مركز تراث البصرة
أزكنُ قُضاة العَرَب وقاضي البَصرة، إياسُ بنُ مُعاويةَ المُزَنِيّ
التاريخ : 15 / 3 / 2021        عدد المشاهدات : 1647

إسمُه ونَسَبُه

إياسُ بنُ مُعاويةَ بن قُرّة بن إياس بن هلال بن رائب بن عُبيد بن سواة بن سارِية بن ذِبيان بن ثَعلبة بن سليم بن مزينة[1]، لم تذكر المصادرُ اسمَ أمّه، ويُذكر أنّه لمّا ماتت أمُّه، بكى، فقيل: ما يُبكيكَ يا أبا واثلة؟ قال: كان لي بابان مفتوحان من الجنّة، فأُغلق أحدُهما[2].

كانت ولادته سنة (46) من الهجرة، في نجد، وانتقل منذ صباه مع أسرته إلى البصرة.

كُنيتُه

يُكنّى أبا واثِلَة[3]، بصريٌّ، وهذا هو المَشهور، والجاحظُ ذكره في البَيان والتبيين[4]، بأبي وائِلة، أبوه تابعيٌّ، وجدّهُ من أصحاب النبيّ (صلى الله عليه وآله)[5].

صفتُه

كان إياسٌ أحمرَ، دميماً، بذَّ الهيئة، قَشِفاً ، أتى حلقةً من حَلَق قُريش في مسجد دِمشق، فاستولى على المجلس، فاستهانوا به، فلمّا عرفوه، اعتذروا إليه، وقالوا له: الذّنبُ مقسومٌ بيننا وبينك؛ أتيتنا في زَيّ مسكينٍ، وتُكَلّمُنا بكلام مُلوك[6].

صِفاتُه

امتاز إياسُ بالفِطنة والذكاء والفِراسة، وكانَ من مفاخرِ مَضَرَ، ومن مُقدَّمي القضاء، وكان فقيهَ البدن، ودقيقَ المَسلَك في الفِطن، وكان صادقَ الحَدسِ، وكانَ عجيبَ الفِراسة، مُلهَماً، كريمَ المَداخل والشِّيَم، وجيهاً عند الخُلفاء، مُقدّماً عند الأكفاء[7]، ولفراسته كان يُضربُ به المثلُ بذكائه، وعَقله، وفَصاحته، وأحكامه، وفِطنته.

شُيوخُه

نشأ إياسٌ نشأةً دينيّة وعلميّة، وكذا كان جدُّهُ قرّةُ من أصحاب النبيّ (صلى الله عليه وآله)، وروى عنه؛ فقد أخذ إياسٌ عِلمَه على يدِ مجموعةٍ من كبار شيوخ عَصره وعُلمائه، وهم: أبو مجلز، وسعيد بن المسيّب، وسعيد بن جبير، وعبد الملك بن يُعلى، ومعاويةُ بن قرّة المُزَنيّ[8].

تَلاميذُه

مثلما أخذ إياسٌ من عدد من الشيوخ، فقد أخذَ عنه عددٌ كبيرٌ من طلبة العلم في عصره، وهم: أيّوبُ السَّخْتْيانيّ، وحمّادُ بن زيد، وحمّادُ بن سَلَمةَ، وحميدُ الطّويل، وسليمانُ الأعْمش، ورجاءُ بنُ أبي سَلَمةَ، وسُفيان بن حُسين، وشُعبةُ بن الحجّاج، وداودُ بن أبي هند، وربيعةُ بن أبي عبد الرحمن، وعبدُ الله بن عَون، وعبدُ القاهر بن السريّ السَّلَميّ، وعَدِيُّ بن الفصيل البصريّ، وعَون بن موسى، وقريبُ بن عبد الملك، ومحمّد بن عجلان[9].

