المدارس الدينية

المدرسة الشعريّة في الحلّة /3

المدرسة الشعريّة في الحلّة /3

نشأت الحركة الفكريّة في الحلّة قبل تأسيس هذه المدينة السِيَراء التي حباها الله تعالى بمناخ علميّ وأدبيّ أنعش أبناءها من عشّاق العلم والفضيلة كـ( الشيخ ابن ادريس الحلّيّ، المتوفى 598هـ)، الذي تزعّم الحركة العلميّة فيها، وكثير ممّن سبقوا تأسيسها من العلماء والأدباء والشعراء، أي عندما كانت تسمّى بـ(الجامعين) فقد سحرتهم مناخات الإيمان والتقوى، ودفعهم ولاؤهم ونشاطهم في السير على نهج مدرسة الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) الفكريّة التي ينبغي أن يكون صداها قائمًا دائمًا على مدى العصور، في جميع نشاطاتنا الأدبيّة، وذكر السيد الخوانساري الحلّة في (روضات الجنات): بقوله: " وقد كانت قديمة التشيّع، وخرج من علمائها الكثير من الفحول، ومزاراتهم هناك مشهورة "، كما ساهم مؤسّس الحلّة صدقة بن منصور عاشق العلم والأدب، إذ قرّب العلماء والأدباء، وأصبحت الحلّة في عهده مركزًا فكريًا، وبرزت فيها معطيات النهضة العلميّة والأدبيّة، وبلغت ذروتها في القرن الثامن الهجريّ، لذا بقيت مدارس الحلّة تؤدي دورها العلميّ والأدبيّ، على مستوى عالٍ إذ كان علماؤها وأدباؤها يقدّمون نتاجًا علميًا وفكريًا كبيرين، ومن هذه المدارس كانت المدرسة الشعريّة، وقد نبغ فيها كثير من الشعراء وذكرنا في العددين السابقين من مجلتنا المباركة بعضهم، وفي هذا العدد نذكر بعضًا آخرَ وهم: الحسن بن راشد الحليّ (ت830هـ/1426م): الفاضل العالم، له الكثير من النظم الحَسَن وفي شعره براعة في الأساليب وجزالة في التراكيب وإبداع في المعانيّ، وله شعر كثير في مدح الإمام المهدي (عجّل الله تعالى فرجه الشريف)، وسائر الأئمة (عليهم السلام)، ومرثيّة في الإمام الحسين(عليه السلام)، وأرجوزة في تأريخ الملوك، وأرجوزة الجمانة البهيّة، وكان تاريخ نظمها سنة (825هـ/1422م) منها قوله: وهـذي الرسالة الألفيـــّـة نظمتـها بالحلة السيفيّـــة في عام خمس بعد عشرين مضت ثم ثمان من مـئات انقضـت ست مئات وثـلاث ضبطــًـا وبعدها خمسون تحـكي سمطا وذكره الحرّ العامليّ في (أمل الآمل): " الحسن بن راشد فاضل فقيه، شاعر أديب، له شعر كثير في مدح المهدي وسائر الأئمة (عليهم السلام) ومرثية في الحسين وأرجوزة في تاريخ الملوك والخلفاء، وأرجوزة في تاريخ القاهرة، وأرجوزة في نظم ألفيّة الشهيد، وله أرجوزة في الصلاة، وغيرها ". محمد ابن نفيع الحليّ (ت839 هـ/1435م): العالم، الفاضل، المتضلّع في العلوم، صاحب التآليف القيّمة والأراجيز الممتعة، وهو من الشعراء الذين برزوا في الحلّة. روى الشيخ فخر الدين الطريحيّ في ( المنتخب)، أنّه قال: " طوبى لأرض حلّ في أكنافها جسد الحسين وطاب ذاك الموضعُ قد قدست أرض الطفوف وبوركت لما اغتدى لك في ثراها مضجعُ لك تربة فيها الشفاء وقبة فيها الدعاء إلى المهيمن يرفعُ ولسوف يدرك ثارهم مهديهم وانا ليوم ظهوره أتوقعُ ان لم أكن أدركت نصرة جده فبنصره فيما بقي أتطمّعُ يا بن الإمام العسكري ومن له صيد الملوك إذا تمثّل تخضعُ يا سيدي ظهر الفساد وأظلمت سبل الرشاد فهل لنورك مطلعُ " الحسن بن محمد بن علي المهلبيّ الحليّ (كان حيًا: 840هـ/1436م) من شعراء مدينة الحلّة وكان شاعرًا مجيدًا عالمًا فاضلاً، ذكره محمد علي اليعقوبيّ في كتابه (البابليات):" كان من العلماء الأفاضل والشعراء المجيدين ممّن تخرّج على الشيخ جمال الدين أحمد بن فهد الحلّيّ المتوفى سنة 841، ولم نقف على شعر له سوى أبيات أوردها شيخنا العلّامة الجليل الشيخ علي آل كاشف الغطاء ـ طاب ثراه ـ في كتابه(الحصون المنيعة) كان المترجم له قد كتبها على ظهر كتابه الأنوار البدريّة في رد شبهة القدريّة، نذكر منها: هذا كتاب أخمدت ناره نيران جمع الفئة الباغية شرّف باسم الشيخ أعني به كهف الورى ذا الهمم العالية أحمد لازال عزيز الذرى ممتعًا في عيشة راضية به قوام الدين في عصرنا وهي رئيس الفرقة الناجية عمره الله وأحيا به ما قد عفى من سنن بالية وصانه الله مدى عمره ودام في واقية باقية " علي بن محمد بن دقماق الحسينيّ الحليّ(كان حيًا: 840 هـ/1436م) الشاعر والعالم الفاضل المعروف من أعلام الحلّة خلال النصف الثاني من القرن الثامن الهجريّ، والنصف الأول من القرن التاسع الهجريّ، وعرف بحسن شعره. ذكره العلّامة الميرزا عبد الله أفندي الأصفهانيّ في (رياض العلماء): " كان من أجلّة علماء السادات، ومن مؤلّفاته كتاب نزهة العشّاق في علم الأدب، وينقل عن الكفعمي في كتاب (فرج الكرب وفرح القلب): "واختلفوا في اسم والده، وأقول: الحق إنّ اسمه دقماق بضم الدّال المهملة وسكون القاف وفتح الميم وألف ساكنة ثم قاف، معرب طخماق، وأمّا دقمان فهو مصحف دقماق ". وذكره العلّامة الشيخ آقا بزرك الطهرانيّ، في كتابه (الذريعة): المسألة 613: " (نزهة العشّاق في مكارم الأخلاق) لزين الدين علي بن دقماق الحسينيّ، الراوي عن شجاع الدين بن اليقظان ". وقال الأصفهانيّ، في الرياض: " السيد الأجل علي بن محمد بن دقماق الحسينيّ، كان من أعاظم سادات أفاضل المتأخرين، وقد رأيت بخطّه الشريف والخط ردئ جدًا إجازة منه لبعض تلاميذه على ظهر كتاب تحرير العلامة "، والصورة موجودة في الصفحة 200، من ج4 في كتاب الأصفهاني وهي طويلة، وذكر العلّامة جعفر سبحانيّ في كتابه(موسوعة طبقات الفقهاء): " أخذ عن جملة من المشايخ، وروى عنهم، منهم، زين الدين جعفر بن الحسام العينائيّ العامليّ، ومحمد بن شجاع الأنصاريّ الحليّ القطّان، وزين الدين علي بن الحسن بن أحمد بن مظاهر، وجمال الدين أحمد بن العبقونيّ، وأجاز له أساتذته رواية الكتب الفقهيّة، مثل: تحرير الأحكام الشرعيّة، ومختلف الشيعة، وارشاد الأذهان، وغيرها من كتب العلّامة ابن المطهّر الحلّيّ، واللّمعة الدمشقيّة، والدروس الشرعيّة، وشرح {إرشاد الأذهان} وغيرها من كتب الشهيد الأول محمد بن مكي العامليّ، وتقدّم في الفقه، وامتلك ناصية الاجتهاد، وانتفع به الطلبة ". علي بن عبد العزيز الخليعيّ لقبًا، الموصليّ أصلاً والحليّ سكنًا (ت850هـ/1446م) من الشعراء البارزين في مدينة الحلّةِ، ولد في الموصل ثم انتقل إلى الحلّة بقصّتِه المعروفَة، وبقي فيها حتّى وفاتَه، عُدَّ من فطاحل شعراء الحلّة، لما امتاز به شعره من سلاسة الأسلوب ورقّة المعاني، وله ديوان شعر في مدح أهل البيت (عليهم السلام) منه: إذا شِئتَ النّجاةَ فزُرْ حُسَيْنًا غدًا تلقى الإلهَ قريرَ عـينِ فأنَّ النّار ليسَ تمسَّ جِسمـاً عَليهِ غُبارُ زوّارِ الحُسَيْــنِ وذكر اليعقوبي في (البابليات، ج1، ص138): " ومن