أعلام
الشيخ ميران عبد الأمير شويلية

إنَّ للتنوع الفكريّ والعلميّ والثقافيّ لمدينة الحِلَّة أكسبها مكانة نادرة بين حواضر المدن الأُخرى التي عاصرتها منذ تمصيرها وإلى قرون خلت، فتوزَّع هذا التنوع بين جنبات أُسرِها التي نضج فيها المجال العلميّ والفكريّ والأدبيّ لتكون علمًا ومنارًا لا يمكن نسيانه لآخر الدهر، فتشكَّلت مِنها مجالس دينيَّة، وأدبيَّة، وثقافيَّة، وكان للخطابة أيضًا دورًا بارزًا، إضافةً إلى رجالاتها الذين أثبتوا بجدارة أَنّهم قدموا منبرًا متميزًا كاملًا يدعو للأخلاق والوعي الإنسانيّ. ومن بين هؤلاء كان الشيخ (ميران عبد الأمير محمَّد علي سالم شويليّة) رحمه الله واحدًا من تلك الأصوات المدوِّية في مدينة الحِلَّة؛ إذ يصدح بالموعظة الحسنة، ولسانٍ ناطقٍ لنبذ الرذيلة والصفات الدنيئة في المجتمع، وبالرغم مِن أنَّه كان عقلًا واعيًّا يتصدَّى لمؤامرات السياسة التي تحكم البلد، وهذا ما أدى إلى إسكاته – وإلى الأبد - بعد اعتقاله من قبل السلطات البعثيَّة المُجرمة في آواخر عقد السبعينيات. وذكر الشيخ فيصل الكاظِميّ في كتابه المنبر الحسينيّ نشوؤه وحاضره وآفاق المستقبل، وهو يجلُّ ويقدر تلك الجهود التي كان يبذلها الخطيب، وخاصَّة تلك التي تُعنون تحت يافطة الوعي والإرشاد، قال: إنَّ "المنبر الحسينيّ في بداياته كان مُقتصرًا على جانب الحزن والبكاء، ثمّ دخل عنصر الوعظ والإرشاد... بل راح يمتدّ في اهتماماته ليشمل مناسبات وذكريات النبي(صلَّى الله عليه وآله)، والسيِّدة الزهراء، والإمام علي بن أبي طالب، وبقيّة الأئمّة مِن أولاده (عليهم السلام)، ثمّ استمرّ المنبر الحسينيّ في تطوّره حتَّى وصل مرحلته الأخيرة، وراح خطيب المنبر يطرح مختلف القضايا والشؤون التي تهمّ الإنسان في تلك المرحلة، ويناقش العديد من المسائل الاجتماعيَّة، والتربويَّة، والعقائديَّة، وغيرها"، وبظهور بعض الخطباء الثقاة ممَّن وعوا مسؤولية المنبر وهدفه استطاعوا إضفاء واجبات أخرى للمنبر الحسينيّ ومن بين هؤلاء الخطباء كان الشيخ ميران صوتًا وقوةً مدويةً للمنبر الذي يعتليه، ولكنَّه سرعان ما دفع ثمن ذلك باستشهاده كغيره من أصحاب منبر الوعي والإرشاد. كما ذكر الأستاذ حامد كعيد الجبوريّ في حوار له حول المواكب الحسينيَّة في مجلتنا رد الشمس في عددها العاشر مع باقة من خطباء الحِلَّة قال: "ومن أشهر خطباء هذا المنبر الذي بقي صوته مدويًا يُقتدى به هو ( السيِّد صالح الحِلِّيّ ) رحمه الله والذي يُعد سابقًا وحاليًّا مدرسة للخطابة، وقد سار على نهجه الكثير من الخطباء، ومن خطباء الحِلَّة الخطيب السيِّد( عبَّاس الخطيب) كذلك السيِّد (تقي السيِّد أحمد الموسويّ)، والشيخ (أحمد أبو شلاّل)، وأخيه الشيخ (محمود أبو شلال) والشيخ (وهاب