تاسيس مركز تراث البصرة التابع الى العتبة العباسية المقدسة
التاريخ :        عدد المشاهدات : 1179

      يُشكّل التراثُ نافذةً من أهمِّ النوافذ لرسم مستقبل المدن، فإذا كان الماضي مسكوناً بالدُّرر، زاخراً بالمحامدِ والعِبَر، فإنّه سيكونُ حتماً من مستلزماتِ الارتقاء، ومنبعاً من منابع التقدّم، وإنَّ متتبع تأريخ المدن سيجدُ نفسه مأخوذاً بضخامة تراث مدينة البصرة، وما يحتويه من الحُسن والجَمال، إذ هي منذ تمصيرها سنة(14ه) ينبوعٌ للعلم، ومنبتٌ للحضارة ومصدرٌ للإشعاع، فعِلمُ العَروض الشعري، وعلمُ النّحو اللسانيّ، وعلمُ البَصَريَّات، وعلمُ الحساب وغيرها، علومٌ بصْريَّةُ المنشأ، عانقت نخيلَها واستنشقت نسيمَها، وفوق ذلك كلّه فإنَّ ما تنبِضُ به البصرة من ولائها المعروف والعَريق لآل البيت (عليهم السّلام) ما لا ينكره مُنكِرٌ ولا يَردُّهُ ذو لبٍّ، فمن هنا أتى مشروع العتبة العبّاسيّة المقدّسة المتمثّل بتأسيس (مركز تراث البصرة)؛ ليكون خطوةً رائدةً في تاريخ الثقافة البصريّة، وعلامةً مضيئةً في حاضر هذه المدينة، وصرحاً علميّاً للدراسين والباحثين يعكس مفاتنها ويزيح الغبار عن ملامحها، ويُعرّف أبناءها بكنوزها، ويتبلور ذلك من خلال أهداف المركز التي يمكن أن نجملَها بما يأتي:

جمع ما يمكن جمعُه من تراث المدينة المتمثّل بالكتب، والمخطوطات، والوثائق، والصُّور، والصَّحافة القديمة، والفيديوهات، ومؤلّفات علماء البصرة.

التعريف الكامل بالمدينة من الناحيتين الجغرافيّة والتاريخيّة، وتسليط الضّوء على أدوارها الرياديّة،         ودراسة واقعها السياحي.

تعميق الصِّلات مع مراكز الأبحاث والدراسات في داخل العراق وخارجه لتبادل الرأي والخُبرة.

عقد النّدوات والمهرجانات المؤتمرات .

إقامة المعارض للكتب والصُّور والصّناعات الشعبيّة.

إصدار الكتيّبات المُعرِّفة بالتراث، وسلسلة أعلام بصريّة، وإصدار مجلّة ثقافيّة تراثية باسم (الخُطوة)، ومجلّة بحثيّة محكَّمة باسم (تراث البصرة).

طباعة الكتب والرسائل والأطروحات التي تُعنى بالشأن البصريّ، وكذا الكتب البصريّة القديمة، بعد أنْ تُعرَض على لجنةٍ علميّةٍ متخصِّصةٍ تُقيِّم وترشّح ما يقدَّم من ذلك.

توثيقُ المساجد والحسينيّات في البصرة من خلال اللقاءآت الميدانيّة مع متولّيها وأئمة جمعتها أو جماعتها، تمهيداً لإصدار كتابٍ متخصّصٍ بها، ومثلها في السياق نفسه توثيق الحِرَف والمِهَن البصريّة.

إخراج الكوادر التصويريّة في المركز لتوثيق مدينة البصرة حالياً، وبمختلف مرافقها من أنهار وجسور وشوارع وبنايات وأماكن أثرية وتراثية وبيوت قديمة ومساجد وحسينيّات ومقامات إلخ... إنشاءً لأرشيف صورٍ سيغدو تراثاً بصريّاً فيما بعد.

