المراقد والمقامات الدينية

الجامعين... سيدة المدن الفراتية

الجامعين... سيدة المدن الفراتية

أم المحلات، وخاصرة الحلة، تقرأ بين جدرانها ذكريات الأمس ووقائع الدهور، يوم كانت مدينة تحف بها النخيل، ومرفأ للسفن تنقل البضائع والمعارف، وتأوي الغرباء ومن لا بيت له، فكانت عروس الفرات وجامعة المدن. ديوخانة السادة القزاونة عراقة الجذور شناشيل جامعينية لهذه التسمية -الجامعين تلفظ بالمجرور المثنى -عدة آراء. ولكن يستوقفنا رأي العلامة السيد هادي كمال الدين الذي يقول : سميت بالجامعين نسبة إلى وجود جامعين أثنين, هما جامع ومرقد الصحابي عبد العزيز بن سراي, وهو من أصحاب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام), إذ جرح في حرب صفين، واستشهد في هذا المكان، ودفن في المرقد الذي يحمل اسمه, والموجود لغاية اليوم قرب منطقة باب المشهد مجاور مقام الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام ), عند عودته من حرب صفين ومروره بمدينة الحلة، أما الجامع الآخر، فهو جامع ومقام الإمام جعفر الصادق (عليه السلام ) المتوفى سنة 148هـ, والذي كان مكانه على حافة نهر الحلة, ونقل سنة 1954م قرب مرقد العلامة أبي المعالي الفارسي الهيتي المتوفى بحدود 499 هــ, وما يزال أثره باقيا حتى يومنا هذا، ولوجود هذين الجامعين سميت المنطقة المحصورة والمجاورة لهما بـ (الجامعين). نقل المزيديون مقر إمارتهم من النيل إلى منطقة الجامعين التي تقع في الجانب الغربي من نهر الفرات في عهد الأمير صدقة بن دبيس، واتخذوها عاصمة عام (495 هـ)، وكان ذلك لعدة أسباب منها: رغبتهم بالإبتعاد عن المشاكل السياسية، فضلا عن الموقع المميز للجامعين والحلة من حيث قربها من المياه، وخصوبة أرضها، وكونها طريقا لقوافل الحجيج، واستمر بناء المدينة ثلاث سنوات، وحفر حولها خندق، وشيد لها سور، وازدهرت عمارتها، فكانت مقر الإمارة ومقصد الوافدين والعلماء والأدباء حتى باتت تنافس بغداد كما ينقل من أرخ لها في تلك الحقبة. سلالم لترتقي إلى بيوت المحلة مراقد العلماء في أزقة الجامعين مراقد مندثرة تطل من شبابيك البيوت ﺘﻌﺩ ﻤﺩﻴﻨﺔ ﺍﻟﺤﻠﺔ ﻭﻤﺭﻜﺯﻫﺎ ﺍﻟﺠﺎﻤﻌﻴﻥ ﻜﻤﺎ ﻴﻘﻭل إﺒﻥ ﺠﺒﻴﺭ (ﺠﺎﻤﻌﺔ ﻤﺭﺍﻓـﻕ ﺍﻟﻤﺩﻴﻨـﺔ ﻭﺍﻟـﺼﻨﺎﻋﺎﺕ ﺍﻟﻀﺭﻭﺭﻴﺔ)، وتوجد إشارات من بعض المؤرخين إلى وجود منطقة الجامعين قبل بناء مدينة الحلة، فقد ذكر ياقوت الحموي في معجم البلدان وجود الجامعين قبل تمصير الحلة، إﺫ ﻴﺭﺩ ﺍﻟﺨﺒﺭ ﺒأﻨﻬﺎ (ﻜﺎﻨﺕ أﺠﻤﺔ ﺘﺄﻭﻯ إﻟﻴﻬﺎ ﺍﻟﺴﺒﺎﻉ ﻨـﺯل ﺒﻬﺎ ﺼﺩﻗﺔ ﺒأﻫﻠﻪ ﻭﻋﺴﺎﻜﺭﻩ ﻓﻬﻲ ﺍﻟﻴﻭﻡ ﻗﺼﺒﺔ ﺘﻠﻙ ﺍﻟﻜﻭﺭﺓ)، كما ذكرها التنوخي المتوفى سنة (384 هـ) مؤلف كتاب (نشوار المحاضرة) الذي كان قاضيا في الجامعين، وذكرها ابن الأثير في حوادث(420 هـ) قائلاً إن أولاد عمومة دبيس بن علي أولاد حماد بن مزيد خرجوا عليه ونزلوا الجامعين ، وفي أحداث سنة (446 هـ) قال: إن خفاجة دخلت الجامعين فاستعان دبيس بن علي بالبساسيري فجاء بعسكره وأجلى خفاجة من الجامعين . وقد وصفها شاهد عيان، توفي قبل أن يؤسس صدقة الحلة السيفية بما يقرب من قرن ونصف، بأنها منبر صغير حواليها رستاق عامر خصب جدا، وقد أكد ذلك ما جاء عن إبن حوقل المتوفى في القرن الرابع الهجري عام (380 هـ/ 990م) بل زاد عليها فذكر إن مساحة أرض الجامعين تمتد على ضفتي نهر الحلة شرقا وغربا، وشمالا وجنوبا، حتى كانت