مركز تراث الحلة
الحِلَّة في عهد أحمد باشا  (1724-1747م)
التاريخ : 7 / 9 / 2020        عدد المشاهدات : 2364

تُعَدُّ مدينة الحِلَّة واحدةً مِن مدن العراق المهمّة؛ إذ سجَّلت تاريخًا مُميّزًا وبارزًا خلال العصور التاريخيَّة التي مرَّت بها، فهي إحدى المدن التي ظهرت خلال العصور العبّاسيّة المتأخرة، ووصفها (الحمويّ) بأنَّها: ((مدينة كبيرة بين الكوفة وبغداد... أفخر بلاد العراق وأحسنها)). فقد شهدت خلال حكم بني مزيد ازدهارًا في شتّى المجالات، وكان قد غلب عليها الطابع البدويّ، فعاشت فترة هدوء واستقرار كان سببًا مهمًا في نمو مرافقها كافّة، وهذا ما كان يطمح له الأمراء المزيديّون في بناء دولة مستقرّة تستطيع الوقوف بوجه التحدّيات إلَّا أنَّها لاقت مآسيَ كثيرة وظلمًا مِن الحكّام والولاة الذي جثموا على صدرها وتركوها قاعًا صفصفًا ترزح تحت نِير التخلّف والمرض لعهود طويلة بالخصوص في العهد العثمانيّ، وتسلَّط الأتراك على مقدّرات أهلها، وشهد القرن الثامن عشر أحداثًا ووقائع مأساويّة وأزمات كادت أن تطفئ نورها الوضّاء، ولهذا نودّ أنْ نسلّط الضوء على حياتها في زمن الوالي أحمد باشا  (1724-1747م):  

ذكر المحامي عبَّاس العزاويّ في كتابه (تاريخ العراق بين احتلالين)، " إنَّ أحمد باشا ولد في مدينة جفلكة القريبة من اسطنبول عام (1683م)، وتولّى ولاية شهرزور عام (1715م). ثمّ ولاية قونية عام (1716م)، ومن ثمّ ولاية حلب عام (1717م)، وبعد أربع سنوات نقل الى ولاية أورفة، ثم البصرة، وفي عام (1724م) وبعدها تولّى ولاية بغداد خلفًا لوالده حسن باشا حيث سار أحمد على خطى والده في توطيد نظام المماليك في العراق والاعتماد عليهم في الحكم وإخضاع العشائر الثائرة، ولا سيما أنّ أحمد باشا كان مُدركًا للدواعي التي كانت تثيرها العشائر للسلطة العثمانيّة الحاكمة وخصوصًا في منطقة الفرات الأوسط وقاعدتها الأساسيَّة مدينة الحِلّة ".

وذكر الشيخ يوسف كركوش في كتابه (تاريخ الحِلَّة)، " بقي الحاج يوسف بيك أميرًا عليها وأميرًا لموكب الحج العراقيّ؛ إذ كانت العشائر العراقيَّة في تلك المنطقة سببًا رئيسًا في الخروج ضد سلطة الوالي الجديد ومن أهمّها تورّط العثمانيّين في حروب طويلة ضد الفرس وانشغال أحمد باشا بها فكان ذلك حافزًا لهذه العشائر للتخلّص من سيطرته خاصّة وإنّ تلك الحروب الطويلة أصبحت مُكلفة، الأمر الذي دعا الأتراك إلى اتّباع مختلف الأساليب لجباية الضرائب المتزايدة من أبناء العشائر". وقال علاء موسى نورس في كتابه (العراق في العهد العثمانيّ دراسة في العلاقات السياسيّة)، " لم تكن العلاقة بين الوالي الجديد وعشائر الفرات الأوسط حسنة، كما أنّ علاقته بسنجق الحِلَّة لم تكن أيضًا على تلك المودّة والاهتمام عمَّا كانت عليه أيام حسن باشا والأسباب في ذلك كثيرة يرجع أحدها إلى محاولة الحاج يوسف بيك التنصّل عن التزاماته تجاه السلطات العثمانيّة في بغداد خصوصًا مع كثرة ذهاب القوّات العثمانيَّة إلى الحِلّة وإيّابها مِنها فضلًا عن ذلك فإنّ يوسف بيك استطاع أن يؤسّس له قاعدة جماهيريّة واسعة داخل الحِلَّة ومحيطها مِن القبائل والعشائر لتساعده على الوقوف بوجه السلطات العثمانيَّة في بغداد؛ إذ حاولت استبداله بشخص آخر يحلّ مكانه، وهذا يعود لأسباب عدّة أهمّها اعتماد أحمد باشا على المماليك في الإدارة والحكم في مختلف السناجق ".

