تاريخ البصرة

البصرة في عيون رحالةٍ أوربيين

    البصرة في عيون رحالةٍ أوربيين

عند قراءتك تاريخ مدينة البصرة، يشدُّك ما كُتِبَ عنها، وينتابك بعض الفضول المعرفي، إذ تتمنى مشاهدة هذه المدينة بصورةٍ ثلاثيّة الأبعاد – إن صحَّ التعبير – أو على الأقل بطريقة تشعرك وكأنَّك تعيش كلَّ تفاصيل الحياة فيها، وهي تمرُّ بأحد أزمنتها التي انصرمت، فتحاول جاهداً أنْ تجمعَ كلَّ المعلومات المتعلّقة بها، كي تساعدك على تحقيق ما تصبو إليه، ولأجل المشاهدة التي تحاكي الواقع، لابدَّ من أن ترى المدينة من خلال عيون مَن شاهدها في تلك الأزمنة عن طريق وصفهم إيَّاها، وهنا يأتي الأمر المهم (الواصفون): مَن هم؟ فتارةً يكون الواصفون من سكّان المدينة نفسها من مؤرّخين وأدباء، وتارةً أخرى من مثقّفين، وتجّار، ومؤرّخين مولعين بالسّفر ممَّن زاروا المدينة واستقروا فيها مدَّةً من الزَّمن وهم مَن يُعرفون بالرحّالة، ولكلِّ صنفٍ منهم ميزته الخاصّة، والملفت للنظر هنا أنَّ (الواصف المحلّي) عند وصفه مدينتَهُ لا يوفَّقُ بنقل صورتها الحقيقيّة، لأنَّه نشأ معها، واعتاد أنْ يرى معالمها يومياً، على العكس من (الواصف الأجنبي) – الرّحّالة الأوربيين وغيرهم الذين زاروا البصرة – فقد اكتشفتْ عيونُهم ما لم تره عيون أبناء المدينة المحلّيين من مؤرّخين وشعراء وأدباء، وهذا ما يدفعنا لإثارة بعض التساؤلات التي نحتاج إلى إجاباتٍ عنها وهي: - ما الذي رآه الرّحّالة الأوربيّون في البصرة؟ - كيف وصفوها؟ - ما هي انطباعاتهم عن المدينة وأهلها؟ ولأجل الإجابة عن هذه التساؤلات لابدَّ من توطئةٍ بسيطةٍ تخصُّ الموضوع، تمهيداً للإجابة، فقد اجتمعت في البصرة عوامل عدَّة أكسبتها شهرةً واسعةً بين دول العالم وعملت على جذبِ عددٍ من الرّحّالة الأوربيّين لزيارتها واكتشاف إرثها الحضاري وتفقّد أحوالها عن كثبٍ، كان مِن أهمّها موقعها الجغرافي ووفرة خيراتها، التي كانت سبباً في لفت أنظار الكثير إليها. ففي نهاية القرن السّادس عشر بدأ توافد عددٍ من الرّحّالة الأوربيين على مدينة البصرة، وكان في طليعتهم الرّحّالة الإيطاليون، ثم الانكليز والبرتغال والفرنسيّون، الذين بدوا مولعين باكتشاف تراثها الغني وحضارتها العريقة، وقد حرص هؤلاء الرّحّالة على دراسة الأوضاع الاجتماعيّة والاقتصاديّة وحتى السياسيّة للمدينة، من خلال تماسّهم المباشر مع المجتمع البصريّ، فتكوّنت لديهم انطباعات خاصّة عنها، بيّنوها في وصفهم إياها وبتدوين مشاهداتهم عن سكّان المدينة وحياتهم وطباعهم. فقد كانت أوّل أرض وطأتها أقدام الرّحّالة الأوربيّين ووقعت عليها أبصارهم هي القرنة – أحد المدن الواقعة شمال البصرة – إذ كان معظم مَن قَدِمَ البصرةَ من الرّحّالة جاؤوا من بغداد بواسطة القوارب، وقد سحر نواظرهم منظر التقاء نهري دجلة والفرات في تلك المنطقة. فوصفوا البصرة منبهرين بجمال طبيعتها، مبيّنين صفاتها، راسمين ملامحَها، ناعتيها بأجمل الأوصاف، فها هي الرّحّالة والمؤرِّخة والأديبة (مدام ديو لافوا) تُشبِّهها بمدينة البندقيّة (المدينة الإيطالية الشّهيرة) واصفةً سيرها في شطِّ العرب وهي قادمة من المحمرة من خلال قطعة أدبية تُحاكي جمال وروعة ما تشاهده، إذ تقول:...