تاريخ الحلة
غرفةُ التّجارة في الحلّة بين الماضي والحاضر
يعدُّ تأسيس النّقابات والجمعيّات والمؤسسات الثقافية والفنية والمهنية والتجارية، علامة على التمدن والتحضر، فتأسيس مثل تلك النقابات يسهم في دعم الطبقة العاملة والمشتغلة في هذا القطاع أو ذاك، ولهذه الجمعيات آثار اجتماعيّة مهم وبالغة التأثير، خصوصا من خلال دعم الجمعيات الخيرية، والطبقات المظلومة في المجتمع، وكذلك دعم المؤسسات التي تُعنى بالأيتام وذي الاحتياجات الخاصة، وكذلك فإن لهذه الجمعيات دورٌ في بتشجيع القطاع الخاص، والوقوف إلى جانبه، خدمةً لتقليل البطالَةِ في البلد، وللدّفاع المشروعِ عن حقوقهم، ومن هنا كان لغرفة التّجارة دورٌ حيوي في الحركتين الاقتصادية والتجارية، وهما عصبُ الحياة في المدينة، فتقومُ بتنظيم الطُّرق التجارية وأساليبها من خلال العرضِ والطّلب، وتأسيسُ غرف التّجارة التي تضمن تطوّر المدينة باحتواء طبقةِ التّجار القادرين على جلب البضائع والسلع وعلى أنواع مختلفة، كالموادّ الغذائيّة والمعدّات الزراعيّة والميكانيكيّة، ومواصلة التّطور في اتّخاذ القرارات باستيرادِ ما يتناسبُ والتّطورَ الصّناعي في الدول المتقدمة، فكانت لغرفة التّجارة في مدينة الحلّة يدٌ واضحةٌ في احتضان تلكَ النُّخب من التُّجار التي تجلبُ كلَّ ما هو مهم وجديد للمدينة، من بضائع وآلآت مع ما يتناسبُ والتطورَ الصّناعي والتّكنولوجي في بلدانِ العالمِ المتطورة، وما قدمته هذه النُّخب التجارية في الحلّة والتي سنمرُّ عليها فيما بعد إن شاء الله. مرحلة التأسيس: عندما أنهى أنور الجوهر دراسةَ الحقوق في بغداد، وتمكّن من جمعِ عددٍ من تجارِ مدينة الحلّة في مجلسٍ خاصٍ به كان يُعقد يوميًا في مقرّ عمله في باب المشهد (السِّيف)، وهو يتعكّز على المكانِة والوجاهَة الاجتماعيّة لجدّه لأمه، صالح المهدي، وخاله الوجيه عبد الرزاق شريف (رزوقي الصالح). أنور الجوهر: وهو أنور بن محمد بن حسن الجوهر الجليحاوي، نزح جدّه من منطقة الهنديّة قاصداً بغداد بحثاً عن فرصة عمل، وُلِد في بغداد سنة 1921م، كان والدُه موظّفاً في الإدارة العثمانية ثم الوطنية، عمل مديراً لبلدية الكاظميّة، أقترنَ والدُه بأبنة صالح المهدي (شقيقة عبد الرزاق الشريف) وتُوفّي أواسط الثلاثينيات، فلجأت الأمُّ وولَديها (أنور وهادي) إلى أهلها في الحلّة، لتعيشَ معهُم في محلة جبران، نشأ أنور في كنفِ أخوالهِ وبعد اجتيازِه الدراسة الإعداديّة، التحقَ بكلّيّة الحقوق وتخرّج فيها سنة 1946م، ولم يُمارس المحاماة، لكنّهُ اتّجه للتجارة، فكانَ الرّائد في إدخال بعضِ المشاريع الصّناعية، ومنها مكبسُ التمور، ومعملُ الفرات للمشروبات الغازية (الكوكا كولا) ، وانتُخِبَ في العهد الملكي نائباً عن الحلّة لآخر دورة نيابية . ويذكر الدكتور سعد كاظم المولى "تعدُّ مرحلة تأسيسِ غرفة تجارَة الحلّة 1949م وما بعدها من الحقبِ المهمّة في تاريخ الحلّة المعاصر، فالمدينةُ ذاتُ موقع تجاري مهم، يربطُ جنوبَ العراق بشمالِه، وأنَّ معظمَ المواد تّمُرُّ عبرَ طريقها، الذي كان سبباً لتشييدِ معبر خاص