مركز تراث كربلاء
واقعة الوالي العثماني محمد نجيب باشا وأثرها على أهالي مدينة كربلاء المقدسة
التاريخ : 15 / 8 / 2016        عدد المشاهدات : 5852

تحتل واقعة الوالي العثماني محمد نجيب باشا جانباً مهماً من تاريخ كربلاء السياسي خلال النصف الأوّل من القرن التاسع عشـر ، فقد ارتفع صدى هذه الحركة على سابقاتها ولاحقاتها من الحركات السياسية فقد كان لها صدى دولياً ، وكانت إيران وروسيا وبريطانيا في مقدمة الدول التي اتخذت موقفاً من الدولة العثمانية بشأن تلك الحركة وطالبتها بتقريرٍ مفصّل عن مجرياتها وأحداثها و السبب المباشر الذي دفع الوالي محمد نجيب باشا ليشنّ حملة عنيفة ضد أهالي مدينة كربلاء المقدسة والتي أُرّخت بــ ( غدير دم )  وذلك لأنها وقعت في اليوم الثامن عشر من ذي الحجة يوم مبايعة الإمام علي بن ابي طالب –عليه السلام- وكذلك فقد سالت دماء أهالي مدينة كربلاء المقدسة الذين احتموا في الحرم الامام الحسين–عليه السلام- عندما هاجمهم الوالي محمد نجيب باشا .

كان السبب المباشر لهذه الواقعة هو عصيان أهالي المدينة الذين امتنعوا عن دفع الضرائب المجحفة التي فرضت عليهم من قبل الدولة العثمانية ، حيث كانت المدينة المقدسة تمرّ بوضع مالي واقتصادي غاية في الصعوبة فضلاً عن الحالة المزرية التي لحقت بها جرّاء الإهمال وسوء إدارة الولاة العثمانيين لها وكل هذه الإحداث تزامنت مع تنصيب الوالي محمد نجيب باشا الذي نقل من ولاية الشام إلى ولاية بغداد وكُلِّف بالقضاء على حركة اليرمازية وحركات المقاومة في مدينة كربلاء المقدسة ، فمدينة كربلاء المقدسة كانت ترفع راية المقاومة ضد الاحتلال العثماني فأراد إخضاع المدينة بأيّ شكل من الأشكال حتى لو أدّى به الامر إلى ارتكاب مجزرة  ، وكان لرجال الدين دور بارز في الحركة  ولاسيما  السيد كاظم الرشتي الذي حاول تهدئة الأمور والخروج من الأزمة التي حلت بمدينة كربلاء المقدسة سلمياً وكذلك السيد وهاب آل طعمة سادن الروضتين المقدستين ، وهنا لابد من الاشارة إلى مسألة غاية في الأهمية ،وهي أنَّ معظم المصادر التاريخية لم تتناول هذه الواقعة بكل تفاصيلها ، فقد كانت الاشارة لها بشكل مقتضب  ، وهذا ما شكل عاملاً سلبياً في صعوبة الإحاطة بمجمل الوقائع والتفاصيل التي ارتبطت بالواقعة .

                تولى الوالي محمد نجيب باشا ولاية بغداد في عام 1842 م  بعد نقل الوالي علي رضا باشا اللاز  إلى ولاية  الشام ، وكان لهذا الوالي منزلة رفيعة عند السلطان العثماني عبد المجيد الثاني وذلك بسبب قربه منه من جهة ولشدَّته وبأسه وصرامته من جهة أخرى لذلك كُلِّف بالقضاء على حركات التمرُّد الداخلية التي كانت تشهدها الولايات العثمانية آنذاك .

بدأت البوادر الاولى لواقعة الوالي محمد نجيب باشا على مدينة كربلاء المقدسة عندما فرضت الحكومة العثمانية ضرائب مجحفة على أبناء المدينة وعلى الزائرين الأجانب الذين يفدون للمدينة المقدسة لزيارة الامام الحسين –عليه السلام- الأمر الذي أزعج الكربلائيين فقرروا الامتناع عن دفع الضرائب ، مما أدَّى إلى حدوث مشاكل بين موظفي الحكومة المحلية والأهالي .

نتيجة لتلك الأحداث عقد أبناء المدينة اجتماعاً عاجلاً وموسّعاً واختاروا الروضة الحسينية المقدسة مقرّاً للاجتماع فضمّ رؤساء مدينة كربلاء المقدسة وسادتها من الأسر العلوية وزعماء المناطق القريبة منها ، وكان من أبرز الحاضرين لهذا الاجتماع سدنة الروضتين المقدسين الحسينية والعباسية وبعض شيوخ القبائل القريبة من المدينة وتم الاتفاق على النقاط التالية :-

1- إخلاء المدينة المقدسة من النساء والأطفال وإخراجهم على الفور .

