شخصيات

إبراهيم الوائليّ البصريّ أديباً وناقِداً

إبراهيم الوائليّ البصريّ أديباً وناقِداً

عندما نتحدّث عن البَصرة، لابدَّ أن يجرَّنا إلى الكلامِ عن جمالها ونخيلِها وكثرةِ أنهارِها، ممّا جعلَها عبارةً عن واحةٍ واسعةٍ يتسامرُ على جمالها الأُدباءُ والشعراءُ والكتّابُ قَديماً وحديثاً، على الرُّغم ممّا حدثَ عليها من عادِيات الزمانِ، وجعلَها تفقدُ الكثيرَ من ملامِحها السابقةِ؛ بكثرة نخيلِها واشجارِها وبساتينِها العامِرة . وإذا أردنا الحديثَ عن أدباءِ البصرةِ، فسنبدأ ولا ننتهي؛ لكثرةِ عددِهم، ولكنْ، نسعى جاهدينَ الى تسليطِ الضوءِ على أبرزِهم، ممّن كان لهم إسهامٌ واضحٌ في الأدبِ البصريِّ والعراقيِّ بشكلٍ عامٍّ، لعلَّنا نستطيعُ أن نفيَ بعضَ حقوقِهم، وإحياء تراثِهم الزاخرِ بالعطاءِ، والثريِّ بالموادِّ العلميّةِ والفكريَّةِ والأدبيَّةِ. ويُعدُّ إبراهيم محمّد الوائليُّ أحدَ أولئِكَ الأُدباءِ والنقّادِ، الذين تركوا بَصَماتٍ واضحةً في ميدان الشّعر والنّقد. وهو أديبٌ فاضلٌ، وكاتبٌ مُبدعٌ، وشاعرٌ حرٌّ . وُلِد إبراهيم الوائليُّ في قَريةٍ من قُرى شَطِّ العَرَبِ بالبَصرة عام 1914م، وهو ابنُ الشيخ محمّد، الشهيرُ بحَرج الوائليّ. وبعد أن تعلَّمَ قراءةَ القرآنِ الكريمِ في كُتَّاب القَريةِ على السيِّدِ عُمرانِ الحلوِ، إنتقلَ إلى النّجف، وتتلمَذَ على عُلمائِهـا، وقد كانَ رفيقَ والدِه في السّفرِ والحَضَر، ووالدُهُ من الأعلام الذينَ بَرزوا في وَسَطهم، ونالوا مكانةً في العِلمِ والفِقه. وقد شاركَ الأديبُ إبراهيمُ الوائليُّ في مجالسِ النّجف ونواديها ـ كالرابطةِ الأدبيّةِ، ومنتدى النَّشرِـ بقصائدِه الشعريَّةِ، ومُطارحاته الأدبيَّةِ، وفي بغدادَ، تخرَّجَ من مدارسها ( 1)، وسافرَ إلى القاهرةِ؛ ليحصلَ على شهادةِ الليسانسِ من كليّة دار العلوم عام 1949، ثمَّ شهادةِ الماجستير عام 1956، عن دراسته: (الشعرُ العباسيُّ العراقيُّ في القرن التاسِعَ عَشَر) ، ثم الدكتوراه . وقد عَرَفَته معظمُ الصحفُ العربيّةُ بما نَشَرَ فيها من شعرٍ ونثرٍ، ولم ينقطع عن نَظمِِ الشّعرِ خلالَ إقامتِه بمصرَ، بل نَظَمَ هناكَ ما يزيدُ على الألفِ بَيت. وقد درّس في جامعاتِ بغدادَ ربعَ قَرْن ، كان فيها أستاذاً رائداً ، قبلَ أنْ يتقاعَدَ عام 1983، بعد أن أثقلَ عليه المرضُ ، ولكنّه ظلَّ يوافي الصَّحافةَ المحليّةَ بتصويباتِهِ اللغويّةِ لكتابات المثقَّفين. من كتبه: - ثورةُ العِشرين في الشّعر العراقيّ. - إضطرابُ الكَلِمِ عند الزَّهاوِيّ. - ديوانُُ الشّرفيّ. - مِن لَقيطٍ إلى اليازجيّ. - الشعرُ العراقيُّ وحربُ طَرابلس. - الزَّهاويُّ وعَصرُ السُّلطان عَبد الحَميد. - الثّورةُ العراقيّة. - الشعرُ السياسيُّ العراقيُّ في القرن التاسِعَ عَشَر. ومن كتبه المخطُوطة: - الرّاحلون. - الزَّهاويُّ في شِعرِه السّياسيّ. - لَهْجَةُ الريفِ في البَصرَة وعَلاقتُها باللغةِ الفَّصيحَة (2 ). نَموذَجٌ مِن شِعرِه: إنمازَ الوائليُّ في شِعرِه بظَواهرَ كانت تبدو عليه في الصِّغرِ، منها: رصانةُ التّعبيرِ، وقوَّةُ الدّيباجةِ، وَضَخامَةُ اللفظِ، وتصويرُ الفِكرة الجَديدَة، وإليكَ نماذجُ من شِعرِه تُعرِبُ عن ذلك بوضوحِ قولِه، وعنوانها (من وحي الامام)، نَظمَها عام 1945م، بمناسبة ذكرى وِلادة الإمامِ عليٍّ (عليه السلام): صَهرَ النُّبوَّةِ حَسبي مِنكَ إيحاءُ دنياكَ صَوتٌ ودُنيا الناس أصداءُ آمَنتَ بالحقِّ لم تَعصِف بموكِبِه هوجُ الخُطوبِ ولمْ تفللْهُ أرزاءُ الى آخرِ القصيدة. وقالَ في واقِعَةِ كَربَلاء ( 3): يا يومَ وَقْعةِ كَربلاءَ كفى أَسىً الاّ يطاقُ تصبّرٌ وتجلُّدُ ودمُ الحُسينِ الطُّهرِ كلَّ عشيَّةٍ شَفَق بآفاقِ السَّماءِ مجسَّدُ وصوَّرَ في أبياتٍ أخرى وقعةَ المأساةِ التي حلَّت بأهل البيت (عليهم السلام) في كَربلاءَ، فقال: رَنَّةُ الدَّهرِ وصوتُ الحِقَبِ هذه الذّكرى التي لمْ تَغِبِ كمْ طَوَت جيلاً ولفَّت زَمَناً واعْتَلَت فَوقَ مُتون الكُتُبِ وله من قَصيدةٍ يرثي الإمامَ الحسينَ بعنوان (اليوم الاحمر)، قالَ في أَحَد أبياتها: دَعاكَ فلبَّيتَه مُسرِعاً جِهاد أرادَك لمّا دَعا ومثلُك مَنْ جَلَّ أنْ يَستكينَ لحُكمِ الطُّغاةِ وأنْ يَضرَعا فثِرْتَ وَكَم ثائر حَظُّه من النّاسِ قولهم: لا لَعا(4 ) ولكنَّكَ البَطَلَ المُستَثار أبى أن يُذلَّ وأنْ يُخدعا رأيتّ الضَّلالاتِ تَغْشى النُّفوسَ وتنسِجُ مِنْ دَنَسٍ بُرقُعا وأبصرتَ دُنياكَ عِبْئاً عَليكَ وَعَيشُك بالهَونِ قد لفّعا فآثرتَ أنْ يَستحرّ الكِفاحُ وأن تَشجبَ الظُّلمَ أو تُصرَعا الى أنْ يقول : حسين وحسبيَ منكَ النّضالُ يُمجِّد تأريخَك الأرفَعا أرادوا لمثلِكَ أن يَستنيمَ وحاشا لمثلِكَ أنْ يَخضَعا فكُنتَ المشرَّعَ للثائرينَ على الظُّلمِ أن يَرِدُوا المَشرَْعا تُوفّي سنة 1988 م وقد خلَّفَ تُراثاً زاخراً من الشّعرِ والأدبِ، وقد جارى كبارَ الشُّعراءِ في