مركز تراث الحلة
المدرسة الزينبيَّة
التاريخ : 15 / 9 / 2020        عدد المشاهدات : 1202

    كانتْ المدارس الحِلِّيَّة العلميَّة من الملامح الحضاريَّة، وواجهة أساسية في ازدهار الحياة الفكريَّة، وقد شهدت إقبال الناس عليها لتلقي العلوم والمعارف المختلفة، ولم تقتصر مهام تلك المدارس على العلوم الشرعيَّة الدينيَّة والتعليمية، وإنَّما أضحت مراكز لالتقاء الآراء والأفكار، فكانت بمثابة مدارس علم، وأدب، ومجالس وعظ وإرشاد .

   إنَّ المدارس الدينيَّة التي كانت منتشرة في الحِلَّة، منذ تمصيرها سنة (495هـ)، هي امتداد للمدارس العربيَّة والإسلاميَّة، وقد درج العلماء والفقهاء على إنشاء هذه المدارس بدافع الإخلاص للدين، والتقرب إلى الله (سبحانه)، بنشر العلوم والمعارف، ومن أبرز تلك المدارس التي اندرست المدرسة الزينبيَّة.

   نُسبت تسمية هذه المدرسة إلى السيِّدة زينب بنت الإمام علي (عليه السلام)، وذُكرت بمسمَّيات عديدة، منها (الشرعيَّة)، وقد ذكر هذا محقِّق (المهذَّب البارع) بالقول: «ابن فهد الحِلِّيّ أحمد بن شمس الدين محمَّد بن فهد، جمال الدين الحِلِّيّ الأسديّ الشيعيّ، كان يدرس في المدرسة الشرعيَّة في الحِلَّة السيفيَّة»، وربَّما جاء اسمها من تدريس الشريعة وعلوم الدين والمذهب الإماميّ، أو أنَّها وقفٌ تابع للمرجعية الدينيَّة آنذاك، وجاءت أيضًا باسم (المدرسة الزعيَّة)، و(الزعنيَّة)، وقيل نسبة إلى زينب بنت يوسف الآبي صاحب كتاب (كشف الرموز) (ت699هـ)، وهو الأقرب، وقد أنشئت في القرن التاسع الهجري، وموقعها في بداية سوق الهرج، وسط مدينة الحِلَّة، وتقدر مساحتها بـ(6000م)، وكان في مدخلها ثلاثة قبور مندرسة هي: قبر الشيخ محمود الحمصيّ (ت600هـ)، وقبر الشيخ نصير الدين القاشانيّ(ت755هـ)، والقبر الثالث لصاحبة الوقف والمدرسة (زينب بنت اليوسفي)، واتخذ قسمها الثاني منامًا للطلبة، تتوسط حجراته بئر، وتطلُّ على ساحة واسعة، تتوسطها دكة للجلوس، وكان يُخصص لمبيت الطلبة الوافدين من أماكن بعيدة، وكان يؤمّن لهم الطعام، ولوازم الإنارة، والتدفئة بشكلٍ دائم، وتوكّل هذه المهام إلى ملتزمين مهمتهم توفير اللوازم الضرورية، وقسمها الثالث يطلُّ بابه على سوق الهرج، ويتكون من قاعات للدرس، مؤلَّفة مِن عدد من الغرف، وقد شغلت هذا القسم، في ثلاثينيات القرن الماضي، مديرية بلدية الحِلَّة مرآبًا لآلياتها، ويذكر أنَّ الإدارة العثمانيَّة افتتحت سنة (1289هـ) في عهد رؤوف باشا، حاكم الحِلَّة، المدرسة الرشديَّة، في البناية التي تعود للمدرسة، وجعلتها من انشاءات الإدارة العثمانيَّة، وقد أدرك المعمرون شيئًا من عمارتها.

   ورد ذكر هذه المدرسة مقرونًا باسم الشيخ أحمد بن فهد الحِلِّيّ(757هـ)، فقد كان يعطي دروسه فيها، قالَ بحر العلوم" : جمال الدين أحمد بن شمس الدين بن محمَّد بن فهد الأسديّ الحِلِّيّ كان ساكنًا في الحِلَّة السيفيَّة، وكان أحد المدرسين فيها ابن فهد الحِلِّيّ في المدرسة الزينبيَّة"،  وعلى الرغم مِن الاعتقاد السائد بأنَّها مدرسة جديدة نشأت في القرن التاسع الهجري، إلَّا أنَّ النصوص أكَّدت أنَّ المدرسة الزينبيَّة هي ذاتها المدرسة المجاورة لمقام صاحب الزمان(عليه السلام)، وما اختلف هو ربَّما الاسم فقط، والدليل هو ما ذكره (الأفندي)  بأنَّه رأى بخطِّ محمَّد بن أبي جمهور الإحسائيّ على آخر كتاب (تهذيب الأصول) في آخر النسخة «أحمد بن علي بن إبراهيم بن جمهور الإحسائيّ أصلًا، الشيبانيّ قبيلة، وقد كتب في الحِلَّة السيفيَّة في المدرسة الزينبيَّة المجاورة لمقام صاحب الزمان، في شهر صفر سنة ثلاث وثمانين وثمانمائة».