بها، لذلك أُطلقَ عليها (عروس الفرات)" وكان نهرُها سببًا رئيسًا في انتعاش اقتصادِها منذ التّمصير، فهو شريانُها النّابض في حياتها الاقتصادية، إذ اعتمدت ومنذ ذلك الوقت، على الملاحة النّهرية، التي كانت تنقلُ، بضائعَها عبرَ نهر الفُرات، فكانت الملاحةُ النّهرية هي نبضُ حركةِ التّجارة بين المدنِ العراقيّة، كونها الرّابط الاستراتيجي بين مدن الشّمال والجنوب، وكانت الحلّةُ منذ تمصيرها تصدّرُ منتوجها الزّراعي إلى الكثيرِ من مدن العراق، فكانت ميناءً للتسويق عبر نهر الفرات، لكلّ الموادّ التي تصدّرُها إلى مدنٍ أُخرى، وكان الاقتصاد الحلي في تلك المرحلة، تمتلكهُ بعضُ الأُسرِ، فكانت أسرةُ آل مرجان من المتصدّرين في هذا المجال، وكذلك الحاج كريم الهندي ونادي علي ومحمد الماشطة وعبد الجليل جابر المولى، وحسن الجمل وحسن المطيري". إصدار قانون الغرف التجارية: ولتنظيم وظائف وأعمال غُرف التّجارة في العراق ومهامها، وبشكل يدعم النّشاط الاقتصادي في البلاد، أصدرَت الحكومة العراقيّة أثناء فترة حكم عبد السلام عارف ورئيس الوزراء ناجي طالب، القانون رقم (100) لسنة 1966م، قانون الغُرف التّجارية، والذي يحتوي على (38) ثمانية وثلاثين مادةً قانونيةً لا مجال لذكرها إلا أنّ صورة القانون كما يلي: المادة الأولى: بسم الله الرحمن الرحيم قانون رقم (100) لسنة 1966م، غرف التجارة. رئاسة الجمهورية استناداً إلى أحكام المادة (44) من الدستور المؤقّت وبناء على ما عرضَه وزير الاقتصاد وبموافقة مجلس الوزراء. صُدِّق هذا القانون الآتي: المادة الأولى: يُقصد بالتعابير والكلمات التالية المبينة إزاءها: الوزير: وزير الاقتصاد.- الغرفة: المؤسسة العامة المؤلفة بموجب هذا القانون .- النظام الداخلي: النظام الداخلي لكل غرفة .- المجلس: مجلس إدارة الغرفة .- التاجر: كل من كان حائزاً على الأهلية القانونيّة واشتغلَ باسمه بالمعامَلات التّجارية فاتّخذها حرفةً معتادة له وكل شركة تجارية.-العضو: التّاجر المنتمي إلى الغرفة.- الاتّحاد: اتّحاد الغرف.- الهيئة العامة: الهيئة العامّة لكلّ غرفة. وذكر الدكتور عبد الرضا عوض:" يتبيّن أنَّ قوّة أيّ قريةٍ أو مدينةٍ تظهرُ في تبادلها التّجاري مع بقية المدن الأخرى، فمن المعروف أنّ التّجارة في قديم الزمان كانت في المواد الغذائيّة، وهي الحبوبُ بمختلفِ أنواعِها (كالحنطة والشّعير والرّز والماش والدّخن) والاقمشة والجلود وغيرها، وكانت تجلب هذه الأقمشة من الهند عبر إيران أو من مصر، ويتمُّ نقل البضائع بقوافل الجِمال، أو المراكب النّهرية، أما مظاهر التّجارة الحالية فهي غير موجودة في ذلك الوقت لأسباب كثيرة منها: عدمُ وجود وسَائط النّقل السّريعة كما هي الآن، وضعف القُدرة الشّرائية للفرد (دخله اليومي)، وغالباً ما تكون الحَركة التّجارية محصورة بأشخاص قلائل من الملاكين أو الاقطاعيين المتنفّذين في الدولة". و ذكر الدكتور علي هادي عباس المهداوي: ذكرت جريدةُ الزوراء عام 1884م، إنّ جميعَ مخازن الحلّة لم تكفِ لاستيعابِ الانتاج من محصولِ الرُّز فقط لتلك السّنة، والذي