يكون التلمـيذ قد استوعب مادّة الدرس وأدرك محتواه بأصوله وفـروعه وتفاصـيله.

 درس السـيد محمّد تقـي الجَّلالـي فـي مدينة كـربلاء فـي مدرستـي الهندية والإمام الصادق -علـيه السلام- ثمَّ ارتحل مدّةً من الزمن إلـى مدينة القاسم -علـيه السلام- لـيؤسِّسَ فـيها حوزةً متكاملة لم تمنعْه من الاستمـرار بالتنقّل بـين مختلف المدن العـراقـية للوعظ والإرشاد كالحلّة والسماوة والديوانـية.

 وبعد عمر عامر بالإيمان والعلم والفضيلة ذهب إلـى ربه شهـيداً علـى يد أزلام النظام البعثـي الكافـر بعد أن ألقوا القبض علـيه ونال نصـيبه من التعذيب فـي سجن أبـي غـريب، إذ فاجأوا أهله ومحبيه فـي النجف عندما أبلغوهم بقـرار إطلاق سـراحه من السجن وعلـيهم الذهاب إلـيه للعودة به معهم، وعند وصولهم إلـى السجن سلّموهم جثته، لـيعكسوا بذلك العمل جزءًا بسـيطاً من دناءتهم واستهتارهم بأرواح الناس، كما تـرك السـيد الجَّلالـي مؤلّفاتٍ عديدة منها "تقـريبُ التَّهذيب" و "علائمُ الظهور"  و "شـرحُ اللُّمعة" و "الهديَّة السنـيَّة" وغـيـرها الكثـيـر.

كما كان السيد محمد رضا الجَّلالي وهو علمٌ في التأليفِ والتحقيقِ والتدريس، أحد أبرز أعلام هذه الأسرة المباركة، ولد في مدينة كربلاء المقدسة في السابع من جمادى الاُولى عام 1365هـ، فدخل الحوزة العلمية وحصل علوم الأدب ومقدمات الفقه والأصول على مشايخها، ومنهم والده السيد مُحسن الجلالي ومدرِّس الجيل في علوم الأدب الشيخ جعفر الرَّشتي والشيخ مهدي الحائري الشهير الكابليّ وغيرهم. 

سافر إلى النجف عام 1384هـ وبدأ دراسة السطوح العالية عند أساتذتها، كالسيّد الشهيد أسد الله المدنيّ التبريزي في المكاسب المحرّمة، والرسائل وشرح التجريد، والشيخ مسلم الملكوتي, في الخيارات، والسيّد مرتضـى الخلخالي الموسويّ في الأوّل من الكفاية وشرحها للمشكيني، و عند الشيخ صدرا البادكوبي في الثاني من الكفاية.

حضر الدراسات العُليا في الفقه والاُصول عام 1389هـ ففي الأصول لدى الحجَّة السيّد محمد الحسيني القميّ وكذلك في الخيارات من المعاملات، وفي في العبادات لدى الأستاذ الأكبر زعيم الحوزة في النجف السيّد أبي القاسم الخوئي من أواسط الصلاة حتى الزكاة.

مارس التدريسَ في كربلاء والنجف وقم، فدرَّس شرح السيوطي على الألفية، والمغني، وغيرها من الكتب،  كما أجاز وأُجيز من قبل الكثير من العُلماء الأجلّاء في حينه ، حيث يذكر ما نصه " وأمّا من أجازني وأجزتُه فهم كُثر ومن مختلف المذاهب وأول من أجازني هو الشيخ الثَّبت العلَّامة أغا بزرك الطهراني وأنا عمري تسعة عشر عاماً في النجف الأشرف، وسماحة العلّامة المحقِّق الأديب القاضي السيّد محمد صادق بحر العلوم الحسنيّ، و سماحة الحجّة المتتبِّع العلّامة الشيخ نجم الدين العسكريّ الطهرانيّ، و سماحة آية الله السيّد شهاب الدين المرعشيّ النجفيّ، كما رويتُ عن بعض أعلام الزيديّة أيّدهم الله، من أمثال علّامة اليمن السيّد مجد الدين المؤيّديّ الحسنيّ الصَعْديّ والسيّد محمّد بن الحسين الجَلال الحسني الصنعاني" ممّا يبين مدى أعلميته وسعة فكره، وبالتالي عَراقة أسرة آل الجّلالي في العلم وفنونه.

 


أ.م.د. علي طاهر الحلي / مركز تراث كربلاء


اتصل بنا
يمكنكم الاتصال بنا عن طريق الاتصال على هواتف القسم
+964     7602326873
+964     7721457394
أو عن طريق ارسال رسالة عبر البريد الالكتروني
media@mk.iq
info@mk.iq

تطبيق المعارف الاسلامية والانسانية :
يمكنكم ارسال رساله عن طريق ملء النموذج التالي :
اتصل بنا

او مواقع التواصل الاجتماعي التالية :