       إنَّ جميع ما ذكر معالم لطريق عمل المركز، علماً أنَّ هناك العديد من الأمور الأُخَر ممّا لا يتّسع ذكرها اكتفاءً بهذه الوجيزة، وممّا ينبغي أنْ نُشير إليه أنَّ للمواطن البصري يداً في تفعيل عمل المركز من خلال رفده بالكثير ممّا ذكر، ولو على مستوى تقديم صورةٍ تراثيّةٍ عن البصرة، أو كتابٍ قديمٍ، أو أثرٍ تراثيٍّ يحكي الماضي، فالأملُ معقودٌ على تضافر جهود الجميع في النهوض بهذا العمل الكبير خدمة للبصرة الفيحاء، ومن الله نستمد التوفيق.

افتتاحُ المَركز

      من أجل إبراز التراثِ الثقافيِّ لمدينة البصرة والتعريف بكنوزه، ومن أجل ترسيخ الهويّة الحضاريّة والفكرية لهذه المدينة، والحفاظ على تراثها من الضياع، وبحضورٍ دوليٍّ وجماهيريٍّ كبير ضمَّ شخصيّاتٍ دينيَّةً بارزةً، وجمعاً غفيراً من طلبة الحوزة العلميّة في النجف الأشرف، وشخصيّاتٍ اجتماعيّةً وسياسيّةً وأكاديميّةً، وفعاليّاتٍ شعبيّةً، وقنواتٍ فضائيّةً، وطلبةَ جامعاتٍ، افتتحت العتبةُ العبَّاسيَّةُ المقدَّسةُ، وعلى قاعة المركز الثقافيّ النفطيّ في يوم 2/11/2013م، الموافق 27 ذي الحجّة 1434ه، مركزَ تراث البصرة، ليكونَ رافداً للباحثين والدّارسين.

      وكان باكورة نشاطه أنْ أقامَ حفلاً كبيراً في يوم تأسيسهِ افتتحه الأمينُ العامُّ للعتبةِ العبَّاسيَّةِ المقدَّسة سماحةُ السَّيدِ أحمدِ الصَّافي (دام عِزّه)، بكلمة بيَّن فيها دورَ البصرةِ وأثرَها في التاريخِ الإسلاميِّ والحضارةِ البشريَّةِ، قائلاً:

((إنَّ من حقِّ الأمم أنْ تفتخر بتراثها، ومن المعروفِ عن العراقيين عشقُهم العلمَ، وغدا العلمُ أينما يذهب يحطُّ رحالَه في العراق، وكانت النجف شعبة من شُعَب هذا العلم؛ لأنَّها جثمتْ على روضةٍ قد ضمّت وصيَّ المصطفى (صلّى الله عليه وآله) وهو باب مدينة علم رسول الله (صلّى الله عليه وآله)  وأصبح العراق بهذا الموجود المقدّس امتداداً لحضارة سالفة وماضية تعلّم فيها البشر ما تعلّم)).

وعن الأهميّة التراثيّة للبصرة، تحدّث سماحته، قائلاً:

(( ... إنّ تراثَ البصرة تراثٌ عميقٌ، فهو تراثٌ ارتبط بالأرض، والشيءُ إذا ارتبطَ بالأرض يصعُبُ فكُّ الجذورِ عنه... ونحن لا نريد أنَّ نعرِّف البصرةَ بتراثها، بل نريد أن نتعرَّف على تراثها من أهلها، ومحاولةُ التعرُّف هذه هي بالبحثِ بيدٍ وفرشاةٍ ناعمتين عن كلِّ ما من شأنهِ أن يُبرِّزَ هذه المدينة العريقة،...وهي المعروفة بزخارة تراثها الأدبيِّ، إذ تفتّحت عيونُ الأدباء عليها، وعلى الفراهيديّ، وعلى الشّعر، وعلى صحابةِ أمير المؤمنين (عليه السّلام) الذين جاءوا معَه إلى البصرة، وعلى تلك المِدحة التي مدح أمير المؤمنين(عليه السّلام) بها البصرة، فهي تستحقُّ منّا وقفةً جادّةً لإحياء تراثِها والنهوض به)).

