مركز تراث الحلة
  علي جواد الطاهر
التاريخ : 17 / 5 / 2020        عدد المشاهدات : 2863

         في رحاب الكلمة الصادقة، وعشق المعرفة، وحبِّ العلم، وسيرة عطرة، كان الأستاذ والمفكر والأديب والناقد الهادف الدكتور الطاهر، الذي جمع بين الأصالة والمعاصرة فـي الفكـر والثقافة والمجتمع، والــدرس الأكاديمي، فاحتلَّ مكانةً سامقةً في المدرسة النقديَّة العراقيَّة.

        علي بن جـواد بن علي بن طاهـر بن حميد بن شهيب بن شبيب مـن عشيرة الأكرع، ولد عام (1919م)، في (عـگد المفتي)، في محلة جبران، وكان أبوه من وجهاء الحِلَّة، وحين بلغ السادسة مِن عمره اصطحبه أبوه إلى الشيخ علي، في المسجد، ليعلمه القرآن، وما تيسر من الكتابة والحساب، ثم دخل عام (1929م) المدرسة الابتدائية (الشرقيَّة)، وظهرت هوايته لقراءة الشعر، وكان للطاهر قبل أن تنتهي السنة الدراسيَّة عام (1935م) دفتر صغير سجل فيه ما التقطه من أشعار وحكم وصور، وعلَّمه الإنشاء الشيخ رزوقي (عبد الرزاق السعيد)، ودخل (متوسطة الحِلَّة)، ودرَّسه الإنشاء المعلم أحمد توفيق الحِلِّيّ، وصار عليٌّ قيّما على المكتبة؛ إذ كان توجهه الأدبيّ واضحًا وطوعيًا، ثم بدأت دراسته الثانويَّة عام (1937- 1938م)، ودخل دورة تأهيلية للتعليم، وعُيّن معلمًا مؤقتًا في الناصريَّة، ولكنَّه قرَّر بعد إلغاء تعيينه أن يستأنف دراسته الأدبيَّة، بعد انقطاعه عنها في الثانوية، فدخل دار المعلمين العالية، فأمضى فيها أربع سنوات (1941- 1945م)، وتتلمذ على ثلاثة أساتذة أجلّاء (البصير، والراوي، ومصطفى جواد).

         بدأت نشأته الأدبيَّة في الأربعينيات، ومال إلى النقد الأدبيّ فقرأ ما تيسر له، وزاوله في نطاق شفهي محدود، ويذكر الدكتور قيس حمزة الخفاجيّ أنَّه عند بدء العام الدراسي (1945- 1946م) صدر الأمر بتعيين الطاهر مُدرساً للغة العربيَّة، والتاريخ الإسلامي، في (متوسطة الحِلَّة)، وأصدر في المتوسطة نشرة جدارية باسم (الفجر)، وقد نشر- في مدة تدريسه الثانوي- في مجلة (البطحاء) التي صدرت في (الناصرية) شعرًا ومقالات، ثم نشر في مجلة (الرابطة) في بغداد، وفي جريدة (الفرات) التي صدرت في (الحِلَّة)، ثم سافر إلى القاهرة، والتحق بجامعة فؤاد الأوَّل في شباط عام ( 1947م)، ثم ليقضي خمس سنوات ونصف في كلية الآداب (السوربون) (1948- 1954م) فكانت التكوين الثاني في شخصيتة الأدبيَّة، ووضع بعد ثورة تموز (1958م) أوَّل كتاب لمادة النقد الأدبيّ للمدارس الثانويَّة، بوصفه عضوًا في لجنة تأليف الكتاب، وشهد عام (1959م) وجود منافذ جديدة أفاد منها الطاهر في التطبيق، منها تعيينه في كلية الآداب ببغداد، وشغله منصب سكرتير مجلة كلية الآداب، وحصل الطاهر في تلك المدة على لقب أستاذ مساعد، ثم غادر العراق عام (1963م) بعد صدور قرار العزل من الجامعة، في الشهر الثالث من العام نفسه، لظروف معينة، وفي عام (1967م) صدر له كتاب (في القصص العراقيّ المعاصر- نقد ومختارات)، وعاد إلى جامعة بغداد عام (1968م)، وحاضر في الجامعة المستنصريَّة، وفي عام (1972م) عقد مؤتمر المستشرقين في باريس وشارك الطاهر فيه مدعوّا، وأحيل على التقاعد في عام (1981م)، وأعيد تعيينه سنة (1992م)، في قسم الدراسات العليا، في جامعة الكوفة، ثم انتقل إلى الجامعة المستنصريَّة / الدراسات العليا)، وشهد عام (1990م) نتاجًا حافلًا للطاهر؛ إذ أصدر فيه أربعة كتب مهمة، أحدها هو كتاب(الباب الضيق) عن دار المعرفة في بغداد.