ضروبٌ من فِراسَته

تُعدُّ الإشارة الى فِراسة إياسٍ من الأمور التي يُتّحدث بها، ومن فِراسته: أنّهُ نظر مرّة الى  رجل، فقال: هذا غريبٌ، وهو من أهل واسطَ، وهو معلِّمٌ يطلبُ عبداً له، فوجدوا الأمر على ما قال، فقيل له، فقال: رأيتُه يمشي ويلتفتُ، فعلمتُ أنّه غريبٌ، ورأيتُ على ثوبه حُمرةَ تُربةِ واسط، فعلمت أنّه من أهلها، ورأيته يمرُّ بالصبيان فيسلّم عَليهم ولا يسلّم على الرّجال، فعلمتُ أنّه معلّم[10].

ومن فراسته أيضاً: أنّه نظر الى ثلاث نسوة فزعْنَ من شيء، فقال: هذه حامل، وهذه مُرضِع، وهذه بكرٌ، فقام إليهنّ رجلٌ، فسألهنَّ،  فوَجَدَهنّ كما تفرّسَ، فقيل له: من أينَ علمتَ؟ فقال: لمّا فَزِعنَ، وَضَعَت كلُّ واحدةٍ يدها على أهمّ المواضع لها، وضعت المرضعُ يَدَها على ثَديها، والحاملُ على بطنِها، والبكرُ على أسفل ذلك[11].

ودخل إياسٌ منزلَ رجلٍ، فرأى موضعاً من الحائط أو الأرض، فقال : في هذا الموضع حَيّةٌ، فوُجد الأمرُ كما قال، فسُئل عن ذلك، فقال: رأيتُ الحائطَ ـ أو قال: الأرض ـ يابساً كلَّه، ورأيت هذا الموضع أقلَّ يُبْساً، فعلمتُ أنّ فيه شيئاَ يتنفّس[12] .

ونظرَ إلى جَنازة، فقال : صاحبُها حيٌّ لم يَمُت ، فوُضعت الجنازةُ، فعضَّ إبهامَ الرجل، فإذا هو حيٌّ، فردّوه، فقيل له: كيف علمت؟ فقال : رأيتُ أصابعَ قَدَميه منتصبةً، والميت لا تنتصبُ أصابعُ قدميه، وكان ذلك الميتُ غريقاً[13] .

تَولّيه القَضاء

وكَتبَ عمرُ بنُ عبد العزيز الأمويُّ في أيّام خلافته إلى نائبه بالعراق، وهو عديّ بن أرطاة، أن اجْمع بين إياسِ بنِ معاويةَ والقاسمِ بنِ ربيعةَ الحرشيِّ، فولِّ قضاءَ البصرة أنفذَهما، فجَمعَ بينهما، فقال له إياسٌ: أيها الأميرُ، سل عنّي وعن القاسم فقيهَي المِصر: الحسن البصريّ ومحمّد بن سيرين، وكان القاسمُ يأتيهما، وإياسٌ لا يأتيهما، فَعَلمَ القاسمُ أنّه إنْ سألهما، أشارا به، فقال له: لا تسأل عنّي ولا عنه، فو الله الذي لا إله إلّا هو، إنّ إياسَ بنَ معاويةَ أفقهُ منّي، وأعلمُ بالقضاء، فإنْ كنتُ كاذباً، فما يحلُّ لك أن تولّيَني وأنا كاذبٌ، وإن كنتُ صادقاً، فينبغي لك أن تقبلَ قولي، فقال له إياسٌ: إنّك جئتَ برجل أوقفْتَه على شفيرِ جهنّم، فنجّى نفسَه منها بيمينٍ كاذبةٍ يستغفرُ اللهَ منها وينجو ممّا يخافُ، فقال عديُّ بن أرطاة: أما إذ فهمتَها، فأنتَ لها، واستقضاه[14].

