متاحف

مئذنة الكفل وروائع الفنّ والزخرفة الإسلاميّة

مئذنة الكفل  وروائع الفنّ والزخرفة الإسلاميّة

تُعدّ مئذنة الكفل إحدى شواهد التاريخ الإسلاميّ، وضربًا من ضروب فنّ العمارة الإسلاميّة الممتدّ إلى عصورٍ سحيقةٍ، ويطلق بعض الباحثين والمؤرّخين على هذا النوع من القباب لقب(القباب السلجوقيَّة)، ومازالت هذه المئذنة تعلو صرح مسجد النخيلة التاريخيّ في ناحية الكفل جنوب غرب محافظة بابل على يمين القادم من الحلّة إلى الكوفة, بالقرب من قبر نبيّ الله ذي الكفل(عليه السلام)، وقد بنيت المئذنة بمادّة الجصّ والطابوق، وتميّزت بارتفاعها الشاهق وضخامتها حيث يبلغ ارتفاعها (25م) تقريبًا, وقد اختلف هذا الارتفاع باختلاف أعمال الصيانة التي جرت لقاعدتها طوال السنوات الماضية. وتتكون المئذنة من قاعدة، وبدن، وحوض، ورقبة لم يكن لقاعدة المئذنة المبنيّة بالجصّ والطابوق ارتفاع ثابت، وذلك لاختلاف مستوى سطح الأرض الذي يتغيّر وفقًا لأعمال الصيانة التي حدثت خلال فترات متباينة من الزمن. ففي عام 1972م، بحسب ما ذكره الدكتور عطا الحديثي في بحثه(مئذنة الكفل) المنشور في مجلّة سومر بقوله:" إنّ ارتفاع القاعدة كان(4م)، وفي عام 1978م. وأشار الدكتور عبد الستار العزاويّ في بحثه(ذو الكفل التنقيب والصيانة) بأنّ ارتفاع القاعدة(5,90م) عن مستوى سطح الأرض, وفي عام 1998م، أشار مركز الإدريسيّ للاستشارات الهندسيّة في دراسته لصيانة المئذنة لنفس ارتفاع عام 1978, وقد جاء في كتاب(العمارات العربيّة الإسلاميّة في العراق) المطبوع عام 1982م، إلى أنّ ارتفاع القاعدة عن سطح الأرض حوالي(6م) بينما أشار مهندسو المكتب الاستشاريّ في جامعة القادسيّة عام 2008م، إلى نفس الارتفاع المذكور في كتاب العمارات الإسلاميّة العربيّة، وأشار مهندسو شركة أيمن سازة فدك عام 2012م، إلى أنّ ارتفاع القاعدة هو( 6,5م). وقد قام قسم الشؤون الهندسيّة في أمانة مسجد النخيلة عام 2014م، بقياس ارتفاع قاعدة المئذنة فكان(6,10م), وفي نهاية الصيانة قد يظهر لها ارتفاع آخر وبالنتيجة فإنّ الارتفاع لم يتغيّر كثيرًا عن(6م) إلّا في عام 1978م، حيث كانت الأنقاض والأبنية المضافة تحيط بقاعدة المئذنة من جميع جهاتها، وقد وصف لنا العزاويّ أسس القاعدة من خلال التحريّات والتنقيبات التي أجراها حيث ذكر أنّ أسس قاعدة المئذنة كانت متدرّجة وتتّسع نحو الأسفل وكان هذا التدرّج من الجهة الشماليّة والجنوبيّة والشرقيّة فقط وبشكل سداسيّ غير منتظم ولم تُزَيّن قاعدة المئذنة بأيّة زخارف أو نقوش وقد اتّصل بها سور الجامع من الجهة الشماليّة والجنوبيّة. يبلغ قطر بدن المئذنة حوالي(3,3م) ومحيطه(10,20م)وارتفاعه حوالي(6،12م) وينحرف باتجاه الجنوب الغربيّ نحو (4)ْ درجات وأمّا ارتفاع الرقبة حوالي (4 م). ولبدن المئذنة باب صغير يقع فوق القاعدة يستخدم للصعود إلى أعلى المئذنة يبلغ ارتفاعه قبل صيانة عام 2013م (1,30) مترًا وعرضه 50 سم، وأمّا اليوم فيبلغ ارتفاعه (88) سم، وعرضه(67) سم، يؤدّي هذا الباب إلى سلّم حلزونيّ يتكون من(59) درجة توصل إلى أعلى المئذنة حيث يستطيع الزائر أن يصل إلى حوض المئذنة من خلال باب صغير ارتفاعه(1,75) مترًا وعرضه(60) سم, وفي بدن المئذنة توجد(12) نافذة موزّعة على بدن المئذنة وضعت لغرض التهوية والإضاءة. أمّا من الخارج فيشتمل بدن المئذنة على عناصر معماريّة غاية في الروعة تستوحي العناصر العراقيّة التي عُرفت في العهد المغوليّ فهي تحتوي على مقرنصات جميلة ومتقنة ومعقّدة مملوءة بالزخارف النباتيّة المحفورة على الطابوق وتتألف المقرنصات من