عَصرِهِ، أمثالَ الجواهريِّ، وكذا كَتَبَ في القَضايا التي تهمُّ الأمَّةَ، مثل: فلسطين، وَكَتَبَ في استنهاضِ الشّبابِ وحثِّهم على العَمَل وَطَلبِ العلمِ والابتعادِ عن الجَهلِ، وكتب في الحَنينِ الى بلادهِ عندما كان في الغُربةِ؛ فهو شاعرٌ مجدِّدُ يملأ شعرَهُ الأملُ وعدمُ اليأسِ مهما حلَّت الخطوبُ والانحطاطُ في الواقعِ، وكان يمزجُ بينَ المُناسباتِ الدينيَّةِ، ويستعرضُ فيها المشاكلَ السياسيَّةَ والاجتماعيَّةَ، مثل قصيدته التي بعنوان (في رمال التَّيه)، التي نظمَها عام 1949م بمناسبةِ المولد النبويِّ، ومن قصيدة له مجيباً على قصيدة الجواهريّ (أجب أيُّها القلب): زَهَت بالقَوافي الغُرِّ منكَ المجامِعُ فرتِّلْ ضروبَ الشّعرِ فالدهرُ سامعُ شَدَوتَ فحرَّكتَ القُلوبَ بنَغمَةٍ مَلأْتَ بها الآفاقَ وهيَ شواسِعُ فللّهِ قلبٌ بالأناشيدِ طافحٌ ومنبع وَحْيٍ قدَّسَتْه المنابعُ يفيضُ على الدنيا حَناناً ونقمَة ويطفحُ مهما حرّكَتْهُ الزَّعازِعُ الى أن يقول: أعيذُ لأربابِ القَوافي بأنْ تُرى جَزوعا وهل يحظى بما رامَ جازِعُ فدَعْ مُثقلاتِ الهمِّ عنكَ ولا تَكُنْ على القلبِ عَوْناً أن دَهَتهُ الفَواجِعُ وأشفقْ على بقيا حَشاك فربمَّا تُغيّر مجرى الحادثِاتِ الطبايِعُ ستقرؤك الأجيالُ مَهما تعاقَبَت ويعرِفُك التأريخُ والدهرُ يافِعُ ( 1) ينظر: أعلام العراق الحديث: 1 / 51، وموسوعة أعلام العراق في القَرن العشرين: 1/ 10، ومعجم شعراء الحسين: 2 / 230، وشعراء الغريّ: 1 / 148، ومعجم رجال الفكر والأدب في النّجف خلال ألف عام: 457، ومعجم الشعراء العراقيّين: 26. ( 2) النجف الأشرف قديمًا وحديثاً 2/ 117، عالَم الكُتب مج 9 ع 4 ربيع الآخر 1409 هـ (رسالة العراق الثقافيّة). وفي المصدر الأول أثبتت ولادته سنة 1332 هـ. ( 3) المصدر: ديوان الوائلي: 1/ 154 . ( 4) لعا : يُقال للعاثر: >لَعاً لك<، وهو دعاءٌ له بأن ينتعِش ، المعجم: مختار الصّحاح . د. أشرف عبد الحسن

صور من الموضوع ...

نأسف ، لاتتوفر اي صور عن هذا الموضوع حاليا.

يمكنم الاتصال بنا عبر الهواتف ادناه :
00964-7800816579
00964-7800816579
او مراسلتنا عبر البريد الألكتروني :
turathofbasrah@gmail.com

للاستمرار، اكتب ناتج المعادلة الآتية :

للأسف، نتيجة خاطئة، حاول مجددا.


جاري التحميل ...

{{Msg.p}} ,
{{Msg.text}} .

لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثوان ...

جاري التحميل ...