        إنَّ المشروع النهضوي الثقافيّ الذي رسمه الطاهر لنفسه وللآخرين، قد حدَّد الممارسة النقديَّة لديه؛ لأنَّه يعدَّه المنبر، والمُحرك الفاعِل له في تحركاته الفكريَّة الزمانيَّة والمكانيَّة، وكان يعطي اهتمامًا واســعًا لطلبته في التدريس الجامعيّ، بتواضع مميز، وهدوء واضح، وخلق نبيل، وشــخصية قـوية، وهو يقول:"ليس كلّ مَن جلس على كرسي التدريس كان ــ أو صارــ  أستاذًا، الأستاذ: علم وأدب وسلوك وشخصية"، وقد وصف حبّه للكتاب بالهواء الذي يتنفسه فيقول: " إذا أبعدتني عن الكتاب أو أبعدت الكتاب عني، فلن أتنفس"، ولذا امتلك معرفة واسعة، وذخيرة لغوية كبيرة، وحكم اســتخدام الكلمة الصادقة التي ترسـخ في ذاكـرة الأجيال، حتَّى لتجـده يكتـب عـن التراث، وكأنَّه يعيـش أحـداثه التاريخيَّة، وأجواءه  التكوينيَّة، ثـم يكتب عــن المعاصـرة بروح العصر ذاته.

        لقب بألقاب كثيرة منها: (مُدرس الأجيال، وعميد الأدب العراقيّ، وشيخ النقاد، وشيخ مشايخ النقد) لمكانته العلميَّة، وتراثه الأدبيّ الضخم، الذي أثرى به المكتبة العربيَّة، وشــغل مكانًا مهمًا فيهـا، ونظراته الصائبـة، التي ترتكــز على منهج نقـدي، يعتمد الأسـس العلميَّة، والـدقة الواسـعة، والــرؤية الواضحة لطبيعـة الإبــداع الفكريّ.

         أمَّا فـي الصحافة الأدبيـَّـة، فكان علمًا مـن أعـلامها البارزيـن، ومـن محبـّي المقالة والمبدعين فيها فيقول : "أنا من محبي فن المقالة، وإن شئت المقالة الفنية، وقـد أرتفع بقدرها كثيرًا، وأراها من الأنواع الأدبيَّة الجديرة بالعناية والتقدير".

         إنَّ أهم ما كان يسعى إليه الناقد الطاهر هو الإبداع الأصيل، والموقف الإنسانيّ، وإذا كان الطاهر قد قرأ لنقاد عرب وأجانب إلَّا أنَّه كان يسم مقالته الأدبيَّة ونقده المقالي بميسمه، وقد حقَّق في كلِّ كتاباته الكثير، سواء في طريقة الأداء، أو في إدارة الفكرة، أو في براعة الصياغة، وطراوة اللغة، التي تجمع الطرافة إلى رصد الحاضر الأدبيّ ـ الثقافيّ والإهتمام بالغد، وفي مقالات الطاهر تتداخل الأفكار بالمضامين، في قالبٍ من الصياغة محكم النسيج يصعب فيه الفصل بينهما. 

         له كثيرٌ من المؤلَّفات مِنها: (الشعر العربيّ في العراق وبلاد العجم في العصر السلجوقيّ)، و(الابن وسبع قصص أخرى)، مختارة ومترجمة عن الفرنسيَّة، و(لامية الطغرائيّ، تحقيق، تحليل، مناقشة)، و(مقالات في النقد الأدبيّ... والتربية)، و(في القصص العراقيّ المعاصر، نقد ومختارات)، و(تدريس اللغة العربيَّة في المدارس المتوسطة والثانويَّة)، و(محمود أحمد السيِّد رائد القصة الحديثة في العراق)، و(ملاحظات على الموسوعة العربيَّة الميسرة)، و(منهج البحث الأدبيّ)، و(ديوان الخريميّ)؛ جمع وتحقيق، بالإشتراك مع محمَّد جبار المعيبد، و(ديوان الجواهريّ)؛ جمع وتحقيق، بالإشتراك مع الدكتور إبراهيم السامرائيّ، والدكتور مهدي المخزوميّ، ورشيد بكتاش، و(ديوان الطغرائيّ)، تحقيق؛ بالإشتراك مع الدكتور يحيى الجبوريّ، و(ملاحظات على وفيات الأعيان)، و(وراء الأفق الأدبيّ)، مقالات، و(الأعمال القصصيَّة الكاملة لمحمود أحمد السيِّد)، وغيرها من المؤلَّفات والمقالات.

 إنَّ مؤلَّفات علي جواد الطاهر تنقل لقُرائها شغفًا صادقًا بالتجويد في العبارة، والفكرة، والبناء، وإخلاصًا كليًا لروح العلم، وموضوعية البحث النقديّ.

 رحل الطاهر يوم الأربعاء (9/10/1996م) في بغداد أثر مرض عضال، ودُفن في مسجد براثا في محلة العطيفية ببغداد، ولكنَّه بقي في الساحة الأدبيَّة العـراقيَّة والعربيَّة والعالمية، روحًا شامخة في تراث ضخـم، وموســوعة معرفية، فكان لـه الـدور الــرياديّ، علمًا مـن أعـلام الأدب العــربيّ.


اعلام مركز تراث الحلة


اتصل بنا
يمكنكم الاتصال بنا عن طريق الاتصال على هواتف القسم
+964     7602326873
+964     7721457394
أو عن طريق ارسال رسالة عبر البريد الالكتروني
media@mk.iq
info@mk.iq

تطبيق المعارف الاسلامية والانسانية :
يمكنكم ارسال رساله عن طريق ملء النموذج التالي :
اتصل بنا

او مواقع التواصل الاجتماعي التالية :