مركز تراث الحلة
محمد باقر الحليّ (1894م ــ 1971م)
التاريخ : 13 / 3/ 2021        عدد المشاهدات : 1134

تتعدّد مناحي المجتمع البشري فمنها، الاجتماعية، والاقتصادية، والثقافية، والسياسية، ومن خلال هذا التعدد يظهر تقلّب أفراد المجتمع معها فكلّ يهتدي إلى ما يعتقد به ويعشقه، وكما قال أبو فراس الحمداني"وللناس فيما يعشقون مذاهب"، ولم يختلف المجتمع الحليّ عن هذا النمط من الحياة إلّا أنّنا نودّ أن نستحضر بهذه العجالة، بعضَ ذكريات أجدادنا وما كان يتناغم مع أفكارهم وسلوكياتهم ضمن البيئة الجميلة التي كانت تكتنفها هذه المدينة فلطالما قلنا عنها إنّها مميّزة بما قدّمه أبناؤها من عطاء في كافة مراحل الحياة، وكان للسياسة فيها دور فاعل، وقد نبغ في مدينة الحلة جيل سياسيّ كبير نهضت به من خلال أبنائها الذين خاضوا فيها كثيرًا من المحن، فمنهم من الثوار الذين تصدّوا للغزاة الطامعين بروح وطنيّة وبسالة وثبات، ومنهم من رفع سلاح القلم وعنفوان الفكر والمعرفة، ومنهم من اتخذ المنبر ساترًا إعلاميًا بحنجرته ليشحذ الهمم، ويرسّخ العزيمة في ضمير الثائرين لطرد الطامعين، نذكر:  

السيد محمد باقر الحليّ

هو: محمد باقر بن ناصر بن حُسين الحسينيّ الحليّ، من أُسرة آل عزّام المُلقّب بـ(العالم), وهو الأخ الأكبر للمرحوم طه باقر المعروف بقارئ الطين، لم يفِ أحد بذكر ما أنجزه هذا الرجل طيلة مسيرة حياته.

     وُلد في الحلة محلّة الطاق سنة 1894م، ونشأ بها ودرس في كتاتيبها, وعندما اشتدّ عودُهُ رحل إلى مدينة النجف الأشرف ليُكمل دراسته الدّينيّة والفقهيّة في اللّغة والعلوم الشرعيّة على كبار العُلماء من مُعاصريه.

سكن في محلّة الكراد مُقابل الشطِّ ركن في "الدار الوقف" التي أصبحت فيما بعد نقابة المُعلّمين فرع الحلّة، ومن ثُمّ هُدمت الدار وبُني مسجد " آل عجام "، حاليًا.

كان من أوائل المُشاركين في ثورة النجف سنة 1918م، منظمًّا إلى جمعيّة النهضة الإسلاميّة, وله مُشاركة فاعلة في مُحاربة الإنكليز, إلّا أنّ الثورة لم يكتب لها النجاح وقد زُجَّ في السجن ثمّ هرب منه ملتجأً إلى منطقة الياسريّة جَنوب مدينة النجف, فأسّسَ فيها مدرسة لتعليم الأولاد في (الشاميّة)، وشارك في استنهاض الهمم لمُحاربة الإنكليز المُحتلّين وكان في طليعةِ من أشعل الشرارة الأولى لِثورة العشرين، وبهذا الموقف البطوليّ ذَكرهُ الجواهريّ في مُذكّراته, " ولُقّبَ بـ ( شاعر ثورة العشرين)"، وبعدَ إخفاق الثورة التجأ إلى المناطق الجنوبيّة ووصل البصرة فعمل مُدرسًا فيها باسمٍ مُستعارٍ خشية التعرّف عليه والإمساك به.

