مكتبات عامة او شخصية
مكتبة الجواد العلمية الأدبية العامة

المكتبات العامة الحاضرة في النجف الأشرف مكتبة الجواد العلمية الأدبية العامة الدكتور عبد الهادي عباس الابراهيمي يعد وجود المكتبات في مدينة ما مؤشراً على درجة الوعي المعرفي لأبناء تلك المدينة، فالمكتبة تمثل حلقة مهمة في المجتمع ترتبط مع ثقافته العامة التي تعكس بالتالي سمعته الحسنة. عرفت مدينة النجف الاشرف المكتبات منذ عشرينيات القرن المنصرم حيث فتحت مكتبة الحسينية الشوشترلية في محلة العمارة أبوابها ليرتادها طلاب العلم والباحثون والمطلعون وبعدها توالت المكتبات، مثل مكتبة المصلح الشيخ كاشف الغطاء، ومكتبة الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام) العامة ومكتبة الإمام الحكيم ومكتبة الإمام الحسن(عليه السلام) ومكتبة الروضة الحيدرية ومكتبة الإمام الصادق العامة. اليوم بدأت مكتبة وليدة تخطو خطواتها الأولى وتطمح لكي تنمو وتشب لتلبي الطلب المتزايد على الكتاب مع زيادة المؤسسات العلمية في النجف الاشرف مكتبة الامام الجواد (عليه السلام) العلمية الادبية العامة، مع كونها وليد جديد إلاّ انها مزدهرة بالكتب المتنوعة التي تغني الباحث بما يخدم موضوعه وبحثه. جمعت قماطيرها أمهات المصادر العلمية والأدبية في سائر العلوم والفنون ، وقد شيدها المرحوم الحاج محمد جواد العندليب التورنجي سنة 1427هـ/2006م ملحقة بجامع الجواد الواقع في بداية الشارع المسمى اليوم بشارع الجواهراي عند ساحة الصدرين , وقت أرخ الشاعر الأستاذ عبد الرسول البرقعاوي عام تأسيسها (1427هـ) بأبيات كتبت بالقاشاني على جبهة بابها الخارجي بأنامل الخطاط الشهير جاسم النجفي وهي : من أين هذا الكوكب اللامع *** هز الدجى فائتلق الواقع مجرة بغمرنا بوحها *** أم الثريا نحرها ساطع صرح أماط العتم عن صحونا *** لما تحلى طوده الفارع مكتبة شيد أركانها *** العندليب الغرد الرائع تغترف الأذهان من زادها *** كل إلى أطباقها جائع طاب يد الواهب في منجز *** أرخته (تاريخه ناصع ) كان الحاج محمد جواد العندليب من أفاضل مدنية النجف الأشرف ، إذ ولد في القسم القديم منها ، وكان له ولع شديد باقتناء الكتب حتى استطاع أن يجمع نحو 5 آلاف كتاب في مكتبته الخاصة ، فانبعثت في نفسه فكرة القيام بتأسيس مكتبة عامة لخدمة الطلبة والباحثين تتألف نواتها من كتبه الخاصة ، وكان رحمه الله سخياً فاستعان بماله الخاص في شراء أهم المراجع لرفد مكتبته العامة الواسعة، وقد رأيت في مكتبته مطبوع قديم من ديوان الخمائل لأيليا أبو ماضي كتب الحاج العندليب على الورقة الأولى منه أسطراً يشرح في طوئها شغفه التام باقتناء الكتب فيقول: (هذا الكتاب أول كتاب اشتريته وذلك سنه 1948م وقد كنت آنذاك صغيراً في الصف الخامس أو الرابع الابتدائي في مدرسة الغري الأهلية في الميدان في النجف . وفي حينها كان والدي رحمه الله يعطني مبلغ خمسون فلساً في الاسبوع وعندما مررت في سوق الكبير قاصداً مدرستي وفي منتصف السوق تقريباً سمعت منادياً وبيده عدة من هذه الكتب يصيح (ديوان الخمائل بخمسة وعشرون فلسا ) فأخرجت الدراهم من جيبي وناولته للمنادي واستلمت منه هذا الديوان وذهبت به بعد الدوام إلى البيت وأخذت