تاريخ الحلة
الحلة في عيون الرحالة الأجانب

زار الحلة في العهود الماضية الكثير من الرحالة الأجانب، لأغراض سياحية، أو تجارية، أو علمية ، ودونوا مشاهداتهم ووصفهم لهذه المدينة على مدى قرون عديدة، مما يفيد في التعرف على الأحوال السياسية، والإدارية ، والاجتماعية، والاقتصادية، والعسكرية، والعمرانية لمدينة الحلة، وعلى الرغم من أنها آراء وأوصاف شخصية إلا أنها تنقل لنا وصفا لأحوال الحلة في تلك الأزمنة ومنها: ذكر الرحالة الأسباني بنيامين التطيلي (1130-1173 م) أهم آثارها وهو برج بابل العظيم ويسميه (برج نمرود) ( أو برج التفرقة حيث فرق الله الألسنة، مشيّدا بالحجارة التي يسميها الناس هناك بالآجر، ويبلغ طول أساساته ميلان وعرضها مائتان وأربعون ذراعا وارتفاعه مائة قصبة ، وبين كل عشرة اذرع صعوداً توجد طرق مفتوحة تعرج بالصاعد إلى أعلى البناء، ومن قمته يمكن رؤية ما حوله إلى مسافة عشرين ميلاً ). أما الحافظ الإيراني ابرو(1362- 1430م) فقد ذكر مدينة الحلة في كتابه (ذيل جامع التواريخ) قائلاً: (اشتهرت الحلة في القرنين الثامن والتاسع الهجري بصناعة الأواني الفخارية، وهي مطرزة بأشكال نباتية وحيوانية، جهد أهل الفن أن تخرج بالشكل الجميل رغبة في زيادة الأسعار وكثرة الإقبال عليها بالشراء وتعبيراً عن الذوق الفنيّ والإبداع فيما يصنعه الحليون). كما ذكرها فيليب الكرملي( 1629م ) وقال عن سكانها: (أنهم ينحدرون من قبائل عربية معروفة ويعاملون الضيف بما عُرف عنهم من لطف وكرم عربي)، وأضاف: (أن غالبيتهم من المسلمين، ولكن هناك عددا من المسيحيين، والأرمن، واليعاقبة، والنساطرة، ووصف الحلة بأنها مدينة كبيرة محاطة بأسوار من الطين، وبها جسر من القوارب الكبيرة مصفوفة ومربوطة بالسلاسل الى الشاطئ) . أما الرحالة البرتغالي بيدرو تيخيرا (1641م) فقد قام برحلة إلى الشرق ما بين عامي 1604-1605 ،وأثناء رحلته هذه زار تاكسيرا مدينة الحلة، وممّا يذكره عنها وصفه لخان المحاويل في أثناء عودته من كربلاء بإتجاه أطلال مدينة بابل فيقول: (وقد بدت لنا الأرض الآن أكثر خصوبة والطقس أشد احتمالاً، والخانات أتم راحة ولاسيما ذلك القريب من أطلال بابل، والذي شيدته سيدة تركية تقربا إلى الله). ووصفها فنثنو 1656م بأنها: (مدينة عامرة بالنخيل والأشجار المختلفة، مناخها معتدل، ويخترق نهر الفرات هذه المدينة ، وفيها أسواق كثيرة وصناعات بسيطة ، وعند اقامتنا فيها وجدنا معاملة حسنة من إهلها) . أما سبستياني 1658م فقد قال في مذكراته: (ذهبنا من الكوفة إلى الحلة، وكنا نسير بمحاذاة شاطئ جميل عليه نخيل كثير، والمنطقة مأهولة بالسكان) ، ويعزو سبستياني أهمية الحلة إلى موقعها الجيد على نهر الفرات . وذكرها الرحالة البرتغالي غودنهو 1663م قائلا: (هذه المدينة الوادعة الواقعة على نهر الفرات تحيط بها البساتين مما يجعلها اشبه بحديقة كبيرة، كما أن مناخها معتدل، والهواء فيها عليل، إلا أن ازقتها وطرقها ضيقة وهي اشبه بالمتاهة، ولا يمكن للسائر فيها أن يستدل على طريقه دون دليل). ويقول الرحالة الالماني كارستن نيبور(1765-1815م) : (في داخل مدينة الحلة جامع ذو منارة واحدة بينما نشاهد خارج المدينة جوامع اخرى متعددة، منها ما يسمى بـ(مشهد الشمس ) ويذكر أن بابل تقع جوار الحلة وذلك ليس لأن الاهليين