تاريخ الحلة

الحِلَّةُ في ظلِّ الحكم العثمانيّ

الحِلَّةُ في ظلِّ الحكم العثمانيّ

رضخَ المجتمع العراقيّ للتسلط العثمانيّ حينًا من الدهر، وكانت السياسة قائمةً آنذاك على أساس استنزاف طاقة أبنائه، ونهب خيراته، والاستهتار بحقوق الناس، والعبث بمقدّراتهم، ناهيك عن نشر الفُرقة بين الناس؛ الأمر الذي أثار غضب أبناء هذا البلد، فوقفوا بوجه المحتلّ، إذ لم يحصد العراق من هذا التسلّط إلَّا الويلات، وذاقت مدينتنا العزيزة الحِلَّة وهي واحدة من ولايات العراق الأمرّين؛ لأنَّ العثمانيِّين لم يهتمّوا بها بالرغم من خصوبة أرضها، وكثرة الزراعة فيها إلَّا قليلًا، ولأطماعهم الخاصّة، وقد وقع عليها من الحيف ما جعلها ترزح تحت نِير الأمراض، وانتشار الأميَّة، والبطالة. وذكر ستيفن هيمسلي لونكريك في كتابه(أربعة قرون من تأريخ العراق الحديث)، ترجمة جعفر الخيَّاط، احتلّ العثمانيّون(الأتراك) أرض العراق بدخول سليمان القانونيّ بغداد عام 1534م، وإنهاء حكم الدولة الصفويَّة في العراق، بعد أن هرب والي بغداد وسلَّم المدينة دون مقاومة إلى العثمانيّين . وذكر الباحث خميس هاشم عبد الله الجنابيّ في رسالته (الدولة العراقيَّة نشوؤها ومراحل تطورها): ثمّ أرسل سليمان القانونيّ قوّاته إلى بقيّة مدن العراق ومنها مدينة الحِلَّة واستولى عليها، واستمر حكمهم قرابة أربعة قرون ليحكموا البلاد باسم الإسلام، وكلمة(الترك) تسمية أطلقها العرب على معظم الأقوام التي سكنت مناطق شرق آسيا ما عدا الفرس . خميس هاشم عبد الله الجنابيّ وقال الجنابيُّ: وقد استغلَّ العثمانيّون التعصّب الطائفيّ في احتلالهم العراق، فالعثمانيّون أخذوا المذهب الحنفيّ السنيّ بمحض الصدفة مذهبًا لهم من بين المذاهب الإسلاميّة، ولقد أضفت عليهم وثنيتهم السابقة الكثير من الشعائر والمفاهيم البذيئة، ومنها التضييق على مَن يخالفهم في الرأي والعقيدة؛ ممّا أدّى بهم إلى النفرة من المذاهب الإسلاميَّة السنيّة الأخرى، والعداء الشديد للمذهب الشيعيّ الذي يعتنقه غالبيّة أهل العراق، فكانت السلطة العثمانيّة تنظر إلى الشيعة من رعاياها نظرتها إلى غير المسلمين، وهذا السبب أبقى نار الحرب مشتعلة بين الدولة الفارسيَّة والدولة العثمانيَّة. وذكر علي طالب عبيد عاصي في رسالة الماجستير(الحِلَّةُ في القرن الثامن عشر ــــ دراسة تأريخيَّة في الأحوال السياسيَّة والإداريَّة والفكريَّة): وأثر احتلال سليمان القانونيّ لبغداد أن أصبحت الحِلَّة سنجقًا تابعًا إلى ولاية بغداد، وتمَّ تعيين أحد الحكَّام عليها، ومن ثم زار سليمان القانونيّ المدينة في(9 صفر941هـ/ 17 تشرين الثاني 1534م)، قادمًا من كربلاء والنجف، وقام ببعض الأعمال (شأنه شأن أغلب الحكّام والملوك عند احتلالهم البلاد أوّل مرَّة) بعد عودته من مدينَتي كربلاء والنجف في عام(1534م) في طريقه إلى بغداد، وقد قُسِّمت الحِلَّة إلى إقطاعات زراعيّة يُطبّق فيها نظام (التيمار) الإقطاعيّ، وتولَّى