أمير الشعر، وفارس البيان، حمل لواء الكلمة الصادقة والعقيدة الحقّة خفّاقاً يجوب بها البلدان، فكان صفوتها ولسانها وسفيرها.
عبدالعزيز بن سرايا ابن أبي الحسن علي ابن أبي القاسم بن أحمد بن نصر الطائي السنبسيّ (من بني سنبس بطن من طيّ)، ولد في الحلة في 5 ربيع الآخر سنة (677هـ)، ونشأ على حبّ العلم والأدب، ودرس اللغة، والتفسير، والفلسفة، والحديث، والفقه. تميّز شعره بجزالة اللفظ، ورقة المعنى، وحسن الأسلوب والانسجام، وقد تفنّن بالمحسّنات اللفظية والمعنوية، فجاء مقدّماً في فنون الشعر، وسافر إلى بلدان كثيرة متجوّلاً في جنوب تركيا، وبلاد الشام ومصر والحجاز، فقد كان شاعراً جوّالاً أسهم في تسجيل الوقائع التاريخية التي عاشتها المنطقة. ذكره الفيروز آبادي صاحب (القاموس) بقوله: "اجتمعت سنة (747هـ) بالأديب الشاعر صفي الدين بمدينة بغداد فرأيته شيخاً كبيراً، وله قدرة تامّة على النظم والنثر، وخبرة بعلوم العربية والشعر، فقرضُهُ أرقّ من سحر النسيم، وأورق من المحيا الوسيم"، وقال ابن حجر في الدرر الكامنة: " تعاطى الأدب فمهر في فنون الشعر كلها، وتعلّم المعاني والبيان وصنّف فيهما". أثنى عليه الكتبيّ في (فوات الوفيات) وذكر كثيراً من شعره، وقال عنه السيد الأمين في (الأعيان): " كان صفيّ الدين الحليّ شيعيّاً عارفاً بحقّ أهل البيت (عليهم السلام) معرفة قامت على الإيمان الصادق المخلص". ويقول الحر العاملي في (أمل الآمل): "صفي الدين الحلي كان عالماً فاضلاً منشأً أديباً". وترجم له القاضي التستري في (مجالس المؤمنين)، وابن أبي شبانة في (تتميم الأمل)، والسيد اليماني في (نسمة السحر)، والشوكاني في (البدر الطالع) وغيرهم، وكلٌّ من هؤلاء وصفه بما هو أهله من جُمَل المدح وعقود الإطراء ونسائج الحمد.
كان من الشعراء المجيدين المطبوعين، الذين وظّفوا أدبهم في خدمة أهل البيت (عليهم السلام) والذود عن عقيدتهم الحقّة، وله (منظومة في علم العروض) و(العاطل الحالي)، و(رسالة في الزجل والموالي)، و(الخدمة الجليلة)، و(رسالة في وصف الصيد بالبندق)، و(درر النحور في مدائح الملك المنصور) وهي القصائد (الأرتقيّات) تحوي 29 قصيدة مرتبة على حروف المعجم، وأول أبياتها كآخرها من الحروف، وكلّ قصيدة منها 29 بيتاً، و(ديوان شعره). قال الكتبيّ في الفوات: " إنّه دوّن شعره في ثلاثة مجلدات وكلّه جيّد"، و(رسالة الدار عن محاورات الفار)، و(الرسالة المهملة) كتبها إلى الملك الناصر محمد بن قلاون سنة (723هـ)، و(الرسالة الثومية) أنشأها بماردين سنة ( 700هـ)، و(الكافية)، وهي بديعيته الشهيرة الحاوية لمئة وواحد وخمسين نوعاً من محاسن البديع في مئة وخمسة وأربعين بيتاً من بحر (البسيط) يمدح النبيّ الأعظم (صلى الله عليه وآله):
مخطوطة القصيدة البديعية في المدائح النبوية
علَيكَ سلامُ الله يا خيرَ مُرسلٍ إلى أمة لولاهُ دامُ غرورُها
عَليكَ سلامُ اللَّهِ يا خَيرَ شافِعٍ إذا النّارُ ضَمّ الكافرِينَ حَصِيرُها
علَيكَ سَلامُ اللَّهِ يا مَنْ تَشرّفَتْ بهِ الإنسُ طُرّاً واستَتَم سُرورُها
علَيكَ سَلامُ اللَّهِ يا مَن تَعَبّدتْ لهُ الجِنُّ، وانقادَتْ إلَيهِ أُمُورُها
تشرفت الأقدامُ لمّا تتابعتْ إليك خطاها واستمرَّ مريرُها
وفاخرت الأفواه نورَ عيوننا بتربِكَ لمّا قبّلته ثغورُها
فضائلُ رامتها الرؤوس فقصّرت ألمْ تَرَ للتقصير جُزَّتْ شعورُها
ولم ينس الشاعر ذكر صنو رسول الله (صلى الله عليه وآله) والمفضّلَ عنده، الإمام علي (عليه السلام)، فيوجّه نحوهما معاً مشاعره الصادقة، ذاكراً مناقبهم قائلاً:
مدينة علم وابن عمك بابها فمن غير ذاك البابِ لم يؤتَ سورُها