أقرأ به فاستهوتني قراءة الكتب والاطلاع على كل ما يصدر في حينها وما يعرض في المكتبات فأخذت أتردد على المكتبات تقريباً جميعها في النجف وأشتري ما يسعني وما يناسب مدخراتي من المال ، وهكذا مرت السنوت حتى كبرت الشجرة وكثر أغصانها من هذه البذرة الطيبة 1/7/2009 . وفي لقاء أجراه معه الأستاذ حيدر الجد على صفحات مجلة السفير الكوفية تمدح المؤسس (رحمه الله) قبل رحيله قائلاً: يعتبر الكتاب بالنسبة لي من أعز الأشياء والحديث عن صداقتي مع الكتب طويل ويمتد إلى أيام الصبا حيث كنت مولعاً بجمع الكتب وقراءتها وكنت كلما احصل على نقود من والدي أسرع إلى المكتبة لأشري كتاباً وأضمه إلى مكتبتي الخاصة حتى تطورت ونمت وصارت تربو على ستة آلاف كتاب. في تسعينيات القرن الماضي قررت إنشاء مسجد من داري مع قاعة مستقلة كنت قد نويت جعلها حسينية لإقامة المجالس والمآتم . ولما أكملت المسجد بقي هاجس الحسينية يراودني بين الحين والآخر إلى ان ذهبت لطبيب ما في يوم من الأيام إذ رأيت شابين يتوسلان الطبيب في تأجيل امتحانهما لأنهما لم يكملا المادة المقرة فرفض الطبيب ذلك ولما سالتهما عن السبب أجابا :( إننا نفتقد للمصادر فهي شحيحة عندنا وغالية ولا نستطيع شرائها ) عندها قررت تحويل الفكر من إقامة حسينية إلى إقامة مكتبة عامة تلبي حاجة الباحثين والطلبة , والحمدلله شرعت بالعمل وقد وضعت تصاميم المكتبة بيدي وتابعت مراحل التشييد خطوة بخطوة , كما صممت من قبل المسجد والبناية الملحقة بالمسجد التي أوفقت واردها على المسجد والمكتبة. ولما سألناه عن كيفية الحصول على المصادر والكتب ..قال : اعتمد في ذلك المكتبات الموجودة في النجف والمكتبات الموجودة في شارع المتنبي ببغداد ومن خلالكم أعلن عن استعدادي لتوفير أي مصدر أو مرجع موجود في خارج العراق لأي باحث على أن يتصل بنا ويذكر لنا اسم الكتاب والجهة الصادرة عنه ونحن نوفره له ولغيره من الباحثين ممن يهتمون بهذا الكتاب بينما الحاج محمد جواد منهمك بالحديث إذ سرح بنظره صوب مجموعة من الطلبة جالسين حول طاولة معدة للمطالعة ، فقال : لا أستطيع أن أعبر عن فرحتي وأنا أرى أولادي هؤلاء يأتون في الصباح الباكر ويحرصون أشد الحرص على الدراسة هنا ، ثم أطلق لعينيه العنان فانبعثت دموعه مستذكرة أولاده الذين ذهبوا ضحية آلة القمع الصدامية التي حصدت المئات مثلهم وهم كانوا بأعمار الزهور .. تابع الحديث قائلا: النجف الاشرف تستحق منا الكثير.. فهي أرض اختارها الله تعالى لتكون مثوى سيد الوصيين الإمام علي ( ليه السلام) وهي دار العلم التي يقصدها الباحثون عن علوم آل محمد (صلى الله عليه وآله) .إضافة لذلك فهي الأرض التي ولدنا عليها وتربينا في أزقتها ونشأنا بين محلاتها وأحيائها ، فعلينا أن نخدمها صورة مشرقة عنها بكل ما نستطيع حتى نفي ولو الحد الأدنى من واجباتنا اتجاهها . سألنا عن موضوع المخطوطات فقال الحاج محمد جواد: لا أهتم باقتناء المخطوطات وأعتبرها ثروة هامة يجب أن تكون مكان أمين كمكتباتنا المعروفة في النجف الأشرف أما مكتبة العامة فهي مخصصة للدراسة والبحث دون حفظ المخطوطات أو الكتب الحجرية. تقع المكتبة في الفرع الأول من حي الأمير مقابل مدرسة دار الحكمة للعلوم