   كانت المدرسة الزينبيَّة مفتوحة الأبواب لكلِّ مَن يؤمَّها مِن العلماء، وتقام فيها حلقات الدرس، والمناقشات الفكريَّة، وتبادل الآراء بين مفكريها، بما يخدم الدين، والمصلحة العامة، في الأيام الاعتيادية، والمناسبات الدينيَّة التي يلتقي العلماء فيها، وقد تخرَّج فيها جماعةٌ من العلماء، مِنهم: الشيخ ناصر بن أحمد المتوج البحرانيّ، كان حيًّا(859هـ)، والسيِّد محمَّد بن فلاح الواسطيّ المشعشعيّ (ت870 هـ)، والشيخ علي بن هلال الجزائريّ الحِلِّيّ كان حيًّا (900هـ)، وعبد السميع بن فياض الأسديّ(حيًا بعد عام 918هـ)، وغيرهم، وقد نسخ عطية بن غنام بن علي بن يوسف الأسديّ مخطوطته المعروفة بـ(مجالس الصدوق) في المدرسة الزينبيَّة، فيقول الشيخ: "فرغ من كتابته بتوفيق الله سبحانه وتعالى وبمعونته العبد الفقير المحتاج إلى رحمة ربه الكريم عطية بن غنام علي بن يوسف الأسديّ، ذلك ليلة الاثنين سلخ شهر ذي القعدة الحرام لسنة ثلاث عشرة وتسعمائة في المدرسة الزينبيَّة بالحِلَّة السيفيَّة والحمدُ لله وحده وصلَّى الله على محمَّد وآله وسلَّم"، وكتب الشيخ خضر بن محمَّد الحبلروديّ كتابه (التحقيق المبين في شرح نهج المسترشدين)، فقالَ: "مُقدم تسويد هذا الشرح بعون الله وتسديده ومزيد توفيقه وتأييده قبيل الصبح من ليلة الأحد الثالث من ذي القعدة بالمدرسة الزينبيَّة الواقعة جوار المقام للخلف الصالح القائم المنتظر(عليه السلام)"، وذكر الأفنديُ أنَّه قد رأى في قرية (الفارة) في منطقة الإحساء بعض مؤلَّفات أبي جمهور الإحسائيّ، وقد كتب عليها: كتبتُ في العراق في الحِلَّة السيفيَّة في المدرسة الزينبيَّة المجاورة لمقام صاحب الزمان(عليه السلام)، ومصداق ذلك ما ذكره الشيخ خضرالحبلرودي(ت851هـ) الذي دخل الحِلَّة بمناسبة زيارة أربعينية الإمام الحسين(عليه السلام)، وقبل ذهابه إلى كربلاء المقدَّسة، عرَّج على المدرسة الزينبيَّة التي كان يدرس بها صديق له، هو الشيخ محمَّد بن محمَّد بن نُفيع الحِلِّيّ، جمعتهم هذه المناسبة، لتكون سببًا في تأليف الشيخ خضر الحبلوردي لكتاب مهم هو (التوضيح الأنور)، الذي ذكر به مناسبة التأليف، بقوله: "إنِّي لمَّا عزمت على زيارة الأربعين في سنة ثمانمائة من الهجرة مع تسع وثلاثين) 839هـ)، ورحلت إلى المدرسة الزينبيَّة والصلحاء، أراني أعزُّ الإخوان عليَّ، وأتمَّهم في المودَّة والإخلاص  محمَّد بن نُفَيْع عضد الملَّة والدين"، وهذا دليل واضح على أنّ المدرسة الزينبيَّة مفتَّحة لقاصديها من العلماء، وبمرور الزمن اندثرت تسمية المدرسة الزينبيَّة، ولكن المدرسة بقيت شاخصة يرتادها طلبة العلم.

  يصفُّ المعمرون الذين أدركوا أطلال المدرسة بأنَّها كانت قائمة حتَّى عشرينيات القرن المنصرم، وكان البناء مسقفًا بشكل هرمي، وكان خان (الحشَّاشة) الذي هو أحد أقسامها يستعمل لرباط الخيل، وتحوَّل لاحقًا إلى مقر للجند (حامية الحِلَّة)، ويقول الشيخ يوسف كركوش: "إنَّ الجنود الموالين للوالي داوود باشا تحصّنوا في خان الحشاشة سنة (1240هـ - 1824م)، وقد ثار أهالي الحِلَّة عليهم بقيادة محمَّد آقا وحاصروهم، وشدَّدوا الخناق عليهم، واقتحموا الخان وحرقوا بابه، وقد أسست فيها الإدارة العثمانيَّة المدرسة الرشديَّة، نهاية القرن التاسع عشر، ثم انتقلت إليها المدرسة الشرقيَّة سنة (1336هـ-1918م)، ولمَّا عُيّن رؤوف باشا المتصرِّف على الحِلَّة مُراد العزّي، أُنشئت المدرسة الرشديَّة في الحِلَّة، والتي هي رأس سوق الهرج، وذلك سنة (1289هـ)، وكانت تسمَّى بالمدرسة الزينبيَّة، والمظنون أنَّها من مدارس الحِلَّة، أبان نهضتها في القرون الوسطى، فبقيت حتَّى عشرينيات القرن الماضي، ثم أهملت وتحولت إلى خربة، وبعدها تحولت إلى سوق لبيع الخضراوات، وبقيت على ذلك حتَّى نهاية الخمسينيات"، وبعد ذلك لم يبقَ أي أثرٍ يذكر عن تلك المدرسة، سوى ما خلَّفته مِن غُررٍ الآثار العلميَّة والفكريَّة فيها .


اعلام مركز تراث الحلة


اتصل بنا
يمكنكم الاتصال بنا عن طريق الاتصال على هواتف القسم
+964     7602326873
+964     7721457394
أو عن طريق ارسال رسالة عبر البريد الالكتروني
media@mk.iq
info@mk.iq

تطبيق المعارف الاسلامية والانسانية :
يمكنكم ارسال رساله عن طريق ملء النموذج التالي :
اتصل بنا

او مواقع التواصل الاجتماعي التالية :