شخصيات

حسين العشاري الشاعر الفقيه الرحالة

حسين العشاري  الشاعر الفقيه الرحالة

هنالك مجموعة من الشعراء والأدباء الذين لم يولدوا في الحلّة إلاّ أنهم أثروا تأثيراً واضحاً في ملامح الحياة الفكرية فيها، ولعل هذه الظاهرة ليست غريبة، فهنالك الكثير من مظاهر تكرار هذه الظاهرة في مختلف مدن العالم. حسين بن علي بن حسن بن فارس العشاريّ البغداديّ، ولد في بغداد سنة 1150هـ/1737م، وعائلته من بلدة تسمى (العُشارة) الواقعة على مقربة من أطلال مدينة الرحبة القديمة على ضفة نهر الخابور الذي يصب في الفرات، وهي تابعة إلى دير الزور أحد ألوية ولاية حلب، وإليها ينسب. كان والده الشيخ علي مشتغلاً في تعليم العلوم الدينية، كتحفيظ القران الكريم، وتحفيظ الحديث النبويّ الشريف، فقرأ ولدهُ القرآن على يديه، واشتغل بالتحصيل والدرس. تتلمذ حسين العشاريّ على الشيخ عبد الله السويديّ(1692-1760م)، أحد أعلام العراق في القرن الثاني عشر الهجريّ الذي أخذ عنه العلم، فبرع في اللغة والأدب والشعر، إذ قال في مقدمة ديوانه: ((كنت في إبان الشباب وأوان التحصيل والاكتساب، شغوفاً بصناعة الأدب، متقصياً عن لطائف العرب، متعلقاً من فنون الفصاحة بكل سبب، أزاحم فحول الشعراء وملوك الفصحاء، فأجول معهم بكل مقام وأضرب في معترك المعاني بكل حسام)). ثم استفاد العشاريّ من علاقته بالشيخ عبد الرحمن السويديّ (1721-1785م) الذي تعلم على يديه الفقه وأحكامه ، فصارت له منزلة عالية في الفقه والإفتاء، حتى إنه كان يلقب بالشافعيّ الصغير تارة، والشافعيّ الثاني تارة أخرى . للعشاريّ تضلع كبير في مختلف العلوم، وكان مشهوراً بحسن الإملاء والإنشاء والنظم البديع، كما عُرف عنه إتقانه الخط العربيّ وحبه لأنواعه، فأتاح له ذلك نسخ عدد كبير من المصنفات في مختلف ضروب المعرفة في اللغة والأدب والفقه والمنطق والعقائد وهو لم يزل شاباً في مقتبل حياته العلمية، فزاد ذلك من تنوع معارفه واتساع تفكيره وزيادة ثقافته. حتى إنه عُد من مشاهير الخطاطين الموجودين في حينه . ليس لدينا معلومات مؤكدة عن تأريخ قدومه إلى الحلّة أو الأسباب التي دعته إلى ذلك ،إلاّ أنه توجد ثمة إشارات ذكرت في بعض المصادر التأريخية يمكن من خلالها تحديد المدة التي تم فيها للعشاريّ المجيء إلى الحلّة، منها أنه كانت له علاقة وطيدة مع أسرة آل عبد الجليل (أمراء الحلّة في القرن الثامن عشر)، وقد خصَّ منهم بالذكر الأمير خضر بك الذي تولى إمارة الحلّة في المدة (1162-1992هـ/ 1748- 1778م) وقد مدحه بقصائد عديدة، منها قصيدته التي مطلعها: مقامك يا إبن الأكرمين جليل ومجدك من بين الأنام أثيل إلاّ أننا لم نجد في قصائده ذكراً ليوسف بك وحفيده عبد الجليل بك (أمراء الحلّة قبل خضر بك)، مما يدلّ على أن مجيء العشاري إلى الحلّة، كان قد حصل على عهد حكم خضر بك لها. وكانت للعُشاريّ صداقة قوية مع الشيخ عبد الله بن عيسى نائب الفتوى (القاضي) في الحلّة، وعبد الله هذا كان قد أخذ ذلك المنصب من والده عيسى أفندي الذي كان في سنة 1158هـ/1745م نائباً بقصبة الحلّة ، إذ لا تعرف بالضبط المدة التي بقي فيها في ذلك المنصب ، إلا أن الرحالة نيبور عند دخوله إلى الحلّة في أواخر كانون الأول سنة 1766م ، كان قد ذكر أن منصب نائب الحلّة (القاضي) متوارث منذ سنوات طويلة ، وأشار أيضاً إلى أن الشخص الذي كان يشغل ذلك المنصب كان والده أيضاً قاضياً لتلك المدينة من دون أن يذكر إسميهما. في حين وردت إشارة أخرى في أحد المصادر التأريخية تشير إلى أن القاضي في الحلّة سنة 1184هـ/1770م هو محمد صالح بن عبد الله أفندي، الذي بقي في منصبه ذلك حتى سنة 1199هـ/1784م . وبذلك يمكن عدّ المدة المحصورة بين سنتي (1745-1770م) هي المدة التي تولى فيها الشيخ عبد الله بن