مِن حواريي أمير المؤمنين (عليه السلام) وحامل علومه ومودع أسراره، وأحد النُسّاك والعبّاد المُقدَّمين، ومن سادات التابعين، ومِن الثلَّةِ المجاهدة المخلصة، وصفوة العلماء - أمثال ميثم التمَّار، وحبيب بن مظاهر الأسديّ، وأُويس القَرْنيّ، وحبَّة بن جوين البجليّ، وصعصعة وزيد ابنَي صوحان العبديّ، وكُميل بن زياد النخعيّ - التي لاقت ضروب التشريد والتعذيب والقتل من قبل الفئة الضالة الباغية.

 رشيد الهَجَريّ مِن خواص أصحاب أمير المؤمنين (عليه السَّلام)، وقد علَّمه الإمام (عليه السّلام) علم (المنايا والبلايا)، فكانوا يلقبونه (رُشيد البلايا).

 فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنَّه قال لرُشيد: إنّي هويتك إنّي ُمحدثك حديثًا فخذْه مني على خلوةٍ فقال: يا أمير المؤمنين إنّي رجٌل نَسي فقال (عليه السلام): إنّي سوف أعيده عليك حتَّى تحفظه (احببْ حبيب آل محمَّد ما أحبّهم، فإذا أبغضهم أبغضه، وابغضْ مُبغض آل محمَّد ما أبغضهم فإذا أحبَّهم فأحبّه وأنا أبشرك بالبشرى) قالها ثلاث مرات.

لُقِّب بالهَجَريِّ نسبةً إلى هجر التي ينتسب إليها، ونسبه الشيخ الطوسيّ في رجالِه إلى هجر وهي بلدة في أقصى اليمن، كما أيده السمعانيّ في أنسابه إذ قال: الهَجَريُّ بفتح الهاء والجيم هذه النسبة إلى هَجَر بلدة في اليمن معروفة يُنسب إليها الكثير ومنهم رُشيد (رضوان الله عليه).

    لم يذكر التاريخُ إلَّا اللمم  عن حياة ُرشيد الهَجَريّ (رضي الله عنه) سوى ما ذكرته الأخبار عن ابنته (قنواء)التي تذكر في حديثها معه عندما قطعت يداه ورجلاه، أمَّا الأبناء فلم يذكر لهم عقب، وإنَّما يُكنى بأبي عبد الله كنَّاه بذلك رسول الله(صلَّى الله عليه آاله) كما في (أسد الغابة)، وقد عدَّه الرجاليُّون من حواريي أمير المؤمنين علي(عليه السلام)، وقد سارَ على النهج السوي للإمام الحسن(عليه السلام) ماسكًا بحبلِ الله متمسكًا بالعروةِ الوثقى، وبعد استشهاد الإمام الحسن (عليه السلام) التحق رُشيد بخدمة أبي عبد الله الحسين(عليه السلام) فكان بوَّابه الخاص كما جاء في(دلائل الطبريّ)،  ويذكر المؤرخون أنَّ عبيد الله بن زياد عندما شعر ببوادر ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) أخذ بتصفية الموالين والمُحبين لأهل البيت (عليهم السلام)، فكان السجن والتنكيل والتعذيب والقتل السمة البارزة لسياسة الطاغية، فامتلأت سجون الدولة الأمويَّة آنذاك بكلِّ مَن كان من شيعة الإمام الحسين (عليه السلام)بهدف عزل الثورة الحسينيَّة عن كلِّ مَن أراد الالتحاق بها.