تشمل موضع مدينة النيل، الحاضرة الأولى لبني مزيد. بقيت الجامعين بعد تمصيرالحلة من قبل سيف الدولة الأسدي سنة (495هـ), والتي حملت فيما بعد اسم الحلة السيفية محلة عتيدة، وعلى الرغم من زوال دولة بني مزيد، والهجمات المتعاقبة عليها إلا إنها بقيت محافظة على وجودها ومقصد الوافدين إليها، وينقل لنا الرحالة العربي إبن بطوطة الذي زار الجامعين سنة( 727هــ), وقال عنها في كتابه (تحفة الأنظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار): إنها مدينة كبيرة مستطيلة مع الفرات, وهو بشرقها, ولها أسواق حسنة جامعة للمرافق والصناعات, وهي كثيرة العمارة وحدائق النخيل منتظمة بها داخلا وخارجا, ودورها بين الحدائق, ولها جسر عظيم معقود على مراكب متصلة منتظمة فيما بين الشطين, تحف بها من جانبيها سلاسل من حديد مربوطة من كلا الجانبين إلى خشبة عظيمة مثبتة بالساحل ، وأضاف: إﻥ أﻫل ﻫﺫﻩ ﺍﻟﻤﺩﻴﻨﺔ ﻜﻠﻬﺎ إﻤﺎﻤﻴﺔ إﺜﻨﻰ ﻋﺸﺭﻴﺔ، ﻭﻫﻡ ﻁﺎﺌﻔﺘﺎﻥ أﺤـﺩﻫﻤﺎ ﺘﻌـﺭﻑ ﺒﺎﻷﻜﺭﺍﺩ، ﻭﺍلأﺨﺭﻯ ﺘﻌﺭﻑ ﺒأﻫل ﺍﻟﺠﺎﻤﻌﻴﻥ . مراقد ومساجد داخل الجامعين إن الجامعين اليوم تمثل مركز الحلة القديمة, وقد نقلت إلينا مشاهدات كبار السن, الذين إطلعوا على مدة تنظيم وفتح الشوارع، أنه كان يحيط بالجامعين من الجهة الغربية سور بني بطابوق بابل المدينة الأثرية, نقل إلى الجامعين بواسطة القفف النهرية, وكان ممتداً من واجهة نهر الحلة، ماراً بالشارع الذي يفصل الجامعين عن محلة (الجديدة) الحديثة، وللسور أبواب تغلق عند غروب الشمس, وعليها حراس يسهرون لحماية المدينة من الغزو. أزقة الجامعين الضيقة تحكي ماضي الحلة وتؤرخ لها, فما من واقعة أو حدث إلا وكانت البداية فيه والختام في هذه المحلة التي أسست لباقي أحياء الحلة بعد التوسع السكاني والعمراني للمدينة، ومازالت أبوابها الساجية القديمة ومنازلها المتلاصقة على حالها وكأنها مدينة تراثية منعزلة عن العالم، وأهم أزقة المحلة هي : عگد زرزور، وكمرة، ودبان، والدوري، والعزة، والحلاوية، والغيبية، والمعدان، وبيت زيني، والشط، وبيت المختار، وآل عوض، وبيت علوش، وتسمية هذه الأزقة جاءت من أسماء الأسر التي سكنت المحلة أو من المهنة التي زاولتها تلك الأسر أو غير ذلك . في هذه المحلة الهرمة بتأريخها الفتية بعطائها منازل تغور في الأرض, أوترتقي سلما للوصول إليها, وعلى الغالب فإن بيوتها بنيت على الطراز البابلي أو الشرقي فالممر الضيق يقودك إلى الباحة ذات الفناء المكشوف تحيط به غرف صغيرة ذات أواوين وأعمدة خشبية مزخرفة من جذوع النخل التي أكلها الزمن والأرضة, وقد تعزل غرفة الجلوس بواجهة خشبية (الأرسي) تنفتح على شبابيك خشبية متباينة الحجم تفتح أو تغلق إلى الإعلى أو على الجانبين، وكانت تسود هذه المحلة علاقات اجتماعية تسمو فوق كل شيء وبقيت شاخصة تستمد من الفرات بقاءها، ومن الله الرحمة، وتلتف بعباءة الزمن فتأوي من يشاء، وتودع من يشاء.

صور من الموضوع ...

يمكنم الاتصال بنا عبر الهواتف ادناه :
00964-7602320073
00964-7601179478
او مراسلتنا عبر البريد الألكتروني :
turathhi@gmail.com

للاستمرار، اكتب ناتج المعادلة الآتية :

للأسف، نتيجة خاطئة، حاول مجددا.


جاري التحميل ...

{{Msg.p}} ,
{{Msg.text}} .

لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثوان ...

جاري التحميل ...