متاحف

القفّة تودع شط الحلة

القفّة تودع شط الحلة

مازالت ذاكرة شط الحلة تحتفظ بتلك اللوحة الجميلة للقفة (الكفة)، وهي تحمل على صفحاته الناس والبضائع، منذ قرون طويلة، ولكنها أصبحت اليوم شاهدا تراثيا، وراوية تحكي ذلك الزمن الجميل. من الوسائل النهرية القديمة القفة: وتجمع على قفف وقفاف، أما الأهالي فيلفظونها (كفة) وتجمع على كفف وكفاف، بـ(كاف) فارسية، والقفة لغة، الزبيل، والقفة فرعة يابسة، وقد جاء في (المحكم) و(المصباح): القفة: كهيئة القرعة، تتخذ من خوص ونحوه تجعل فيه المرأة قطنها، وقد ورد لفظ القفة في بعض كتب اللغة بصيغة (القفعة). والقفة، جسم كروي ناقص مفرطح على هيئة سلة أو سفط كبير، تصنع من أعواد الرمان أو الصفصاف، وتتألف من قسمين: هيكلها ويتألف من أعواد الصفصاف أو الرمان أو التوت على هيئة الأضلاع، ويتكون نسيجها من الخوص والحلفاء والبردي يخيطونها مع الأضلاع، والخيوط المستعملة خيوط غليظة تصنع من ليف النخيل أو ليف النارجيل (جوز الهند)؛ وعند اكمالهم النسيج يطلون السطح بالقار (السيالي) ويتركونها لتجف عدة أيام، تطلى بعدها بطبقة من (القار) الثخين الذي يعرف عند القفافين بـ (الدوسة)، بسمك سنتمترين، ويختلف سُمك القار باختلاف حجم القفة، إلا أنه لا يزيد في جميع الأحوال على أربعة سنتمترات. ولا يوجد للقفة دفة كما هو الحال في بعض الزوارق والاكلاك، ولا سارية لها كالسفينة، وبإمكان شخص واحد أن يسير بها إلى الوجهة التي يريدها، إلا أن الصعوبة تكمن في سيرها عكس تيار الماء الجاري، فيلجأ الملاحون إلى سحبها بالحبال إذا كانت قفة كبيرة أو متوسطة الحجم، والشخص الذي يقوم بجر القفة كان يعرف بالصانع، ويستعمل في سياقتها (المجذاف) ويسمى عند أهل المهنة بـ (الغرافة)، وفي كثير من الأحيان يترك الملاحون القفة على حالها لتسوقها المياه الجارية نزولا عند مصبها، وكما أن هذه الوسيلة النهرية غريبة بشكلها فإن صنعها يستلزم مهارة فائقة ويتطلب ذكاء. وتستعمل القفف لنقل الأشخاص والحيوانات، ولحمل البضائع كالفواكه والخضر والمواد الأخرى، وكذلك تستعمل في صيد الأسماك، أما بواسطة الشبكة (الحذافة) أو بالشُعب، وكان الناس يجدون في القفة وغيرها من وسائل النقل النهرية خير ملجأ يقيهم شر الأمراض الفتاكة، وهذا ما حدث عند فيضان نهر الحلة، وقد استخدمها بعض الرحالة الأجانب مكانا للنوم لنظافتها، كما ذكر ذلك الرحالة الإنكليزي (السر واليس بودج) في رحلته، فقد ذكر: "إنني سافرت شخصيا بقفة كبيرة أياما وكان ذلك أبان فيض الفرات الذي أحاط ببابل وفي فرع الهندية، ونمت فيها ليلا". وجود القفة قديم جداً، فهي و(الكلك) في القدم سيان، وقد ورد في بعض الكتب المقدسة والمصادر التاريخية ما يشير إلى استعمالها منذ أقدم العهود، أرجعها الرحالة إلى أنها كانت تستخدم منذ زمن النبي نوح والنبي يونس (عليهما السلام). ويقال إن النبي موسى (عليه السلام)، كما جاء في السفر القديم، كان قد وُضعَ في واحدة من تلك القفف (فأخذت له اُمهُ سفطا من بردي وطلته بالحمر والزفت وجعلت ولدها فيه.. والقت به في اليم ) وقد جاء في كلام سرجون الأكدي (حدود 2350 ق.م): "والدتي أصبحت حاملا وولدتني بالعالم في محل مخفي ووضعتني في قفة حقيرة من الصفصاف مطلى بالقار..". وكان البابليون قد اتقنوا نسج خوص سعف النخيل والحلفاء والحبال بحجوم مختلفة، وصناعة الحصران بمهارة فائقة منذ الألف الخامس ق.م، مما يؤيد احتمال وجود الكفف في جنوب العراق منذ عصر كلكامش، وأنها انتقلت من الجنوب إلى بابل ومنها إلى بغداد في عصور لاحقة، ويؤيد ذلك وصف هيرودوتس: (ولكن الذي أذهلني إلى أبعد الحدود بعد بابل نفسها، القوارب التي تقدم إلى بابل ..فهي دائرية ومصنوعة من الجلد، أما هياكلها فمن اغصان الصفصاف التي تقطع في بلاد الأرمن شمالي بلاد آشور).. وفي منحوتة آشورية تعود إلى القرن الثامن ق.م. تصويراً لكفة محملة بأخشاب أو مواد بناء يقودها أربعة جنود آشوريين تعود لعهد الملك سنحاريب محفوظة حاليا في المتحف البريطاني. لعل الكفة أقدم من الكلك في الاستخدام النهري، وذلك لاعتماد أسلافنا على النقل النهري منذ بدايات الألف الثالث ق.م. ولأن المواد الأولية للكفة متوفرة من الحلفاء وخوص سعف النخيل وتوفر القار الذي يستخدم لتغليفها، وتحمل الكفة أوزاناً ثقيلة كالأغنام والمعيز وأحيانا الرجال والنساء على حد سواء، ولعلاقة الشكل بالوظيفة في وسائط النقل، نلاحظ أن الكفة تحتاج إلى جهد عضلي أكبر من حاجة الكلك الذي يعتمد على التيار واعتدال الريح، وهي لإستدارتها أكثر عرضة للدوران حول نفسها وبخاصة عندما تعترضها دوامة في مياه عميقة، فقيادتها تتطلب (كفيَا) محترفا لأنها قد تدور حول نفسها بدون أن تقطع شبراً واحداً في الإتجاه المطلوب، ولهذا تستخدم المجاذيف العريضة والطويلة لقيادتها.

صور من الموضوع ...

يمكنم الاتصال بنا عبر الهواتف ادناه :
00964-7602320073
00964-7601179478
او مراسلتنا عبر البريد الألكتروني :
turathhi@gmail.com

للاستمرار، اكتب ناتج المعادلة الآتية :

للأسف، نتيجة خاطئة، حاول مجددا.


جاري التحميل ...

{{Msg.p}} ,
{{Msg.text}} .

لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثوان ...

جاري التحميل ...