المراقد والمقامات الدينية
مِن مَراقدِ الهاشِميِّين فِي الحلَّة مرقدُ أولادِ مُسلم

تعد زيارة مراقد الأولياء والقديسين والأنبياء أمراً طبيعيا تعاهدت عليه البشرية منذ قديم الزمان، وقد حث الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم على زيارة القبور، لأنها تذكر بالأخرة. ومن هنا تظهر عظمة تقديس جميع المسلمين لقبور الأولياء والأئمة عليهم السلام، ومن تلك المراقد الشاهدة على حركة التاريخ وانتصار المظلومين على الظالمين، مرقد أولاد مسلم. يقع مرقد أولاد مسلم على بعد 3كم شرقي مدينة المسيب الواقعة على الضفة الشرقية من نهر الفرات، وقد اختلف الرواة والمؤرخون في كيفية قتلهما ومكانهما واسمهما إلى مشارب ومذاهب. ورغم رواية الصدوق، وهي الرواية الوحيدة التي أوردت قصة مقتلهما بتفاصيلها، إلا أنها خلقت نوعا من الارباك في نسبة هذا المرقد إليهما، مما جعل البعض يشكك في محل دفنهما. وبغض النظر عن تفاصيل ما رواه الشيخ الصدوق فإن الرواية المشهورة بين الناس تقول: ان محمد الاصغر وابراهيم ابني مسلم بن عقيل فرا بعد مجزرة كربلاء، وبالتحديد عند هجوم الخيل مساء يوم عاشوراء عام 61هـ، فضلا الطريق فتم اسرهما وأودعا السجن ثم هربهما السجان فالتجآ إلى امرأة وتكررت معهما قصة أبيهما فقبض عليها حارث بن عورة الطائي وقتلهما على شاطئ الفرات وهذه الرواية لا تختلف عن رواية الشيخ الصدوق. يُذكر أنّ محمد الأصغر ولد عام 52هـ وإبراهيم ولد عام 53هـ، وقد قتلا عام 62هـ. وقيل ان المكان الذي نسب إليهما هو مكان قتلهما، لا موضع دفنهما، فأن جسديهما قد رُميا في الفرات وحمل رأسهما إلى ابن زياد، فأن هذا الموضع هو موضع سجنهما، وقيل ان هذا المكان هو موضع دفنهما بعد انتشالهما من ماء الفرات. يقول عبد الرزاق المقرم في كتابه (الشهيد مسلم بن عقيل)، عندما ذكر هذا المرقد: "السيرة بين الشيعة على المثول بمشهدهما الواقع قرب مدينة المسيب تفيد القطع به وبناءً على ما أفادته رواية الصدوق من إلقاء بدنيهما في الفرات يكون هذا الموضع أما محل القتل وأما انهما اخرجا فدفنا هناك"، ويقول أيضا إنَّ سيرة الشيعة والشهرة بينهم تحقق كون المشهد المعروف لولدي مسلم بن عقيل على الاجمال، ولم يحصل الشك في أدوارهم اتباعا للخلف على طريقة السلف، حتى كثرت زرافات الزائرين لهما تقربا لله. يقول الآغا بن عابد بن رمضان الدربندي في كتابه (أسرار الشهادة)، بعد ما ذكر مقتلهما: "قبرهما في المكان المعروف الآن القريب من الفرات عند مدينة المسيب، وكيفية دفنهما في المكان ذاته، وان كانت من الامور التي لم نظفر بها برواية حتى بعد البحث التام والفحص الكامل، إلا أنَّ كون قبرهما في ذلك المكان وهو الذي كان اجماع الطائفة عليه". ويقول عبد الرزاق بن حسن الحسيني، عندما تحدث عن مدينة المسيب: "بقربها مشهد عامر فيه قبر محمد وإبراهيم ابنا مسلم بن عقيل بن أبي طالب". وأما حرز الدين يقول: "إن هذه الشهرة قد مضى عليها قرون حتى وصلت إلينا ولم يتنكر لها أحد من مشاهير علماء الشيعة، إلا