مكتبات عامة او شخصية
دور المكتبات العامة في البصرة ، المكتبة المركزية العامة أنموذجاً

"عالم المكتبات هو العالم الذي أعيش فيه لأنّه هو الكون كلُّه وهو الحياة بما خفي منها وما ظهر، وهو امتداد الحياة إلى الخلود" عبارة رائعة قالها عباس محمود العقّاد. إنَّ المكتبة بمفهومها المعاصر هي أداة تربوية وتثقيفيَّة وتعليميَّة؛ لأنها تؤدي دورا حيويا وفعَّالاً من خلال ما تُقدِّمه من خدمات وأنشطة وتصبُّ في تحقيق الأهداف الثقافية والتعليمية كما أنَّ لها أهمية ودوراً عبر العصور المختلفة في رفد المجتمعات البشرية والشعوب بأسباب رقيها وتطورها ومقوّماتهما. مسيرة وتأريخ يعود تأسيس المكتبات العامة في العراق إلى جهود نخبة من العراقيين المحبِّين للعلم والثقافة في سنة 1920م, فقد كانتْ وزارة المعارف (التربية) هي المسؤولة إدارياً وفنياً ومالياً عن تأسيسها. ويعود تأسيس المكتبات العامة في البصرة إلى سنة 1936م، إذ كانتْ, مكتبة المعارف ــ المكتبة المركزية العامة حالياً ــ النواة الأولى للمكتبات العامة في المحافظة, وعليها يتردَّد الناس من محبي العلم وعشاق المعرفة ليتبادلو فيها آراءهم الأدبية والاجتماعية بما يحقِّق خدمة فئات المجتمع جميعا. وكانتْ بناية المكتبة تشغل داراً تقع في شارع العزيزية وتُدعى (بمكتبة المعارف), وفي سنة 1957م شَيَّدتْ الإدارة المحلية بناية المكتبة العامة المجاور لبناية المحافظة القديمة، وكانتْ تُدعى (مكتبة اللواء المركزي)، وفي عام 1983م شَرعتْ المحافظة ببناء المكتبة في مكانها الحالي ونقلتْ محتويات المكتبة إلى البناية الحالية وحملتْ أسماً جديدا هو( المكتبة المركزية العامة ). ومن أمناء المكتبة المركزية العامة حسب الترتيب الزمني، السيد محيي الدين الرفاعي والسيد مالك حسن والسيدة عالية محمد باقر، وأما أوائل الموظفين فيها، فهم المرحوم عبد الأمير عباس راشد والسيد حبيب عبد المطلب والسيد عيسى أيوب عيسى. يؤمَّها الباحثون والأساتذة والطلاب يومياً وينهلون من كتبها (المراجع) الموجودة فيها, ويأتون إليها من مختلف أنحاء البصرة (العشار، والزبير، والجزائر، والجمهورية، والهارثة ، وبقية مناطق البصرة المختلفة)، ولاسيما في فصل الدراسة والامتحانات, من طلاب الجامعات والمعاهد والإعداديات. وقد زارها نخبة من طلائع الفكر والأدب أمثال الدكتور حسين محفوظ والشيخ جلال الحنفي ووفود من أساتذة جامعة بغداد والمستنصرية – قسم المكتبات, حيث دُهشوا بالحركة المكتبية الفعَّالة والمتطوّرة بالمكتبات آنذاك, وكان من زُوَّار المكتبة وأصدقائها المؤرخ حامد البازي والأستاذ شيخ المكتبات - كما يطلق عليه اصحاب المكتبات في البصرة - المرحوم عبد الجبار عبدالرحمن وكثير من الاساتذة والباحثين في جامعة البصرة الذين كانوا يُزوِّدون المكتبة بالرسائل والاطاريح لتوثيقها في المكتبة العامة. وكانتْ إدارة المكتبة تحظى بصداقة نخبة من رجال الفكر والأدب والمفكرين الذين لهم اهتمامات بالفكر والثقافة ممَّن ينشرون أبحاثهم ومقالاتهم في صحف البصرة, ولولا جهود هؤلاء الكُتَّاب والباحثين لما استطاعتْ المكتبة العامة أن ترى