تزخرُ كربلاءُ في ماضيها وحاضرها العلمي والأدبي بالمواهب الخلّاقة، وقد مرَّت في القرون الغابرة بمراحل وأدوار مختلفة أعلت شأنها ومنزلتها في ميدان العلم والمعرفة، وبلغت أوج عظمتها على أيدي أبنائها من العلماء والمفكرين الذين لا تزال أعمالهم تُدرَّس حتى اليوم في معاهدنا العلمية، وقد نبغ من أبنائها في عصرنا الحديث والمعاصر علماءُ ومفكرون أثْروا مؤسساتها العلمية بما آتاهم الله من علمٍ وبما حصلوا عليه من خبرات عالمية في مجالات علمية مختلفة، فاقتحموا بعلمهم عالَم الشُّهرة وسطروا أسماءهم على الساحة الدولية بحروف من ذهب .
ومن بين هؤلاء الصفوة الدكتور محمد علي الشهرستاني بن السيد محمد صالح الذي يصل نسبه إلى السيد موسى أبي سبحة بن السيد إبراهيم المرتضى بن الإمام موسى الكاظم (عليه السلام).
وُلد في مدينة كربلاء المقدسة عام1351هـ ـ 1932م بمحلة آل عيسى المعروفة حالياً بباب الطاق، وينتمي إلى عائلة كربلائية معروفة بالعلم والأدب كان لها مقاماً مرموقاً في المدينة المقدسة، فقد لمعتْ من هذه الأسرة نجومٌ تلألأت في سماء كربلاء المقدسة من علماء وأدباء ووجهاء، كما كان لهذه الأسرة ديوانٌ معروفٌ بـديوان آل الشهرستاني خصصته العائلة ليكون ملتقى الفضلاء والأدباء والوجهاء، وكان هذا الديوان بمثابةِ المدرسة الفكرية التي أخذ منها الدكتور محمد علي دروساً مهمة أسهمتْ في بناءِ جانبٍ كبيرٍ من حياته الأدبية والأخلاقية .
بدأت مسيرتُه العلمية من خلال دراسته في الصحن الحسيني الشريف، فتعلم فيه خلال طفولته مبادئ القراءة والكتابة وحفظ القرآن الكريم، ثم بدأ بعد ذلك دراسته الابتدائية والتي ظهرت عليه خلالها علاماتُ النبوغ الفكري، واستطاع أساتذته وقتها أن يصقلوا هواياته الفنية والصناعية، مما جعل والداه يزيدان من رعايتهما واهتمامهما به، ولذلك دخل مرحلة الدراسة الثانوية بكلِّ جدٍّ واجتهاد، إضافة إلى الاستمرار في دراسته الحوزوية، فواكب بين الدراستين ولكنه لم يُكمل مرحلة البحث الخارج بسبب انشغاله بالدراسة الأكاديمية في كلية الهندسة ببغداد .
كان لكتاباته ونشاطاته الأدبية منذ أيام دراسته الثانوية دور ٌهامٌّ في صقلِ موهبته الهندسية أثناء الدراسة الأكاديمية، ولذلك استطاع أن يقدِّمَ أعمالاً هندسية كثيرة في تلك المرحلة، ثم واصل بعدها دراسته العليا حيث سافر إلى بريطانيا للحصول على درجة الدكتوراه من جامعة دلرمونده في انكلترا.
وقد تنوعت انجازاته تنوعاً كبيراً ويرجع السبب في هذا التنوع إلى تنقله الدائم بين الدول، إذ كان بمثابة الرجل الذي يقطفُ من كلِّ بستانٍ زهرة، حيث كان كثير الترحال والسفر إلى العديد من البلدان للعمل، فسافر إلى لبنان وإيران وانكلترا وأمريكا، واستطاع أن يترك بصماته الفعالة التي يفخر بها كلُّ كربلائي في كلِّ دولة من الدول التي سافر إليها، وأن يُعمِل فكره الوقَّاد فيما يعودُ بالنَّفع على كلِّ من حوله مما أدى الى تنوع إنجازاته وبالتالي انتشار صيته في بقاع متفرقة.