ما حكي شاذ أو نادر، ففي عصرنا فقد زارهما بعض من يعتمد عليه التاريخ والآثار، من علمائنا المحققين، وأما سائر الشيعة في العراق، فلم يخطر ببال أحد منهم غير ذلك، وأنه إن كان لأولاد مسلم ابن عقيل قبر في العراق فهو بضواحي مدينة المسيب، فأن أغلب الشيعة في العراق وإيران يذهبون لزيارتهما، والبعض منهم من يتبرع بالمال لبناء الرواق والصحن الشريف، فإذن الشهرة والسيرة قامتا على اثبات هذه البقعة لهما". ويقول الشيخ علي القسام الذي هو من أئمة الجماعة المعاصرين الذي انتدبه السيد محسن الحكيم أيام مرجعيته ليتولى الشؤون الدينية في مدينة المسيب: "أن الذي تولى دفنهما هم جماعة من القبائل الذين شاهدوا مقتلهما أو من تولى قتل قاتلهما، حيث كان من محبي أهل البيت عليهم السلام، حسب رواية الطريحي في كتابه (المنتخب)"، ويضيف القسام بعد ترجيح كونهما مدفونين في هذا المكان: "ولعل هناك ما يؤيد الشهرة قول السادن لحرم أولاد مسلم وهو الحاج علي بن حسين الهلال من أهالي المسيب أنه اتفق في بعض السنين حدث شق في القبتين فتطلب ذلك ترميم أساس المبنى وفي أثناء ذلك وجدوا قبرين متقابلين مكتوب على أحدهما محمد بن مسلم وعلى الآخر إبراهيم بن مسلم". ويبلغ طول المرقد حوالي 24 مترا، وعرضه من الجنوب الى الشمال تقريبا 12 مترا، ويشاهد الداخل إلى المرقد (الريازة المغربية) وهي نوع من النقوش الزخارف المغربية تحفر على الجص وفيها شمعدان صغير حفر فيه النص التالي: (أوقفت السيدة الرفيعة الشأن شمس الدولة حرم السلطان بتاريخ صفر سنة 1870م). بُني المرقد بالطابوق والاسمنت وأما الغرف المحيطة بالصحن فهي مبنية على شكل أقواس، وأمام كل غرفة إيوان صغير لحمايتها من الحر في الصيف ومن البرد والمطر في الشتاء. ويوجد في الصحن مكان خاص للوضوء وتُقدر مساحة المرقد (2000م2) تقريبا. المقام في التاريخ الحديث: تعرض الضريحان إلى الحرق أثناء دخول الانكليز إلى المسيب عام 1917م، ويذكر سادن المرقد الحاج عبد الرسول البكري: أن رؤوساً منحوتة نقلت إلى متاحف بريطانيا في الحرب العالمية الأولى 1918م. وفي عام1956م، قامت وزارة المالية العراقية بتخصص مبلغ 60 ألف دينار لتعمير العتبات المقدسة فتقدم سادن المرقد بطلب تخصيص مبلغ (2500) دينار لتعمير وبناء الجانب الغربي من الصحن لراحة الزائرين. وفي عام 1962م قامت جماعة من الخيرين من التجار بتزويد مبنى المرقد بإسالة الماء الصافي لراحة الزائرين وإيصال التيار الكهربائي للمبنى جُدّد بناء المرقد وزينت الاواوين بالنقوش والزخرفات الاسلامية، كم حولت المقبرة الملحقة بالمرقد إلى موقف خاص للسيارات لخدمة الزائرين بعد اندراس معالم القبور، وذلك في عام 1974م. يعلو بناء الضريحين قبتان شامختان نصف دائرتين مكسوتان بالقاشاني الازرق الناصع وفي اسفلهما كتيبة تحتوي على آيات قرآنية محيطة بكل قبة، ويتخلل قاعدة كل قبة خمسة عشر شباكاً تطل على المرقد تستخدم للتنوير والتهوية، وفي أعلى القبتين رمانتان من الابرونز مطلية بالذهب كتب في أعلاها "الله".