النور. وكانتْ المكتبة تُقدِّم خدماتها المكتبية للجميع بمعدل اثنتي عشرة ساعة يومياً، على فترتين صباحية ومسائية، بسبب كثرة المرتادين لها, وتُحدَّد هذه الخدمات(بالإعارة الداخلية والخارجية) وتوفير مستلزمات المطالعة لروادها من القُرَّاء. وفي الجانب الإداري تُشرف على هذه المكتبات مديرية المكتبات التابعة للإدارة المحلية في محافظة البصرة, فهي تزود المكتبة بالكُتب والصحف وغيرها من أوعية المعلومات, وكانتْ اللجنة المحلية للمكتبات العامة تتألف من سبعة أعضاء مهمَّتها النظر في رسم سياسة المكتبات ووضع الخطط السنوية وتخصيص الاعتمادات المالية اللازمة, وكانتْ هناك لجان تنسيق وتعاون بين المكتبات العامة والجامعية والمدرسية . وتحتوي هذه المكتبات على مجاميع ضخمة من الكتب في مختلف حقول المعرفة من كتب دينيَّة وتاريخيَّة واجتماعيَّة واقتصاديَّة وعلميَّة وتحتوي أيضاً على مجاميع من الصحف والدوريات العراقية والعربية . أحداث مرتْ بها المكتبة من الأحداث المؤلمة التي مرتْ بها المكتبة المركزية العامة في البصرة تعرضها لسرقة كتبها وأثاثها في عام 1991م، وكذلك عام 2003م فقد كان صباح يوم 6/ 4/2003م في البصرة مختلفاً عن باقي الأيام الأخرى, فكان أزيز الطائرات وأصوات المدرعات يُسمع في مناطق متفرقة في المحافظة، وقد أخذنا على عاتقنا مسؤولية حماية إرث مدينتنا الثقافي من الضياع وعملنا جاهدين لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من المخطوطات النادرة والكتب المهمة, فقمنا ـ بمساعدة بعض الإخوة ـ بنقل كتب المكتبة إلى منازلنا الخاصة في ليلة 17/4/2003م، وبعدها تعرضتْ المكتبة إلى الحرق من قبل مجهولين, فكانتْ خسارة ثقافية لا تعوض، وهذا ما لفتَ نظر مراسلة أمريكية أثناء مرورها قرب المكتبة, فشاهدتنا ونحن نقوم بنقل عشرات الكتب من داخل المبنى, وسجلتُ هذه اللحظة التاريخية التي أثارتْ انتباه العالم إذ نُشر الخبر في صحيفة نيويورك تايمز, وقامتْ إحدى المؤلفات بتحويلها إلى قصة للأطفال تتحدث فيها عن السيدة البصرية التي أنقذتْ مكتبة في العراق (البصرة) وترجمتْ القصة إلى العديد من اللغات العالمية ، وعلى إثر ذلك بدأتْ مرحلة إعادة إعمار المكتبة وتأثيثها, فباشرنا العمل فيها بتأريخ 10/10/2004م ،ومن هنا بدأ دعم المكتبة بمجموعة كبيرة من الكتب والقصص الخاصة بالأطفال، تم توزيعها على الكثير من المكتبات العامة في البلد. أهم الخدمات التي تقدمها المكتبة المركزية العامة 1- خدمة الارشاد: وهي خدمة توضيحية ترتكز على أسس ومبادئ تهدف إلى توعية القارئ وإرشاده إلى أهم مصادر المعلومات والمواد المكتبية وكيفيَّة استخدامها مع الشرح الوافي لشروط الاعارة والاستخدام الأمثل للمواد المكتبية. 2- خدمة تقنية المعلومات: التي هي واحدة من أهم وظائف المكتبة في مجتمع المعلومات والمعرفة المعاصر؛ فهي تتيح للقارئ الابحار في عالم واسع من العلم والمعرفة واقتناء كل جديد ومثير مما يحتاج له القارئ اليوم. 3- خدمة الدوريات: تقوم المكتبة باقتناء بعض الدوريات المحلية والعربية في مختلف المجالات وتقدمها للقارئ عبر قاعة مخصصة لها . 