مركز تراث الحلة
مدينة ســورا الاثرية
التاريخ : 13 / 6 / 2016        عدد المشاهدات : 5163

ســورا...

          مدينة أهملها التاريخ
كثيرةٌ هي الأماكن المندثرة في مدينة الحلة الفيحاء، وكثيراً ما يصادفنا عند قراءتنا لكتب التاريخ، تسمية لمكان أو مَعْلم لا أثر له في وقتنا الحاضر، فبعض هذه الأماكن المذكورة في بطون الكتب، أزيلت ولا أثر لها، وبعضها الآخر أُهمل على مرِّ الزمان، ولم نجد لها ذِكراً في أسفار التاريخ، وقد تشابكت الآراء في صحة وجودها من عدمه، ومدينة (سورا) واحدة من تلك الأماكن المندثرة التي أُهملت على مرِّ السنين.

ســورا في العهد العثماني

سورا: كلمة عبرية، وتعني الأرض المنخفضة، وهي موضع في العراق من أرض بابل، قريباً من مدينة بابل الأثرية، سكنها المزيديون قبل تمصير الحلة، وكانت مدينة للسريانيين، تتخلَّلها مجموعة أنهار، أهمها النهر المسمَّى باسمها (سورا)، وقيل له (سوراء)، وهو نهر كثير الماء، هو أكبر الأنهار التي تأخذ مياهها من نهر الفرات، ومجراه ما بين الكفل وبين قرية القاسم (عليه السلام). يتفرَّع هذا النهر من الفرات إلى فرعين، يكون اتجاه الأول قليلاً نحو جهة الغرب، ويسمَّى هذا الفرع بـ(العلقمي)، وهو يمر بالكوفة وغيرها، ويسمَّى الفرع الآخر (سورا)، وهو يمرُّ بمدينة سورا إلى النيل والطفوف، وينتهي كل ذلك إلى بطيحة البصرة وواسط، ويوجد فوق هذا النهر جسر يُعرف بجسر سورا، وهو الجسر الذي أكسب مدينة سورا أهمية في تاريخ العراق، إذ يُعدُّ هذا الجسر الطريق بين الكوفة والمدائن وبغداد، كما كان معبراً للجيوش الإسلامية أيام الفتوحات الإسلامية.

وصف الإدريسي سورا:" بانها مدينة حسنة متوسطة القدر، لها سور وأسواق، وفيها عمارة جيدة، وبساتين نخيل وأشجار وفواكه كثيرة، ومنها يمر نهر الفرات إلى سائر مناطق العراق الأخرى"، ووصفها ابن حوقل بقوله: "هي مدينة مقصودة"، أي إنها واقعة على طريق المسافرين والتجارة، ولهذا يقصدها الناس، وفيها نهر ينسب إليها يُسمَّى (نهر سورا)، وهو أكبر أنهار الفرات، يرجع حفره إلى زمن ملوك الطوائف, إذ إنَّ مُلك الأردوان، وهم النبط، كان في السَّواد قبل مُلك فارس، ودام مُلكهم ألف سنة، وإنَّما سمُّوا نبطاً، لأنَّهم أنبطوا الأرض، وحفروا الأنهار العظام، ومنها الصراة العظمى، ونهر أبا، ونهر سورا، ونهر الملك.

إنَّ وجود النهر في سورا جعلها مدينة ذات اهمية اقتصادية كبيرة، حيث الأسواق والعمارة، وكثرة الأشجار وبساتين الفواكه، وكانت فاكهة الرمّان فيها من أجود أنواع الفاكهة، حتى إنَّ الامام الصادق (عليه السلام) مدح هذه الفاكهة في (مكارم الأخلاق) بقوله: (لو أنِّي عندكم، لأتيت الفرات كل يوم فاغتسلت، وأكلت من رمّان سوراء في كل يوم رمَّانة).

