شخصيات

محمد بن أحمد بن حمزة بن جيا الحلي (579 هـ)

محمد بن أحمد بن حمزة بن جيا الحلي (579 هـ)

يعدُّ القرن السّادس الهجريّ بدايةَ انطلاقِ النَّهضة الفكريَّة والحضاريَّة في الحلّة، إذ كانت نهضةً في مختلفِ العلومِ والمعارفِ والآداب، كما ظهرَ الكثيرُ من العلماءِ والأدباءِ والمفكرين الذين خَاضوا تلكَ العلوم، من اللغةِ والنَّحو والفقهِ والتَّفسير والأدب والشِّعر، فوضعوا اللبنةَ الأولى لتلكَ المؤلفاتِ، التي نهضتْ بتلك الموضوعات، وقد ذكرت بعضُ المصادرِ، أنَّ هذه الدراسات -ومنها النَّحويَّة- بدأت خصوصاً في هذا القرن، على شكلٍ حلقات في المساجدِ والبيوتات، ويُعدُّ ابو الفرج محمّد بن أحمد بن حمزة بن جيا الحلي (ت579هـ)، أحدُ تلكَ النجوم اللّامعةِ التي أضاءت تلكَ الحقبة الزَّمنيَّة الأولى لمدينة الحلّة، فكانَ نحوياً أديباً فقيها محدثاً، قرأ على النَّقيب أبي السَّعادات هبة الله ابن الشَّجري، ثم أخذَ عن ابن الخشّاب وقال: ((اتَّفق أهلُ العراق أنْ ليسَ لهُ نظيرٌ بالتَّرسُّل))، وذُكِرَ في أدبِ الحلّة عن نشأةِ محمّد ابن جيا، إذ يؤكدُ ولادتهُ في (مطير آباد)، القريبة من الحلّة، وانتقاله إليها بعد تأسيسها، حينَ جعلها المزيديون في مصافِ أهمِّ المدن علماً وأدباً، في الوقتِ الذي سلكَ فيه الأمير سيف الدولة صدقة المزيدي، مسلكَ الأمير سيف الدولة الحمدانيّ، في جمع الشُّعراء والأدباء في البلاط، وكان مِمّن يحضرُ بلاطَ المزيديّ: المطاميري، وابن أبي الصقر الواسطيّ، وابن واثق الأنباري، وابن التلميذ، والابيوردي، وابن الهبارية، وغيرهم". وذكره ياقوت الحموي في (معجم الأدباء): قائلاً: "أبو الفرجِ من أهلِ الحلّةِ المزيدية، يُلقّبُ شرفُ الكُتَّاب، كان نحويّاً لغوياً فطناً شاعراً مترسلاً، شعرهُ ورسائلُه مدونةٌ، قدمَ بغدادَ فقرأ على النَّقيب أبي السَّعادات هبةُ الله بن الشَّجري النَّحوي وأخذَ عنه، ثم أخذ بعدَه عن أبي محمّد بن الخشّاب، وسمعَ الحديثَ على القاضي أبي جعفر عبد الواحد بن الثقفي، وأصلُه ومولدُه من مطير آباد، وصحبَ ابن هبيرةَ الوزير، وله رسائلُ مدونةٌ عملها أجوبةً لرسائل أبي محمّد القاسم بن الحريري". شعره: عند الحديثِ عن شعر ابن جيا الحلّي، فإننا نتذكّرُ معهُ ضياعَ الشّعر والمؤلفات، المحنةَ التي أصابت الكثيرَ من رموزِ ذلك العصر، بسبب قِلّةِ الحفظِ وضياعِ المؤلفاتِ بتعاقبِ الأزمان، فلمْ يصلنا من شعرِ ابن جيا إلا المقطوعات والنُّتفُ القِصار، على الرَّغمِ من أنَّ مؤرّخي عصره، والعصر الذي يليه، قد أجمعوا على شاعريّتهِ ومكانته في الأدبِ شعره ونثره، إذ قالَ فيه العماد الأصفهاني: "أجمع أهلُ العراق على بلاغَته واتّفقوا على أنْ ليسَ له نظيرٌ في التّرسُّل"، وقال فيه ياقوت الحمويّ "شعرهُ ورسائلُه مدوّنةٌ"، ومع هذا كله، لم يصلنا منها إلا النَّزرُ اليسير، وموضُوعاتُ شعره، هي موضوعاتُ شعرِ عصره، وهي الإخوانيات والأهاجي الشخصية والمديح وغيرها من الفنون. ومن الأخبار في نباهتِه وفَرَاسته، قال ياقوت الحمويّ، حدّثني أبو عليّ القيلوي: "سمعتُ شرَفَ الكُتّابِ يحدِّثُ أنهُ كان يوماً في مجلسِ الوزيرِ عون الدين يحيى بن هبيرةَ، فجاءهُ فرَّاشٌ من دارِ الخلافَةِ، وحدّثه بمحضري شيئاً كان يُحبُّ كتمانَهُ من كل أحد، قال، واتّفقَ خروجُ الفرَّاشِ وقد اجتمعَ عندَه النّاس فشغلَ بهم عني، وقمتُ أنا وخرجتُ ومضيتُ، فما وصلتُ بابَ العامَّةِ حتَّى جاءني مَنْ ردّني إلى حضرته، فلما وقفتُ بين يدَيه قلتُ: أحسنَ الله إلى مولانا الوزير وأدامَ أيّامَه، بيتُ الحماسةِ؟ فقال نعم، امض باركَ الله فيك، كذا الظّنُّ بمثلكَ، قالَ وخرجتُ من عنده ولم يفهم أحدٌ شيئاً مما جرى بيننا، وإنما أردتُ قولَ شَاعر الحماسة: وفتيانُ صدقٍ لستُ مطلعَ بعضِهم على سرِّ بعضٍ غيرَ أني جماعها ومن مؤلفاته: 1. شرحُ مقاماتِ الحريري. 2. التفريقُ بين الضَّاد والظَّاء. 3. أدواتُ النحو. وقد وصفهُ شمسُ الدين الذهبيَ، بأنّه من فرسَان البلاغة والشعر، ولم يكن في العراقِ مثلُه في الترسُّل والأدب، كان مولدُ شرفِ الكُتّاب في الحلّة، لكنّه اشتهرَ وذاعَ صيتُه في بغدادَ، حتَّى نسبَه بعضُهم إلى بغداد، لكن حِليّتَهُ مفروغٌ منها. ومن أساتذته الذين نهل من علمهم: 1. أبو السَّعادات هبةُ الله ابن الشَّجري النَّحوي. 2. أبو جعفر عبدُ الواحد بن أحمدَ بن محمّد بن حمزة الثقفي القاضي. 3. ابن الخشَّاب النَحويّ البغدادي. 4. ابن خُزيمة الأسديّ. ومن شعره في التشبيب وهو يجري فيه على مَسلَكِ الأقدمين: أما والعُيونِ النُّجل تُصمي نِبالُها ولمــعِ الثَّنايا كالبــــروقِ تَخالُها ومنعطفِ الوادي تَأرّجَ نشرُهُ وقدْ زارَ في جُنحِ الظَّلام خَيالُها لقد كانَ في الهجرانِ ما يَزَعُ الهوى ولكنْ شديدٌ في الطِّباع انتقالُها وله أيضًا وهو يذكر سوء حظّه، والنَّحسَ الذي زامَنَهُ مدةً طويلةً: حتَّام أجري في ميـادين الـهوى لا سابـقٌ أبــدًا ولا مسـبوقُ ما هزَّني طربٌ إلى أرض الحمى إلا تعــرَّضَ أجـرَعٌ وعـقيقُ شــوقٌ بأطـــرافِ البـلادِ مفـــرِّقٌ يَحـوي شتيـتَ الشَّملِ منهُ فَريـقُ ومدامعٌ كُفلت بعـارضِ مُزنـةٍ لمعتْ لـَهَا بـينَ الضُّلُوعِ برُوقُ فكأنَّ جَفْنِيَ بالدُّموعِ مُوكَّـلٌ وكأنَ قلبيَ للجَوى مَخـلُوقُ حتى نجده يندبُ الزّمانَ، ويذكرُ سوءَ طالعِه، وحظّهُ النّاقص، كما وصفه العماد الاصفهاني: قدُمَ الزمانُ، وصار شــوقي عــادةً فلْيَركـنَّ دلالَــهُ المعشـــــوق قد كان في الهجران ما يَزَعُ الهوى لو يستفيقُ من الغرام مشـوق لكننـــي آبَـى لِعَهـــــديَ أنْ يُــــرَى بَعْدَ الصفاءِ وَوِرْدُهُ مَطــروق إنْ عـــادَتِ الأيــــام لـي بطُوَيْلِـــعٍ أو ضمّني والظاعنينَ طـريق لأُنَبِّهَــــنَّ على الغــــرام بزَفْرَتـــي ولتطـــرَبَنَّ بما أَبُـــثُّ النـُّـوقُ وكان أسلوب شَرفُ الكُتّاب الشعري، شبيها بالطَّبع الشّعري للسَّيد الشريفِ الرّضيّ (رحمه الله)، إذ يمتازُ شعرهُ بالسّهولةِ والمَتانةِ مع حُسن اختيارهِ البحورَ الشّعرية لأغراضها، ومن شعرهِ في المديح: أيا ابن الأُلى جادوا وقدْ بخلَ الحيا وقادوا المَذاكي والدِّماء نعالُها ذُد الدَّهرَ عَنَّي منْ رضاكَ بعزمةٍ معودةٍ ألَّا يُفَلَّ رِعَالُها ولهُ تعَريضاً بأحدهم، وكان يُدعى (ابن شُكران): قلْ لحادي عشر البروج