وذكر الدكتور عبد الرضا عوض في كتابه (أوراق حليّة): " بعد صدور قرار العفو العام عن المُشاركين في الثورة رجع محمد باقر إلى الحلّة واتفق مع صديق عُمره وزميله الميرزا ناصر وبتوجيه من الشيخ محمد مهدي البصير الذي شارك هو الآخر في تلك الثورة فقدّما أوراقهما إلى (مدرسة الحقوق) التي أصبحت فيما بعد كليّة الحقوق جامعة بغداد وتخرجا منها سنة 1925م, وعمل في المحاماة وقد اصطفاه الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري للعمل مُديرًا لتحرير جريدته (الفرات)"، وقد ذكره في مذكّراته بقوله: " ينبغي أن أذكر محمد باقر المُحامي في الحلّة ولولا بعض الذكريات الطيّبة لهذا الرجل أيام ثورة العشرين, لم أخترهُ مُديرًا مسؤولًا لجريدة الفرات خلافًا لقانون المطبوعات الذي لا يُجيز لمدير مسؤول عن أيّ جريدة أن يكون خارج المُحافظة التي كانت تصدر منها الجريدة, إذ كانت الفرات في بغداد وهو في الحلّة ".

أُغلقت جريدة الفرات وبقي محمد باقر مُستقرًا في بغداد ممّا ساقه طموحه إلى أن يكون عضوًا في مجلس الأمّة، فرجع إلى الحلة وأسّس فرعًا لِحزب الإخاء الوطني واتخذ من خان بيت الخواجة مقرًا له، ويذكر لنا الجواهريّ كيف أنّه توسّط لهذا الرجل لدى نوري السعيد فيقول: " هذا الرجل أراد أنْ يقتصر في مُشاركتي على الأفراح لا الأتراح, رجاني أن أتوسّط له في الدخول إلى حلبة النيابة, بعد أنْ شغرت مقاعد في المجلس, وتدخّلت بما لا تزال لي من دالة، على [نوري السعيد] عسى أن يكون لمحمد باقر نصيبٌ فيها, قصدنا بيته, فخرج الرجل وهو بقميصه وسرواله ليقول لي على الباب: أنا كما ترى على باب الحمّام, فهل لديكَ شيءٌ هام؟ فقلتُ: مقصدي ليس لي بل لصديقي, وهو المُدير المسؤول لجريدتي وهو أهلٌ وكفءٌ لأن يحتلّ مكانه في المجلس النيابيّ, وليتك تأخذ بيده، فقال بكل سماح: سأنظر في ذلك ".

وقال محمد علي كمال الدين في مذكّراته عن ثورة العشرين: " دُعي محمد باقر إلى اجتماع الشاميّة الذي حضره كبار المشايخ من قبائل آل فتلة والخزاعل والغزالات، والعوابد، والسادة الياسريّين يوم 15 شوال 1338م، في مُضيف عبد الكاظم سكر, للتداول في محنة العراق والعراقييّن مع مُحتل جديد, ووفد على ذلك الاجتماع قادة إنكليز منهم: (الميجر نوريري) حاكم النجف والشاميّة و(هوبكنز) وحاكم أبو صخير ومُعاونه (مصطفى أفندي خرمة السوري), وسبق ذلك زيارة الشيخ مجبل الفرعون، وكان من بين الحضور السيد محمد باقر الحليّ, وبعد إنْ اكتظ المجلس, صعد المنبر الذي كان في المضيف دون مقدّمة أو استئذان وراح يُلقي قصيدة, نذكر منها:

بَني العُربِ لا تأمنوا للعِدا مكرا
يُريدونَ منكم بالوعودِ مكيدة
تُريدون بالأقلام إنجاح أمركم

يخوضُ عِبابَ البحر من طلب الذُرى
ومن ماتَ دون الحقِّ والحقُّ واضحٌ

 

 

خذوا حذركم منهم فقد أخذوا الحذرا
ويبغون إن حانت بكم فرصة غدرا
وهل تنفع الأقلام من حطّم السّرا
ويَلقى ظلام الليل من عشق الزهرا
إذا لم ينلْ فخراً فقد ربح العذرا

 

 

