مركز تراث البصرة
أُسرةُ السّادةِ (الحُلُو)
التاريخ : 16 / 1 / 2018        عدد المشاهدات : 13249

أُسرةُ السّادةِ (الحُلُو) من الأُسَرِ العِلميَّةِ الشَّهيرةِ، وكان أَجدادُ الأسرةِ القدماءُ يَحمِلونَ لَقَبَ (الجَزائِرِيّ)؛ فجَدُّهم الأعلى هو السيدُ فرجُ الله، والسيدُ نعمةٌ، والسيدُ نجمُ الدّين، أخوةٌ ينتسبون إلى أبٍ واحدٍ، وهو السيد عبد الله، ابن السيد محمد بن الحسين بن أحمد بن محمود بن غياث بن مجد الدين بن نور الدين بن سعد الدين بن عيسى بن موسى بن عبد الله بن الإمام موسى بن جعفر (عليهما السلام).

وكانَ نزوحُ أَجدادِ الأسرةِ من الحِجازِ إلى العراقِ قديماً جداً، ولم يُعلم سَببُ هذا النزوحِ بالضَّبط، إلا أَنَّهم كانوا ـ ولا يزالون ـ يسكنونَ الجزائرَ (قضاء المْدَينة شمالَ البصرة حالياً)، ولهم فيها بساتينُ نخل واسعةٌ، وأراض زراعيةٌ واسعة.

ومجموعُ بطونِ الأسرةِ ثلاثٌ، وهم: 

1- آلُ سيّد سَلمان

2-آلُ سيّد طالِب

3-آلُ سيّد خَلَف

وكانت للسادةِ آلِ الحلوِ هجرةٌ إلى النجف[1] لطلَبِ العِلمِ، وكانَ أوَّلُ من هاجرَ إلى النجفِ لذلكَ جَدُّهُم، السيدُ فرجُ الله، وكان ذلك في حدود سنة (1000هـ)، فسَكَنَ النجفَ، وانكبَّ على تحصيلِ العُلومِ الدينيَّةِ، وبعدَ هجرتِه بقليل تُوُفِّي والدُه، فكثُرتْ أشغالُه وأسفارُه إلى وطنِهِ الأصليِّ، ووافتْه المنيَّةُ قبل أن يَحصل على ما كان يتمنّاه من هجرته إلى النجفِ، ولكنَّه خلَّف أولاداً وأحفاداً نالوا في العلوم الدينية قسطاً جزيلا وافياً، وبرز منهم عددٌ غيرُ قليل، واشتهروا بالعلم والاجتهاد والتقوى والصلاح، ومنهم:

1-آيةُ الله، السيدُ علي بن السيد سعدُ[2]، ابنُ السيد حماد بن السيد فرج الله، بن السيد عبد الله الجزائريّ

عالمٌ، مجتهدٌ، فقيهٌ، أصوليٌ، اجتهد ولم يكمل الاربعين من عمره تلمَّذ، على يد والده السيد سعد وعلى عدّة من علماء زمانه في النجف له رسالة موجزة في الاصول وكتاب الآيات النيّرة شرحاً على التبصرة في ثلاثة مجلدات كلها مخطوطة .

كان قدس سره واسع العلم كثير الكتابة فيه كما كان زعيم الاسرة في وقته وقد وقعت عدة حوادث في النجف اعقبها وباء عظيم فقد فيه السيد أغلب أهل بيته ففارق النجف ورجع الى الجزائر فكان هناك المرجع الوحيد للفتيا والصلاة وكان مقدماً عند أمراء البصرة مرعي الجانب لكثرة اتباعه[3].

2-آيةُ الله، السيدُ سلمان، السيد سَعد، الحلو، الجزائريُّ

كانَ تقيّاً، وَرِعاً، مُجتهداً، تزعَّمَ الأسرةَ كلَّها بعدَ والدِه، قرأَ العربيةَ والمقدماتِ على شيوخِ الجزائرِ في حياة والده، وبعد وفاتِه كَرَّ راجعاً إلى النجفِ الأشرفِ، ولم يُثْنِه عن عزمِهِ في طلبِ العلمِ التماسُ الناسِ منه التأخيرَ، ولم يُغْره ما بذلَه له والي البصرة في ذلك الوقت من الأراضي الزراعيَّة الواسعة، وإلحاحُه عليه بالتأخير، وحينَ وصولِه إلى النجفِ، انكبَّ على تَحصيلِ العُلومِ الدينيةِ، إلى أنْ وَصَلَ إلى الغايةِ المنشودةِ، وشهِدَ بفضلِهِ واجتهادِه أولو الخبرة والدراية[4].

