مكتبات عامة او شخصية
الكتاب : كنز العرفان المؤلف : المقداد السيوري

إنَّ موضوعة (آيات الأحكام) من الموضوعات التي اعتنى بها علماء الإماميَّة رضوان الله عليهم بها قديمًا وحديثًا، حيث ألّف الباحثون المدقّقون منهم مؤلّفات كثيرة، كانت محل اعتبار وتقييم عالٍ في الدراسات اللاحقة والرجوع إليها، وقد حُظيَ هذا السفر القيّم الّذي ألّفه الفاضل الفقيه، والمحقّق النبيه، الشيخ جمال الدّين المُقداد بن عبد الله السيوريّ المعروف بالفاضل السيوريّ والفاضل المُقداد، بنصيب وافرٍ من الشّهرة والرّغبة والتّنافس في أخذه ونسخه وبحثه والاطلاع عليه، وليس ذلك إلَّا لفضله الباهر، وبيانه القاهر، وتحقيقاته العميقة، وفوائده العامّة الأنيقة. فكان نصيب هذا المؤلّف من الفضل ما كان لمؤلّفهِ بين العامّ والخاصّ، وتبارى لتعاطي نسخِهَ وكتابته الفضلاء والعلماء، ورغب فيه كلّ باحث وطالب، وذلك واضح من خلال نسخه الخطيّة المتعددة في المكتبات الكبيرة والمهمة. ويرى الباحث المطلع أنَّ هذا الاثر القيّم في فضله واشتهار صيته، يشبه (مجمع البيان في تفسير القرآن) للطبرسيّ، كذا في نسقه وترتيبه، ونقل الأقوال، وحسن الانسجام، وبديع الجمال.. والمؤلِّفُ الجليل (الفاضل السيوري) – أعلى الله مقامه - قد اعتمد عليه كثيرًا عند بيان الأقوال ، ونقل الأحاديث والرّوايات . منهجية المؤلِّف: ومنهجية المؤلفِ في هذا الكتاب الجليل، هو أنَّه يتعرّض لآيات الأحكام فقط، وهو لايعتمد ترتيتب السور القرآنية الكريمة في المصحف الشريف ، كما فعل من سواه في هذا الموضوع كالجصّاص ، بل كانت منهجيته في التفسير: أن يعقد أبوابا كأبواب الفقه، ويدرج في كلّ باب الآيات الّتي تدخل تحت موضوع واحد، فمثلًا يقول : باب الطّهارة ثمّ يذكر ما ورد في الطّهارة من الآيات القرآنيّة، شارحًا كلّ آية منها على حده، مبيّنًا ما فيها من الأحكام، على حسب ما يذهب إليه الإماميَّة الاثنا عشريّة في فروعهم، مع تعرّضه للمذاهب الأخرى وردّه على من يخالف ما يذهب إليه الإماميّة الاثنا عشريّة. وهكذا حتَّى انتهى إلى الديات فقد جمع الآيات القرآنيَّة التي تناولت موضوع الديات تحت كتاب الديات . أوَّل تفسير فقهي: ويعد السُّيُوري مؤصلا في هذا الباب في الفكر الإماميّ، فهو أوَّل تفسير فقهي على هذا النمط عند الإماميَّة، أمَّا في الفكر الإسلامي بعامة فهو ثان تفسير؛ لأنَّ البيهقيّ (ت/458هـ) له تفسير فقهي سمَّاه : أحكام القرآن، وهو مكتوب على وفق هذا النمط – الموضوعي – وهو أسبق من السيوري . تفسير مقارن: والسمة الغالبة على تفسير كنز العرفان أنَّه تفسير فقهي مقارن ؛ لأنَّه يعرض فيه آراء الفقهاء لا آراء المفسرين، يعرض رأي فقهاء الإماميَّة، والمُفسِر إن كان فقيهًا يرجع إلى كتابه الفقهي لا كتابه التفسيري، فمثلا حين يذكر رأي الشيخ الطوسي (قدس سره) يرجع إلى كتاب الخلاف – وهو كتاب فقهي مقارن – ولا يرجع إلى كتاب التبيان، لأنَّه كتاب تفسير، ويرجع أيضًا إلى فقهاء المذاهب الإسلاميَّة الأخرى، ويعرض دليل كل فقيه من الفقهاء، ثم يناقش تلك الأدلة، ويرد ما يراه ليس براجح ويرجح ما يراه راجحًا، مستندًا في ذلك إلى الدليل . أسباب التأليف : يقول الفقيه السيوري في تبيان تأليفه للكتاب الجليل " لكني لم اظفر بكتاب في تنقيح تلك الآيات يبرد الغليل، ويشفي العليل ويحتوي على جملة ما يبتغيه الراغب، أو يتظرفه الطالب، بل أمَّا مُسهب بذكر الأقاويل والأخبار، أو مُقصر قد ملَّ بالإيجاز والاختصار ، فحداني ذلك على وضع كتاب يشتمل على فوائد قد خلا عنها أكثر التفاسير وفرائد لم يعثر عليها إلَّا كلّ نحرير، وضممت الى ذلك فروعًا فقهيَّة تقتضيها نصوص تلك الآيات أو ظواهرها ونكات معانٍ وعجيب غرائبٍ تلمع لدى الفضلاء زواهرها، يظهر بذلك من الآيات سرّها المكنون وجوهرها الثمين المصون بحيث يعجب بذلك الناظرون وما يعقلها إلَّا العالمون ، وسميته : كنز العرفان في فقه القران . يقول الدكتور محمَّد حسين الذهبي في كتابه (التفسير والمفسرون)عندما يتطرق إلى تفسير «كنز العرفان في فقه القرآن»: يتعرض هذا التفسير لآيات الأحكام فقط، وهو لا يتماشى مع القرآن سورة سورة على حسب ترتيب المصحف ذاكراً ما في كلّ سورة من آيات الأحكام كما فعل الجصاص وابن العربي مثلاً، بل طريقته في تفسيره: انّه يعقد فيه أبواباً كأبواب الفقه، ويدرج في كلّ باب منها الآيات التي تدخل تحت موضوع واحد، فمثلاً يقول: باب الطهارة، ثمّ يذكر ما ورد في الطهارة من الآيات القرآنية، شارحاً كلّ آية منها على حدة، مبيناً ما فيها من الأحكام على حسب ما يذهب إليه الإمامية الاثنا عشرية. ولجأ الفاضل السيوري قدس الله سره الشريف إلى القواعد الأصولية في إثبات أمر، أو نفي آخر، بأسلوب بارع ودقيق في استعمال تلك القواعد في حسم القضايا التي تحتاج إلى حسم في تفسيره. كما عمدَ الى استعراض جميع ما يتطلبه البحث في الآيات الكريمة، مِن الجوانب الأُخرى غير الفقهية، كالجانب اللغوي وعلوم العربيَّة، وأسباب النزول، وغير ذلك من متطلبات البحث القرآني، مُعتمدًا في ذلك الإيجاز والاختصار، خلافًا لما نجده في أمثال (التفسير الكبير) للرازيّ، و(الجامع لأحكام القرآن) للقرطبي. مدرسة التفسير الحِلِّيّ: لقد أثبت المُفسِر والفقيه السيوريّ تطور أصول الفقه عند مدرسة الحِلَّة الفقهيَّة آنذاك، حيث طوَّعت مدرسة الحِلَّة الفقهية أصول الفقه؛ لخدمة التفسير، ولا سيما التفسير الفقهيّ، من خلال التقدم في البحث الأصوليّ، بشكلٍ استوعبه الباحثون والمهتمون بتفسير القران العظيم. وجمع (كنز العرفان) بين النظرية والتطبيق، فقد تضمَّن قواعد أصوليَّة كثيرة وهي مأخوذة من النظرية الأصوليَّة، والإفادة مِنها في التفسير، ولا سيما التفسير الفقهيّ تطبيقًا لها. والمُلاحظ أنَّ الفقيه المفسر (طيَّب الله ثراه) قد استعان بصنفين مِن القواعد الأصوليَّة، الأوَّل مِنها عقب السيوريّ بعد ذكره أنَّه قاعدة أصوليَّة، والثاني، لم يعقب السيوريّ بعد ذكره أنَّه قاعدة أصوليَّة. ومِن ملامح منهج المُصنِّف في هذا التفسير: أنّه يعقد في أوائل مباحثه ـ عادة ـ مبحثين يعنى الأوَّل: ببيان الجانب اللغويّ والاصطلاحيّ للعنوان الفقهيّ، ويُعنى الآخر: بالتفسير الفقهي لآيات الأحكام وما يتطلبه البحث من التطرق إلى اُمور اُخرى عديدة كالتعرض ـ مثلًا ـ إلى القراءة، وأسباب النزول، والناسخ والمنسوخ، وغيرها. ومن أشهر النسخ المخطوطة لهذا السفر القيّم : ـ نسخة مُصحّحة مخطوطة بخطّ مسعود بن حيدر الحسنيّ الزواريّ فرغ منها ليلة الأربعاء الرابع عشر من شهر رمضان المبارك سنة تسع وتسعين وتسعمائة. (٩٧٩هـ)، وعليها حواشٍ متفرّقة وفي أوّلها لوحة مذهّبة، وهذه محفوظة في مكتبة آية الله شهاب الدين المرعشيّ. ـ نُسخة مصحّحة مخطوطة بخطّ علي أكبر بن عين الله الويسيّ فرغ منها في شهر جمادى الآخرة من سنة (١٠٤١هـ) وعليها أيضا حواشٍ متفرّقة، وهذه محفوظة في مكتبة آية الله شهاب الدين المرعشي (قده). نسخة مخطوطة في معهد المخطوطات العربيَّة بها نقص بعد الزرقة الأولى قدر ثلاث ورقات، وأوراقها 159 ورقة ورقمها 854 فلم، وهي مصوَّرة عن المكتبة العموميَّة برقم 2135 . نسخة مخطوطة في مكتبة البلدية بالإسكندريَّة وتبلغ أوراقها 268 ورقة.