فنَصَتَ الزُعماء وسكتوا سكوتًا عميقًا إلى أن أكمل القصيدة وأعقبها بخطبة أوقد نار العزيمة والثورة في نفوس الحاضرين وكان من بينهم زُعماء قبيلة الخزاعل, قائلاً: " يا زُعماء الخزاعل إنّ قبيلتكم  كانت تُسمّى خُزاعة, وقد دخلت بيعة النبيّ محمد (صلى الله عليه وآله) وكان الحلف بين النبيّ وبين قريش ألّا يؤذوا مُبايعيه, غير أنّ قرشيًّا شجّ رأس أحد الخزاعيّين, فشكا ذلك إلى النبي, فغضب النبيّ وقال: (لا ينصرني ربّي إن لم أنصر خُزاعة) فجيَّشَ جُيوشه التي كان لها فتح مكّة, وأنتم يا زعماء خُزاعة هكذا انتصر لكم النبي وغضِب لأجلكم, فمتى أنتم تنتصرون له, أمّا في الآخرة فأنتم أحوج إليه منكم, عندها ثار أحد زعماء الخزاعل وهو الشيخ سلمان العبطان وسلّ سيفه ووقف قبال محمد باقر وهزَّ السيف في وجهه, قائلًا: (عد وجهك، أنا أخو فاطمة)، فنهض جميع من حضر وهوّسوا بحضور الإنكليز: (بس لا يتعلّگ بأمريكا)، قاصدًا هُنا أن لا تستنجد بريطانيا بأمريكا كما فعلت بالحربِ العالميّةِ الأولى، وأشار المصدر ذاته (مذكّرات):" أسرع الإنكليز إلى بواخرهم وتبعهم أطفال القبيلة يقذفونهم بالحجارة, فكانت تلك الشرارة الأولى لبدأ ثورة العشرين".

 بعد أن شاع خبر محمد باقر وقصيدته ومحاججته للخزاعل, قام جميع من حضر ذلك المجلس بتحرير رسالة إلى شيوخ الرُميثة يستنهضوهم للثورة بوجه المُحتل, فوجد السيد علوان الياسريّ حامل الرسالة أن الشرارة قد قدحت باعتقال الشيخ شعلان.

ويروي د. إبراهيم الوائلي, في كتابه (ثورة العشرين في الشعر العراقيّ)أنّه:" تم التوجّه لمساندة السيد گاطع العوّاديّ في مسعاه وبهذا الشأن فقد سرت عدوى تلك الحفلات إلى النجف عن طريق السيد العوّاديّ, فعندما عاد إلى النجف في أواخر رمضان اتفق مع السيد علوان الياسريّ، والشيخ عبد الكريم الجزائري، على إقامة اجتماع سياسي تحت ستار التعزية الحُسينيّة, وطلبوا من السيد محمد باقر الحليّ نُظم قصيدة بالمُناسبة, وأقيمَ الاجتماع في الجامع الهنديّ واكتظّت ساحة الجامع على سعتها بالناس, واُختير السيد محمد علي قسّام ليكون قارئ التعزية, وقراءة المقدمة(الهدية) للسيد محمد باقر الحليّ, حسب العادة, في مجالس التعزية, وبدلًا من أن يُلقي قصيدة رثاء الحُسين (عليه السلام).

ألقى قصيدة سياسيّة كان قد كُلِّفَ بنُظمِها, منها:

يا شعبُ كيفَ حِمى عُلاكَ يرامُ
هذي الذئاب لهم فيك مسارحٌ
هُم يطلبون على العراق وصاية
حتّى اليهود يوقرون وحقهم
فليحيى عبد الله فهو لشعبنا
وعلى الرجال العاملين تحية
وله قصيدة لسان حال الشعب منها:

سـأبقى وإن لم يعبؤوا بإرادتي

وكي لا يقولوا جاهل متـــــــــــهور

أرددُ صوتي مرّة ً بعد مــــــــــــرّةٍ  

 

وبنوك بعدَ العزّ كيف تُضام
فليحمِ منك عرينه الضرغامُ
عجباً فهل أبناؤهُ أيتامُ
يرعى وحقّ المُسلمين يُضامُ
ملك ووالده الشريفُ إمامُ
وعلى حُماة المُسلمين سلامُ

 

أضجّ الى أن يسمع الحقّ ســـــــامعُ

تســرّع فيما رام والوقت واســـــــعُ

ليحسن فيما بعد ما أنا صــــــــــانعُ "

 

قال الدكتور علي الورديّ في (لمحات من تاريخ الحلة): " ونسيَ الحاضِرون أنفسهم عند سماعهم تلك القصيدة, مع العلم أنّ التصفيق غير جائز في مجالس التعزية الحُسينيّة ".

وذكر كامل سليمان:" واستعيدت الأبيات الوطنيّة مرارًا وتكرارًا مع الهتاف العالي والتصفيق الحادّ, وبلغ عدد الحاضرين سبعة آلاف شخصٍ تقريبًا.

