المدارس الدينية
أعلام المدرسة الحديثيَّة في مدينة الحِلَّة

لا شكَّ أنَّ للمدرسة الحِلِّيَّة موقعها المميز في علم الحديث، لاسيما وأنَّها شهدت بروز العديد من العلماء الذين اشتغلوا فيه وصنّفوه، وأضافوا إليه، وأخذ عنهم الناس وطلبة العلم تلك العلوم، وذكر السيوطيُّ في كتاب (تدريب الراوي) والطهرانيُّ في (طبقات أعلام الشيعة) " إنَّ مِن أوائل مَن تصدَّى لتدريس الحديث في مجالس الدرس: الشيخ عز الدين الحسن بن عبد الرحمن بن مسعود الحِلِّيّ (ت ق7هـ)، ومن أخذ عنه الحديث المؤرخ ابن النجَّار محمَّد بن محمود البغداديّ (ت643هـ) ، والشيخ عبد اللطيف بن نفيس بن بورنداز البغداديّ، والشيخ سديد الدين يوسف بن المطهَّر الحِلِّيّ، والشيخ أبو القاسم جعفر بن سعيد الحِلِّيّ الذي روى عنه الحديث الشيخ الحسين بن أردشير الطبريّ، وعن ابن عمه الشيخ يحيى بن سعيد الحِلِّيّ، وشارك إبن المطهَّر الحسن بن يوسف أبيه وخاله المحقِّق رواية الحديث وتدريسه، فتهافت طلبة العلم على مجلس درسه، وكان قطب الدين الرازيّ محمَّد بن محمَّد ممَّن أخذ عنه الحديث ورواه. وذكر الأردبيليّ في جامع الرواة واليعقوبيّ في البابليات " كان لمجلـس درس جـلال الديـن أبي محمَّد الحسـن بن أحمد بن نما الحـِلِّيّ (كان حيًّا752هـ) مكانتهُ الرفيعة في تدريس الحديث، لذا لجأ إليه العديد من أرباب العلم وطلبتهم"، وأشهر مَن تلقى العلم في مجلس درسه وأخذ الحديث عنه الشهيد الأوَّل محمَّد بن مكي العامليّ، وكان ذلك بدارهِ في الحِلَّة سنة (752هـ)، وكذلك السيِّد عميد الدين أبو عبد الله عبد المطلب بن محمَّد بن مجد الدين أبو الفوارس الأعرجيّ (ت754هـ)، كما أخذ العامليّ عن الشيخ فخر الدين أبي الحسن علي بن أحمد المطارآبادي (ت762هـ) في داره بالحِلَّة سنة (754هـ). ويمكننا القول: إنَّ أبرز مَن درَّس الحديث بعد العلَّامة الحِلِّيّ، ولده فخر المحقِّقين محمَّد بن الحسن بن يوسف بن المطهَّر، فتتلمذ عليه الكثير من طلبة الرحلات العلميَّة، نذكر منهم: أبا سعيد بن الحسين بن محمَّد الكاشيّ (كان حياً759هـ) حيث قرأ عليه رسالة الثلاثة والأربعين حديثًا لفخر المحققين وكتب له بعد أن أنهى عليه قراءته إجازة براوية الحديث عنه وكان ذلك سنة (759هـ)، وروى عنه أيضًا محمَّد بن مكي العامليّ عن أبيه ابن المطهَّر الحِلِّيّ عن جده سديد الدين يوسف (قدس سرّه). وكانت لابن معية السيِّد محمَّد بن أبي جعفر تاج الدين القاسم الحسينيّ الحِلِّيّ مشاركة في علم الحديث، فأخذ عنه مجموعة من طلبة العلم في الحِلَّة، نذكر منهم: محمَّد بن مكي العامليّ، فقرأ عليه في سادس عشر من شعبان سنة (754هـ) ، وممَّن برز من الحِلِّيِّين في رواية الحديث في القرن التاسع للهجرة / الخامس عشر للميلاد: الشيخ الفقيه الحافظ رضي الدين رجب بن محمَّد البرسيّ (كان حيًّا 813هـ)، وكان من أشهر علماء الحِلَّة وواسع الاطلاع في الحديث والتفسير، وأيضًا الشيخ الفقيه جمال الدين أبا العبَّاس أحمد بن محمَّد بن فهد الحِلِّيّ، له كتبٌ في الجرح والتعديل، وله عدةُ رسائل كتبها في مجموعة بخط تلميذه علي بن فضل بن هيكل الحِلِّيّ(ت ق9هـ) وهذا ماذكره الأفنديّ في رياض العلماء. وكان لعلم الحديث مكانة متميزة في مدرسة الحِلَّة العلميَّة، وقد أولى الحِلِّيُّون والأسر العلميَّة الحِلِّيَّة اهتمامًا كبيرًا بهذا العلم وتناولوه بالبحث والدراسة والأحاديث بالرواية والنقل والجرح والتعديل والإهتمام بسلسلة السند والإسناد، ومن أشهر الأسر الحِلِّيَّة التي اهتمت برواية الحديث والتأليف: أسرة آل فخار وبرز فيها السيِّد فخار بن معد الموسويّ (ت630ﻫ) الذي يعد من أعلام الحِلَّة المحدثين. ومن