قُدِّر بملايين الحُقَق [حقة الإستانة الاسطنبول=25،1كغم]، فضلاً عن التّسبب في تلفِ كمّيّات كبيرة منهُ، هذا وقد بلغَ مجموع تلكَ المخازن (120) مخزناً، فضلاً عن (18) خانًا خُصّصت جميعًا لحفظِ الحبوب، ولكن يبدو أنّها لم تَتَمكّن من استيعابِ تلكَ الكمّيات الكبيرةِ من المحاصيل، بدليلِ ما ذهبت إليه بعضُ التّقارير البريطانيّة عام 1908م، حينما أشارت "كانت الحلّةُ مهيأةً لتصديرِ ما لا يقلُّ عن (600) طن من الشعير، و (40) طن من القمح، و(1500) طن من الرز، وذلك في الظروف الاعتيادية في اسبوع واحد فقط، وأضاف المصدر ذاته: "ويبدو أنّ قيام التّجارة يعود إلى مراحلَ سابقة للنّصف الثّاني من القرن الثّامن عشر، إذ ذكر (بارسنز – PARSONS) الذي زارَ الحلّة عام 1774م، عند وصولنا إلى البصرة تأسّف الأتراكُ هناك، لأنّنا اصطحبنا قارباً فارغا، كان من الممكنِ تحميلُه بالخيلِ من الحلّة، لانّهم كانوا سيحصلونَ على ربح كبيرٍ عن طريق شرائها وبيعِها في البَصرة ،إذ تُشحن منها إلى الهند لتباع بأسعارٍ عالية". نشاطات غرفة تجارة الحلّة: على الرّغم من تعدّد الحكومات الّتي مرّت على غرفةِ تجارة الحلّة، ومن استحداثِ القوانينِ وتبديلِها بتعاقب الحقَب، إلا أنها لم تتوقّف عن منجزاتها وانجازاتها الّتي قدّمتها للمدينة، منذُ تأسيسها عامَ 1949م، حتّى يومنا هذا: 1. دعمها المستمر لدوائر الدولة المختلفة عن طريق تقديم التبرعات لها. 2. أسهمت في تعزيز التكافل الاجتماعي في المدينة. 3. شكلت عددًا من اللجان لاستقبال الوفود العربية والاجنبية عند زيارتها للمدينة. 4. أقامت محاضرات توعويّة، سواءً في مقر الغرفةِ، أو ميدانياً لتوعية التّجار ومنعهم تداولِ السّلع التي منعتها الدّولة من قوائم الاستيرادِ. 5. أسهمت بترميم عددٍ من المدارسِ، وتأثيث بعضِ الدّور الحكومية، وجمع الأموال للعوائل المتعفّفة ضمنَ لجانِ التّكافل الاجتماعي التي اشتركت بها الغُرفة. 6. شاركت الغرفةُ في أنشطة مختلفة خارج الوَطن، عن طريقِ إيفادِ أعضاء هيئة تجارَة الغرفَة إلى الكثير من الدّول، كتركيا والهند والصين واندونيسيا والاتحاد السوفييتي سابقًا. 7. تشكيلُ لجنة متابعة السوق. 8. تشكيلُ لجنة التسعيرة الغذائية. 9. الحضورُ الدّائم والمتواصل مع الاتحاد العام للغُرف التّجارية العراقيّة. 10. شيّدت جناحًا خاصًا بالتّمريض من ماليّتها الخاصّة في مستشفى الحلّة الجمهوريّ في باب المشهد سابقاً. 11. شيّدت جناحًا خاصًا من ماليتها الخاصّة في مستشفى الحلّة الجراحيّ في الاسكان. 12. شيّدت قاعةَ انعاشِ القلبِ في مستشفى مرجان للأمراض الباطنية من ماليّتها الخاصّة. وفيها عدد من اللجان التي تشكلت حسبَ النّظام الدّاخلي للغرفة، ومتابعتها للواقع الّذي تعيشُه المدينة، وعلى مرور الزّمن منذ التأسيس وإلى يومنا هذا: لجنة تسجيل الكفالات – لجنة الشؤون الاقتصادية – لجنة الانضباط – لجنة التحكيم - لجنة متابعة السوق - لجنة المراقبة - لجنة ترميم المدارس - لجنة الصندوق الخيري – لجنة جمع التبرعات – لجنة الاحتفالات والمناسبات الدينية والاجتماعية .