مازالوا يطلقون على هذه المنطقة (أرض بابل) فحسب، بل لأن هناك اطلالا قديمة لا يمكن أن تكون إلا بابل) . ويتحدث بارسنز 1774م عن الحلة :( لم تكن بالقلعة غير أنها محاطة بالأسوار، فيها بوابتان احداهما بالقرب من النهر وتؤدي إلى الشارع الرئيس، أما البوابة الأخرى فتقع عند مدخل المدينة، وخلال جولتي في الحلة ومشاهدتي لبناياتها الكثيرة الشبه بما هو موجود في بغداد يمكن أن تسمى بغداد الصغرى، وكانت الجوامع والخانات والبيوت تنتشر على جانبي المدينة). وذكرها الرحالة الفرنسي سستيني 1781م وقال عن تجارتها: (تقوم في الحلة تجارة كبيرة ومهمة لأصناف الرز والحنطة والشعير تصدر إلى بغداد ومناطق أخرى ضمن قوافل تجارة بواسطة تجار متخصصين، كما أن تجارة الماشية والأصواف رائجة وجيدة في الحلة). ويتحدث الميجر تايلر 1780م عن الطريق بين البصرة والحلة بقوله: ( إن هذا الطريق جعل من الحلة مدينة تقع على مفترق الطريق الدولي الذي يربط القسطنطينية بالبصرة مرورا بمدن ومناطق متعددة). ويقول الرحالة الفرنسي ج .أ. أوليفيه 1791 م :( أن طريق حلة – نجف كانت تسلكه سنويا قافلة نجدية ضخمة تتألف من 3-5 الاف من الإبل حيث يحمل مالا يقل عن 1000 -5000 منها مختلف البضائع من نجد والبصرة لتنطلق بامتداد ساحل الفرات الأيمن صعودا حتى الحلة حيث تمضي هنا بضعة ايام تقوم خلالها ببيع قسم من بضائعها إلى تجار بغداد وتتزود ببضائع اخرى، وتنطلق بعدها إلى حلب). ورأى الرحالة الانكليزي جيمس بكنغهام 1816م: (أن جسر الحلة مزدحم على الدوام وقدر طوله بـ 195 خطوة حصان، وانه أقيم في اضيق جزء من النهر)، وعند عبوره إلى الضفة الأخرى قال: ( كانت عبارات الحمد لله وما شاء الله والسلامة تنطلق من أفواه العابرين في وقت واحد، ثم تعقبها صيحات التهنئة بالوصول سالمين إلى الضفة الأخرى من النهر). ويذكر الرحالة بورتر 1818 م :(أن حاكم الحلة وموظفيه الأتراك كانوا يؤدون واجباتهم الرسمية، بناء على الأوامر الصادرة من الباشا نفسه في بغداد ). ويشير الرحالة مينان 1827م إلى: (أن بيوت الحلة ومعالمها العمرانية الأخرى كالمساجد والأسواق قد شُيدت جميعها بطابوق بابل) ، وتطرق إلى احوال الزراعة في الحلة قائلا: (على الرغم من كون الزراعة مهملة بصورة كبيرة غير أن الحدائق والبساتين مثمرة جدا). ويذكر فريزر 1831م وباء الطاعون الذي اجتاح العراق عام 1831م ومنها مدينة الحلة فيقول:( إن هذا الوباء قد قضى على أعداد كبيرة من سكانها، حيث كان عددهم قبل ذلك يقدر بنحو عشرة الآف نسمة). وكتب البريطاني توماس سكنر (1216-1843م) عنها قائلا ( تركت مكاني وخرجت من الحديقة مارا بجزء من المدينة حتى ضفاف النهر الذي يجري في المدينة الحديثة كما كان عهده في المدينة القديمة سابقا، وعبرت النهر من خلال جسر من القوارب إلى الجانب الغربي للمدينة، وكان الجسر واسعا وثابتا وحسب ما قسته فإنَّ طوله يقارب المائة وسبعين خطوة أي إنَّ الفرات كان عرضه يقارب الأربعمائة قدم). ووصف الرحالة الروسي بريزين 1843م المناطق المتاخمة لضفاف نهر الفرات بـ (أن في الإمكان أن يعيش الإنسان هنا حياة حرة رغيدة). ويقدر الرحالة الانكليزي سكنر 1832م (عدد سكان الحلة على الرغم من تفشي وباء الطاعون بـ 12 الف نسمة وقتذاك). ويتحدث الرحالة لوفتز 1849م: (أن