مؤلَّفاته كتاب: الرد على الذاهب إلى تكفير أبي طالب. وأسرة آل نما وظهر منها عميد الرؤساء هبة الله بن حامد بن أيوب (ت610ﻫ)، أشهر أئمة الحديث في عصره ، وبرز ابنه: نجيب الدين محمَّد بن جعفر (ت645ﻫ). واشتهرت أسرة آل سعيد في رواية الحديث ومنها : الشيخ يحيى بن أحمد بن سعيد (ت690ﻫ) ، وكذلك المحقِّق الحِلِّيّ (ت676ﻫ). وكان لأسرة آل السوراوي اهتمام بعلم الحديث وقد عُدّ سديد الدين سالم بن محفوظ (ت منتصف ق7ﻫ) من رواة الحديث في الحِلَّة . وبرزت أسرة آل طاووس، فعد رضي الدين علي بن طاووس (ت664ﻫ) أشهر علماء الحِلَّة الثقاة. وألَّف في هذا المجال كتاب: الاختبارات من كتاب أبي عمر والزاهد المطرز، فقد اختار السيِّد رضي الدين أحاديثًا من هذا الكتاب (261ﻫ-345ﻫ) وهي في مناقب أهل البيت(عليهم السلام). وأيضًا جمال الدين أبو الفضائل، وهو أوَّل من وضع الاصطلاح الجديد لعلم الحديث عامة وصنَّف الأحاديث إلى (صحيح، وحسن، وموثوق، وضعيف) وبذلك تعد مدينة الحِلَّة صاحبة الريادة في هذا المضمار وخلَّف علماؤها آثارً إيجابيةً كبيرةً في تطور علوم الحديث بصورة عامة. وكذلك كان للسيِّد غياث الدين عبد الكريم بن طاووس، اهتمام برواية الحديث النبوي الشريف. وعدت أسرة آل المطهر منبعًا من منابع العلوم الدينيَّة، فاشتهر العلَّامة الحِلِّيّ (ت726ﻫ) برواية الحديث. ومن كتبه في الحديث: استقصاء الاعتبار في تحرير معاني الأخبار، فأشار العلَّامة الحِلِّيّ إلى هذا الكتاب بقوله: (ذكرنا فيه كلّ حديث وصل إلينا وبحثنا في كلِّ حديث منه على صحة السند أو إبطاله، وكون متنه مُحكمًا، أو متشابهًا، وما اشتمل عليه المتن من المباحثات الأصوليَّة، والأدبيَّة، وما يستنبط من المتن من الأحكام الشرعيَّة وغيرها، وهو كتاب لم يعمل مثله)، وكتاب جامع الأخبار، وورد اسمه بلفظ (مجامع الأخبار) في بعض المصادر، وكتاب (الدرُّ والمرجان في الأحاديث الصحاح والحسان)، وذكر العلَّامة الحِلِّيّ هذا الكتاب في كتابه (خلاصة الأقوال)، وقد كتب الشيخ حسن بن الشهيد الثاني العامليّ كتاب (منتقى الجمان في الأحاديث الصحاح والحسان)، اختصر فيه إيراد هذين الصنفين من الأخبارعلى منهجية كتاب العلَّامة. وألَّف أيضًا مصابيح الأنوار، فقد ذكر فيه كلَّ فنٍ على أبواب، ابتدأ بما روي عن النبي محمَّد(صلَّى الله عليه وآله) ثم بعد، وما روي عن الإمام علي (عليه السلام)، وهكذا إلى آخر الأئمة (عليهم السلام)، وكتابة النهج الوضاح في الأحاديث الصحاح.ويعد فخر المحقِّقين (ت771ﻫ)، واحدًا من ثقاة الحديث، فروايته للحديث جاءت عن طريق والده . ولمع نجم أسرة آل معية وقد ظهر منها السيِّد جلال الدين القاسم بن معية (ت680ﻫ) وابنه السيد تاج الدين بن معية (ت776ﻫ) بحسب ما ذكره الحرُّ العامليّ في أمل الآمل. ولأسرة بني الأعرج اهتمام بعلم الحديث فعُدَّ السيِّد عميد الدين عبد المطلب الأعرجيّ (ت754ﻫ)، من أجلاء العلماء والمشايخ الثقاة في نقل الروايات والحديث النبوي الشريف. ولم يقتصر الأمر على هذه الكوكبة من العلماء والأسر بل اشتهر في مدينة الحِلَّة المئات من العلماء ممَّن اهتموا برواية الحديث الشريف وتدوينه وتدريسه. ومِن خلال متابعة تطور حركة مدرسة الحديث في مدينة الحِلَّة، يقول المامقاني" نجد أنّ الأهداف التي كانت تدفع علمائها للبحث في هذا العلم كانت كبيرة، فلم تقتصرعلى الاهتمام برواية الأحاديث النبوية الصحيحة عن الرسول الكريم(صلَّى الله عليه وآله) وحفظها وتدوينها، بل إلى ترجمة واقعية لما حملته هذه الأحاديث من قيمة علمية كبيرة لها أكبر الأثر على مجمل حياة الناس ورقيهم وتطور المجتمع الإسلاميّ، وسَمَوْهُ إلى مصاف المجتمعات المتحضرة ".