الإسلامية وتطل هي والمسجد على الشارع العام ، تبلغ مساحتها الكلية حوالي 240 متر مربع وعند دخول تطالعك باب كبيرة تفتح على باحة واسعة تتوسطها منضدة كبيرة مربعة تحيطها كراسي خشبية تحيط الرفوف الممتلئة بالكتب بجوانب المكتبة , يبلغ عدد الكتب حوالي 16000 كتاباً وقد صنف الكتب ضمن الرفوف إلى المواضيع التي تهتم بها , فقد تم توزيعها حسب العلم الذي تعنى به ، وأغلب الكتب حديثة غير متوفرة في باقي المكتبات الموجودة في النجف ، ففي مجال الطب والهندسة والرياضيات لدينا مصادر مهمة متخصصة في هذه المجالات تفي بغرض الطالب وتتوفر فيها الأساسية للدراسة في الكليات. أما نظام إعارة الكتب المتبع فهو نظام الإعارة الداخلي بطريقة البحث الذاتي وبمساعدات جهاز الحاسوب لسهولة الوصول إلى الكتاب المطلوب. يركز مؤسس المكتبة على فكرة نوعية الكتب أولاً وعددها ثناياً، فهو يرى توفير كتب ومصادر يندر وجودها في باقي المكتبات ولديه كم جيد من المصادر تلبي حاجة طلاب الدراسات العليا في بحوثهم وأطاريحهم. تتوفر في المكتبة خدمة استنساخ ما يطلبه الباحث مجاناً، ومهما كان المصدر أو عدد الصفحات. تفتح المكتبة من السادسة صباحاً وحتى السادسة عصراً وهي بذلك تخدم فعلا الطلبة والباحثين ، وعساها أن تكون من الباقيات الصالحات التي يثاب عليها صاحبها صدقة جارية نوراً له في الدنيا ورحمة في الآخرة . وبعد وفاة مؤسسها سنة 1331هـ/2010م تولى الإشراف عليها نجله المهندس إحسان العندليب ، أما أمانة المكتبة الآن فيضطلع بها بكل اقتدار الأستاذ أحمد حسين الأزيرجاوي (نائب الأمين العام للعتبة العلوية المقدسة للفترة 2006 ـ2012م) وبفضل العناية الفائقة التي أولاها للمكتبة وخبرته الواسعة واتصاله بالعتبات المقدسة ازدهرت المكتبة أصبحت من المكتبات العامرة المهمة في النجف بما حوته من نفائس الكتب المطبوعة التي يبلغ عددها نحو 20 ألف كتاب فضلا عن قسم خاص بالمجلات القديمة والحديثة ، وقد وقفت فيها على دورة كاملة من مجلة لغة العرب الشهيرة , إلا أن المكتبة تخلو من المخطوطات ربما لحداثة تأسيسها . إن الداخل لهذا المكتبة التي تتميز بزياتها الإسلامية الراقية سيبهره قاعتها الواسعة الأرجاء رائعة التصميم، ورغم مساحتها المحدودة (260م2) إلا أنها حسنة التنظيم جميلة المنظر. واعتمدت المكتبة شعارها الخاص (العلم سلطان دائم البقاء) لذا فهي مشجعة على طلب العلم وسخرت لخدمة كل طالب وباحث ومثقف. وقد وجدت الأستاذ الأزيرجاوي ــ أطال الله في عمره متفانيا في خدمة الطلبة والباحثين حتى أنه سخر أداة الكترونية حديثة وهي ماسح يدوي يستعمله الباحث لتصوير الأوراق الأصلية من الكتاب وجعلها خدمة مجانية، وقام بجمع الفهارس الالكترونية للمكتبات العامة الأخرى في النجف لتسهيل حصول الباحث على بغيته وتوفير وقته، كما أنه خاطب كليات جامعة الكوفة مبدياً استعداده لاستقبال الطلبة وتسهيل مهمتهم تشجيعاً للبحث العلمي الأكاديمي. وخلاصة القول إن مكتبة الجواد العامة هي الآن واحدة من أنفس مكتبات النجف الحاضرة لما تحتويه من أهم المصنفات المطبوعة في سائر العلوم والفنون ولاسيما العلمية والأدبية. المصدر: مجلة آفاق نجفية، العدد 47 الصادر في عام 1438هـ ــ 2017