تاريخ الحلة

معركة العتائق

معركة العتائق

حينما نتصفح تاريخ مدينة الحِلَّة نجدُ كثيرًا من الصفحات المُشرقة والخالدة التي سجَّلها أبناء هذه المدينة، في كافة الثوابت؛ العلميّة والأدبيّة فضلًا عن شرف الدّفاع عن وطنهم ومدينتهم، فعلى مدى تاريخ المدينة كان لأبنائها قصب السبق في الوقوف بوجه كلّ مَن له طمع بخيرات أرض الأنبياء ومراقد الأئمة الأطهار(عليهم السلام)، فبعد أنْ أقدم الغزاة البريطانيّون على احتلال العراق أثناء الحرب العالميّة الأولى، وقطعهم الوعود الزائفة بتحرير العراق من براثن المحتلّين العثمانيِّين، فما حدث كان عكس ذلك فقد بدَّل الاحتلال العثمانيّ باحتلال بريطانيّ آخر، ممَّا دفع أبناء هذا الوطن إلى رفع راية الجهاد، ففي ملحمة ثورة العشرين الخالدة كان لأبناء مدينة الحِلَّة والعشائر القاطنة حولها مفاخر وبطولات سجَّلها التاريخ بحروف من ذهب إذ ألحقوا بالقوات الغازيَّة هزائم متلاحقة، في جبهة الرميثة والديوانية، فأوعزت القيادة العسكرية البريطانيَّة في بغداد إلى الجنرال كونغهام أمر حامية الديوانية بالانسحاب بكلِّ قواته إلى الحِلَّة بواسطة القطار، وترك مدينة الديوانيّة واتخاذ مدينة الحِلَّة موضعًا دفاعيًّا جديدًا عن منطقة الفرات الأوسط، واحتلت الكفل وبدأت تُهدِّد مدينة الحِلَّة، فيما حاصرت قوات الثوار القوات البريطانيَّة في الكوفة وأحرزوا نصرًا ساحقًا على القوات الغازية في معركة الرارنجيّة الشهيرة في 24 تموز عام 1920م. كما سجّل المجاهدون الأبطال في معركة العتائق (العتايج) مِن قرى الحلّة عام 1920م، التي تعدُّ امتدادًا لملحمة القطار أروع معاني البطولة والتضحية في سبيل التحرّر والاستقلال، فالقرية الواقعة على نهر الحلّة في جنوب شرقيّ المدينة كانت تنعم بهدوء وسكينة مبتعدةً عن ضوضاء المدينة وصخبها، إلّا أنّ هذا السكون والأمان الذي يعيشه أهل قرية العتايج لم يرق لخفافيش الليل وقد هاجمتها في ليلة ظلماء لتستيقظ فزعة على أزيز الرصاص وأصوات سرف الدبّابات وهي تجوب أزقتها الضيقة مُعلنة سقوط القرية بيد المحتلين الإنكليز مستغلّين تفوّقهم بالعدّة والعدد، لا سيما بعد أن وصلتهم إمدادات من بغداد، إلّا أنّ قرية العتايج لم ترفع الراية البيضاء للمحتلين، فقد تكاتف أبناؤها مع الثوار وأبناء الحِلَّة والعشائر المساندة لهم بتحرير هذه القرية، وبعد الاتفاق على ساعة الصفر هاجمت الأسود التي تأبى الضيم المحتلين من ثلاثة محاور، وبعد قتال شرس استخدمت فيه مختلف أنواع الأسلحة ومِنها السلاح الأبيض الذي استمر لساعات عدّة، امتزجت فيه الأهازيج مع دماء الشهداء وكانت نهايته قد أثلجت صدور الثوار الذين هزموا المحتلين هزيمةً مدويةً اضطرَّ على أثرها الجيش البريطانيّ إلى الانسحاب من القرية، وهو يجرُّ أذيال الخيبة والخذلان تاركًا قتلاه بين أزقة القرية؛ لتكون شاهدًا على خذلانه وتقهقره، فتابعهم الثوار العاشقين للشهادة ببنادقهم المتهالكة بأيادٍ تجيد فنّ القصاص لكلِّ مَن تسوِّل له نفسه تدنيس تربة هذا الوطن الغالي فلم يبقَ للمحتلّين المهزومين مخرج إلَّا التحصّن بنهر قديم يطلق عليه منطقة (العركوب) الذي يبعد عن قرية العتايج حوالي (2 كم), فتابعهم الثوار بصدورهم العارية وجرى قتال بين الطرفين أوقعوا بالإنكليز خسائر فادحة ممَّا جعلهم ينسحبون باتجاه مدينة الحلّة. ومِن القصص البطوليّة التي حدثت في هذه المعركة, أنَّ شخصًا من الثوار يدعى (عبدول المخيف) أطلق النار نحو العدو وصرخ بأعلى صوته (قتلته) وعندما نهض عبدول من مكانه وجد نفسه ينزف دمًا بغزارة فسأله مَن كان بقربه ما هذه الدماء؟ أجاب إنها (سِلاّيَة صِرِيْمْ) أي شوكة حادة لنبات جاف, في حين تبين أنّه مصاب برصاصة في صدره، فطلب منه الثوار الذهاب إلى الخطوط الخلفيّة للعلاج لكنَّه أصرّ على مواصلة القتال حتَّى وصل أخوه المدعو (سعود المخيف) وأجبره على مغادرة ساحة القتال والذهاب للمعالجة. وفي المعركة التي حدثت قرب نهر (الدويلية) القريبة من مدينة الحِلّة شاهد الشيخ (عبود الهيمص) بطولة نادرة لأحد الثوّار, وهي إنَّ شخصًا من عشيرة البو سلطان يدعى(نايف المناحي)، أصيب بشظيّة مزقت بطنه فنزلت أحشاؤه على الأرض. وكان جالسًا على الأرض وهو يحاول إرجاع أمعائه إلى بطنه, وعندما حاول عدد من أقاربه إنقاذه صرخ في وجههم قائلًا: " لا تبقوا معي ... اذهبوا لمواصلة القتال ضد العدو، أنا فداء لكم وللثورة " ثم سقط شهيدًا، بهذه البطولات الفذة كان أبناء مدينة الفيحاء يقاتلون مَن يعتدي عليهم وما أشبه اليوم بالبارحة حينما سجل أبطال الحشد المقدَّس وأبناء القوات المسلَّحة بكافة صنوفها وتشكيلاتها أروع ملاحم البطولة والفداء وهم يقارعون زمر التكفير وحز الرقاب من الدواعش ومَن لفَّ لفّهم من القوى الظلاميّة التي سوَّلت لها نفسها تدنيس تربة العراق الطاهرة، وهكذا يبقى أبناء مدينة الحِلَّة الفيحاء مشاريع استشهاد من أجل عزة هذا الوطن الغالي وكرامته.

صور من الموضوع ...

يمكنم الاتصال بنا عبر الهواتف ادناه :
00964-7602320073
00964-7601179478
او مراسلتنا عبر البريد الألكتروني :
turathhi@gmail.com

للاستمرار، اكتب ناتج المعادلة الآتية :

للأسف، نتيجة خاطئة، حاول مجددا.


جاري التحميل ...

{{Msg.p}} ,
{{Msg.text}} .

لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثوان ...

جاري التحميل ...