وقال عبد الرزاق الحسنيّ في كتابه (الثورة العراقيّة الكبرى): " بقيَ الحِليّ يؤجّج مشاعر العراقيين بقصائده طيلة أيام الثورة, وكان ضمن المطلوبين للإدارة البريطانيّة, وبقي متخفّيًا حتى صدور العفو العام, وفي معرض تقييم أداء السيد محمد باقر الحليّ, يقول السيد هادي المگوطر وهو أحد رجال الثورة: لو قُدّر أن يكون لمحمد باقر الحليّ ثمنٌ فإنّه يساوي مئات المدافع والرشاشات, فهو الوحيد الذي تمكّن من أن يُلهب الحماس في الحجر الأصمّ ".

كان محمد باقر شخصيّة أدبيّة سياسيّة مرموقة شارك في الثورة العراقيّة وصارع الاستعمار الانكليزيّ، اشتهر بوطنيّته وخاصّة عندما أصبح في البرلمان فكان صوتًا مدويًا يُمثّل الحليّين, مارس مهنة المحاماة، وكان سعد صالح جريو (متصرّف الحلة آنذاك)، من أصدقائه المقربين.

انتخب عضوًا في جمعية حرس الاستقلال التي أسّسها شقيقه البصير سنة 1919م في الحلة.

وذكر الباحث تاج الدّين في كتابه تاريخ الأحزاب: " يقول السيد منعم حميد في دراسته عن البصير[ولقد كوّن البصير جماعة وطنيّة (وطنيّون) من أهل الحلة تدعو للاستقلال ولمبادئ الحزب، ولقد آزره الأستاذ رؤوف الأمين الذي أصبح فيما بعد رئيسًا للبلديّة والسيد محمد باقر الحلي وسيد صالح الحلي (الروزخون) وعبد الله شبيب..... وغيرهم].

وفي نفس السنة 1919م، يقول البصير: أرسلت محمد باقر إلى بغداد، عاد ومعه حديث التعرّف بالسيد (محمد الصدر) وزيارته والاستجابة إلى بعض أقواله وكان ذلك أمرًا مُشجّعًا, وكان مُعلّمًا للعربيّة في مدرسة الحلة الابتدائيّة الوحيدة, وعلى إثر حادثة اعتداء عليه طُرد من وظيفته.

عمل عضوًا مؤسسًا في المعهد العلميّ في بغداد عام 1922م، بهدف تعليم الأُميين ومُكافحة الأميّة وإحياء الحفلات الوطنيّة والثقافيّة وغير ذلك.

أصبح مُعتمد حزب الإخاء فرع الحلة من سنة 1929م إلى 1933م الذي كان مقرّهُ عگد المُفتي.

تعرّضَ بسبب نشاطه في حزب الآخاءَ إلى السجن والاعتقال وذلك في نيسان 1931م.

انتُخِب في23/ نيسان1936م، عضو الهيئة الإداريّة لجمعيّة الهلال الأحمر فرع الحلة.

كما عمل عضوًا في مجلس النوّاب في الدورة الانتخابيّة التاسعة المُمتدّة من 12/حزيران/1939م إلى 9/حزيران/1943م, وكان صوتًا وطنيًّا مدوّيًا ضدّ الاستعمار.

وعمل عضوًا مؤسسًا في حزب الأحرار فرع الحلّة الذي كان يرأسه أنور الجوهر وذلك عام 1947م، وكذلك عضو الهيئة العُليا للحزب في بغداد.

شغل منصب سكرتير حزب الأمّة الاشتراكي فرع الحلّة الذي يرأسه جعفر محمد علي القزوينيّ الذي افتُتح 25/12/1951م.

له شعر مخطوط ونُشر منه الكثير في الجرائد والمجلات.

توفي سنة 1971م بالحلّة، ودفن في النجف الأشرف ".


اعلام مركز تراث الحلة


اتصل بنا
يمكنكم الاتصال بنا عن طريق الاتصال على هواتف القسم
+964     7602326873
+964     7721457394
أو عن طريق ارسال رسالة عبر البريد الالكتروني
media@mk.iq
info@mk.iq

تطبيق المعارف الاسلامية والانسانية :
يمكنكم ارسال رساله عن طريق ملء النموذج التالي :
اتصل بنا

او مواقع التواصل الاجتماعي التالية :