مركز تراث الحلة
  الشيخ محمد الشهيب
التاريخ : 12 / 3 / 2021        عدد المشاهدات : 1378

   من أسرة برعت في الفصاحة والخطابة والولاء لآل البيت (عليهم السلام)، منذ قرن من الزمان، كان الشيخ محمد الشهيب، عميد المنبر الحلي.

  سكنت أسرته العربية مدينة الحلة في مطلع القرن التاسع عشر, وهي تنتسب إلى قبيلة بني كلاب, ومؤسس هذه الأسرة جده الشيخ شهاب الدين  المتوفى سنة 1311هـ، الخطيب، والواعظ، وتسميه العامة (شيخ شهيب)، وبهذه التسمية تعرف الأسرة في الحلة إلى هذا اليوم, وقد درج الشيخ محمد وأخوه  الأكبرالشيخ عبد الحسين في التتلمذ على أبيهما الشيخ  عبد الحسين بن الشيخ شهاب الدين بن عبيد بن أحمد بن حسن الكلابي ,وهو من مشاهير خطباء الحلة المتوفى في (2 ذي القعدة سنة 1324هـ/سنة1903م).

    ولد الشيخ محمد عبدالحسين الشهيب سنة 1288هـ في الحلة، في محلة الطاق قرب المسجد المعروف باسمهم، واحترف النجارة في بداية حياته، في سوق النجارين في القطانة، ثم انصرف إلى مزاولة الخطابة، حتى ذاع صيته، وانتقل في العقد الثاني من القرن الماضي إلى كربلاء المقدسة فلبث فيها بضع سنين، تلميذا لخطيبها الكبير السيد جواد الهندي، وقد سافر مرارا إلى الأهواز مقربا من أميرها الشيخ خزعل الكعبي، وقد كان من المعجبين بأدبه فاصطفاه في قصره، وتنقل بين المسيب، وسامراء، والعمارة، والحي، واعظا وخطيبا، مهيب الطلعة، وقورا، وله شخصية محبوبة لدى الناس، سريع البداهة، ظريفا، مقربا من العلماء، كالشيخ حسين الحلي، والعلامة الشيخ محمد، والشيخ علي أولاد سماكة، والسيد مسلم السيد تقي, والسادة مسلم وهادي أولاد السيد حمود عزام, وعرف بصحبته للسيد أبي جعفر محمد علي القزويني، وملازمته له، وكانت داره منتدى لأهل الأدب والشعر، وظل في مهنته هذه ما يقارب الثمانين عاماً, وكانت له مكانة وحظوة عند أهل الحلة، لأنه قصر حياته على خدمة أهل البيت (عليهم السلام)، وخاصة في قراءة واقعة الطف بأجلى صورها وأبعادها الأخلاقية والوجدانية، بإسلوبه الخاص الذي تميز به، وأدائه الرائع، وصوته الشجي الذي يأسر القلوب قبل العقول.

      كان الشيخ محمد معتمد االمرجع محمد تقي الشيرازي في الحلة، وهو الذي تلى رسالة الشيرازي في مقاومة الإحتلال والداعين إليه، ففي اليوم الأخير من شهر رمضان 1920م، كما يذكر الأستاذ المحقق عامر تاج الدين،  ظهرت على جدران سوق الحلة شعارات تدعو الناس إلى القيام في وجه الحكومة وتحمل حملة شعواء على جميع المتصلين بالإنكليز، وفي اليوم الثاني من عيد الفطر 19 / حزيران / 1920م خرج منادي ينادي في طرقات الحلة وأسواقها قائلاً : ( في هذه الليلة إجتماع عمومي في الجامع الكبير لسماع مكتوب آية الله الشيرازي، وقد تم الإجتماع في الوقت المعين، وارتقى المنبر الشيخ محمد الشهيب، وأخذ يتلو رسالة وردت إليه من الشيرازي، تدعو العراقيين إلى المطالبة بحقوقهم المشروعة بالطرق السلمية، ولما أتم الشيخ محمد تلاوة الرسالة تتابع على المنبر محمد الشيخ عبد الحسين، ورؤوف الأمين، وخطيب السنة عبد السلام حافظ، فألقوا كلمات حماسية طالبوا فيها باستقلال العراق ونادوا بالأمير عبد الله ملكاً عليه، وحين بلغ الميجر بولي خبر الإجتماع في الجامع أمر بالقاء القبض على مدبري الإجتماع، وأرسلوا جميعاً بالقطار مخفورين إلى البصرة، ومنها أرسلوا بالباخرة إلى جزيرة هنجام، وجراء ذلك تعرض الشيخ محمد لضغوط ومضايقات من قبل السلطة, ليعتكف بعدها على أمهات الكتب التي كانت تحفل بها مكتبته العامرة في السير والأخبار والمعاجم وغيرها.  