ومن أهم إنجازاته التي سجلها له التاريخ: اختراع المحرك الدوراني في انكلترا سنة 1963م، كما يعتبر أولُّ مؤسسٍ لصناعة الحديد والصلب في إيران سنة 1969م، ومن أعماله القيِّمة أيضاً إنشاء المؤسسة العلمية للخدمات الإسلامية في أوربا، بالإضافة إلى خدماته التي قدمها لحجاج بيت الله الحرام والمتمثلة في عمل أكبر خزانات معدنية للماء في العالم لبيت الله الحرام بمكة المكرمة، كما تشهد له مشاريعه الكثيرة في لبنان وإيران حيث أسَّسَ الجامعة العالمية للعلوم الإسلامية وكذلك الجامعة التكنولوجية، وصمّم وأنشأ أكبر مركزٍ إسلاميٍّ شيعيٍّ في العالم، وهو الذي وضع وأشرف على مخططات إعمار وتوسعة العتبة الكاظمية المقدسة، ووضع مخططات مشروع بناء الصحن الكاظمي الجديد، ولصبره وجلده استطاع بمقدرة فائقة عمل الكثير من المشاريع العمرانية في كربلاء المقدسة فقد خطط وأشرف على المشروع الكبير لتسقيف صحن مرقد الإمام الحسين (عليه السلام)، وكذلك المشروع الكبير لإعادة إعمار مرقد الإمامين الهادي والعسكري (عليهما السلام) فوضع خططه الهندسية وراح يشرف على الأعمال التي استمرت ليلاً ونهاراً خدمة لأجداده الكرام (عليهم السلام)، وكما نال شرف تنفيذ مركز الإمام الخوئي في بومبي بالهند وهو المشروع الذي يضاهي به ضريح تاج محل بأكرا .
تميَّز الدكتور الشهرستاني بأعماله العلمية التي أثرت المكتبة العربية بالعديد من المؤلفات والأبحاث منها: أزمة الحضارة المعاصرة وأطروحة الخلاص، النهضة الحسينية وصلتها بقاعدة الطَّف، صلةُ الفن بالعقيدة الإسلامية وأمير المؤمنين (عليه السلام)، منهج الإمام علي (عليه السلام) في الانتفاضة ضد الظالم لإقامة دولة الحق، وغيرها من البحوث العلمية التي ألقاها من خلال الندوات والمؤتمرات العلمية العالمية، كما حصل على العديد من الشهادات التقديرية من العديد من المؤسسات العالمية.
هكذا عاش الدكتور الشهرستاني حياة حافلة بالعمل والعلم والتفاني في المساهمة بفكره وعلمه في رفع راية الإسلام والعلم خفاقة إلى أن رحل عن دنيانا يوم الاثنين الموافق 28/2/2011م، حيث شُيِّع في جنازة مهيبة شارك فيه العلماءُ والمثقفون ومختلف شرائح المجتمع ومن مختلف المدن العراقية، ودُفن إلى جانب جدِّه لأمه السيد إبراهيم الشهرستاني في مقبرة أسرته في مدخل باب السدرة في الجانب الشمالي للصحن الحسيني الشريف.
الندوات الدورية في مركز تراث كربلاء 10 / 6 / 2016 |
|
الحشود المليونية في كربلاء تجدد البيعة لابي الاحرار عليه السلام |
|
زيارة الأربعين بين الامس واليوم 19 / 11 / 2016 |
|
مقام الامام المهدي ع في كربلاء ..عطر الامامة وملايين العشاق الوافدين 27 / 4 / 2018 |
|
صورة لمرقد ابي الفضل العباس عليه السلام 1 / 4 / 2016 |
|
خِزانة مخطوطات العتبة العباسيّة...شاهد حضاري ومعرفي كبير 5 / 4 / 2018 |
|