كَتَبَ في الفقه: الطهارةَ، والصلاةَ، في أربعةِ مجلداتٍ، ورسالةَ الحجِّ، وكتاباً مختصراً، في تفسيرِ القرآنِ، كلُّها مخطوطةٌ.

تُوفِّيَ (يرحمه الله) عن عُمرِ ينيفُ على الثَّمانين[5].

3-السيدُ حسنٌ، ابنُ السيد سلمان، الحلو، الجزائريّ

كانَ السيدُ حسنٌ من أَشْهر ساداتِ الأُسرةِ وأنداهم كفّاً، عالماً، مجتهداً، تلمَّذَ على يدِ والده وعلى عدةٍ من أفاضِلِ عَصْرِه، وكذا كانَ أديباً يُقرضُ الشعرَ، وكانَ عطوفاً على أفراد عشيرتِه، يتفقَّدُهم تفقُّدَ الأَبِ العطوفِ، ويقومُ بقضاءِ حوائِجِهم، ولمْ يزلْ على ذلك إلى أن وافتْهُ المنيةُ، فكان يومُ وفاته مشهوراً، عُطِّلت فيه الأسواقُ، وضًرب لأجله على الصدور.

دُفن (يرحمه الله) في الصحنِ الحيدريِّ الشريفِ، في الغُرفةِ المَعروفةِ بمَقبرةِ آلِ الحلو.

4-آيةُ الله العظمى، السيدُ عليّ، ابن السيد حَسَن، الحلو، الجزائريّ

كان وحيدَ عَصرِه، وفَريدَ دهرِه، يشارُ إليه بالبَنان، وجنابُه مختلفٌ للعلماء الفطاحل، تلمَّذَ على يدِ والدِه وعلى جُمْلةٍ من عُلَماءِ عَصْرِه، حتّى بَرَزَ، واجتهدَ، وقُلِّدَ، وكثُرَ مقلِّدوه في جَنوب العراق[6].

ذكرَهُ الشيخُ آغا بُزُرْك الطهرانيُّ في الكِرامِ البَرَرَةِ في القَرن الثالثِ بعدَ العَشرة، فقالَ: (لهُ تصانيفُ، منها: حُسْنُ المقالِ في أَحْوالِ الرِّجال، وكانَ مُعاصِراً للسيد مَهدي القزويني، والسيد حُسين بَحر العُلوم)[7].

تُوُفِّي سنة (1300هـ)، وهي السنة التي تُوفِّيَ فيها كثيرٌ من العُلماء، منهم: أُستاذ الفُقهاء والمُجتهدينَ، الشيخُ الأنصاريُّ (قدس سره).

دُفن (يرحمه الله) في الصَّحنِ الحَيدَريِّ الشريفِ، في مَقبرةِ آلِ الحلو. ورثاهُ شاعرُ عَصرِه، السيد جعفر الحليُّ بقصيدةٍ عصماءَ يقولُ في مطلعها:

               ويحَ ناعيهِ أَخْرَسَ اللهُ فاهُ               أيُّ بَدْرٍ لهاشمٍ قَد نعاه[8]

5-آيةُ اللهِ العظمى، السيدُ عبدُ الرزاق بنُ عليّ، الحلو، الجزائريّ

هوَ السيدُ عبدُ الرزّاق، ابن السيد علي، ابن السيد حسن، الحلو الجزائريّ

نشأ (يرحمه الله) في أحضانِ والدِه، وترعرعَ تحتَ كنفِه، وكانَ منذُ صباهُ مَعقِدَ الآمالِ، ومَفْخرةَ الرجالِ، قد عقدَ والدُه وعشيرتُه عليه كُلَّ الآمال، تُوُفِّي والدُه وعمُّه، فقامَ بأَعباء الأسرةِ، ولم تُثنِهِ مشاغلُهُ المتكاثرةُ، وعوائلُه الكثيرةُ عن الجدِّ والاجتهادِ في تحصيلِ العلوم.

وَصَفَهُ الشيخُ المامَقانِيُّ بحضرةِ السيدِ العلامةِ، والحَبْرِ الفهّامَة[9]، قرأ مقدماتِه على والدِه وعمِّه السيد محمّد الحلو، ثمَّ تلمَّذ على جُملةٍ من العُلماء الأعلامِ، كالميرزا حَبيبِ اللهِ الرشتيِّ، والحاج ميرزا حُسين الطهرانيِّ، ومحمّد طه نجف، والأَخَوند الخراسانيِّ، وفي الأخلاقِ على الشّيخِ حُسين قُلي الهمداني.