السلطات العثمانية قد قامت بنصب أربعة مدافع، اثنين منها على كل ضفة من ضفتي شط الحلة)، وأضاف: (أنها وضعت لإطلاق شارات الترحيب بقدوم الولاة وتشريفهم بزيارة المدينة، ولكن السبب الحقيقي هو تعزيز دفاعات الحلة من جهة الشط) ، ويقارن هذا الرحالة بين الحلة وبين بقية المدن العربية الأخرى التي شاهدها في رحلته فيقول:(إن موقع مدينة الحلة الكائن على ضفاف نهر الفرات جعلها تبدو أكثر جمالا من مدن عربية أخرى زارها). ويبين الرحالة أوشر 1864م: (أن تجارة الآثار مزدهرة في الحلة ، وقد نشطت في القرن التاسع عشر، حيث كان التنافس على أشده بين مؤسسات الآثار العالمية والمتاحف في الحصول على قطع الآثار) . ويشير الرحالة لجان 1866م إلى: (أن قائمقام الحلة تلقى في عام 1864م الأوامر من والي بغداد لإعداد حملة عسكرية ضد عشائر الهندية بسبب امتناعها عن دفع الضرائب، حيث تم تهيئة 236 مشحوفا يحمل كل منها ستة جنود، فضلا عن قوة احتياطية مؤلفة من 120 جنديا من حامية الحلة). أما الرحالة الهولندي نجهولت 1867م فيذكر: (إن الحفاوة التي استقبله بها أهل الحلة كانت عظيمة ،ووصفهم بأنهم مؤدبون، كما أشاد بأصول الضيافة العربية التي وجدها لدى بعض الأعيان الذين حل في ضيافتهم، وغادر المدينة حاملا ذكريات جميلة أمضاها مع الحليين). وفي مذكرات الرحالة جيري 1878م نجده يقول: (لو أن الحكومة العثمانية وسلطتها المختصة وجهت عنايتها لتحسين الملاحة في نهر الفرات لأصبحت الحلة ذات أهمية كبيرة جدا). أما الرحالة الهندي النواب حميد يار جونك بهادر (كان حيا عام 1907) فقد زار مدينة الحلة وذكرها بقوله: (وصلنا بابل في حوالي الساعة التاسعة مساء والحلة على بعد أربعة أميال من بابل وكان علمدار المسيب قد خابر من أجل تأمين راحتنا وأمضينا الليلة في راحة تامة في بيت أحد أصحاب الأراضي واسمه ملا إبراهيم، وزرنا في صباح اليوم التالي آثار بابل التي أنشأت في سنة 2232ق. م عاصمة لأرض شنعار وبلغت أوج مجدها أثناء حكم نبوبلاصر وابنه نبوخذنصر). وتقول مدام ديولافوا 1881 م عن مقام رد الشمس: (هذا المسجد يعرف بمشهد الشمس، وتذكر الروايات المشهورة أن أمير المؤمنين عليا (عليه السلام) قد أشار إلى الشمس لتقف في هذا المكان لإكمال نصره في أحد حروبه). ويعتقد كوبر 1889م :( أن التسمية الحديثة لمدينة بابل القديمة هي الحلة، لأن الأبنية التي شاهدها خلال تجواله في المدينة توحي بمعالم تاريخية بابلية )، وكان يعني بذلك الطابوق الذي شُيدت به تلك المباني حيث تم نقله من خرائب بابل الأثرية. ويوضح الرحالة بدج في زيارته إلى الحلة عام 1890م الإسلوب السيئ الذي تعاملت به الإدارة العثمانية مع السكان لاستيفاء الضرائب تحت ذرائع شتى، وذكر قصة (صندوق ضرائب الحلة ) الذي اختفى في ظروف غامضة عام 1891م . وكوّن الرحالة جيريه 1895م انطباعا لطيفا وذكريات جميلة عن الحلة، حيث استمتع بمناظر بساتين النخيل ووصفها قائلا:(الحلة مدينة صغيرة لكنها نظيفة، أسواقها جيدة ، شوارعها منظمة، وقد أختير موقعها على نهر الفرات، مبانيها كثيرة وأسواقها عديدة). وكان يوجين فلاندان 1897م أبرز فنان فرنسي زار الحلة في القرن التاسع عشر ،وأصدر كتاب (الشرق) بأربعة مجلدات ضم المئات من اللوحات البديعة التي نقشها بنفسه على الحجر، ومنها عن مدينة الحلة.