عبق الماضي وأصالته في متحف مرتضى كامل للتراث

سألنا الحاج مرتضى كامل ( أبا علي ) صاحب متحف مرتضى كامل للتراث رئيس مؤسسة ( تراثنا ) لإحياء التراث العراقي عن بدايات هذا المتحف . - أولاً أهلاً وسهلاً بكم في رحاب وأروقة هذا المتحف ، لاسيما وانتم توجهاتكم ومهامكم تصب في واقع التراث الذي يعتبر واحداً من أهم مرتكزات واهتمامات عملنا ، من خلال هذا المتحف العامر. نعم ، منذ أكثر من ثلاثين سنة بدأ اهتمامي بجمع المقتنيات والمدّخرات والتحف والنفائس التي تعود إلى الماضي السحيق ، ولا أُخفيكم من أنني من عائلة تعشق التراث ، وتعنى به ، بل تستشهد بكل ما هو قديم وعتيق ، إذا ما سلمنا أن توجهات الفرد العراقي هي تاريخية تراثية أيضاً ، لأنه دائماً ما يستحضر مواقف الأجداد الأباة ، والآباء الأوفياء .. نعم أساسيات هذا المتحف ورثتها من عائلتي ، ولكن القسم الأكبر كان عن طريق المتابعة للتحف والمقتنيات الأثرية والتاريخية القديمة ، فكنت أشتري كل ما هو نادر، ويحمل بصمة تاريخية، ويعزز أدواره التراثية التي تشير إلى حكاية أو موقف أو حادثة أو مشهد تاريخي ... والساحة العراقية - ولله الحمد- عامرة زاخرة بهذا التراث الكبير ، الذي تركه الأسلاف الأباة من الذين نعتز بهم ، ونتفاخر بأيامهم ، ونخلد مواقفهم المشرقة ، وهم مثار فخرنا ومحط اعتزازنا ومضرب أمثالنا .. ناهيك من مواقفهم التي تدلل على بصماتهم المشرقة، ولكن أستطيع أن أقول أنَّ التأسيس الرسمي لهذا المتحف بدأ قبل أكثر من خمس سنوات ، يوم انتقل المتحف من منطقة أبي الخصيب إلى ناحية سفوان . وما هو العمر الحقيقي لهذا المتحف ؟ أكثر من ثلاثين سنة ، لاسيما وقد انتقل مكانه من منطقة أبي الخصيب إلى منطقة سفوان الحدودية كما اسلفت ، باعتبار أن المكان كان صعباً، وأن المكان الذي يحتضن مثل هذه المشاريع يحتاج إلى طبيعة خاصة ، وأنتم أعلم بالتحف والمقتنيات التي تحتاج إلى طقس خاص بها وجو يتلاءم مع طبيعتها ، ولا أُخفيك أن حلم المكان المناسب كان يراودني ، على الرغم من المناشدات التي قدمناها الى الجهات المسؤولية العليا ، وهي سلسلة طويلة من المواعيد التي لم تحسم وللأسف الشديد ،. كما بودي أن أقول في هذا المجال : إلى أننا حصلنا على مباركة الدكتور ضرغام الاجودي وتشجيعه ،وقد وعدنا الرجل خيرا ، وهو المعني بأمر الثقافة والفنون والتراث بعدما لمسنا اهتمامه الشخصي وسؤاله المتجدد عن هذا المتحف . ماذا يعني لكم التراث ؟ يقول اهلنا : ( الماله اول ما له تالي ) ويقولون ايضا : ( عتيج الصوف ولا يديد البريسم ) للأسف يأتي حبنا وعشقنا واهتمامنا بالتراث في زمن ان الجهات المعنية غير ملتفتة إلى أهميته، ونلتمس لها العذر هنا ، كون البلاد تمر بسلسلة طويلة من المنعطفات والتحولات . لا أخفيك نحن ثلة من المهتمين في هذا الأمر من مختلف محافظات العراق ، نلتقي دوريا ، ونتكلم بحرص وحب وانتماء حول أمر التراث ، وهمّ التاريخ . نعم ، نحصل على التشجيع والتحفيز من بعضنا البعض ، لاسيما من المهتمين والمتخصصين ، ونجد أن ذلك يؤلف حافزا لنا ، انا هنا استحضر أسماء مشرقة ، وعمّال ودعاة تصب جهودهم الخيرة في مضمار الحفاظ على التراث وتأهيله وتطويره، مثل الأخوة القائمين على متحف (الأسلاف) للتراث