 كان رُشيد الهَجَريّ (رضوان الله عليه) من أولياء الله، ومن الأبدال، ومن المجاهدين في ذات الله،  وبسبب ولائه وحبّه لأهل البيت (عليهم السلام)كان على قائمة المطلوبين إلى الدولة الأمويَّة، فعن قنواء بنت رُشيد الهَجَريّ قال أبو حيان البجليّ:  قلتُ لها: أخبريني ما سمعتي من أبيك قالت: سمعتُ أبي يقول: أخبرني أمير المؤمنين (عليه السلام): يا رُشيد كيف صبرك إذا أرسل إليك دعي بني أمية فقطع يديك ورجليك ولسانك قلتُ: يا أمير المؤمنين وآخر ذلك إلى الجنة، فقال يا رُشيد أنتَ معي في الدنيا والآخرة قالت: فوالله ما ذهبت الأيام حتَّى أرسل إليه الدعي عبيد الله بن زياد فدعاه إلى البراءة من أمير المؤمنين (عليه السلام) فأبى أن يتبرأ منه فقال له الدعي: فبأيِّ ميتةٍ قال صاحبك تموت، فقال له: أخبرني خليلي إنَّك تدعوني إلى البراءة فلا أبرأ منه فتقطع يدي ورجلي ولساني فقال واللهِ لَأكذبنَّ قوله، قال فقدموه فقطعوا يديه ورجليه وتركوا لسانه فحملت أطراف يديه ورجليه فقلتُ: يا أبت هل تجد ألمًا لما أصابك ؟ فقال: لا يا بنية إلَّا كالزحام بين الناس، فلمّا حملناه وأخرجناه من القصر اجتمع الناس من حوله فقال: ائتوني بصحيفةٍ ودواةٍ أكتب لكم ما يكون إلى يوم الساعة،  فأرسلَ إليه الحجَّام فقطع لسانه، فماتَ رحمه الله مِن ليلته وبذلك توسَّم الشهادةَ التي قلَّدها إياه صاحبه ومولاه أمير المؤمنين(عليه السلام) على يد ألعن خلق الله عُبيد الله بن زياد، إلَّا أنَّ الروايات لم تذكر لنا تاريخ استشهاده، ولكن جرت العادة أن يكون الاحتفاء باستشهاد الصحابي الجليل(رضوان الله عليه) في السابع من صفر مِن كلِّ عامٍ مع ذكرى استشهاد الإمام الحسن(عليه السلام)، وذلك كرامة لمنزلة هذا الصحابي المظلوم .

   يذكر الشيخُ حرزُ الدين أنَّ مرقده الشريف بباب النخيلة ضمن حدود الكوفة قديمًا، ويقع شرقي مرقد نبي الله ذي الكفل (عليه السلام)، ويبدو أنَّ العمارة الأولى كانت في زمن حرز الدين إذ يقول: وقفنا على مرقده سنة (1308) هجرية وكان حجرة صغيرة عليها قبة بيضاء عتيقة مبنية بالجص والحجارة القديمة، أمَّا اليوم  حسب ما يذكر الدكتور عبد العظيم الجوذري، فينتصب قبره المبارك في منطقة الشهابيَّة التابعة لناحية الكفل، تتضمن الصحن الذي يضم حرمه المطهَّر، ويبلغ طوله متر ونصف وعرضه وارتفاعه متر واحد، عليه شباك من الخشب الساج  طوله ثلاثة امتار وعرضه متران ونصف، عليه زخرفة من الآيات القرآنيَّة، ويعلو الشباك تاجٌ من الخشب الساج تعلوه قبةٌ مكسوّة بالكاشي الكربلائيّ، ومزخرفة من الداخل، وبناء القبة مفتوح على مربع يحيط بالقبة طوله اثنى عشر مترًا وعرضه عشرة أمتار من الجهة الشرقية، ومِن الجهة الغربيَّة يوجد مصلَّى للرجال وآخر للنساء بالقياس نفسه طوله ستة أمتار وعرضه أربعة أمتار، فيها نافذتان من جهة الغرب عرضها متر وارتفاعها متران وفي الشمال الغربيّ توجد باب الدخول الرئيسة من الخشب الساج تتكون من قطعتين عرضها متر ونصف وارتفاعها متران ونصف ومن الشمال باب أخرى تطلُّ على طارمة طولها ثمانية عشر مترًا وعُرضها أربعة أمتار، وتوجد وسط كلَّ ضلعٍ من أضلاع الصحن باب عرضها ثلاثة أمتار وارتفاعها ثلاثة أمتار ونصف، أمَّا باب الدخول الرئيسي فهي مِن الخشب الساج تتكون من قطعتين عرضها ثلاثة أمتار وارتفاعها ثلاثة أمتار، فوقها قوسٌ مِن الخشب بارتفاع سبعين سنتمترا، ويعلوها بناءٌ بارتفاع أربعة أمتار.

لا يخلو المرقد من الزائرين الذين يتبركون به، وبكراماته الباهرة، التي تدلُّ على سمو منزلته، ورفعة مكانه فهو من الأتباع الخُلص لأهل البيت (عليهم السلام) الذين صدّقوا ما عاهدوا الله عليه فقضى نحبه شهيدًا مُحتسبًا، عليه وعلى مَن سار على نهجِه سلامُ اللهِ وبركاته.