يعرّف الشرط بأنه (تعليق شيء بشيء، بحيث إذا وجد الأول وجد الثاني، وقيل: الشرط ما يتوقف عليه وجود الشيء ويكون خارجاً على ماهيته) (التعريفات، أبو الحسن علي بن محمد بن علي الجرجاني / 73).
ويشكل (أسلوب الشرط) أبرز مؤشر أسلوبي تركيبي، وأطلق بعض منظري الأسلوبية على الملامح الأسلوبية ذات الدلالة مصطلح (المؤشرات الأسلوبية)، وذلك لأنها عناصر لغوية تظهر في مجموعة سياقية محددة بنسب تتفاوت في معدلاتها كثرة وقلة من حالة إلى أخرى. (ينظر: علم الأسلوب مبادئه وإجراءاته / 219).
جاء الشرط فاتحة لسبع سور هي (المنافقون- الواقعة-التكوير-الانفطار-الانشقاق-الزلزلة-النصر) وتشترك هذه السور في عدة خصائص منها أن في معظم هذه السور حديثًا عن القيامة ومقدماتها، وأن الشرط قد تردد كثيرا في السورة الواحدة ولم يقتصر وروده على مطلع السورة، ومن الخصائص أيضا أن في موضوعات هذه السور السبع أمورا مستقبلية في الغالب استقبالا حقيقيا كما سيحدث في مقدمات القيامة وأهوال الحشر، أو استقبالا باعتبار الحكاية كمجيء نصر الله في مطلع سورة النصر. وإن القرآن في غالب الفواتح من هذا النوع لا يكتفي بفعل شرط واحد _كما هو الحال في غيره_ بل يقترن به أشباها ونظائر يطول تأمل السامع فيها وتضاعف من تشوقه كلما انتقل من جزء إلى جزء فيأتيه الجواب بعد تلهف وطول ترقب.
ففي سورة الروم نجد أكثر الأدوات الشرطية استعمالاً (إذا) و(إن)، فأما (إذا) فهي: ظرف لما يستقبل من الزمان متضمن معنى الشرط، والأصل في (إذا) أن تستعمل في الأمر المقطوع بحصوله، وللكثير الوقوع، ويكون زمنها محدداً معلوماً بخلاف (إنْ).
وقد وُظف الشرط بهذه الاداة -إذا- في معانٍ مختلفة وصور شتى... ومما لا جدال فيه أن ثمة أسباباً تكمن وراء التركيز على الإكثار من توظيف الشرط بصورة عامة، والأداة (إذا) بصورة خاصة، إذ إن المبدع في عمله الفني يروم بثّ أفكاره وعواطفه، تلك الأفكار والعواطف تأخذ طريقها إلى التعبير، وبأسلوب ينم عن فرادة صاحبه.
ومن السياقات التي مثل أسلوب الشرط فيها مؤشراً أسلوبيا بارزا الآية:(وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ) الروم: 33؛ إذ تكرر الشرط بـ (إذا) ثلاث مرات، ومن المعلوم أن (إذا) هي للشرط في الاستقبال ومتحقق الوقوع. يصف الباري عز وجل هنا حال بعض المشركين، الذين يجعلون مع الله الها آخر، فإذا مسهم الضر واصابتهم شدة وقحط (دَعَوْا رَبَّهُمْ) استغاثوا به (مُنِيبِينَ إِلَيْهِ) تائبين اليه من شركهم وكفرهم (ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً) وإذا اصابهم الرخاء وخصب وسعة (إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ) يقول جماعة منهم (بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ)، وهذا الاستعمال للشرط بالأداة إذا هو استعمال مقصود كون الباري عز وجل اعلم بحال هؤلاء القوم ممن هو متقلب محتال.
وفي موطن آخر من السورة نفسها يوظف القرآن الكريم أكثر من أداة شرط، وهما (إذا) و(إن) في قوله تعالى:}وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ|(الروم 36).
نلحظ في هذا السياق استعمال (إذا) مقطوعة الوقوع مع الرحمة }وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً| في حين مع السيئة والعذاب جاءت الاداة (إن) }وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ| كون الرحمة الالهية هي متحققة لا محال في حين السيئة هي مما كسبت ايدهم فضلا عن ذلك فالله عز وجل يغفر لهم ويرحمهم، وليست هذه القريبة فحسب بل قدمت الآية إصابة الرحمة على اصابة السيئة للاهتمام بالحالة التي جُعلت مبدأ العبرة وأصل الاستدلال ، فقوله (فرحوا بها) وصف لحال الناس عندما تصيبهم الرحمة ليبنَى عليه ضده في قوله (إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ) لما يقتضيه القنوط من التذمر والغضب .
ونلحظ التكرار لأداة الشرط (إذا) في آية أخرى؛ إذ تكررت مرتين في الآية الثامنة والاربعين: (الله الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) سورة الروم:48. سياق هذه الآية مع بعض الآيات التي سبقتها هي مواطن استدلال على تفرده وتصرفه المطلق وعلى حكمته عز وجل، وهو سياق ذكر الآيات والدلائل؛ فذلك مناسب لاستعمال الأداة (إذا) الشرطية. وقد دخلت الاولى على جملة فعلية في حين الثانية دخلت على جملة اسمية.
وقد ورد الشرط بالأداة (مَنْ) مرتين في الآية ذاتها: }مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ|. وقد استُعملت أداة الشرط (من) مع الجملة الفعلية المصدرة بالفعل الماضي في الموضعين ودلّتْ كل منهما على حكمة، إن المتأمل في هذه الآية يجد كل واحد منها وحدة دلالية قائمة بنفسها، يمكن أن تستغني عما قبلها، وعما بعدها. ومما يُلحظ هو تقدم (مَنْ كَفَرَ) على (وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا) كون الغالب على الانسان هو صفة الكفر بدليل قوله تعالى: }وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ| (يوسف-103).
نلحظ مما تقدم أثر الشرط في تماسك النصوص واستمراريتها فضلا عما حققه من ترسيخ المقاصد وكذلك أثره في لفت انتباه المتلقي، زيادة على ما حققه -الشرط- من ثراء دلالي وايقاعي للنصوص المذكورة.
الميدالية الفضية من نصيب فريق نينوى صاحب المركز الثالث وفريق بابل يحل رابعا في المسابقة القرآنية الفرقية... 22 / 6 / 2016 |
|
جانب من تكريم طلبة كلية التربية للعلوم الإنسانية في جامعة المثنى ضمن اختتام فعاليات المشروع القرآني في... 26 / 4 / 2019 |
|
جانب من حفل تخرج اكثر من 150 باحثاً وباحثة من دورة المنهج الحق ويؤكدون انها كانت نبراسا انارت العقول 21 / 9 / 2017 |
|
مصحفُ الكفيل يرى النور والأمينُ العام للعتبة العباسية المقدّسة يُثني على هذا الإنجاز ويدعو لمواصلة هذا... 7 / 5 / 2016 |
|
جانب من تكريم الفائزين في فقرة سؤال الجمهور ضمن فعاليات المسابقة القرآنية الفرقية الوطنيّة الثالثة 31 / 5 / 2017 |
|
طلبة أمير القرّاء الوطني يحيون محفل قرآني مبارك في حرم سيد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام وتفاعل كبير من... 29 / 8 / 2017 |
|