     وحولَ ما تمتلكه البصرة من مقوّمات ذاتيّة تقدّم سماحته بالقول: (( والبصرةُ بميزاتها الطبيعيّة وطبيعتها الخلاّبة، بنخيلها، بشطِّها المتكوّن من ملتقى نهرين عظيمينِ كبيرينِ في العراق، لم تكن مُتطفِّلَةً على التأريخ، وإنَّما هي صانعةُ التأريخ))، مبيّناً: (( أنَّ طيب أهل البصرة، وقدرتهم على النهوض كبيرة جداً، فأهل البصرة يمتازون بالعطاء كنخيلها ومياهها...)).

وتابع سماحته: ((عندما ينظر الإنسانُ إلى الماضي يقفُ إجلالاً وإكباراً لتلك النفوس التي تعبت لترتفع القيمة الإنسانيّة من خلال ما أنتجت مع كلِّ الظروف القاسية التي مرّت بها، فقد كانوا يواصلون الليل بالنهار، من أجل أن يحفظوا لنا ما حُفِظ، فمن بابِ ردِّ الجميل وعرفان الفضل لهؤلاء ينبغي أن تُبذل جميعُ الوسائل، وأن تُتحمّل المسؤوليّة في هذه السّبيل، فالعراق يحتاج كلَّ الطاقاتِ الخيّرة، وهذا المركز - لكي يُكتب له النجاح- يجب أن تتضافر كلُّ الجهود الخيّرة، - وما أكثرها في البصرة- في السّبيل التي يجري عليها. وقد أخذنا على عاتقنا أن ندعم كلَّ مشروعٍ يصبُّ في جانب الثقافة)).

وختم سماحة السيّد الصافي (دام عزّه) كلمته بالقول: ((جئنا من العتبة العباسيّة المقدّسة، لنمدَّ أيدينا إلى جميع المثقّفين والعلماء الذين لهم هذه الأصالة والهويّة البصريّة الحقيقيّة، ... فالبصرةُ مدينةٌ قديمةٌ وهذا القِدَم يعطيها هذا البريق، فكلَّما كانت أقدم كانت أجمل، وكانت لها هويّة لا يمكن أن تُزَوَّر، ولذا فالمركز هو خطوةٌ على الطريق، وبمعونة الأخوة الأعزّاء نأمل من الله تعالى أن يُكتبَ له النجاح، ونأمل من الجميع أن يكونوا روافدَ للبصرة في هذا الجانب)).

ثمَّ تلت كلمة السَّيد الصَّافي كلماتٌ وقصائدُ شعريَّةٌ عبَّرتْ عن فرحتِها بتأسيسِ هذا المركز، وعن تفاؤلِها بما سيقدِّمُهُ للثقافةِ البصريَّةِ.

هذا وقد حضرَ الحفلَ السَّيِّدُ مُحافظُ البصرةِ الدكتورُ ماجدُ النصراويُّ وعددٌ من مسؤولي المحافظةِ وأساتذةٌ وباحثونَ عرب وعراقيّون، وكان للأخوةِ العربِ من مصرَ واليمنِ مشاركة في ذلك الحفل، أشادوا بالخطوة المباركة للعتبة العبَّاسيَّة المقدّسة بتأسيس هذا المركز، ودعوا إلى الاهتمام بتراث البصرة؛ لما للبصرة من أهميّة تأريخيّة وحضاريّة عريقة.

وعلى هامشِ الاحتفالِ أُقيمَ معرضٌ للكتبِ البصريَّةِ، وآخرُ للصّورِ الفوتوغرافيَّةِ التي توثِّقُ جانباً من مدينة البصرة.

وقد جرى توزيع (كرَّاسٍ) تضمَّنَ أهدافَ المركزِ وبرنامجَ عملِهِ وهيكله التنظيمي.





اتصل بنا
يمكنكم الاتصال بنا عن طريق الاتصال على هواتف القسم
+964     7602326873
+964     7721457394
أو عن طريق ارسال رسالة عبر البريد الالكتروني
media@mk.iq
info@mk.iq

تطبيق المعارف الاسلامية والانسانية :
يمكنكم ارسال رساله عن طريق ملء النموذج التالي :
اتصل بنا

او مواقع التواصل الاجتماعي التالية :