إدارته ضابط برتبة (ميرلوا)، كان ينظر في الأمور الإداريَّة والعسكريَّة في سنجقه، وواجبه حفظ الأمن والنظام فيه، وإرسال المبالغ المفروضة عليها إلى مركز الإيالة في بغداد . وذكر د. علي ناصر حسين في كتابه (الإدارة البريطانيَّة في العراق(1914م ـــ 1921م) دراسة في تاريخ العراق الحديث: لم يختلف الحكم العثمانيّ في العراق، وفي مدينة الحلّة عن غيره من المناطق الواقعة تحت نِير العثمانيّين فلم تكن السلطات العثمانيَّة تنظر إلى البلد إلَّا على أنَّه موردٌ ماليٌّ خصبٌ لخزانة السلطان؛ إذ كان الوالي يتعهد للباب العالي قبل أن يباشر وظيفته بدفع مبلغ من المال سنويًا يتمُّ الاتفاق عليها مع المسؤولين في خزينة الباب العالي، فإذا ما التزم بتأديته طالبتْ الحكومة العثمانيَّة بالمزيد؛ لأنَّ ذلك يدلّ على قدرات اقتصاديّة جيَّدة . ويبدو أنَّ ثمَّة اهتمامًا أبدته السلطات العثمانيّة للحِلَّة وما كان إلَّا لجمع أكثر الأموال منها لما كان فيها من خيرٍ وفيرٍ، وذكر عماد الدين خليل في كتابه (التاريخ الإسلاميّ(مواقف ودراسات) لم تكن مدينة الحِلَّة بمعزلٍ عن ظلم وتعسّف السلطات العثمانيَّة؛ إذ عانت كما هو حال باقي مدن العراق من ظلم العثمانيِّين وجورهم على مدى قرون طويلة، وكانت مدينة الحِلَّة من المدن التي أولى العثمانيّون اهتمامهم بها لما امتازت به من مكانة اقتصاديّة، لا سيّما في مجال الزراعة وخصوبة أراضيها، الأمر الذي أدّى إلى وفرة الواردات والضرائب التي كانت تجبيها السلطات العثمانيَّة من المدينة ممَّا زاد من اهتمامها بها . وذكر جعفر خيّاط في كتابه(صور من تاريخ العراق في العصور المظلمة) وخلال الحكم العثمانيّ شهد العراق ومدينة الحِلَّة تراجعًا كبيرًا في شتَّى مجالات الحياة حيث انتشر الجوع والبطالة والمرض، واستشرى الظلم والرشوة والفساد في مفاصل الحكومات المتعاقبة التي تولّى قيادتها ولاة متعجرفون فاسدون كان تعيينهم من قبل الباب العالي، إذ كان هَمّ الولاة الأوَّل جمع الأموال باستنزافها من السكان البؤساء الذين لا يجدون لقمة تسدّ رمقهم وبأبشع الطرق والوسائل التي يندى لها جبين الإنسانيَّة، بواسطة جباة ضرائبهم ومنهم من عرفوا بالملتزمين الذين تفنّنوا في وسائلهم الإجراميّة التي وصلت حتَّى حدّ بيع أبناء مَن لا يستطيع تسديد الضرائب المطلوبة منهم . وما كان ذكرنا لهذه المعاناة التي كان يعيشها آباؤنا وأجدادنا إلَّا ليقف أبناء هذا الجيل على حجم تلك المأساة، ويتعظوا منها في بناء مستقبل بلدهم.

صور من الموضوع ...

يمكنم الاتصال بنا عبر الهواتف ادناه :
00964-7602320073
00964-7601179478
او مراسلتنا عبر البريد الألكتروني :
turathhi@gmail.com

للاستمرار، اكتب ناتج المعادلة الآتية :

للأسف، نتيجة خاطئة، حاول مجددا.


جاري التحميل ...

{{Msg.p}} ,
{{Msg.text}} .

لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثوان ...

جاري التحميل ...