عيسى صديق حسين العشاريّ منصبه في الحلّة، وعليه يمكن عدها المدة التي وفد فيها العشاريّ إلى الحلّة. وربطت الصداقة أيضاً بين العشاريّ وبين آل الشاويّ (أمراء قبيلة العبيد) وخاصةً مع أحد زعمائهم وهو عبد الله الشاويّ، الذي استغاث به شاعرنا معّرضاً بخصومه (الولاة المماليك) الذين كانوا السبب في خروجه من بغداد إلى النجف، التي أقام فيها مدة من الوقت، إذ خاطبه العشاريّ وهو في بغداد بقصيدة طويلة بين له فيها ما يعانيه سكان بغداد من ظلم المماليك وجورهم. ومن المعروف أن عبد الله الشاويّ كان قد مات سنة 1183هـ/1769م، أي إن مخاطبة العشاريّ لعبد الله الشاويّ وهو في النجف كانت قد حصلت قبل ذلك التأريخ، وهو بذلك سبب مضاف إلى تلك الأسباب التي تؤكد المدة التي جاء بها حسين العُشاريّ إلى الحلّة. التي لم تكن إقامته فيها دائمة، وإنما كانت تحصل له زيارة لها بين الحين والآخر. إن الحلّة كانت منطقة جذب للشعراء والمفكرين والمهتمين بالأدب وليس ذلك بغريب عليها، لاسيما أنها حملت مشعل العلم والأدب قروناً عديدة. وكان للعشاريّ أثر كبير في الحياة الفكرية في الحلّة، فكان وفي كل مرة يزورها يعمل على عقد حلقة دراسية تجمعه مع كبار الأدباء والشعراء فيها، يتناولون فيها مختلف جوانب الحياة، السياسية منها، والاجتماعية، والثقافية، ومطلعهم على ما خطته أيدي العلماء والأدباء في بغداد، مستفيداً في الوقت ذاته من إبداعات معاصريه وأصدقائه في الحلّة. من المؤكد أن العشاريّ كان يجد في الحلّة ما لم يجده في بغداد خاصة وأنه كان فيها بمنزلة الضيف الذي يسارع الجميع إلى إكرامه وخاصةً من قبل آل عبد الجليل. للعشاري مؤلفات عديدة، منها (ضرب الأوقات وورود الساعات)، وهو كتاب في الأدعية والشعر وله أيضاً رسالة في مباحث الإمامة مكونة من أربعة فصول وخاتمة، إضافة إلى العديد من التعليقات والحواشي على المؤلفات الدينية التي تنم عن سعة علمه وعمق وعيه للمسائل الفقهية لاسيما الفقه الشافعيّ الذي كان العشاريّ مفتياً فيه. كما نسخ العديد من المصنفات منها: تحفة المحتاج في شرح المنهاج لابن أحمد بن محمد الهيثميّ المكيّ المتوفى سنة 1565م. وله أيضاً الدر المختار في تنوير الأبصار لمحمد بن علي الحصفكي العباسيّ التي كتبها سنة 1755م، ونزهة النظر في شرح نخبة الفكر لابن حجر العسقلانيّ، كتبها العشاريّ سنة 1752م. وللعشاريّ ديوان شعر تولى جمعه بنفسه وخطه بقلمه، خشيةً عليه من الضياع والإهمال، إذ قال في مقدمته ((كنت أتهاون بتحرير ما أنظمه من القصائد، وتسطير ما أبديه من الفرائد، إلى أن سالت به البطاح، وذهب أدراج الرياح، وضاع منه أضعاف ما انتسخ، وهال منه أمثال ما رسخ، فصرفت همتي إلى جمع ما أبقته الأيام وضبطته الأقلام في ديوان جامع وسفر رائع)) . وفي ديوانه قصائد كثيرة في أغراض شتى، لكن يبقى المدح والثناء وثالثهما الغزل هي الأغراض البارزة في شعره، وتعد مرثيته في صديقه عبد الله الشاويّ موقفاً سياسياً جريئاً عندما نَعتَ والي بغداد (عمر باشا) وهو الذي قتل الشاويّ بأبشع الصفات كالكلب والخنزير، دلت بوضوح على ميوله السياسية ونهجه الوطنيّ . توفي العَّشاريّ في بغداد سنة 1195هـ/1781م ، بعد سنة واحدة من إرساله من قبل السلطات العثمانية إلى البصرة للتدريس في مدارسها، وقد دُفن في مقبرة الشيخ عبد القادر الكيلانيّ في بغداد.

صور من الموضوع ...

يمكنم الاتصال بنا عبر الهواتف ادناه :
00964-7602320073
00964-7601179478
او مراسلتنا عبر البريد الألكتروني :
turathhi@gmail.com

للاستمرار، اكتب ناتج المعادلة الآتية :

للأسف، نتيجة خاطئة، حاول مجددا.


جاري التحميل ...

{{Msg.p}} ,
{{Msg.text}} .

لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثوان ...

جاري التحميل ...