المراقد والمقامات الدينية
السيِّد (الحسن الأسمر) من ذرية زيد الشهيد (عليهم السلام)
شهدَ التاريخُ أحقادًا كثيرةً لبني أمية على أهل بيت النبوة الطاهر(عليهم السلام) وذراريهم ومواليهم، وقد اتخذ بنو العبَّاس النهج الأمويّ البغيض نفسه، وما أنفك المسلسل الدموي لأحفاد تلك الزمر الخبيثة وبغضهم وكراهيتهم للعلويِّين إلى يومنا هذا، وقد كتبَ سجلُ الزمن العديدَ مِن الحوادث والأهوال والمصائب التي ألمَّت بأبناء النبي الكريم محمَّد(صلَّى الله عليه وآله)؛ بسبب تلك الأحقاد، ولهذا فقد هجر العلويون موطنهم الأصلي أرض الحجاز الى ما بقاع الأرض الواسعة، ومراقدهم الشريفة المنتشرة في كلِّ البقاع التي نراها اليوم، خير شاهد على مظلوميتهم، ومِن مراقد أولئك الميامين البررة أبناء أعلام الهداية نذكر منهم: السيِّد الحسن الأسمر ذكره د. ثامر الخفاجيّ في كتابه المراقد والمقامات البهيَّة في الحِلَّة السيفيَّة هو: " أبو محمَّد الحسن الأسمر الفارس ابن النقيب شمس الدين أبو عبد الله أحمد بن أبي الحسين علي بن أبي طالب محمَّد بن أبي علي عمر الشريف بن يحيى بن أبي عبد الله الحسين النسَّابة بن أحمد المحدَّث بن أبي علي عمر بن يحيى بن الحسين ذي الدمعة الساكبة بن زيد الشهيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام)". تقلَّد أبو محمَّد الحسن الأسمر نقابة الطالبيِّين على سيرة آبائه وأجداده فهو من الشخصيات الهاشميَّة المرموقة ذات الوجاهة والنبل والزهد وكان سيِّدًا جليلًا فقيهًا عالمًا، نذر نفسُه فداءً لدينه الحنيف. ذكر عمدة النسَّابين جمال الدين أحمد بن علي الحسيني المعروف بـ(ابن عنبة) في كتابه عمدة الطالب في أنساب أبي طالب قائلًا: " هاجرَ مِن الحجاز قاصدًا العراق وَحَلّ في أرض النيليات التي تمتد من النيل إلى كوثى والتي تسمى الآن مدينة (جبلة) فأستملك تلك الأرض وسُمي بمالك النيليات وكان في وقته شيخ بني هاشم لذلك سمي بنقيب الأشراف كان عالمًا جليلًا عاصر الدولة المزيديَّة في بداية تأسيسها في مدينة الحِلَّة وكان رئيسها وأميرها يحيى بن مزيد وكانت رعية الأمير المزيديّ يَجلوّن الإمام أبو محمَّد الحسن (عليه السلام) ويحترمون رأيه ويعتبرونه رمزًا من رموز بني هاشم وكان آنذاك في القرن الثالث للدولة العبَّاسيَّة، ولما رأى بنو العبَّاس التفاف الناس من حوله، قرَّر الحاكم العبَّاسيّ في ذلك الوقت شن هجوم على هذه المنطقة، القصد منه قتل السيِّد الأسمر (عليه السلام) فقتلوه مع عائلته في هذه الأرض المباركة والتي تسمّى الآن ناحية الإمام أبو محمَّد الحسن الأسمر(عليه السلام) تيمنًا باسمه الشريف". وقال كذلك، :" له عقبان؛ الأوَّل ويدعى محمَّد، وهو نجم الدين بهاء الشرف أبو الحسن وهو الذي روى الصحيفة السجاديَّة وليس له عقب، وأمَّا عقبه الآخر فهو يرجع إلى ابنه الآخر شكر بن الحسن الذي استطاع أن يتخلص من بطش العبَّاسيِّين أثناء المعركة إلى قرية تسمى الشريفيَّة وهي إحدى القرى الحِلِّيَّة والآن تسمى (قرية السادة)، ومن عقب بنو شكر، السيِّد عزَّام الكبير أخو السيِّد عبد الله بن أبي القاسم علي بن السيّد أبي البركات محمَّد بن السيِّد القاسم بن السيِّد علي بن السيِّد شكر بن السيِّد الحسن الأسمر(وهو جد السادة البوذبحك)، آل زوين، وآل عزام الصغير، وآل عيسى(يوسف، وقاسم)، ولهم