المراقد والمقامات الدينية
جامعُ الزهراءِ "عليها السلام" من التُّحَفِ المعماريَّة في البصرة

لأهميَّة المساجدِ وفضلِها ومكانتِها في الإسلام، ذكرَها اللهُ تعالى في أكثر من موقعٍ في كتابِه العزيز، وأكّد فضلَها وعمارتَها، وزادَ من شرفها؛ إذ نسبَها إلى ذاتِه المقدّسة، فهي بيوتُه تعالى دورُ عِبادتِه، وأماكنُ تسبيحِه وتقديسِه، يشعرُ فيها المرءُ بالتذلُّل والخشوع إلى بارئِه تعالى، ويرغبُ في ما عندَه من الأجرِ والثوابِ الجزيل. ومن هذه المساجدِ جامعُ الزهراء (عليها السلام) للحاج (طوينة) في قضاء الزبير. الموقعُ، والمؤسِّسُ، والتأسيس يقعُ المسجدُ الذي تسمّى باسم الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (عليها السلام) في قضاء الزبير –محلّة العرب-، وقد أسسه المرحوم الحاج (طوينة عودة رحمه الله تعالى)، سنة (1945م)، وكان الهدف الأساس من تأسيسِه هو إقامةُ الصلاةِ، فَضلاً عن إحياءِ الشعائرِ الحسينيةِ، و نشرِ الوعيِ الدينيِّ والثقافيِّ والعقائديِّ لمذهب أهل البيت (عليهم السلام) في المدينة. وقد مرّ المسجدُ بعدَّة مراحلَ عُمرانية؛ فقد بني أول ما بني من الطين واللّبن كما هو المعهود في غيره من الأبنية في ذلك الزمان، ثمَّ أُلحقت به عدّةُ أبنية إضافية بعد ذلك. وقد كانَ للمسجدِ عند تأسيسِه منارةٌ متواضعةٌ من الخشب، وبعد إعادة بنائِه، بلغ ارتفاعُ منارتِه (30) مترا ، وشيّد المسجدُ من الكونكريتِ المسلَّحِ والطابوقِ، وغُلّف بالحجرِ الأبيضِ، وقدْ نُقش بنقوش إسلاميّة زاهية جميلة. يقعُ المسجدُ على مساحةٍ كلّيةٍ تبلغُ (950م2)، بمساحة حرم تبلغ (300م2)، ويضم عدّة أواوين، وقد ارتكز بناؤه على أربعة عشر عموداً، ويذكر أنّ من أبرزِ البنّائين الذين أسهموا في بنائه هو البنّاء الحاج (أبو رافد العامريّ). أنشطةُ المَسْجد للمسجدِ عدّةُ أَنشطة، ففضلاً عن إقامةِ صلاةِ الجماعةِ، يقومُ العاملونَ فيه بمعيَّة المتولي الحاج (محمد جعفر الحاج طوينة) بإحياءِ المناسباتِ الدينيةِ، من شهادات وولادات أهل البيت (عليهم السلام)، وإقامةِ الندواتِ الثقافيةِ والفكريةِ. وكذا توجدُ مكتبةٌ خاصةٌ بالمسجد باسم السيّد الإمام الخوئي(قدس الله سره الشريف) تضمُّ بعضَ الكتبِ والمخطوطاتِ والوثائقِ الخطّيّةِ المهمّةِ، التي تعرّض الكثير منها – ومع الأسف - للسرقةِ والسلبِ والتخريبِ من قبلِ العابثينَ. علاوة على ما تقدم، يضم المسجدُ مدرسةً للعومِ الدينيةِ باسم (مدرسة الامام الصادق عليه السلام)؛ لنشر فضائل وعلوم آل محّمد (عليهم السلام)، وكذا يضمّ المسجدُ مغتسلاً، كلُّ ذلكَ خدمة لأهالي المنطقة وغيرها. أَبرزُ الشَّخصيّاتِ العُلَمائيَّة وأعلامِ المنبرِ الحسينيِّ التي زارَت المسجد؟ إذا أردنا التطرقَ إلى أبرزِ الشخصياتِ العلمائيةِ التي زارت المسجدَ فالقائمة تطولُ، ولكنَّنا سنقتصر على بعض تلك الشخصيات. فمن الشخصياتِ البارزةِ آية الله السيّد (أمير محمد القزويني)، والميرزا (محسن الفضلي) قدس الله سرهما، وأما أعلام المنبر الحسينيِّ، فنذكر منهم: الشيخ هادي الكربلائي، والشيخ مرتضى الوائلي، والشيخ الشهيد محمد علي الإيرواني، والشيخ السيد محمد جعفر الإيرواني، والشيخ حسن الأسدي، والشيخ طارق الديراوي، والشيخ عبّاس الدكسن، والشيخ عبد المجيد السيمري، والشيخ الشهيد حسن الكوفي، والشيخ صالح الدجيلي، رحمهم الله جميعاً وغيرهم، أما