شموسٌ لكم في الغرب رُدَّت شموسُها بدورٌ لكم في الشرقِ شُقَّت بدورُها
ويعلن عن ولائه الصادق لأمير المؤمنين وأبنائه (عليهم السلام) بقوله:
تولَ علياً وأبناءهُ تَفُزْ في المعادِ وأهوالِهِ
إمامٌ له عقدُ يوم الغدير بنص النبيِّ وأقوالِهِ
له في التشهد بعد الصلاة مقام يخبّرُ عن حالِهِ
فهل بعد ذكر إله السماء وذكر النبي سوى آلِهِ
والملاحظ على هذه المقطوعات تَميُّزُها بالسهولة، والعذوبة، والابتعاد عن التعقيدِ والغموض، وعدم الإغراقِ في التصنّعِ والتكلّف والمحسنات البديعية، حيث تفيضُ على لسانه من أغوارِ ذاتِه. وقصيدته المشهورة المسماة (الكافية البديعية في المدائح النبوية) التي جمعت أنواع المذهب البديعيّ في الشعر العربيّ وأسراره تُغني عن كثير من الكتب المطوّلة المؤلّفة في هذا العلم:
لا لقّبتني المعالي بابن بجدتها يومَ الفخارِ ولا برَّ التقى قسمي
إن لم أحثَّ مطايا العزم مثقلةً من القوافي تؤمّ المجد عن أممِ
مخطوط شرح بديعية صفي الدين الحلي
كان شاعرنا الحليّ عفيف اللسان، عزيز النفس، وكان شعره خالياً من الشوائب والتعقيد، وحينما ينساب من قريحته فإنه يتدفّق بهدوء ترى فيه الرقّة والبساطة والبعد عن التكلّف والتزويق اللفظي والبديعي، وتعرف أنه شاعر يمتلك ثقافة عقيدية وتاريخية كبيرة، وقد أبدع في إدخال الجدل العقيدي إلى أشعاره مقتحماً بوداعة القلب والعقل معاً، بالإضافة إلى لوحاته الجميلة، ولفتاته الإبداعية المحببة.
كتب أجمل وأرقّ كلمات الشعر العربي في أهل البيت (عليهم السلام)، مدافعاً عنهم ومجاهداً في سبيل إعلاء كلمتهم، التي هي كلمة الله، ولو تصفّحنا ديوانه لوجدناه مليئاً بكلّ ما هو جميل ومبهر للعين، وآسرٌ للقلب. وكان شديداً على أعداء أهل البيت (عليهم السلام)، قال معارضاً قصيدة عبد الله المعتز العباسي:
مخطوطة ديوان صفي الدين الحلي
ألا قل لشرّ عبيد الإله وطاغي قريش وشيطانِها
وباغي العباد وباغي العناد وهاجي الكرام ومغتابِها
أأنت تفاخرُ آل النبيّ وتجحدُها فضل أحسابِها
بكم باهَلَ المصطفى أم بهم فردّ العداة بأوصابِها
أعنكم نفى الرجس أم عنهم لطهر النفوس وألبابِها
ولا أشد وضوحاً من قصيدته الداليّة التي قالها في أمير المؤمنين(عليه السلام)، مضمّناً الكثير من الأحاديث النبوية، والمناقب، والفضائل التي حازها سيّد الأوصياء وإمام المتّقين أمير المؤمنين علي (عليه السلام) فقال:
جُمعت في صفاتك الأضدادُ فلهذا عزّت لك الأندادُ
زاهدٌ حاكمٌ حليمٌ شجاعٌ ناسكٌ فاتكٌ فقيرٌ جوادُ
شيمٌ ما جُمِعنَ في بشرٍ قطْ طُ ولا حاز مثلهن العبادُ
ظهرت منك للورى معجزاتٌ فأقرّت بفضلك الحُسّادُ
بكم باهَلَ النبيّ ولم يلفِ لكم خامساً سواه يزادُ
جلّ معناك أن يحيط به الشعـْ رُ وتحصي صفاته النقّادُ
إنما اللهُ عنكم أذهبَ الرجسَ فرُدَّتْ بغيظها الأحقادُ
ذاك مدح الإله فيكم فإنْ فُهْـ تُ بمدحٍ فذاك قولٌ مُعادُ
ولو نظرنا هذا النصّ الشعري لوجدناه مشتملاً على الكثير من فنون البلاغة، فضلاً عن للفنون الشعرية التي كان شاعرنا مُجيداً فيها، حتى أضحى واحدَ عصره، وفريد زمانه، فقد كان لسانَ عقيدتِه وولائه، والمنافح عن دينه، حتى توفي سنة (750هـ) ودفن ببغداد.
مركز تراث الحلة يقيم مهرجانه الشعري الاول 7 / 8 / 2016 |
|
الندوة المشتركة مع مركز دراسات الكوفة في رحاب مركز تراث الحلة 9 / 10 / 2016 |
|
سدة الهندية 18 / 8 / 2016 |
|
اطفالنا يتعلمون دروسهم الاولى في مدرسة الطف الخالدة. 4 / 11 / 2017 |
|
مزار زيد الشهيد (عليه السلام) في مدينة الحلة 1/ 8 / 2016 |
|
بيت الملك غازي في منطقة الدغاره 8 / 11 / 2016 |
|