وذكر السيِّد عبد الرزاق الحسنيّ في كتابه (العراق قديمًا وحديثًا) ," تجسَّدت أوّل بوادر التذمّر العشائريّ في منطقة الفرات الأوسط بتكتّل عشائر شمّر وبني لام و آل ساعدة وتحالفهم في مدينة الكفل عام (1725م). للاستقلال في تلك المنطقة وفرض السيطرة على مواردها الاقتصاديّة المتمثّلة بالزراعة وضرائب المرور المفروضة على القوافل التجاريّة في البادية الغربيّة وتعد تلك الموارد مصدرًا مهمًّا لخزينة بغداد، وهناك مَن يشير الى الدور الذي قام به أمير الحِلَّة يوسف بيك وتشجيعه لتلك العشائر على التمرّد مُستغلًّا ظروف الدولة العثمانيّة التي كانت تخوض حروبًا طويلة مع الفرس وأوربا واندفاع الجيش العثمانيّ إلى همدان بقيادة والي بغداد أحمد باشا.

وطلبت السلطات العثمانيّة في اسطنبول من أحمد باشا العودة السريعة إلى بغداد وأن يستعدَّ لتجهيز حملة عسكريّة لينطلق بها نحو مدينة الحِلَّة للقضاء على ذلك التمرّد على حدّ تعبير العثمانيّين وفي (4 أيار عام 1726م)، حصل صِدامٌ بين الطرفين فانتهى لصالح العثمانيّين لتسلّحهم بالمدافع الثقيلة بواقعة ذي الكفل.

حاول أحمد باشا بعد ذلك الإيقاع بأمير الحِلَّة يوسف بيك وعزله متّهمًا إيّاه بالتخاذل ومساعدة العشائر وعدم إيفائه بما على سنجق الحِلَّة مِن ضرائب أميريّة مستحقّة لإيالة بغداد إلّا أنّ الصراع العثمانيّ الأفغانيّ أجّل النظر في الموضوع ممَّا أجبر أحمد باشا على إلغاء تلك المحاولة خاصة بعد تحقيق الأفغان نصرًا عسكريًا عليه في صحراء انجدان بالقرب من أصفهان ".

وقد ذكر محمَّد حسين قدوسي في كتابه (نادر نامه، خراسان)، " تعرّضت مدينة الحِلّة عام (1733م)، إلى هجوم قوات نادر شاه، وهو من قبيلة تركمانيّة وكان والده راعيًا أو جمّالًا تزوّج من ابنة زعيم قبيلته فذاع صيته ثم ورث الزعامة من صهره، وألّف تحالفًا قويًا من القبائل استطاع به مقاومة ملك محمود حاكم مشهد وحينذاك أرسل اليه الشاه (طهماسب ميرزا) يطلب عونه وسرعان ما ترقّى في المناصب العليا ومُنح لقب (طهماسب قلي) أي (عبد طهماسب)، وشرع باستعادة أملاك الصفويّين الضائعة وبدأ حربًا ضدّ الأفغان حتَّى استولى على (هراة) ثم (أصفهان) ولُقّب بـ (شاه) عام (1736م). وأرسل قسمًا من قوّاته التي كانت تحاصر بغداد للاستيلاء عليها، وعلى بقيّة مدن الفرات الأوسط في محاولة منه لقطع الطريق على القوافل المحمّلة بالحبوب والأغذية، المتجهة نحو بغداد فاستولت تلك القوات على الحِلّة وتشكَّلت سلطة فارسيّة مؤقّتة لإدارتها وكان على رأسها المدعو (رضا قلي خان شاملو) وهو أحد المقرّبين من نادر شاه أرسله نادر شاه عام (1730م). إلى اسطنبول للتفاوض حول استرداد الأقاليم الفارسيَّة التي سيطر عليها العثمانيّون ونجح في ذلك نجاحًا باهرًا ".

وذكر كامل باشا محمَّد في كتابه (تاريخ سياسيّ دولت علية عثمانيّة، ج2، استانبول، 1327هـ)، " وحينها كانت حامية الحِلَّة العثمانيَّة قليلة العدد غير قادرة على الدفاع عن المدينة ممّا اضطرها للهرب إلى الموصل عبر واحة شثاثة؛ إذ إنَّ بغداد كانت تحت الحصار المفروض عليها من قبل الفرس، وإنّ المصادر التاريخيَّة لا تذكر خبرًا عن بقاء يوسف بيك في الحِلَّة أو مغادرتها ويرجّح أن يكون قد غادرها مع الحامية العثمانيَّة إلى الموصل.