اليومُ، ففتحَ المسجدُ أبوابَه أمام خدّام الإمام الحسين (عليه السلام) من خطباء المنبر الحسيني المقدس، كالسيد جاسم الطويرجاوي (حفظه الله) وغيرِه من الخطباء البارزين الذين يفدون البصرة. وبخصوصِ أبرزِ الوجوهِ والشخصياتِ المؤثرةِ في المسجد، فنذكرُ الشيخَ الشهيدَ (عبد الزهراء التميمي)، والوجيهَ الحاجَّ (حسن عبيد الصرايفي)، والحاجَّ (مناتي الظالمي)، والحاج (عبّاس مجلي الزركاني) رحمهم اللهُ جميعا. أما الشعراءُ والرواديدُ، فقد كانَ لهم دورُهم في خدمةِ الإمامِ الحسينِ (عليه السلام) من خلالِ هذا المسجدِ المباركِ، وكان من بينهم: الملّا جليل الكربلائي، والملّا نصر الكربلائي، والملّا حميد التميمي، وآخرون، ومن الشعراء: السيّد سعيد الصافي، وأبو محمّد المياحي، والأستاذ ناظم الحاشي، وآخرون. أَئِمَّةُ الجماعةِ، وأبرزُ المؤذِّنين والخدم توالى على إمامة الجماعة في المسجد كلٌّ من الميرزا محسن الفضلي (رحمه الله)، و حجةِ الإسلام والمسلمين السيّد مير علي أو أمير محمد علي القزويني (أعزه الله)، والشيخ الشهيد عبد الزهراء التميمي (رحمه الله)، والشيخ سالم سلطان -أيده الله-. أمّا عن أبرز من أذّن في المسجد، فهم : الملّا عبد الله الحسّاني، والملّا الحاج عبد علي علوان لأكثر من خمسين عاماً، والملّا حميد المالكي، والملّا عدنان الشريفي، والحاج إبراهيم ياسين. أيّامٌ عَصيبَة منذُ بناء المسجدِ وتأسيسه عام (1945م) تعرّض إلى مضايقاتٍ وتهديداتٍ كثيرةٍ، حتى أنه تعرَّض للهدم أيضا، إلّا أن إيمانَ وإصرارَ العاملين عليه ـ وبالخصوص مؤسس الجامع المرحوم الحاج (طوينة) ـ أدّى الى إعادة بنائِه من جديد، وتحقّق ذلك في فترة قصيرة بعد هدمه، ومنذ ذلك الحين تعرّضَ المؤسسُ إلى عدّة محاولاتِ اغتيال، وكذا تعرّضَ إلى السجنِ في زمنِ النظامِ البائدِ، وقدْ وصلت المضايقاتُ حداً من الكثرة لا يُحصى عددُه ، بَدءاً بمنعِ الصلاةِ فيه والاعتقالاتِ بين صفوفِ المصلين، وزجِّ البعضِ منهم في غياهبِ السجونِ، مرورا بإعدام البعض منهم واستشهادهم في هذا السبيل. وفي عام (1991م) تعرضَ المسجدُ إلى هجومٍ مسلحٍ من قبل قواتِ صدامٍ الأمنيةِ المجرمةِ، وعلى أثرها تعرّضَ إلى الهدمِ والتخريبِ والسلبِ مرةً ثانيةً من قبل البعثيين، وفيها تعرّض المؤسّسُ إلى الاعتقالِ هو وأبناؤه. وفي عام (2000م) أُعيد البناء من جديد، وآخرُ ما تعرَّض له المسجد من أعمال عدوانية مقيتة كان في عام (2013م)، عندما تعرض الى الاعتداء الآثم بالتفجير الذي استهدفَه من قبل قوى التكفير والظلال، وعلى إثرها سقطَ الحاجُّ (ثامر سفيح) شهيداً، ومعه عشرات من الجرحى من المصلّين. وبما أنَّ المساجدَ هي مدارسُ لتربيةِ النفوس وتزكيتها، فقد خرّجت الكثيرَ من الأنفسِ الطاهرةِ التي نالت شرفَ الشهادة، وهكذا هو الأمر مع مسجد الزهراء (عليها السلام)؛ فقد قدّم كوكبةً من الشهداء، نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر: الشهيد حجّة الإسلام والمسلمين الشيخ عبد الزهراء التميمي، والشهيد صلاح أقران، والشهيد جابر عدّاي، والشهيد هادي وأخوه الشهيد صالح ابنا الحاج عودة الجسّاب، والشهيد عباس فالح محمد صالح، والشهيد ثامر سفيِّح، والشهيد ضياء مزهر، والشهيد يحيى حميد رومي، والشهيد أحمد شاكر خضير، والشهيدة إيمان شاكر خضير، والشهيد الحاج يونس أبو أحمد، وما زال عطاؤه مستمراً لا ينضب. ياسين اليوسف