أربعة صفوف، وتتكون مقرنصات الصف الأول كما ذُكر المركز في كتاب(العمارات العربيّة الإسلاميّة في العراق) من حنايا ذات عقود تبرز عقود عدد منها إلى الأمام بالتبادل مع أخرى ذات عقود غير بارزة ويشكل امتداد الحنايا الواسعة تجويفات لمقرنصات الصف الثاني، كلّ تجويفة حنيتان متجاورتان تبرز رؤوس عقديهما إلى الأمام ويفصل بين كلّ وحدة من هاتين الحنيتين شريط بارز يستند على رأس عقد الحنية في الصفّ الأول. أمّا مقرنصات الصف الثالث: فهي تشبه في تكوينها مقرنصات الصفّ الأول في عدد الحنايا الضيّقة في الصفّين فهي واحدة في الصفّ الأول واثنتان في الصفّ الثالث حيث يكون رأس عقد كلّ منهما مستندًا لطرف من طرفي الحنية التي تعلوها في الصفّ الرابع والتي تجاور حنية أعرض منها تضمُّ في داخلها حنيتين متجاورتين أي إنّ عقد هذه الحنية مزدوجة. وذكر الحديثي تفصيلًا لوصف الحِلْيَة الزخرفيّة لبدن المئذنة بقوله: إنّ المعمار قام بتزيين المئذنة بأشكال متعدّدة من الزخارف الهندسيّة وجعلها تبدو للعيان بهيئة رائعة فهي تضمّ ثلاثة حقول رئيسة من الزخرفة بينها أفاريز وأحزمة متكررة تدور جميعها حول البدن. وقال الحديثي عن الزخارف والكتابات في هذه الحقول والأشرطة الزخرفيّة مبتدئًا من أسفل البدن فيقول: " على ارتفاع(50) سم من قاعدة المئذنة يقوم صفّ من الآجر خالٍ من الزخرفة شيّد بصورة عموديّة على “كَازه” طبقًا لمصطلح العماري المعروف يليه صفّ آخر بني بهيئة أفقيّة هو الآخر عديم الزخرفة وعندها يبدأ الحقل الزخرفيّ الأول، فيمثّل هذا الحقل من بدن المئذنة مسافة بارتفاع مترٍ واحدٍ وثلاثة وأربعون سنتمترًا، وقوام زخرفته أشكالٌ ونقوشٌ هندسيّة بهيئة معيّنات من حشوات مربّعة غائرة منقوش فيها وريدات رباعيّة مفرغة تحيط بمعينات بارزة من الآجر المنتظم الخالي من النقوش. وتتوسّط المعينات البارزة وردة بأربع وُرَيقات نُقِشَتْ بالآجرّ البارز أيضًا وسط معينات صغيرة مماثلة للمعينات الغائرة المذكورة آنفًا, وهكذا يتكرّر هذا النوع من الزخارف بصورة متعدّدة في هذا الجزء من بدن المئذنة. وبعد ذلك يظهر فيها الآجر المشيّد بطريقة أفقيّة يليه صفّان آخران من الآجر المقام بهيئة عموديّة وجميعها خالية من النقوش. ثمّ يعلوهما شريط زخرفيّ بارتفاع (40) سم محصور بين أفريزين بارزين بمقدار(5) سم عن سطح بدن المئذنة, نُحتا بهيئة نصف دائرة حسبما يعرف بالمصطلح العماريّ العراقيّ “العقال“ وقوام زخرفة كلّ منهما نجمة رباعيّة محفورة حفرًا غائرًا فتكوّنان نجمتين على كلّ آجره. أمّا زخرفة الشريط الكائن بين هذين الافريزين فهي وردات رباعيّة بارزة من الآجر المنتظم داخل إطار من معيّنات متّصلة ومعمولة من حشوات مربّعة منقوش فيها وردات غائرة. وبعد هذا الحدّ يبدأ الحقل الزخرفيّ الثاني: الذي يكون بارتفاع ثلاثة أمتار, قوام زخرفته كتابة كوفيّة كبيرة وبارزة نصّها “ ودي حبّ محمد وعليّ “ فيكون حرف الواو من كلمة (ودي) مشتركًا بينها وبين كلمة (عليّ), فتكوّن ربع الحقل الزخرفيّ, وقد نحتت الحروف الكتابيّة بآجر بارز على طريقة “ الظفر” مكوّنة بذلك جامات سداسيّة متكرّرة منقوشًا في كلّ منها حلية زخرفيّة بهيئة وردة مفرغة وتجدر الإشارة إلى تلك الزخرفة الكتابيّة الرائعة تبرز من أرضيّة مزيّنة بوريدات رباعيّة تظهر بصورة متراصّة، وهذه الزخرفة والكتابة كانت واقعة في الجهة الشرقيّة للمئذنة، أمّا الجهة الغربيّة فقد سقطت كلّ زخارفها وعوّض عنها في صيانة عام 1993م بطابوق منجور غير منقوش (سادة)، وفي عام 2013م، قرّرت لجنة إعمار الكفل إعادة الأصل المفقود وتكملة