أشهر قصائده التائيّة التي ذكرها صاحب المنتخب وأوردها النسّابة ضامن بن شدقم المدنيّ {من رجال القرن الحادي عشر} في كتابه تحفة الأزهار، نذكر منها: ياسادتي يا من بنور هداهم وسناهم يجلى دجى الظلمات واليتكم ونصبت حرب عداتكم فرفعتم فوق العلى درجاتِ نال الخليعي الأمان بحبكم ونجا من النيران أي نجاةِ لا تحسبوا الشعراء قد ما أدركوا تحديد فضلكم بكنه صفاتِ لكنهم نظروا الكتاب فضمنوا من مدحكم ما جاء في الآياتِ ليبدلن الله خوف وليكم أمنا ويجزيه على الحسناتِ " ونبغ في الحلّة كذلك خلال القرنين السابع والثامن الهجريين عدد من الشعراء الكبار وهم ينتمون إلى أسر علميّة مشهورة كـ(آل بطريق)، و(آل نما)، فكان فيها نجم الدّين جعفر بن نما شاعرًا جيدًا في مختلف أغراض الشعر كالحماسة والمديح والرثاء وخصوصًا في أهل البيت(عليهم السلام)، فمن قوله في مدح أصحاب الإمام الحسين(عليه السلام): إذا اعتقلوا سُمر الرِّماحِ ويممّـــــــوا أُسودَ الثَّرى فرّت من الخوفِ والذُّعرِ كماة رحى الحرب العوان فإن سطوا فـأقرانهم يـوم الكريهة في خُسْــــــــرِ وإن أثبتوا في مزلفِ الحربِ أرجُـلاً فمـوعدهم منـه إلى ملتقى الحَشْــــــرِ قلــوبهم فـوق الـدروع وهمّهـــــــــم ذهـاب النفوسِ السائلاتِ على البُتـــرِ ومن أسرة (آل سعيد)، كان المحقّق الحلّيّ، إذ ركّز في شعره على المواعظ، ومن ذلك قوله: يا راقدًا والمنايا غيــــرُ راقدةٍ وغافِـلا وسِهامُ الدَّهْرِ ترْمِيــــــهِ بِمَ اغتراركَ والأيامُ موصـــدةٌ والدَّهرُ قدْ مَلأ الأسماعَ داعيــــةِ؟ أمْا أرتكَ اللّيالِي قُبْحَ دُخلتها وغدرِهـا بالّذي كانَتْ تُصافِيـــــهِ رِفْقًا بِنَفْسِكَ يا مَغْرُور أنّ لها يوماً تُشِيبُ النّواصِي من دواهِيهِ وجاءت أسرة(آل طاووس) في الشعر، كرضيّ الدّين علي بن طاووس الّذي يقول: خَبَتْ نار الهوى بعد اشتعالِ ونادى الخير حيّ علـى الـزّوالِ عدمنا الجود لا فـي الأمانـي ولا فـي الـدفاترِ والأمـالـــــــــي فيا ليت الدفاتر كـُـنَّ قومًــــا فأثرى الناس من كرمِ الخِصالِ ولو أنِّي جُعلتُ أميــرَ جيشٍ لِمـا حاربتُ إلّا بـالسُـــــــــــؤالِ لأنّ النــاس ينهزمون منــهُ وقــد ثَبَتُوا لأطرافِ العـوالـــــي وبرز منها أيضًا جمال الدّين أبو الفضائل، فعرف عنه بأنّه شاعرٌ مفلقٌ، ومن شعره عند عزمه على التَّوجُّه إلى الإمام علي (عليه السلام) للزيارة : أتينا نُباري الرِّيح مِنّـا عـزائِـــــمٌ إلـى ملك يستثمر الغوث أمـلــــــه كريمُ المَحيّا ما أظـلّ سمـا بـِـــــهِ فأقشع حتى يعقب الخصب هاطله إذا آمل أشفت على الموت روحهُ أعادتْ عليهِ الرّوح فاقت شمائِله وها نحن من ذات الفـريق يهزُّنا رجـاء تهز الأرْيَـحِيّ وسائِلـــــــــه وأبدعت أسرة (آل مطهّر الحلّيّ)، في الشِّعر كذلك، فبرع العلامة الحلّيّ نذكر قَوله: ليس في كل ساعةٍ أنا مـحتا جٌ ولا أنت قــــادِرٌ أنْ تنيلا فاغتنم غرّتِي ويُسْرَك فأحرز فرصة تَسْتَرِقُ فيها الخلِيلْا ومن أسرة (آل وشاح) الحلّيّ كان سديد الدّين سالم بن محفوظ شاعرًا جليل القدر، وكانت بينه وبين أستاذه المحقّق الحلّيّ، مراسلات شعريّة نذكر منها: أغيبُ عنكَ وأشواقي تُجاذبُنِي إلى لقائِكَ جَذبَ المُغرمِ العاني إلى لقاءِ حبيبٍ مِثلَ بدرِ دُجـى وقد رماه بإعراضٍ وهِــــجرانِ ومن البحرين هاجر الشاعر مغامس بن داغر الحليّ وسكن الحلَة في عهد الشيخ أحمد بن فهد الحليّ لطلب المعرفة والأدب، وهو شاعر معروف، امتاز شعره بطول النَفَس وبداعة النظام وحلاوة الانسجام، له في الشِّعر قصائد في المراثي والمدائح لأهل البيت(عليهم السلام). واستمر عطاء مدرسة الحلّة في إنجاب الشعراء وامتدّ ذلك إلى القرن الثاني عشر الميلاديّ فبرز العديد منهم مع بحور متنوّعة وأغراض شتّى للشِّعر العربيّ. ومن هؤلاء الشُّعراء أبو النجاة السيد صادق بن السيد علي بن الحسين بن هاشم الحسينيّ الأعرجيّ الفحّام، ومن شعراء القرن الثاني عشر الهجريّ الحسين بن إبراهيم بن داود الحلّي الشهير بـ(ملا حسين جاووش) وهو من أسرة حلّيّة تعرف قديمًا بـ(آل جاووش)، وهو غير الملّا حسين الحلّيّ الّذي كان شعره مقصورًا على اللّهجة العامّية. ومن شعراء الحلّة في ذلك الزمان الشاعر عبد الرسول بن حسن بن علي بن محمد بن علي بن أحمد بن طريح النجفيّ الحلّيّ الرمّاحيّ، والشاعر الشيخ محمد بن إسماعيل البغداديّ الحلّيّ الشهير بـ(ابن الخلفَة). واستهوت الحلّة كثيرًا من الشُّعراءِ من خارجها فوفدوا إليها سواء من المدن العراقيّة أو الدول الإسلاميّة من خارج العراق، ومن هؤلاء الشعراء صارم مرجى بن نباه البطائحيّ، والشاعر نجم الدّين أبو الغنائم محمد بن علي المعروف بـابن المعلم الهرثي الواسطيّ، والشاعر حسين بن علي بن حسن بن فارس العشّاريّ البغداديّ الشافعيّ، وقد سار شعر المدرسة الحلّيّة شرقًا وغربًا عن طريق المسافرين من شعرائها والوافدين عليها، فطال هذا الأثر الكثير من البلاد الإسلاميّة ومنها بلاد الأندلس وخير دليل على ذلك، إبراهيم بن محمد بن ناهض بن سالم بن نصر الله تقي الدّين الحلبيّ، مِمّن سَمِعَ ديوان صفيّ الدّين الحلّيّ وتأثر به. والشاعر محمد بن أحمد بن علي بن جابر الأندلسي، الّذي رحل إلى مصر ونظم (الحلّةَ السيراء في مدح خير الورى) على قافية الميم بديعيّة على طريقة صفيّ الدين الحلّيّ، ومن هنا نعرف مدى أثر مدرسة هذا الشاعر في جميع البلدان الإسلاميّة من مشرقها حتى مغربها. وعمّ أثر المدرسة الحلّيّة في الشعر بلاد المشرق الإسلاميّ وممّن رحلوا وتركوا أثرهم هناك الشاعر جمال الدّين محمد بن عوّاد الحلّيّ الشهير بالهيكليّ، وهو شاعر بليغ في الكلام يقرع السمع من حواشي ألفاظه، دخـل الديار الهنديّة فمدح عظماءها بمدائح نال بجوائزها المنى، وكان لهذه النخبة أثر واضح في ميدان الشعر والأدب على أنّ هذا الأثر لم يقتصر على من ذهب من شعراء الحلّة إلى بلدان الشرق الإسلاميّ بل كان أثر الحلّة واضحًا في من دخلها من الشعراء الوافدين، فتأثروا بما شاهدوه وحاولوا إدخال ما وجدوه من أدبٍ وفنٍّ راق في قصائدهم ودواوينهم ليبقى أثر الأدباء الحلّيين عميقًا في نفوس هؤلاء الوافدين.

صور من الموضوع ...

يمكنم الاتصال بنا عبر الهواتف ادناه :
00964-7602320073
00964-7601179478
او مراسلتنا عبر البريد الألكتروني :
turathhi@gmail.com

للاستمرار، اكتب ناتج المعادلة الآتية :

للأسف، نتيجة خاطئة، حاول مجددا.


جاري التحميل ...

{{Msg.p}} ,
{{Msg.text}} .

لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثوان ...

جاري التحميل ...