أبا العا شـر منها، رَبِّ القُرون الثاني يا ابنَ شُكران ضـلّة لزمانِ صرتَ فيهِ تعـدُّ في الأعيــان ليس طبِّي ذَمُّ الزَّمـانِ ولكنْ أنتَ أغريـتني بذمِّ الزَّمانِ وهو في هجاءه هذا يذكرنا بأهاجي المتنبي حين قال: قَصُرْتَ عن المديحَ فقُلتَ أُهجى كأنكَ ما قَصُرتَ عن الهجاءِ فابن جيا في شعره يضارعُ كبارَ الشُّعراءِ وفحولَتَهم. نثره: وأما نثره، فهو يكتب باسلوب فنّي بالغِ الدّقة، وكأنه يمثل امتداداً لأسلوب عبد الحميد الكاتب، ولابن المقفع في مؤلفاته، فترسُّله يَشفَعُهُ بالشعر اللطيف، حتى يكونَ كلامُه جامعاً لروائع الفنّين شعر ونثر، ومن أهم ما وصلنا، كلامه في جواب رسالة لابن الحريريّ، كَتَبها إلى سديدِ الدولة بن الأنباريّ، يشكرهُ: ((سيدنا الشيخ الإمام في توالي مباره، والقصورِ مِنّي عن تأدية حقه وإيفائه، كمنْ يقرضُ غريمًا مع عسرته، ويتكثّرُ بمن أفراده الزمان عن أهله وأسرته، فهلا اقتصر بي من دينه على ما تقادم عهده، ولم يشفعه بطول أضعف قوى شكري وكان مستحكما عقده: أنت امرؤ أوليتني مننًا أوهتْ قوى شُكري فقدْ ضَعُفا فإليكَ بعدَ اليومِ معذرتي لاقتكَ بالتَّصــــــريحِ مُنكـشفا لا تسدين إليَّ عارفةً حتَّى أقومَ بِشُـــــــكرِ ما سَلَفا فأما ما يعزوه إلي من البراعة وحسن الصناعة، ويقرره من إحسان كان الطيُّ أولى به من الإذاعة، فتلك حال إن ثبت فيها الدعاوى، واتفق على صحة نقلها المخالف والموالي، فإنما جريت إليها بجيادهن التَّوالي لسوابقه، الصَّوادي إلى مناهل حقائقه، وأين الرذايا بعد ذلك من السَّابقات؟. والمقصرةِ من اللّاحقات؟ والمقرفةِ من كريماتِ المناسب؟ والمُكديةِ مطالبها من نجيحات المكاسب: سبقتَ إلى الآدابِ أبناءَ دهرنا فبؤتَ بعادي على الدَّهر أقدمِ وليست كما أبقتْ ضبيعة أضخم وليست كما سادت قبائقل جُرهُمِ ولكن طودا لم يحلحل رسيه وفارعة قعساء لم تتــــــــــسنمِ إذا ما بناء شاده الفضل والتقى تهدمت الدنيا ولم يتـــــــــــهدمِ وكان لابن جيا مدائح في رموز عصره ومنهم الأمير أبو الهيج عبد الله بن الحارث بن ورّام الحلّي الكرديّ، الذي ينتمي إلى (آل) ورَّام، تلك الأسرة الحلّية، التي نبغ منها شعراء وعلماء وفقهاء وقادة، ومنهم الشَّيخ ورّام بن أبي فراس الحلّي 605هـ، ومن مدائحه الرائعة في أبي الهيج: طردتُ الكردي عنه بمدحِ أخي العُلى أبي الهيج ذي المجدِ التّليد المُعرِّفِ فتـــىً مجــدهُ يُنمــي بـه خيــرُ والـــدٍ إلــــى شــرفٍ فــــوق السماءِ مُحلِّقِ على وجهــهِ نـــورُ الهـــدى وبكفّــهِ مفاتيـــح باب المـــــبهمِ المتخلّـــــقِ ثم ينسبهُ إلى غاية المجد وأرومة الشرف من النّفر الغُرِّ الأُلى عمّت الورى صنائعهم في كلِّ غربٍ ومشرقِ.

صور من الموضوع ...

يمكنم الاتصال بنا عبر الهواتف ادناه :
00964-7602320073
00964-7601179478
او مراسلتنا عبر البريد الألكتروني :
turathhi@gmail.com

للاستمرار، اكتب ناتج المعادلة الآتية :

للأسف، نتيجة خاطئة، حاول مجددا.


جاري التحميل ...

{{Msg.p}} ,
{{Msg.text}} .

لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثوان ...

جاري التحميل ...