عبارة (ودي حبّ محمد وعليّ) للجهة الغربيّة للمئذنة. وبعد هذا الحقل مباشرة أضاف المعمار صفًّا من الآجر الأفقيّ, ربّما كانت الغاية من إضافته تمكين المشاهد من تمييز النقوش المختلفة عند انتقاله من مرحلة زخرفيّة إلى أخرى. بعد كلّ ذلك يجد المشاهد شريطًا زخرفيًا بارتفاع(40) سم كائنًا بين إفريزين من الآجر البارز يماثل تمامًا الشريط الزخرفيّ الأول الذي وصف سابقًا. وذكر الحديثي أنّ مضمون نقوش وزخارف الحقل الثالث شبيه بالنقوش والزخارف للحقل الزخرفيّ الأول، وهذا اشتباه منه سببه عدم وضوح النقوش، وأنّ الدراسة التي قامت بها (شركة أيمن سازة فدك الإيرانيّة) أثبتت خلاف ذلك وقد ذكرنا المخطّط الزخرفيّ للحقل الأول وهو لا يشابه نقوش وزخارف الحقل الثالث مطلقًا وقد استدلّت الشركة الإيرانيّة على ذلك من الزخارف المتبقيّة في الجهة الشرقيّة للمئذنة بعد تنظيفها، وارتفاع هذا الحقل هو ما يقرب من (2,80) سم. ثم أضاف للبناء صفًا من الآجر المشيّد بوضعيّة عموديّة, حينئذ عمد الفنّان إلى تخليد هذا الأثر بشريطين مكتوبين بالآجر البارز يلتفّان حول البدن وعلى أرضيّة مزخرفة وجعلهما محصورين بين إطارين متشابهين من الزخرفة الهندسيّة قوام نقوش كلّ منهما صفّ مدوّر من الآجر البارز حسب الطريقة المعروفة بـ“العقال“ وهي شبيهة تمامًا بالتي مرّ وصفها سابقًا، يليه إفريز محفور بنجوم رباعيّة متتالية ومتّصلة ببعضها. أمّا النصّان المكتوبان فيذكران دون أدنى شك تأريخ التشييد واسم الآمر بالبناء مع إطراء لذكره وألقابه ومديحه جريًا على العادة المألوفة في الزمن القديم عند تشييد أو تعمير أيّ أثر معماريّ، ومع الأسف الشديد لم يبق من هذين النصّين الكتابين سوى بعض الكلمات هي: الصفّ العلويّ(...السلطان الأعظم غياث الدنيا والدين......... بنده محمد طاب ثراه ...... السلطان ......). الصفّ السفليّ(..... الله تعالى طلبًا لجزيل ثوابه الأمير المعظم العادل ملك الأمراء منشئ العدل ومقرره حارس .....). ويعلو الإطار الزخرفيّ للنصّين المذكورين صفّ من الآجر المقام عموديًا يليه شريط زخرفيّ غير واضح المعالم يحصران بينهما مربّعات صغيرة مفرغة ومتتالية بالصورة المعروفة عماريًا (شريط حبّات السبحة). أمّا الجزء العلويّ من بدن المئذنة الذي يشمل الحوض فقد توّجه الفنّان بشرفة بديعة من المقرنصات جعلها تبدو بأربعة صفوف من النقوش الزخرفيّة تزيّن بواطنها زخرفة مخمليّة محكمة الصنع يعلوها شريط زخرفيّ آخر من آجر غير مزخرف موضوع بوضعيّة متعاكسة ثمّ شرفة خالية من الزخرفة تدور حول حوض المئذنة. وأخيرًا الرقبة التي يبلغ محيطها(7,35م) وارتفاعها (4م) فهيَ متوّجة برأس نصف كرويّ مدبّب الرأس تحتوي على باب يوصل إلى حوض المئذنة، وهو باب صغير يبلغ ارتفاعه(1,75) مترًا وعرضه60 سم، وقد تعرّض هذا الجزء إلى تلف كبير بسبب العوامل الطبيعيّة والإهمال المتعمّد, فقامت شركة أيمن سازة فدك الإيرانيّة بصيانة الرقبة بطريقة فنّية رائعة. وهي بذلك شكّلت شاهدًا على إبداع الفنّان العراقيّ في تلك المرحلة على الرغم من الإمكانات المحدودة إلّا أنّ المئذنة كانت مثالاً رائعًا من الفنّ الإسلاميّ الأصيل.

صور من الموضوع ...

يمكنم الاتصال بنا عبر الهواتف ادناه :
00964-7602320073
00964-7601179478
او مراسلتنا عبر البريد الألكتروني :
turathhi@gmail.com

للاستمرار، اكتب ناتج المعادلة الآتية :

للأسف، نتيجة خاطئة، حاول مجددا.


جاري التحميل ...

{{Msg.p}} ,
{{Msg.text}} .

لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثوان ...

جاري التحميل ...