ذكرَه الشيخُ آغا بُزُرْك الطهرانيُّ في كتابه (الذريعةُ إلى تصانيفِ الشيعة) بقوله: (السيدُ عبدُ الرزّاق دامت بركاتُه، المعروفُ بالحلو، وهو ابنُ السيد علي، ابنُ السيد الحسن، الحسينيّ. تلمَّذَ في الأُصول على شيخِنا آية اللهِ الخراسانيِّ، وفي الفقه على الحاج ميرزا حُسين الطهرانيِّ، والشيخِ محمد طه نجف، والشيخِ محمَّد حسن المامقانيِّ، مجازاً منهُ، وله كتابُ الطهارةِ في أربعةِ مجلدات، وله ـ أيضاً ـ جامعُ الأحكامِ في عِشرينَ مجلداً)، ثم يقول الشيخ اغا بزرك الطهراني: (رأيتُ منها بخطِّ يَدِه عِشرينَ مجلداً، أوَّلُها في الطهارةِ، وآخرُها في الديات).[10]

وكانَ يَرجعُ إليه في التقليد أهالي الجزائرِ، والقرنةِ، وبَني أسدٍ، وسوقِ الشيوخ، وغيرُهم، يقول العلامة المامقانيُّ بحقِّه: (وله من الجدِّ إجازةٌ في الاجتهادِ، وكانَ قد لازمَهُ طويلاً، وبعدَ وفاةِ المامقانيِّ [محمد حسن المامقاني] في (28 محرم 1323هـ) في النجفِ، رجعَ إليه في التقليد أهالي الجَزائرِ، والقُرنةِ، وسُوقِ الشيوخِ، وبني أسد، وكان بارعاً في الفقهِ، له خافيةٌ عدةُ مؤلفات، وكان على جانب كبير من الصلاح والتقوى).[11]

ولهُ رِسالةٌ عمليةٌ بعنوان (مُنية العامِلين وبُغية الراغبين)، طبعت سنة (1323هـ) في مَطبعة آل الحبل المتين في النجف الأشرف.

جهادًه (قدس سره)

حينَ دُخول الانجليز إلى العراق، وإعلان عُلَماءِ الدينِ فتاواهم بوجوبِ الجهادِ، كان السيدُ عبدُ الرزاق الحلو في طليعتهم، وأصدرَ فتواهُ بوجوبِ الجهاد.

يقولُ السيدُ شهابُ الدين المرعشي قدس سره في كتابه الإجازة الكبيرة: (كانَ (رحمه الله) ممَّن خَرَجَ إلى دَفْع الجيشِ البريطانيِّ عندَ دخولِه العراقَ ومحاربته مع الدولة العثمانية، وكأنّي به قدس سره في الصحنِ الشريفِ العلويِّ مملوءةٌ بالناس، منْ شُيوخِ العشائرِ، والعلماءِ، والتُّجّارِ، والأُمراءِ، وسائرِ الطبقاتِ على اختلاف أصنافهم، وهو على المنبرِ يهيِّجُ الناسَ إلى الدفاعِ، وكانَ في ذلك الأيام القائدُ العامُّ محمد جاجان باشا الداغستاني، من أعاظم أُمَراءِ الدولةِ العثمانيةِ جالساً في المجلس، وكانَ رَجُلاً ذا سَكينةٍ وَوَقارٍ وأبَّهةٍ، وكانَ السيدُ (رحمه الله) مُسْدِلاً ذاويةَ عمامتِه، قائماً على عَريشةِ المنبرِ، آخذاً بيَدِه الرايةَ المعروفةَ بالخيبريَّةِ، وهي لِواءٌ يُقالُ أنَّ عودَها هي العودةُ التي كانت بيدِ الأمير عليه السلام يومَ فَتْحِ خَيبرَ، وكانَ السيدُ ينادي بأعلى صوته: يا مَعاشرَ المُسلِمين، هذا عَلَمُ أَميرِ المُؤمنين، إعلَموا أنَّ الإسلامَ أصبحَ غَريباً، وَقَد هَجَمَ عَلى بلادِ المسلمينَ جيشُ الكُفر، فادْفَعوا عَنها، فيها مشاهدُ يُذكرُ فيها اسمُه، ويُتلى ذِكرُه، فَعَلَت الأصْواتُ بالبُكاءِ والعَويلِ، فَترى الناسَ بين صارخٍ ومنادٍ: وا إسلاماه، وا ديناه، وا مُحمَّداه.

وبالجملة: كانَ ذلك اليومُ مشهوداً.

وَرَقى المنبرَ بعدَه العلامةُ، الأستاذُ، الأديبُ، آيةُ الله، السيدُ، محمد سَعيد الحبوبيّ، وبعدَهما عدةٌ من العلماء والخطباء)[12].

وفي يوم (27/ذي الحجة 1333هـ)[13]، خرجَ السيدُ عبدُ الرزاق الحلو وتسعةٌ من أتباعه، ولدى وصولِه إلى السّماوةِ في طريقهِ لِساحةِ الحَرْبِ، وَرَدَتهُ برقيةٌ من والي البصرة جاويد باشا يقول فيها ما نصه: (أَتوسَّل إليك برسولِ الله، وآلِ البيتِ، وفاطمة الزهراء، أنْ تُسرعوا في المجيء إلى البَصرة؛ حيثُ أنَّ البَصْرةَ مهددةٌ، ونحنُ في ضِيقٍ شَديد)[14].

وحينَ وُصولِ السيدِ قدس سره إلى ناحيةِ المْدَيْنَةِ، وجدَ الإنجليزَ قد احتلّوها ورَفعوا عَليها عَلَمَهم، فاستقبلَتْه جموعُ العشائرِ هناك، فأعلَمَهم بوجوبِ الجهادِ، وأمرَ بعَلَمِ الإنجليزِ فأُنزل وكُسر، ورُفع مكانه علمُ المسلمين)[15].

وبعدَ انكسارِ الجيشِ العثمانيِّ وسُقوطِ بغدادَ، رجعَ السيدُ إلى النجفِ، وانصرفَ الى التدريسِ والتأليفِ إلى أن تُوُفِّيَ سنة (1337هـ)، ورثاه الشيخُ كاظمٌ السودانيُّ بقصيدةٍ يقولُ في مَطلعها:

              أصات بسمع الدهر يهتف ناعيه      نعي بعظيم الرزء أرجف داعيه

              تخال وقـد ضـج القـيامـة فاجأت      ونـاهـيك رزء أنـها قرنت فيــه

             بكته السما حين انبرى جبرئيلها       بقاطبة الاملاك بالحزن يبكيه[16]

وصلى على جثمانه اية الله السيد محمد كاظم اليزدي ودُفن في الصَّحنِ العلويِّ الشريف.

 

 

 

[1]مشهد الإمام، محمد علي جعفر التميمي. ص567

[2] ينظر التحف من تراجم أعلام الكوفة والنجفج2، ص610، ومشهد الامام ص568.

[3] مشهد الامام ، محمد علي جعفر التميمي ص568

[4]معجم رجال الفكر والأدب، محمد هادي الأميني ص436

[5]مشهد الإمام محمد علي جعفر التميمي ص570

[6]مشهد الإمام محمد علي جعفر التميمي ص571

[7] الكرام البررة،  اغا بزرك الطهراني ، ق/2 ص41

[8] ديوان السيد جعفر الحلي (سحر بابل وسجع البلابل).ص434

[9]- مخزن المعاني في ترجمة المحقِّق المامقاني، الشيخ عبد الله المامقاني، ص120.

- [10]الذريعةُ إلى تصانيف الشّيعة، آغا بُزُرْك الطهراني ج5/ص23

12- مخزن المعاني ص292

[12]الاجازة الكبيرة، السيد شهاب الدين المرعشي. ص79

[13]النجف الأشرف وحركة الجهاد، كامل سلمان الجبوري ص176

[14]نفس المصدرص16

[15]المفصل/ د. السيد حسن الحكيم ج20،ص76

[16] مشهد الامام محمد بن جعفر التميمي ص578


السيد خالد الحلو


اتصل بنا
يمكنكم الاتصال بنا عن طريق الاتصال على هواتف القسم
+964     7602326873
+964     7721457394
أو عن طريق ارسال رسالة عبر البريد الالكتروني
media@mk.iq
info@mk.iq

تطبيق المعارف الاسلامية والانسانية :
يمكنكم ارسال رساله عن طريق ملء النموذج التالي :
اتصل بنا

او مواقع التواصل الاجتماعي التالية :