المدارس الدينية
المدرسةُ الشعريَّةُ في مدينة الحلّة (2)

تعدَّدت بواعث النهضة الأدبيَّة في الحِلَّة السيفيَّة لقرون خلت فازدهرت هذه المدينة أيّما ازدهار، وقد حفلَ الشِّعر بمرابع واسعة مِن ذلك الأدب إذ أسَّست فيها مدرسة كبيرة للشِّعر تلمّذ فيها كثير ممَّن سحرتهم نسماته، وقد صقلت الحياة مواهبهم الشعريَّة، وإن أخفى قانون السماء أصواتهم، فآثارهم ما زالت خالدة تتناقلها الأجيال، قال أحدُ الشعراء " وما مِن كاتبٍ إلَّا سيفنى ويُبقي الدّهر ما كتبت يداه فلا تكتبْ بخطّك غير شيءٍ يَسُرّك في القيامة أن تراهُ " وقد ذكرنا ثلّةً مِن شعراء هذه المدرسة، ونذكر في هذا العدد ثلّةً أخرى منهم: صفيّ الدين عبد العزيز بن محاسن بن سرايا الطائيّ الحِلِّيّ (ت:750هـ/1349م): وهو مِن فطاحل الشعراء ولد في الحِلَّة ونشأ بها حتَّى أصبح مِن شعراء الحِلَّة، وكان شاعرًا مُجيدًا لما امتاز به شعره من رشاقة في الأسلوب وبلاغة وفصاحة في اللّفظ، وقد أجاد في القصائد الطوال والمقاطيع والموشّحات، وله مؤلَّفات عِدّة في الشِّعر والأدب، ومِنها كافيته البديعيَّة المشهورة المشتملة على مائة وواحد وخمسين نوعًا مِن أنواع البديع، وديوان (صفوة الشعراء وخلاصة البلغاء)، ومِن شعره في الحماسة: إنَّا لَقومٌ أبت أخلاقنا شرفـًـا أن نبتدي بالأذى مَن ليس يؤذينا بيض صنائعنا سود وقائعنـا خضر مرابعنا حمر مواضينـا علي بن عبد الحميد بن فخار بن معد الموسويّ الحِلِّيّ(ت760 هـ/1358م) كان عالمًا فاضلًا مُشاركًا في العلوم، قيّمًا بالفنون، من مشايخ الإجازات، أديبًا شاعرًا، ذا كرامات، قال الشيخ الحر في تذكرة المتبحرين: " السَّيِّد علم الدّين المرتضى علي بن عبد الحميد بن فخّار بن معد الحسينيّ الموسويّ: فاضلٌ، فقيهٌ، يروي ابن معية عنه، عن أبيه، عن جده فخّار، له كتاب الأنوار المضيئة في أحوال المهدي (عليه السلام) ". السيِّد تاج الدّين محمَّد بن القاسم بن الحسين بن القاسم بن معيّة (ت776هـ /1374م) كـان عالـمًا فاضلاً، شاعـرًا أديـبًا، جلـيل القـدر، قال فيه صاحب كتاب لؤلؤة البحرين: " وكان السيِّد علّامة نسّابة فاضلًا عظيمًا، يروي عنه شيخنا الشهيد (رحمه الله تعالى)، وقد ذكر في بعض إجازاته أنّه:" إعجوبة الزمان في جميع الفضائل والمآثر"، ترجم له الخونساريّ في روضات الجنات بأنّه: " كان من أعاظم تلامذة العلَّامة الحِلِّيّ وولده فخر المحقّقين، وابن اخته عبد المطّلب، والإمام الأعلم نصير الدين القاشانيّ، وهو من أفخم مشايخ شيخنا الشهيد الأوَّل "، ومن شعره في الحماسة والفخر قولهُ: ملكتُ عِنانَ الفضْلِ حتّــــى أطاعَنِي وذللت منه الجامِـعُ المُتعَصِّبْــــــــا وضاربتُ عن نَيْلِ المَعالِي وحوزها بِسَيْفِي أبطال الرجالِ فمـا نبْـــــــا وأجريتُ في مضمار كلّ بــــــــلاغةٍ جوادي فحاز السبق فيها وما كَبْا شمس الدّين محمَّد بن الحسين بن أحمد الحِلِّيّ المعروف بابن البقَّال(ت:780هـ/1378م) شاعر أديب ولد بالحِلَّة، وتعاطى الشعر فمهر فيه، ذكره ابن حجر العسقلانيّ في كتابه (الدّرر الكامنة)، ما نصَّه:" ولد بالحِلَّة في جمادى الأولى سنة 708 هـ وتعاطى الأدب، وقدم حلب ومدح أعيانها، كتب عنه أبو المعالي بن عشائر، توفي في حدود سنة 780هـ، ومِن نظمه ما كتب به الى الشريف عبد العزيز بن محمَّد الهاشميّ يعاتبه في أبيات: قل للشريف المرتضى علم الهدى وابن الغطارف من ذوابة هاشم أيضيع حقي عندكم وولاؤكم ديني ولم أحلل عقود تمائمي علي بن عبد الحميد النيليّ( كان حيًّا:801هـ/1398م): هو أحد الشّعراء الّذين برزوا في الحِلَّة خلال القرن الثامن الهجريّ، وكان عالمًا، فاضلًا، شاعرًا، أديبًّا. قال الشيخ الحر في تذكرة المتبحّرين: " الشيخ نظام الدّين أبو القاسم علي بن