4- خدمة الإعارة: التي تكون على تماس مباشر بالمستفيدين وتسمح بمعرفة احتياجاتهم إلى المعلومات, وتلبية طلباتهم بجميع الاختصاصات وهي من أوسع الخدمات المقدمة حيث تتيح للقارئ استخدام المواد المكتبية سواء داخل قاعة المكتبة للاطلاع والبحث وهذا ما يطلق عليه (الاعارة الداخلية) أومن خلال (الاعارة الخارجية ). 5- خدمة المواد السمعية والبصرية : وهي في بداية النشوء وتضم أشرطة وأقراصا. 6- مكتبة الطفل: أُنشئتْ حديثا بجهود إدارة المكتبة المركزية العامة مكتبة خاصة للطفل تتضمن العديد من المواد المكتبية (كتب و صحف و مجلات وأجهزة حاسوب ) ووسائل مكتبية أخرى مخصصة للأطفال الذين تتراوح أعمارهم ما بين السابعة والثالثة عشرة وتضم هذه المكتبة مجموعة من القاعات منها مخصصة لتعليم اللغة والرسم مجهزة بالمستلزمات الضرورية، واخرى قاعة الدوريات ( الصحف و المجلات )، وثالثة مخصصة للمطالعة تحتوي على أكثر من 3000 كتاب، ورابعة مخصصة للحاسوب تقام فيها دورات تدريبية للأطفال، وخامسة عبارة عن مطعم فيه مناضد وكراسي مناسبة للأطفال . التصنيف : تستخدم المكتبة أحدث الأنظمة العالمية في مجال التصنيف والتنظيم وتعتمد على نظام ديوي العشري الذي يوفر العديد من الميزات أهمها سهولة استخدام الكتب والوصول إليها من رواد المكتبة والموظفين كما أنَّه نظام مرن ومنطقي يؤدي لتنظيم الكتب والوثائق في المكتبة بشكل هرمي حسب موضوعاتها واشكالها . تقوم فكرة النظام على ترتيب الكتب حسب موضوعاتها وضمن عشرة أقسام معرفية رئيسة تبدأ بالعموميات وتنتهي بالتأريخ والجغرافية. وتستقبل المكتبة فئات المجتمع جميعا, إلا أنَّ أكثر الفئات إقبالاً هي فئة الطلاب ثم المهنيون ورجال الأعمال وربَّات البيوت. للمكتبات العامة دور مهم في عملية التنمية وإرساء مجتمع المعرفة وتنمية ثقافة المعلومات بين أفراد المجتمع، إذ لم تعد مواقع لتخزين أوعية المعلومات وعرضها بصورة تقليدية او لقضاء وقت الفراغ والتسلية بل أصبح لها أثر كبير في العملية التقنية والإعلاميَّة والتعليميَّة وفي دعم الانتاج الفكري مثل الاطروحات الجامعية والكتب والدراسات المنشورة في الدوريات فهي ملجأ لطلاب المعرفة، وكي تحقق المكتبات العامة أهدافها وغاياتها في عصر التقدم التقني الهائل لابد أن تتكامل ركائزها من موارد بشرية ومادية وتكنلوجية وأن تواصل المكتبات أنشطتها الثقافية لتشجيع ثقافة الحوار وتنمية الوعي المعلوماتي وتطوير خدمات الإعارة الخارجية وزيادة عدد الحواسيب المتاحة للباحث في الفهارس ودعم التعاون بين المكتبات العامة والسعي للارتقاء وحملات توعية ثقافية مكثفة واسعة النطاق في هذا المجال بخلق جيل مثقف وواع يستطيع أن يواجه التطور الهائل في المعلومات . ويبقى الكتاب والمستفيد هما المحوران الرئيسان للمكتبة وبشكل عام أن جميع أنشطة المكتبات العامة وخدماتها تهدف إلى تنمية روح البحث والابتكار والابداع وتعزيزها, كما تطمح المكتبات العامة إلى المزيد من التواصل مع مختلف المؤسسات والهيئات البحثية خدمة للبحث العلمي وتطويره. عالية محمد باقر
صور من الموضوع ...
نأسف ، لاتتوفر اي صور عن هذا الموضوع حاليا.