المراقد والمقامات الدينية
جامعُ (نَهَرْ خُوزْ): عَطاءٌ إيمانيٌّ مستمرّ

قال تعالى: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ}( 1). أَدّت المساجدُ أدواراً مهمَّةً في حياة المجتمع؛ كونها أهمّ معالم المعرفة والحضارة الإسلامية، فكانتْ محطَّ أنظارِ كثيرٍ من الباحثين والمختصين, ومهوى قلوبِ المؤمنين. ومن المساجد البصريَّة التي لها أثرُها الكبيرُ في المجتمع جامعُ نهر خوز، الذي يُطلق عليه أحياناً (جامع السَّادة)، تمييزاً له عن غيره من المساجد في منطقة نهر خوز، ولا تَعني هذه التسمية أنَّه مختصٌّ بالسادةِ، بل هو بيت من بيوت الله يجمع أهلَ المنطقة والمناطق القريبة على الطاعة والعبادة والدعاء. الموقعُ وسنةُ التأسيس يقعُ جامعُ نهر خوز (جامع السَّادة)، في قرية (نهر خوز) التابعة إلى قضاء أبي الخصيب، وهو من المساجد القديمة في القضاء؛ إذ يرجع بناؤه إلى سنة (1936م)، وكان بناؤه - في بداية التأسيس - بناءً بسيطاً ومتواضعاً في منطقة (البلد)؛ إذ بُني من القصب أولاً، وبقي في موقعه لمدَّةٍ معينة من الزمن, ثُمَّ أُعيد بناؤه في منطقة النَّزْلَة ـ موقعه الحالي ـ في (نهر خوز)، وبُني - آنذاك - من الطين واللبن، ومرَّ بمراحل التعمير والبناء، حتَّى جُدِّد سنة (1993م) بإيعاز من آية الله العظمى الفقيه الشيخ محمد أمين زين الدين قدس سره، وكان القائم بأعمال البناء والعمران والمشرف عليهما المرحوم السيد عدنان بن السيد محمد بن السيد جاسم الكامل (رحمهم الله تعالى)، وكان وقتاً حرجاً، ولم تكن موادُّ البناء متوفِّرة آنذاك، ولكن، بتوفيق من الله وهِمَّةِ أهلِ المنطقةِ شُيِّد المسجدُ وأعيدَ بناؤهُ مرَّةً أخرى. وقد بُني المسجدُ على نفقة السادة، وهم كلٌّ من: السيد سلمان السيد حسن الكامل، والسيد علي السيد حسن الكامل، حفيدا السيد جاسم الكامل المعروف والمدفون في منطقة شط العرب، وكان يُدير العمل في ذلك الوقت السيد حبيب السيد حسن الكامل. دواعي تأسيسِ الجامعِ وأنشطتُه ولمَّا كان لابُدَّ من وجود داعٍ لتأسيس أيِّ مسجدٍ، فإنَّ الهدف الرئيس من تأسيس هذا المسجد هو إقامة الصَّلاة والذكر وعبادة الله تعالى، ولإحياء مناسبات أهل البيت عليهم السلام؛ إذ بإحياء ذكرهم تحيا القلوب. ومن الأنشطة الرئيسة للجامع ـ منذ تأسيسه ـ إقامة الصلاة، والعبادة، والاحتفال بالمناسبات الدينية، وكان له الفضل الكبير في نشر علوم آل محمد ‘ في قضاء أبي الخصيب، وكذا أُسَّس في المسجد موكبٌ باسم موكب شباب نهر خوز، يُحيي - من خلاله - أهلُ المنطقة جميعَ الشعائر الدينية التي أمرَ بها أهل البيت عليهم السلام، فكان مركزَ الإشعاع ومنارَ الهدى في منطقة أبي الخصيب، وشعلةً إيمانيةً متَّقدةً لا تخبو، كما كانتْ تُقام فيه صلاة الجمعة أيَّام آية الله الشيخ محمد أمين زين الدين والشيخ محمد طاهر الخاقاني (رحمهما الله)، أيَّام الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي. وفي وقتنا الحاضر، تُقام الدوراتُ القرآنيةُ لتربية الناشئة والشباب من أهل قرية نهر خوز والقرى القريبة، خصوصاً في العطل الصيفية، ويحضرها كثيرٌ من الشباب؛ لينهلوا من علوم القرآن ومعارفه، وكذا تُقام الدُّروسُ والمحاضراتُ الفقهية والعقائديةُ والأخلاقيةُ من قِبَل إمام الجامع. علاوةً على ما تقدم، كانتْ تعقدُ في زمن الشيخ محمد أمين زين الدين قدس سره ندواتٌ واحتفالاتٌ، منها: الاحتفالُ الخاصُّ بمناسبة ولادة الإمام الحسن عليه السلام، الذي تُدعى إليه عدَّة شخصيات باختلاف مشاربها، وكان عريفُ الحفل الذي يديره سنوياً هو الأستاذ المرحوم محمد علي إسماعيل، وهو مدرِّسُ اللغة العربية في البصرة . واليوم يوجد برنامجٌ عباديٌّ مُحدَّدٌ يُقام في كل ليلة، كالدعاء وزيارة للمعصوم وغيرهما, وتقام ـ أيضا ـ محاضرات توجيهية من قبل إمام الجامع، فمثلاً: يوم السبت محاضرة دينية، ويوم الأحد يُقرأ دعاء حديث الكساء، ويوم الأثنين تُقرأ زيارة عاشوراء، ويوم الثلاثاء يُقرأ دعاء التوسل، ويوم الأربعاء هناك محاضرة دينية، ويوم الخميس يُقرأ دعاء كميل، والجمعة محاضرة دينية، ويكون الجامع عامراً بالحضور عادة. أئمة الجماعة في المسجد أمَّ الصَّلاة في مسجد نهر خوز الشيخ عبد العزيز زين الدين رحمه الله، جاء بعده عددٌ كبيرٌ من العلماء والفقهاء، منهم: نجله العالم الجليل آية الله العظمى الفقيه الشيخ محمد أمين زين الدين قدس سره، ثُمَّ الشيخ محمد طاهر الخاقاني رحمه الله، ثُمَّ الشيخ علي زين الدين رحمه الله، واستمرت الحركةُ الدينيةُ تزدادُ نشاطاً في المسجد، واستمر ينشر علومه ومعارفه بين أوساط الناس؛ لوجود ثُلَّة من الشباب المؤمن في تلك المرحلة، وبعد وفاة آية الله العظمى الفقيه الشيخ محمد أمين زين الدين قدس سره، آلت التوليةُ إلى نجله العلّامة الشيخ ضياء الدين زين الدين (أعزَّه الله)، فكان يقيم الجماعة، ويُلقي محاضرات الوعظ والإرشاد في الجامع. وإضافة إلى ما ذكرنا من العلماء، فقد أَمَّ الصلاة في هذا المسجد المبارك كلٌّ من: الشيخ محمد محمد طاهر الخاقاني، والشيخ علي رجب، والشيخ حسن العصفور. خطباءُ المنبر الحسيني والمؤذنون وفيما يتعلّق بأبرز الخطباء الذين نالوا شرف حدمة المنبر الشريف في هذا المسجد، فقد كان يرتقي المنبر في هذا المسجد المبارك كلٌّ من: الخطيب الحاج أحمد، وكان هذا نهاية الأربعينيات وبداية الخمسينيات من القرن المنصرم، كذلك الشيخ عبد الستار الدكسن، والشيخ محمد رضا الدكسن، والشيخ صاحب الدكسن، والشيخ علي الدكسن، وآخرون. وأما أبرزُ مَن أذَّن في هذا المسجد، وصدحتْ حناجرُهم في هذا المكان المبارك، فهم: السيد كريم والسيد جعفر بن السيد حبيب الكامل، وكان يحتضن الجامع ويرجع إليه في بعض الأمور الفقهية، والسيد عدنان الكامل، وكذلك الحاج خليل