عبد الحميد النيليّ: فاضل، جليل (القدر)، يروى عن الشيخ فخر الدّين محمَّد ابن العلَّامة ". الحافظ رجب بن محمَّد بن رجب البرسيّ (ت813هـ/1410م ): الشيخ رضيّ الدّين رجب بن محمَّد بن رجب المعروف بالحافظ؛ (لكثرة حفظه)، والبرسيُّ نسبة إلى قرية (برس)، وفيها مولده ثم سكن الحِلَّة وهو من أشهر علمائها، طويل الباع، واسع الاطلاع في الحديث والتفسير والأدب، وعلم الحروف، وقال عنه صاحب رياض العلماء:" إنّه البرسيُّ مولدًا والحِلِّيّ محتدا الفقيه المحدّث صاحب كتاب مشارق الأنوار المشهور وغيره، كان من متأخري علماء الإماميَّة لكنّه متقدِّم على الكفعميّ صاحب المصباح وكان ماهرًا بأكثر العلوم وله يد طولى في علم أسرار الحروف والأعداد ونحوها ". لم يذكر المؤرّخون سنة ولادته ولكنّ السيِّد الأمين استنتج في كتابه (أعيان الشيعة): أنّ ولادته كانت عام 733هـ، وهو من شعراء القرن التاسع الهجريّ وممّن عُرِف بجودة الشعر، ولم يُعرف له شعرٌ إلَّا في أهـل البيت(عليهم السلام) وكـان مُصنّفًا في الأخبار. من شعره لسيِّد الشهداء الإمام الحسين (عليه السلام)، قال: فيا لك مقتولًا بكته السماء دما وثلّ سرير العز وانهدم المجد شهيدًا غريبًا نازح الدار ظاميًا ذبيحًا ومن سافي الوريد له ورد بروحي قتيلًا غسله من دمائه سليبًا ومن سافي الرياح له برد وزينب حسرى تندب الندب عندها من الحزن أوصاب يضيق بها العدّ فخر الدّين محمد بن عبد الله السبعيّ الحِلِّيّ(ت815هـ/1412م) من شعراء القرن التاسع الهجريّ وهو من أعلام الحِلَّة، وكان يُقال له الفاضل، الكامل، الشاعر، وله في الشعر، تخميس قصيدة الشيخ رجب البرسيّ المشهورة في مدح أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام). وذكر له الشيخ فخر الدّين الطريحيّ في كتابه (المنتخب)، قصيدة طويلة في رثاء الإمام الحسين (عليه السلام)، نذكر منها: سأبكي على ذنبي وأوقات غفلتي وأبكي قتيلًا بالطفوف مجدّلا سأبكي على ما فات منّي بعبرةٍ تجود إذا جاء المحرّم مُقبِلا حنيني على ذاك القتيل وحسرتي عليه غريبًا في المهامة والفلا حنيني على الملقى ثلاثًا معفرًا طريحًا ذبيحًا بالدماءِ مغسلًا صالح بن عبد الوهّاب المعروف بـ ابن العرندس (ت 840 هـ، وقيل في حدود التسعمائة الهجرية)، من شعراء القرن التاسع الهجريّ كان عالمًا، ناسكًا، أديبًا بارعًا، متضلّعًا في علمَي الفقه والأصول وغيرهما، ألَّف كتاب (كشف اللآلي)، وكان من الشعراء المكثِّرين الّذين أبدعوا وأجادوا في مدح أهل بيت النبيّ (صلى الله عليه وآله ) ورثائهم، ومن شعره قصيدة في مدحِ أميرِ المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) منها: المُعجزاتِ الباهِراتِ النيّـــــــراتِ المُشرِفاتِ المُعذراتِ لِمن غَـــلا منها رجوع الشّمسِ بعد غُروبها نبأ تصير لـه البصائرُ ذهــــــلا ولسيره فوق البساط فضيلــــــــة وعلت فجاوزت السّماك الأعزلا أبو الحسن محمَّد المعروف بابن حمّاد الحِلّيّ(أواخر القرن التاسع) ذكره اليعقوبيُّ في (البابليات): " الشيخ الجليل الأديب أبو الحسن محمَّد المعروف بابن حمّاد من أفاضل الفيحاء ومشاهير شعرائها، وله شعرٌ كثيرٌ في أهل البيت(عليهم السلام) نذكر منه: أفديكمُ آلُ النبيّ بِمُهْجَتـــــي وأبي وأبذلُ فيكمُ الأمْــــــوالا وأنا ابن حَمّاد وليُّكم الّـــذي لَمْ يَرْض غيـركم ولا يتوالـى أرجوكم لي في المعاد ذريعة وبكم أفوز وأبلغ الآمالا فلأنتم حجج الإله على الورى من لم يقل ما قلت قال محالا الله نزّل (هل أتى) في مدحكم و(النمل) و(الحجرات) و(الأنفالا) وقال أيضًا بحقّ الامام الحسين (عليه السلام): لغير مصاب السبط دمعك ضائعُ ولا أنت ذا سلو عن الحزن جازعُ فكلُّ مصابٍ دون رزء ابن فاطم حقير ورزء السبط والله فازع