2- طلب المساعدة من العشائر الموالية لآل البيت –عليهم السلام- كـ آل فتله وبني حسن واليسار والمسعود والبو غانم وغيرها من القبائل .

3- تخزين المواد الغذائية الضرورية .

4- تقسيم المدينة إلى مناطق متعددة للدفاع عنها.

     بعد انتهاء الاجتماع ذهب الزعماء والوجهاء لإبلاغ أبناء محلّاتهم بما اتفقوا عليه ونتيجة لذلك استعد أهالي المدينة للدفاع عنها ضد السلطات العثمانية المحتلّة.

حاول السيد كاظم الرشتي حلّ الأزمة سلمياً فذهبوا إلى قائد الحملة (سعد الله باشا ) واقترحوا عليه بأن يسلمونه بعض زعماء اليرماز كرهائن لديه على أن يقوم بسحب قواته إلى المسيب ويبقي منها (500 ) مقاتل عثماني خارج سور المدينة ويكون دخول هذه القوات إلى المدينة بالتزامن مع خروج اليرماز ، فكّر القائد العثماني سعد الله باشا بالمقترح الذي طرح عليه وقرر إبلاغ الوالي محمد نجيب باشا الموجود في المسيب ، وفي اليوم التالي الموافق  22 كانون الاول 1842م  قام ظل السلطان بتسليم الرهائن وهم أفراد أسرة السيد إبراهيم الزعفراني وأسرة الميرزا صالح وقد استقبلهم القائد "سعد الله باشا " في معسكره بشكل جيد.

وصلت أخبار هذه الأحداث  إلى القائد العثماني " سعد الله باشا " فاستاء من تصرف اليرماز ولا سيما بعد الاستيلاء على المدافع العثمانية لذلك استخدم أسلوب الصرامة والخشونة وأرسل الرهائن الذين كانوا بحوزته إلى الوالي محمد نجيب باشا في المسيب حيث نقلوا بعدها إلى بغداد  .

في الاول من كانون الثاني 1843 م وصل القنصل الإيراني إلى المسيب قادماً من بغداد برفقه المجتهد السيد ابراهيم القزويني فالتقوا هناك بالوالي محمد نجيب باشا ، وبعد مباحثات طويلة تعهد الوالي لهم بالمحافظة على سلامة مدينة كربلاء المقدسة وأهلها في حال استسلامها وتعهد لهم أيضاً بالسماح لقوات اليرماز بمغادرتها بأمان ، إلاّ أنّ المتحِّصنين خلف الأسوار رفضوا الاستسلام وأن جلّ ما سوف يقدمونه  هو السماح بدخول (200)  مقاتل عثماني إلى المدينة.

 أرسل الوالي محمد نجيب باشا قوة كبيرة مجهزة بالأسلحة الحديثة وشن هجوماً كاسحاً على مدينة كربلاء المقدسة وأوعز للقائد العثماني سعد الله باشا بتسليط نيران مدافعه على سور كربلاء المقدسة المحاذي لجهة باب النجف فأحدثت ثغرةً واسعةً فيه ، وعندما شاهدت الحشود المدافعة عن المدينة ما آل إليه السور تقدمت باتجاه الجيش العثماني والتحمت معه في معركة عنيفة اشتركت فيها عشائر الفتلة واليسار وغيرها من العشائر وانتهت بانتصار الجيش العثماني ودخوله المدينة ، وتزامن ذلك مع أول أيام عيد الأضحى المبارك .

التجأ الأهالي والقوة المدافعة على المدينة إلى صحن أبي الفضل العباس –عليه السلام- هرباً من بطش القوات العثمانية فتبعهم الجيش العثماني ليبيدهم بمجزرة راح ضحيتها المئات من اللائذين بهذا المرقد المقدّس  ، أما بالنسبة إلى السيد كاظم الرشتي فقد أُوعِز الى الجنود بان يحترموه ولا يمسونه بأذى ، وبعد انتهاء المعركة صدرت الأوامر باعتقال السيد إبراهيم الزعفراني والسيد عبد الوهاب آل طعمة الذي سرعان ما أُطلق سراحه بشفاعة نقيب بغداد السيد علي الكيلاني ، أما أشراف مدينة كربلاء المقدسة فقد قُبض عليهم بتهمة التحريض على الحركة والمقاومة مثل السيد صالح الداماد وعلي كشمش وطعمة العبد وبعض السادة من آل نصر الله وآل النقيب.