وكانت هذه المدينة تُشكِّل مع مدينة النيل القريبة منها مركز الإمارة المزيدية، قبل تمصير الحلة، وتُعدُّ من المدن المهمة التي سكنها اليهود في العهد الفارسي، ويُذكر أنَّ سكانها فيهم أكثرية يهودية، فقد كانت مقراً لرأس الجالوت (الرئيس الأكبر للطائفة اليهودية)، قبل انتقال المقر إلى بغداد، ومدينة سورا تُعدُّ واحدة من المراكز الادارية الرئيسة والمهمة المرتبطة بالحلة، وقد انشأت فيها مدرسة دينية يهودية سنة (219هـ)، بقيت مزدهرة زهاء تسعة قرون حتى أغلقت في خلافة القادر بالله العباسي، وقد ذكرها عبيد الله بن الحر بقوله:

ويوما بسوراء التي عند بابل      أتاني أخو عجل بذي لجب مجر

جانب من شط الحلة

وذكر المؤرخون بأن سورا مدينة تحت الحلة وفيها نهر يُنسب إليها، وهي قريبة من نهر الفرات، كما أن بعض المؤرخين لم يذكروا موقعها على فم النيل، واختلف آخرون في موقعها، ولكن المصادر تذكر أنها تقع تحت الحلة، أي إلى الجنوب منها، بينما أكد آخرون أنها تقع قرب مرقد الإمام القاسم بن الإمام موسى الكاظم (عليهما السلام)، مما يُبيِّن لنا أن إقليم مدينة سورا يمتد من شرق الكفل إلى شرق مدينة القاسم (عليه السلام).

وفي العصر البويهي، عندما اضطربت احوال العراق وبدأ نشاط المزيديين، طلب الوزير ابو محمد المهلبي وزير معز الدولة البويهي من زعيم الأسديين مزيد بن الديان الأسدي حماية منطقة سوراء وسوادها بين سنتي (345 و352هـ)، وبقي فيها حتى وفاته قبل نشوء الإمارة المزيدية.

وذكر أحمد سوسة سورا قائلا: "مدينة بابلية قديمة، كانت تقع بجوار الحلة على صدر شط النيل المتفرع من الفرات الذي كان يعرف قديما بنهر سوران، كانت مركزاً من المراكز الرئيسة المهمة".

آثار ســورا إلى عهد قريب

وتُشير أغلب الروايات التاريخية إلى أنَّ مرقد الإمام القاسم (عليه السلام) في أرض سورا المعروفة الآن بأرض نهر الجربوعية من أعمال الحلَّة السيفية، وأن سورا هي أرض واسعة، وهي أقدم من تلك المسمَّيات (الهاشميَّات، وشوشى، ونهر الجربوعية، وغيرها).

لقد كانت سورا حاضرة علمية، أنجبت العديد من العلماء والمحدّثين، منهم من ولِد فيها ونُسب إليها، واختلفوا في صيغة النسبة إليها بين (السّوراني، والسّوراوي، والسّيوري)، ومنهم من اتَّخذها وطناً له، ومنهم من قصدها لينهل من علم رجالها، ومنهم الكُليْني (ت 329هـ). ويُنسب إلى سورا من أهل العلم الفاضل الشيخ مقداد بن عبد الله السيوري الحلي الأسدي (ت 826هـ) صاحب (كنز العرفان)، وإبراهيم بن نصر السّورانى من أهل سورا، والحسين بن على بن جود السّورانى الحربي، كانت داره عند سورا، فقيل له السّورانى، والشيخ علي بن يحيى بن علي الخياط السّوراوي، وأبو منصور السّيوري أديب وله شعر جيد، وغيرهم الكثير ممَّن ينتمي إليها.

إنّ آثار سورا ومعالمها ماتزال موجودة إلى الآن، بالقرب من مركز قضاء الهاشمية، ويسميها أهل تلك النواحي باللهجة الدارجة (سورة) أما معالم نهرها فماتزال ماثلة للعيان في الجانب الغربي من فرات الحلة، ويُشاهد على كتف ذلك النهر المندرس مراقد آل الحسن (عليهم السلام).


مركز تراث الحلة


اتصل بنا
يمكنكم الاتصال بنا عن طريق الاتصال على هواتف القسم
+964     7602326873
+964     7721457394
أو عن طريق ارسال رسالة عبر البريد الالكتروني
media@mk.iq
info@mk.iq

تطبيق المعارف الاسلامية والانسانية :
يمكنكم ارسال رساله عن طريق ملء النموذج التالي :
اتصل بنا

او مواقع التواصل الاجتماعي التالية :