ورَوي عنه أنَّه كان يقضي في سوق البصرة وهي مثلُ مسجدِ الجامع، وهذا ليس بعيداً عنه؛ فإنّه كان يجالسُ ويقضي أينما يجد ظلماً، ويتكلّم بحقّ أمام أيّن من كان، ولبساطته، قيل له: لولا خصالٌ فيك، كنت أنت الرجل، قال: وما هي؟ قال: تقضي قبل أن تفهم، ولا تبالي من جالستَ، ولا تبالي ما لَبستَ، قال: أمّا قولُكم: أقضي قبل أن أفهمَ، فإنّهم أكثرَ ثلاثة أو اثنين، قال: لا، بل ثلاثة، قال: ما أسرعَ ما فهمتَ، قال: ومن لا يفهم هذا؟! قال: كذلك أنا؛ لا أقضي حتّى أفهمَ.

وأمّا قولُكم: إنّي لا أبالي مع من جلستُ، فإنّي أجلس مع من يرى لي، أحبّ إليّ من أن أجلس مع من أرى له.

وأمّا قولُكم: إني لا أبالي ما لبستُ، فلئِن ألبس ثوباً يقي نفسي، أحبّ إليّ من أن ألبسَ ثوباً أقيه بنَفسي[15].

ورُوي عنه أنّه قال: ما غلبَني أحدٌ قطُّ سوى رجلٍ واحدٍ؛ وذلك إنّي كنتُ في مجلس القَضاء بالبصرة، فدخلَ عليَّ رجلٌ شهد عندي أنّ البستانَ الفلانيَّ ـ وذكر حدودَه ـ أنّه ملكُ فلان، فقلتُ له: كم عددُ شجره؟ فسكَتَ، ثمّ قال: منذُ كم يحكمُ سيّدُنا القاضي في هذا المَجلس؟ فقلتُ: منذ كذا، فقال: كم عدد سَعفِه؟ فقلت له: الحقُّ معك، وأجزتُ شهادته[16]، وهذه شهادةٌ منه تأكيداً على تفرّسه في القضاء وأموره، وعلى عدالة حكمه بين الناس، فلم تُشر المصادر الى ظلم صدر منه على أحد، أو الى حكم في قضيّة بهواه، أو بغير حقٍّ، وعندما قيل له: إنّك مُعجبٌ برأيك، قال: لو لم أُعجب به، لم أقضِ.

وفاتُه

إختلفَ المؤرّخونَ في تحديد سنة وفاته؛ فمنهم من يقول: إنّهُ توفّي سنة (121هـ)، إلّا أنّ أغلب المؤرّخين يشيرون الى أن إياساً قد توفّي سنة (122هـ) وعمره (76 سنة)[17].

 

 

 

 

 

[1] ابن سعد، الطبقات الكبرى، 7/234.

[2] الذهبي تاريخ الإسلام، 8/45

[3] ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، 10/9.

[4] الجاحظ، البيان والتبيين، 67.

[5] الطبراني، المعجم الكبير، 19/28

[6] الجاحظ، المصدر السابق، 67.

[7] المصدر نفسه،69

[8] يُنظر: محمد علي حسين وسماهر محيي موسى، إياس بن معاوية المزني (دراسة في سيرته ودوره في الإسلام)، مجلة الفتح، العدد الثالث والثلاثون، سنة 2008، ص3.

[9] يُنظر: المصدر نفسه، ص5.

[10] المزي، تهذيب الكمال،3/427.

[11] وكيع، اخبار القضاة، 1/371.

[12] البلاذري، انساب الاشراف،11/346.

[13] البلاذري، المصدر نفسه، 11/347

[14] ابن خلكان، وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، 1/249.

[15] المزي، تهذيب الكمال، 3/434.

[16] ابن خلكان، المصدر السابق، 1/681.

[17] محمد علي حسين وسماهر محيي موسى، المصدر السابق، ص7.


حسين علي أيوب


اتصل بنا
يمكنكم الاتصال بنا عن طريق الاتصال على هواتف القسم
+964     7602326873
+964     7721457394
أو عن طريق ارسال رسالة عبر البريد الالكتروني
media@mk.iq
info@mk.iq

تطبيق المعارف الاسلامية والانسانية :
يمكنكم ارسال رساله عن طريق ملء النموذج التالي :
اتصل بنا

او مواقع التواصل الاجتماعي التالية :