بقية بالشريفية (قرية الأشراف)، وهي القرية آنفة الذكر. استشهد السيِّد أبو محمَّد الحسن الأسمر (عليه السلام) سنة (451 هجرية) عن عمر يقارب (64 عام)، وله من الكرامات والمعجزات مالا يعد ولا يحصى وله مزارٌ شامخ في أرض المحاويل". وذكر الخفاجيُّ:" يقع مرقده الشريف في الحِلَّة الفيحاء في قضاء المحاويل – ناحية الإمام – وقد تمَّ إعادة بنائه بجهود الخيرين مِن أبناء الحِلَّة الأفاضل، يتكوَّن المرقد من صحن كبير جدًّا تبلغ مساحته دونمين ونصف الدونم وفيه مسجدان كبيران للصلاة والشعائر الحسينيَّة، وفي وسط الصحن صالة كبيرة الحجم تبلغ مساحتها 30×40 متر مربع في وسطها يقع القبر الشريف وعليه شباك من النحاس تعلوه قبة كبيرة الحجم، وفي داخل الصالة غرفتان كبيرتان، والمرقد من داخل الصحن الشريف جميل يسر الناظرين ". مراحل تعمير المرقد الشريف قبل سنة 1958م، كان المرقد على شكل قبة خالية مِن الحديد، وكان لها سقف من القصب، وله قبة بيضاء شامخة شبيهة بقباب جامع السهلة، لكنّ بمرور الأيام بدأ البناء يتآكل، فقام بعض الأخيار من ناحية الإمام والتي كانت سابقاً قرية صغيرة بجمع التبرعات وعلى رأسهم السيِّد حميد السيِّد حسن الحسينيّ (الذبحاوي)، والحاج حريز السلطان، ومحمود حميد، وباقي أهالي المنطقة والأرياف المجاورة والزائرين حيث ساهموا ببناء المرقد وتم إنشاء الضريح والقبة بين سنتي 1961م و1964م، أمَّا الأروقة التي حول قبره والقبة البيضاء فوقه، والطارمة الكبيرة الشماليَّة التي منها مدخل القبر فتمَّ تشييدها بتبرع جماعة من أهل الخير والصلاح. أفتتح مرقده برعاية آية الله السيِّد مُحسن الحكيم (قدس سره)، وكان معه ممثله في المحاويل الحجَّة الجليل الشيخ محمَّد القرشي (رحمه الله)، ومنذ ذلك الحين توالت على المرقد أعمال البناء والعمران حتَّى أصبح اليوم مزارًا واسعًا فسيح الأرجاء، وتقوم على القبر قبة شامخة مغلَّفة بالقاشاني المزخرف والمنقوش، وقد شُيدت أربع مآذن صغيرة على أبواب السور الخارجيّ للصحن، وللمزار أراضٍ وأوقافٍ ملحقة به. وفي سنة 1965م جُدِّد الضريح أي الشباك المُحاط بالقبر الطاهر الذي تمَّ صنعه في كربلاء المقدسة. وفي سنة 2009م تمَّ هدم القبة القديمة وبناء قبة جديدة أكثر ارتفاعًا وشموخًا من قبل أهل الخير، وإكساء القبة من الداخل أي فوق الضريح بالزجاج (الكريستال) على يد مهنيِّين من كربلاء، وبعد مدة وجيزة تمَّ توسيع جامع الرجال، وكذلك جامع النساء، وما يزال العمل مستمرًا في توسيع المرقد وتمَّ نصب أبواب خارجيَّة بحجم أكبر وكذلك إنشاء منارة بارتفاع 12 متر تقريبًا فوق سطح المرقد. للسيِّد الأسمر القاب وكنى عديدة جاء معظمها من خلال الكرامات الجليَّة لهذا العالم الزاهد نذكر منها: مالك النيليات : إن من شيم أهل البيت وأبنائهم (عليهم السلام) لا يحلّون بأرض ليست ملكاً لهم، بل يقومون بشرائها كما هو الحال بالسيِّد الجليل حيث قام، بشراء الأرض التي تسمى بـ(الـنيليات)، وهي تمتدُّ مِن منطقة جبلة الى ناحية النيل حاليًّا، وأصبحت ملكًا له وسكن فيها الى أن توفي (رضوان الله تعالى عليه) في هذه الناحية التي سميت باسمه. أبو فياض : لُقِّب بهذا اللقب نسبة لفيض كرمه وعطاياه للناس فلا يقصده طالب حاجة إلَّا وقضى الله تعالى حاجته ببركته وشأنه الكبير عند الله تعالى.