    كان الشيخ الشهيب مدرسة فريدة في الخطابة، فتخرج على يديه أعلام الخطباء والذاكرين، منهم أبنه البكر الشيخ الدكتور البصير، وولده الشيخ حسين الشهيب المولود سنة 1322هـ، الذي كان يرتقي المنبر بعد أبيه، وأصبح فيما بعد عضواً في حزب الإستقلال، فرع الحلة، وتوفي قبيل وفاة والده سنة 1370هـ، ومن تلامذته الشيخ عبد الشهيد محمد رضا الشهيب، والشيخ سعيد محمد النجار، والشيخ صادق ناجي، والشيخ حسن البصير، وغيرهم.

        من مآثر الشيخ محمد تجديد وتوسعة عمارة مسجد الشهيب، المجاور لقبر يحيى بن سعيد العالم الحلي، في عهد متصرف الحلة عبد الرسول الخالصي، ولا يزال المسجد عامرا، بفضل همة الشيخ محمد الشهيب وسعيه.

   أعقب الشيخ محمد سبعة ذكور وسبع إناث، وكان متزوجاً من أربع نساء، وولده البكر الدكتور البصير ابتدأ فجر حياته خطيبا، وكان أبرع أفراد أسرته، في إجادة المنبر، لغة، وصوتا، وحزنا، وحنجرة مرتلة، وهو لما يزل في الثانية عشرة من عمره، إذ كان يقرأ (مقدمة المقتل) قبل والده الشيخ محمد، وهاجر إلى بغداد وأصبح سياسيا، وأديباً، ومؤلفاً، وهاجر خارج القطر فنال الشهادات العليا وافتخرت الحلة بالبصير الموهبة، وأبنه الآخر الشيخ محمد حسين الشهيب خطيب وعضو حزب الإستقلال في الحلة، والآخر الأستاذ عبد الحسين محمد مفتش المعارف الأقدم، كان من الطبقة (الأفندية) الذين لبسوا السدارة.

   للشيخ شهيب قصائد نشرت في (البابليات)، و(خطباء المنبر الحسيني)، و(شعراء الغري)، وتوزعت ما بين الفخر، والمديح، والرثاء، والتهنئة، والوصف، غلبت عليها التقليدية على مستوى العروض، والأساليب، واللغة، لتأثره بالقدماء من الشعراء في صورهم، وأخيلتهم، ومعتمدًا البحور ذات التفعيلات القصيرة أحيانًا، مما يمنح قصيدته نوعًا من الحيوية المستمدة من الإيقاع السريع، ومن شعره في رثاء الإمام الحسين (عليه السلام):

وما أنا إن حل المصاب بجازع          ولولا مصاب الطف ما أنا جازع

غداة حسين سار عن قبر جده             على لاحب إذ لم ترعه الروائع

إلى أن أتى أرض العراق مماهيا               بآساد غيل عن حماه تدافع

فقابل في تلك الأسود قبائلا            يضيق بها رحب الفضا وهو واسع

يخوضون تيار الحمام على ظما            وقد عذبت منه لديهم مشارع

إما عنه شوقا يركب الموت عزة       وإما حياة وهو في الناس خاضع

فهيهات مثلي يرهب الموت خيفة                ويأبى إبائي للدعي أبايع

وسدت على جيش الضلال عصابة        يريهم بوقع البيض ماهو واقع

 

   كان الشيخ الشهيب متواضعا، ذا أدب جم، يحضر المحافل، ويشارك الناس أفراحهم وأتراحهم، حتى أقعده المرض مدة طويلة، فتوفي في 18 صفر 1369 هـ -13تموز 1963 عن عمر يناهز المائة عام، وشيّعته الحلة بالحزن والأسى، ونقل جثمانه إلى النجف الأشرف.

 


اعلام مركز تراث الحلة


اتصل بنا
يمكنكم الاتصال بنا عن طريق الاتصال على هواتف القسم
+964     7602326873
+964     7721457394
أو عن طريق ارسال رسالة عبر البريد الالكتروني
media@mk.iq
info@mk.iq

تطبيق المعارف الاسلامية والانسانية :
يمكنكم ارسال رساله عن طريق ملء النموذج التالي :
اتصل بنا

او مواقع التواصل الاجتماعي التالية :