وعاود (نادر شاه) هجومه على بغداد مرّة أخرى فبعث أيضًا قوّةً من جيشه لاحتلال الحِلَّة وبقيّة مدن الفرات الأوسط وتلك القوّة بقيادة (بابا خان جايشلو) الذي عمل على قطع طرق الإمداد والغذاء نحو بغداد علمًا أنَّ الحملة الأولى لنادر شاه على بغداد قد فشلت ممَّا أدّى إلى انسحاب الفرس من الحِلَّة في حينها ورجعت القوّة العثمانيّة إليها.

شهدت الحِلَّة خلال السنوات التي تلت عقد معاهدة الصلح بين العثمانييّن ونادر شاه عام (1739م) هدوءً نسبيًا استمر إلى عام (1743م) مع ملاحظة قلّة الاضطرابات العشائريَّة باستثناء حادثتين الأولى عام (1738م) عندما امتدّ نفوذ الشيخ سعدون بن محمد شيخ المنتفق إليها وانضمام العديد من العشائر إليه.

وتذْكُر المصادر التاريخيّة أنَّ الشيخ سعدون خرج عن السلطة العثمانيَّة؛ لتنامي قوّته ومحاولته الاستقلال عن والي بغداد خاصّة بعد أن لقّب نفسه بسلطان العرب في حين إنّ الوضع في بغداد كان مستقرًا وكان العداء بين الشيخ سعدون والعثمانييّن قد بلغ أوْجَه بعد أن قام أحمد باشا ببذر الخلاف بين سعدون وأبناء عمومته في المنتفق وقيام السلطات بفرض الضرائب التي ساعدت على زيادة التذمر بين الفلّاحين.

أمّا الحادثة الثانية فقد حصلت عام 1741م عندما عاثت جماعات متفرّقة من قطّاع الطرق الذين لا ينتمون إلى العشائر في الجانب الغربيّ من الحِلَّة فكثرت الاضطرابات وعطّلت الأعمال والأسفار فجهّز (أحمد باشا) لهم قوّة عسكريّة بقيادة (كتخداه سليمان باشا) ويبدو أنَّ العثمانيّين في هكذا حالات يعمدون إلى الفتك والقتل العشوائي من أجل إرهاب السكان.

وجاء في كتاب (الأسر الحاكمة) للدكتور عماد عبد السلام رؤوف، " عام (1743م) عاد نادر شاه لمحاصرة بغداد للمرّة الثالثة إذ أرسل قوّاته في ثلاثة محاور لاحتلال مدن البصرة والموصل وبغداد وفي أثناء حصاره لبغداد أرسل قِسمًا من قوّاته إلى الحِلَّة لاحتلالها وتمّ ذلك وتألّفت حكومة فارسيّة بقيت في الحِلَّة لسنتين.

عقدت بعدها معاهدة كردن في أيلول عام (1749م)، بين نادر شاه والعثمانييّن وأُعيدت إلى الحِلَّة حكومتها السابقة، ولكن يرأسها الأمير عبد الجليل بك (1745-1748م) خلفًا لجدّه يوسف بك.

أظهرت الأحداث التي تلت خروج (نادر شاه) من الحِلَّة عمّق الخلافات بين السلطة العثمانيّة والعشائر الحِلِّيَّة فضلًا عن النزاعات بين العشائر نفسه،, فعمدت السلطات العثمانيّة إلى استمالة شيخ زبيد (غصيبة) بحجّة الهجوم على عشيرة شمّر وعند دخوله الحِلَّة مع أكابر قومه ألقت السلطات العثمانيّة القبض عليه داخل الحِلَّة وقامت بصلبه مع مجموعة من عشيرته عند رأس جسر الحِلَّة.

وجاء في كتاب (دوحة الوزراء في تاريخ وقائع بغداد الزوراء)، ترجمة موسى كاظم نورس، " بعد اغتيال نادر شاه بأربعة أشهر توفّي أحمد باشا في عام 1747م. لتخضع الحِلَّة بعدها إلى سلطة جديدة وهي سلطة المماليك ".

 

 


اعلام مركز تراث الحلة


اتصل بنا
يمكنكم الاتصال بنا عن طريق الاتصال على هواتف القسم
+964     7602326873
+964     7721457394
أو عن طريق ارسال رسالة عبر البريد الالكتروني
media@mk.iq
info@mk.iq

تطبيق المعارف الاسلامية والانسانية :
يمكنكم ارسال رساله عن طريق ملء النموذج التالي :
اتصل بنا

او مواقع التواصل الاجتماعي التالية :