البزّاز) والشيخ (ميران عبد الأمير محمَّد علي سالم شويليّة) والشيخ (حسن البصير)، والسيَّد مطر الشلاه، وقد تمَّيز أكثرهم بالصوت الجهورّي والحزين، وغالبًا ما يطلق على الخطيب بـ( الروزخون ــ وتعني بالفارسيَّة الخطيب)" . وجاء في كتاب أخبار البصراء في الحِلَّة الفيحاء، للدكتور عبد الرضا عوض، ذكر الشيخ جبار مكاوي قال:" الشيخ ميران عبد الأمير شويليّة، ولد في الحِلَّة بحدود 1935م، نال حصة كبيرة من اهتمام والده؛ بسبب فقدان بصره المبكر، خطيب بارع، صاحب صوت جهوري، له طروحات بليغة، ووحدة موضوع، متأثرًا بالخطيب البارع الشيخ هادي النوينيّ فكرًا وطريقةً في الإلقاء، وبسبب جرأته في طرح المواضيع اُعتقل مرات عديدة وأُخلي سبيله، وهو من المنتمين لحزب الدعوة الإسلاميَّة الأوائل، ويُعدُّ ضمن التشكيل الأَوَّل في الحِلَّة ، وكان آخر اعتقال له سنة 1979م، وأُعدم قرب الشومليّ، ودُفن في مقبرة جماعيَّة هناك، وهو متزوج وله ذرية. كما ذكر الأستاذ حامد كعيد الجبوريّ: قد تميَّز أكثرهم بالصوت الجهوريّ والحزين، فكانت ميزة المرحوم الشيخ (ميران محمَّد شويليّة)، أنَّه كان رجل مواجهة ، بالرغم مِن أنَّه كان بصيرًا ويتكلَّم بلسانٍ لاذع ناقدًا في تشخيصه بعض السلبيات التي تمسُّ الأخلاق والتي تصطدم مع توجهات الدين، وأكثر نقده اللّاذع كان مع الحكومة وأَزلام النظام البعثيّ السابق أين ما حلَّ وارتقى منبره، وما كان للنظام إلَّا اعتقاله وتصفيته في السجن، حيث رحل شهيدًا، وكان رحمه الله يستشهد ويقول أفضل الجهاد: كلمة حق بوجه سلطان جائر. وضمن مقالة لأمين الكوّاز تحت عنوان المجالس الدينيَّة و الحسينيَّة والأدبيَّة في مدينة الحِلَّة عن كتاب سلسلة تراث الحِلَّة [18]، مجالس ومنتديات الحِلَّة الثقافيَّة والادبيَّة للدكتور عبد الرضا عوض قال:" ومِن الذين أدركنا بعضًا مِنهم: السيِّد أحمد العميديّ، والسيِّد أحمد بن ميرزا القزوينّي، والسيِّد سعيد النّجار، والسيِّد صالح الحِلِّيّ، والشيخ باقر حبيب القارئ، والشيخ حسين الشهيّب، والشيخ سعيد الخياط، والشيخ محمَّد أبو شلَّال، والشيخ محمَّد علي اليعقوبيّ، صاحب البابليّات، والمترجم له الشيخ ميران محمَّد علي شويليّة" وغيرهم، ويبدو أنّه جيل رواد الخطابة الذي لمع به كوكبة من الخطباء الذين خدموا القضيّة الحسينيّة من جهة ونهضوا بالجانب الاخلاقيّ والتوعوي للمدينة من جهةٍ أخرى. وذكر أحمد الملِّي في مصدر الدكتور عوض قالَ:" تصدَّت مجموعة من أهالي الحِلَّة بعد أن وجدوا أنَّ السياسة تريد أن تستغل المواكب الحسينيَّة لذلك ارتأت أن تنآى بنفسها عن ذلك الصراع السياسيّ الذي لا يحصد ثمره إلَّا المتحكمون بمصائر البلد والمستفيدون من خيراته، لذلك أسّسوا هذا التجمع، وذكر أسماءهم التي جاءت اعلاه".