كشفت الدراسات الأولية التي قام بها نامق باشا في بغداد عن السبب الرئيس للحادثة وتمثل بالفجوة السياسية التي حدثت في عهد والي بغداد السابق علي رضا باشا اللاز ، فسعى الوالي الجديد محمد نجيب باشا لسدِّها كما عمل على تعزيز السلطة المركزية للدولة في المدن العراقية ومنها مدينة كربلاء المقدسة ، وبعد الخوض في تفاصيل الحملة أبلغه المشاركون فيها أن عدد القتلى لم يتجاوز (500) شخص وأنهم قُتلوا دفاعاً عن المدينة اثناء اقتحامها.

كانت الغاية الرئيسة من التقرير هو اخفاء الحقائق وامتصاص غضب جمهورية إيران لأنّ  الأخيرة  قامت بتضخيم عدد القتلى من رعياها و طالبت الدولة العثمانية بمطالب شديدة اللهجة ومنها :

1- أن يدفع السلطان تعويضاً لمنكوبي مدينة كربلاء المقدسة.

2- يعلن الباب العالي عدم رضاه وموافقته على حملة  الوالي محمد نجيب باشا.

3- يعيد الوالي محمد نجيب باشا بناء ما تخرّب من العتبات المقدسة.

4- يحكم الوالي محمد نجيب باشا بالعدل ويحمي الايرانيين في مدينة كربلاء المقدسة وزوّارها.

5- يُعزل الوالي محمد نجيب باشا إذا أساء التصرف  فيما بعد.

6- يتم إعلان هذه القرارات لجميع السفراء.

وافقت الدولة العثمانية على هذه المطالب ماعدا المطلب الخاص بعزل الوالي محمد نجيب باشا واعتبرته تدخُّلاً في شؤونها الداخلية وبذلك أيّد المندوب البريطاني في اسطنبول ذلك القرار وانتهت الازمة بين الدولتين.

وبناءً لما تم ذكره يمكننا أن نستنتج التالي :

1- تباينت الأوضاع السياسية في مدينة كربلاء المقدسة حسب سياسة وادارة الولاة  الذين يتم تنصيبهم من قبل السلاطين العثمانيين حيث نجد تفاعل الأهالي مع الوالي تارة واختلافهم معه تارة أخرى.

2- كان سبب الواقعة الضرائب الباهضة التي أنهكت أهالي مدينة كربلاء المقدسة كما أنهم كانوا يعيشون أوضاعاً مزرية بسبب قلة الأعمال والإهمال وتفشي الأمراض.

3- ظهور حركات مقاومة حسب ما أوضحته الوثائق العثمانية تمثّلت بفرقة اليرمازية التي تعني باللغة التركية السفهاء أو الذين لا يصلحون لشئ .

4- كان لرجال الدين دور بارز في تهدئة الأهالي فمثلوا في الوقت نفسه حلقة وصل بين الأهالي والوالي العثماني لحل الأمور سلمياً  وعدم الانجرار إلى المعارك حفاظاً على أرواح أهالي مدينة كربلاء المقدسة.

5- حاول الوالي محمد نجيب باشا اخضاع أهالي مدينة كربلاء المقدسة وبأي شكل من الأشكال ، لأن هدف الدولة العثمانية من تعيين هذا الوالي على هذه المدينة هو ما كانت تخشاه من حركات المقاومة التي كانت تظهر بين الحين والآخر فحاولت كبحها في بداية ظهورها.

6- ازدياد لحمة أهالي المدينة وتكاتفهم وقد تمثّل ذلك بكثرة الاجتماعات التي عُقدت في الروضتين الحسينية والعباسية المقدستين .

7- اثارت واقعة الوالي محمد نجيب باشا حفيظة بريطانيا وروسيا وايران فطلبوا من الدولة العثمانية تقديم تقرير حول الحادثة وأسبابها .

8- محاولة السلطة العثمانية تزييف المقاومة الشعبية ووَسْمِ الثائرين باليرماز .

9-قلة المصادر التاريخية التي تصف الواقعة بصورة دقيقة ومفصّلة ، ولعل السبب يعود إلى الدولة العثمانية وعملائها الذين سعوا جاهدين على تزييف الحقائق وإخفائها.


وحدة الدراسات


اتصل بنا
يمكنكم الاتصال بنا عن طريق الاتصال على هواتف القسم
+964     7602326873
+964     7721457394
أو عن طريق ارسال رسالة عبر البريد الالكتروني
media@mk.iq
info@mk.iq

تطبيق المعارف الاسلامية والانسانية :
يمكنكم ارسال رساله عن طريق ملء النموذج التالي :
اتصل بنا

او مواقع التواصل الاجتماعي التالية :