موسى. أبرزُ الوجهاء وأما مَن يرتاد المسجد من الوجهاء وكبار السن الذين لهم التأثير البارز عند حضورهم، فيُذكر السيد سلمان وأولاده، (السيد عدنان والسيد داود والسيد كامل)، الذين كان لهم الدور الكبير في الجامع؛ إذ كانوا يُحيون المناسبات، ويُسهمون في خدمة الجامع وإحياء المناسبات الدينية، ويُحفِّزون الشباب ويدفعونهم نحو إحياء ذكر أهل البيت عليهم السلام وإبراز مظلوميتهم للناس. كذلك كان بيت الحاج علي والحاج عيسى والحاج موسى والحاج محسن والسيد جاسم والسيد حبيب، وكذلك من بيت السيد إبراهيم السيد توفيق، ومن بيت صيهود الحاج صيهود والحاج فالح الصيهود, وكذلك الحاج سلمان العاتي، الذي كان له دورٌ كبيرٌ في قراءة المقتل الحسيني يوم العاشر من المحرم، وكان له صدى في نفوس المصلين، والآن أحفاد الحاج سلمان العاتي على سِيرة جدِّهم في قراءة المقتل، منهم: حسين مؤيد الحاج سلمان العاتي. كذلك السيد زكي السيد عدنان الكامل. التطورُ العمرانيُّ للمسجد وبخصوص التطوُّر العمراني في المسجد، فقد مرَّ المسجد بمراحل عديدة - كما أسلفنا - ثُمَّ طوِّرَ الى ما هو عليه اليوم بعد أن تعرَّض إلى الهدم عدَّة مرَّات نتيجة تأثره بالحرب العراقية - الإيرانية في الثمانينيات من القرن المنصرم، ففي عام (1986م) تعرَّضتْ البصرة لهجومٍ إثر الحرب العراقية – الإيرانية، فانهار المسجد بكامله نتيجة القصف الذي تعرَّضتْ له منطقة أبي الخصيب. ويعود تاريخ ما نراه اليوم من بناء للمسجد إلى سنة (1993م)؛ فقد شُيِّدَ على مساحة طول الحرم فيها (22م) وعرضه (12م)، أما مساحة المسجد وملحقاته، فتبلغ أكثر من (600 م2) ، وفي النية إنشاء مكتبة لخدمة أهل القضاء ورفدهم بالمعلومة المفيدة. وقد بُني مغتسلٌ في سبعينيات القرن الماضي قرب الجامع تابعٌ له، ويقصده الناس من أطراف مدينة أبي الخصيب لتغسيل موتاهم فيه، ويعمل فيه أناس متفقِّهون في هذا المجال، لا يبتغون من عملهم هذا إلَّا الأجر والثواب من الله تعالى جزاهم الله الخير كله. ويبقى مسجد نهر خوز ـ كسائر مساجدنا ـ مستمرا بأداء رسالته الدينية والثقافية، يجمعُ الشباب المسلم والملتزم بتعاليم الدين الحنيف، ويواظبُ على إحياء المناسبات الدينية، ومصداقا لقوله تعالى {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوّ وَالاَصَالِ * رِجَالٌ لاّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَإِقَامِ الصّلاَةِ وَإِيتَآءِ الزّكَـاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأبْصَارُ* لِيَجْزِيَهُمُ اللّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ وَيَزِيدَهُمْ مّن فَضْلِهِ وَاللّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}( 2). ( 1)التوبة: 18. ( 2)النور: الآيات 36، 37، 38. ياسين يوسف اليوسف
صور من الموضوع ...
نأسف ، لاتتوفر اي صور عن هذا الموضوع حاليا.