في الحمدانية في محافظة نينوى ، والسيدة غادة والاستاذ أحمد الهيتي .. وأغلبهم يعملون بصورة وجهود شخصية ، وحققوا متاحف جاءت من مقتنياتهم ومخلفات أهلهم ، وهم يستشعرون ضياع الوثيقة والمعلم والتحفة التاريخية ، فيحرصون على مشاريع إقامة المتاحف ، والدور التراثية ، انطلاقا من شعورهم بالانتماء إلى هذا الوطن . والحفاظ على تاريخه وموروثه ، وتوقعهم أنه وبظروف متفاوتة قاهرة أخرى يتعرض هذا التراث لإتلاف أدواته ومقتنياته المادية ، وهنا تأتي الأهمية بضرورة إفراد أماكن خاصة لهذه الموروثات ، تتأكد بالمتاحف والخزانات التراثية . ما هو عدد القطع الأثرية التي يضمّها متحفكم ؟ أكثر من عشرة آلاف قطعة متنوعة ، في مجالات : الأسلحة والمدخرات العسكرية السيوف والبنادق والحراب والمدافع والقاذفات والدروع الواقية والاسلحة الشخصية وبنادق الصيد والبنادق الشخصية ، والعدد والقياسات والنواظير العسكرية المختلفة ، والصوتيات بأنواعها ، والافرشة الارضية والمعلقة واللوحات التراثية ، والشواهد الصورية التاريخية ، والمراوح بأنواعها التقليدية والكهربائية ، والابواب والمداخل الخشبية والحديدية ، والقطع النقدية وفق عصرها وازمانها ونقشاتها ، والدراجات الهوائية وبعض وسائل النقل البسيطة ، والزوارق بأنواعها المستخدمة ، وصنابير المياه القديمة ، والافرشة ، ومكائن الخياطة ، وآلات الغزل ، والكتب والمنسوخات والمخطوطات والصحف والمجلات والمطويات ، وأدوات الزراعة القديمة ، وأنواع سلال الخوص والصناعات السعفية ، والصور واللوحات القديمة ، وأجهزة الموبايل القديمة ، والتبريد ، والطبخ ، وأدوات الحلاقة ، وبعض الأجهزة المستخدمة في حياتنا اليومية القديمة، والمخاطيف والمجاذيف والصنارات ، وأجهزة الصيد بأنواعها ، والاقفال ، والدلال ، وأواني الطبخ ، والمغاسل ، وبعض الطابعات ، ونسخ من محفوظات الطباعة القديمة (اللاينوتيب) ، والبطاريات القديمة الفحمية والمضغوطة ، ورحى طحن الحبوب ... ولكن هنا ماذا يستهويك من هذه التحف والمقتنيات ؟ أنا أتوقف أمام لوحة (بانوراما) تمثل موقف ثوار ثورة العشرين الخالدة ، ومقاومتهم وتصديهم المشرف للاحتلال البريطاني ، وهي لوحة جسدها فنان قديم تمثل موقف الثوّار الأبطال ، ووقوفهم أمام الجنود المحتلين بمدافعهم وأسلحتهم، وهم يحملون الأسلحة البسيطة والفالة والمكوار مرددين الاهزوجة المعروفة : (الطوب احسن لو مكواري ) ويغرزون الحراب والرماح في صدور المعتدي الآثم ، والفالة التي غرزوها في قلب أحد قادة الاحتلال ، وهم يترنمون بالهوسة المعروفة : ( رد فالتنه اعتازيناها ... ) وهناك نرى الشخصيات الحوزوية التي رعت وباركت واشرفت على الثورة الخالدة ، والهمّة التي يتبناها الثوار بأسلحتهم ولباسهم العربي . كما أن هناك ومن ضمن مدخرات هذا المتحف الذي نعتز به هو سيف قديم يعود إلى سنين خلت ، وبعض الصناعات البصرية ، وبنادق من صنع بصري يستخدم للصيد يسمى البوري ، وثلاجة هي أول أنواع الثلاجات التي جاءت إلى العراق تملأ بواسطة النفط ، وغيرها مما ترون . هل ثمة حلم أو أمل يراودك في هذا المجال ؟ نعم ، فلطالما يراودني حلم تأسيس المدينة التراثية التي تتكفل بالتراث البصري الكبير ، وتعرف القادم على الأدوار التاريخية والتراثية لهذه المدينة العريقة، فبيوتات الشعر والقصب والطين وانتهاء بالآجر والبناء الحديث ، لوحات تاريخية تتحدث عن هذه الحقب الزمانية ، وعرض هذه المدخرات بشكل واسع يعطي الانطباع للزائر والسائح عن الادوار والمخاضات والانعطافات التي مرت على هذه المدينة ، اذا ما استحضرنا الحروب والكوارث التي مرت بها ، وهي كثيرة ، ولكنها لم تثن الادوار المشرقة لهذه المدينة الحية باهلها وتراثها الخالد . من يرتاد هذا المتحف ؟ الزيارات كثيرة ومتوالية ، ولكن الاكثر منها زيارة الاخوة المهتمين بالتاريخ والتراث ، وحب القديم ، فضلا عن السفرات العلمية للجامعات والكليات والمدارس ، وطلبة البحوث التاريخية ، والاساتذة المعنيين بالتراث والتاريخ والوثيقة والأثر .. ونحن بدورنا نعلن ومن خلالكم إلى أن أذرع هذا المتحف مفتوحة للجميع . هل أن دوام المتحف يومي ؟ انا متواجد هنا لاسيما ولي اهتمامات زراعية وكما ترون ، اليوم انني استقبلت عددا من الاخوة في كلية الزراعة بجامعة البصرة ، من الباحثين والمهتمين والاساتذة ، كما استقبل وفوداً عديدة ، لاسيما وشهدنا قبل فترة مؤتمراً جمع محبي المتاحف والتراث وهم يحرصون على التواصل فيما بينهم . ما هي أهم الشخصيات التي زارت هذا المتحف ؟ اقول : ان كل الشخصيات التي حلت في هذا المتحف هي مهمة ومرحب بها ومثار اعتزازنا ، لكنني استقبلت اخيراً وفداً يابانياً معني بالتراث والحضارة ، وكان على رأسه رجل معني بالتراث والوثيقة والمعلم التاريخي ، حط رحاله هنا ، ولقد سرّني ان القائم على الوفد الف كتابا عن البصرة باللغة اليابانية اسماه : (البصرة ، الماضي والحاضر ) وهذا الرجل يشغل منصب مدير الثقافة والتراث في اليابان . وما هي انطباعات هذا الرجل عن المتحف ؟ كان مبهورا ولكنه يشعر بالأسف ، نتيجة للإهمال التي تحظى بها المتاحف الشخصية ، مقارنة باهتمام حكومتهم هناك بالمتاحف الشخصية وغيرها . هل لديكم طريقة او آلية في الحفاظ على هذا الكم الكبير من التحف ؟ لا اخفيك أنَّ لكل تحفة خصوصيتها ، وطريقة خزنها ، انتم تعرفون أنَّ التحف تخزن في خزانات ومحفوظات ومشاجب خاصة بها ، تتناسب ونوع التحفة ، لا أخفيك أنَّ هذا الأمر مفقود عندنا ، ولكن أهم ما نخشاه في هذا الصدد هو جو البصرة الحار والجاف ، والذي من الطبيعي أن يؤثر على حياتها ، لذا أملنا كبير بان يتوفر لنا جو يتناسب والسقف الزمني لهذه التحف . هل اتصلت بكم جهات خارجية ؟ الكثير ، لا سيما من المؤسسات والمنظمات المعنية بالتاريخ والتراث والوثيقة ، ومنظمات من المجتمع المدني المحلية والاقليمية والدولية ، مصحوبة بعروض متنوعة، ولكننا نفضل أن نحتفظ ببصمتنا العراقية دائما ، وهي تشير الى منهجنا ورسالتنا ، استقبلنا وفودا من مصر وقطر والامارات العربية المتحدة وإيران والكويت واليابان ، ومنظمات دنماركية وكندية ، وكان المتحف يفتح أبوابه إلى أوقات ممتدة أبان دورة الخليج لكرة القدم . كلمة اخيرة ؟ نحن نشعر بالفخر ونحن نعزز درجات الشعور بالانتماء ، ونحث الحس الوطني داخل المواطن والزائر الكريم من خلال ما نجده من زيارات ، وهذا الشعور يجعلنا نزيد من اصرارنا في تعزيز دور هذا المتحف ...والحمد لله على هذه النعمة .

صور من الموضوع ...