ننظرُ إلى ضوء القمر الفضِّي بروعةٍ وافتتان كأنَّنا في البندقيّة... ولكن ليست هذه بندقية إيطاليا بل هي بندقية الأقاليم الاستوائية، فالسَّماء صافيةٌ رائعةٌ لا تجد فيها قطعة صغيرة من الغيوم، والبيوت مختفيةٌ تحت ظلال غابات النخيل الكثيفة وأشجار الليمون المثقلة بأثمارها ذات اللون الأحمر الجميل وأشجار الموز بأوراقها العريضة التي تزيد هذا المشهد روعةً وإبداعاً؛ والدور الواقعة على الضِّفاف يُخيَّل للمرء تارةً أنَّها تسبحُ في مياه النهر، وتارةً أخرى كأنَّها مُنتصبة على جانب سدٍّ ضيِّق بإباءٍ وإغراء. ومثلما كانت المواقع الأثرية في البصرة وثرواتها الطبيعيّة الغنيّة عاملاً رئيساً لاندهاش الرّحّالة الأوربيين بها، فقد عملت، أيضاً، طيبةُ أهالي البصرة ووداعتِهم وحُسن أخلاقهم وطباعهم على إبهار الرّحَّالة العرب والأجانب، وإعجابهم بأهلها وذكرِ صفاتِهم الطيِّبةِ في مدوّناتهم. فالرّحالة الفرنسيّ (تافرنييه) الذي زار العراق في القرن السّابع عشر، وسجل ملاحظاته عنه، ذكر البصرة في رحلته هذه حين مروره بها، مبدياً انبهاره ودهشته لِما رآه من طيبة أهل البصرة ووداعتهم ومتعجّباً من كرمهم وحسن معاملتهم الضّيوف، إذ يقول في ذلك: فأينما توجّهتَ فيها لقيتَ ترحيبًا، إذ يعمُّ المدينة الطمأنينة والنّظام حتى لتتمكن أنْ تتجوّل في شوارعها طول الليل من دون أنْ يعترضك أحد، أمَّا الرحَّالة البريطاني (تايلر) فقد ذكر ما لاحظه من طيبة أهل البصرة وحُسن أخلاقهم، من خلال اعترافه بمذكراته التي أوضح فيها بأنَّ الأوربيين لقنوا منذ نعومة أظفارهم أنَّ العربَ شعبٌ متأخِّرٌ، لكن ما شاهده في البصرة، من حُسن معاملة أهلها للضيوف وتعاملُهم الإنسانيّ مع الجميع، غيَّر تلك القناعات الخاطئة لدى الأوربيين. وممَّا لا شكَّ ولا ريب فيه أنَّ ما كتبه الرّحَّالة الأجانب عن طيبة أهلِ البصرة وكرمِهم وحُسن تعاملهم مع الغرباء لم يكن صفةً اتّصف بها فردٌ مُعيَّنٌ التقاه الرّحَّالة أثناء سفره، أو صفة لجماعة من ساكنيها فقط، بل هي صفةٌ عامَّةٌ امتازوا وعُرِفوا بها، كما أنَّ الرحَّالة لم يلتقِ ببعضهم ببعض، ولا بالمجموعة نفسها من الناس، فقد كان بينهم بونٌ شاسعٌ في الزَّمن والتوجُّه والاعتقاد، ولذا فإنَّ ذِكْرَ الرَّحّالة الصِّفات نفسها عن أهالي البصرة دليلُ شيوعِ هذه الصِّفةِ بين أهلها وهذا ما لمسوهُ منهم حقاً. فهذه هي البصرة، وهذه هي ملامح من وجهها الحقيقيّ، الذي وصفه بها الرَّحَّالة الأوربيّون، مثلما شاهدوها على حقيقتها. هاني نمر عجمي

صور من الموضوع ...

نأسف ، لاتتوفر اي صور عن هذا الموضوع حاليا.

يمكنم الاتصال بنا عبر الهواتف ادناه :
00964-7800816579
00964-7800816579
او مراسلتنا عبر البريد الألكتروني :
turathofbasrah@gmail.com

للاستمرار، اكتب ناتج المعادلة الآتية :

للأسف، نتيجة خاطئة، حاول مجددا.


جاري التحميل ...

{{Msg.p}} ,
{{Msg.text}} .

لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثوان ...

جاري التحميل ...